تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحقل القانوني وسؤال البعد الإنساني -العقود الذكية نموذجا-

29 سبتمبر 2023
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحقل القانوني وسؤال البعد الإنساني -العقود الذكية نموذجا-

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحقل القانوني وسؤال البعد الإنساني

-العقود الذكية نموذجا-

الملخص:

لا تكاد تخلو “المنابر العلمية” القانونية في الآونة الأخيرة من حديث منبهر بالذكاء الاصطناعي، وكلام متوجس من تطبيقاته في الحقل القانوني. وبين غموض الذكاء الاصطناعي وعدم الإحاطة بجوهر تطبيقاته من جهة التصور ووظيفتها من حيث واقع الاستخدام، انساق الكثير من الباحثين وراء زيف ما يروجه المطورون والمبرمجون عن هذه الظاهرة المعاصرة، مستهلكين غير ناقدين. ونتيجة لذلك، ترتبت مجموعة من الأوصاف المتسرعة والأحكام غير الرصينة.

وفي هذا السياق، تهدف هذه الورقة البحثية، من خلال نموذج العقود الذكية، إلى فحص بعض الدعاوى والمزاعم الرائجة في موضوع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحقل القانوني، خصوصا الزعم الذي يدعي أن الزمن القادم ستنمحي فيه بصمة الجوانب الإنسانية في العلاقات القانونية بين الأفراد، لتترك مكانها لمنطق الآلة وحكمتها الراشدة.

Abstract:

 Recently, the topic of Artificial Intelligence has raised many sensitive legal questions with different answers. In fact, the ambiguity surrounding AI and ignorance of its applications in field of law have affected the perception of this contemporary phenomenon and led to some inaccurate judgments.

 In this context, my article aims through the smart contracts model to examine some of the popular claims regarding the application of AI in the legal field, especially the statement which claims that the human imprint, moral aspects, and ethics perspectives will be erased from legal relationships, leaving its place to the machine power and wisdom.

المقدمة:

يقدم الذكاء الاصطناعي نفسه للعالم باعتباره من حاجيات العصر الراهن وحتمية تقدمه، ويعلن عن وجوده للأفراد والمجتمعات باعتباره مالك زمام أمرهم ومستقبلهم، ومُرَشِّد علاقاتهم ومعاملاتهم، وذلك في سياق عام ومنظور إيديولوجي واسع يزعم فيه المطورون المبرمجون أن الزمن القادم هو زمن نهاية الحدود الإنسانية بأبعادها البيولوجية والأخلاقية التي سببت له الضعف والقصور والتخلف، فالزمن الموعود هو زمن التقدم المطلق عبر الأتمتة والروبوتات أو الإنسآلة.

ولم تقف مزاعم أرباب الذكاء الاصطناعي من مطوريه ومبرمجيه عند مستوى التنظير، بل احتجوا لها بابتكارات واقعية وتطبيقات رقمية عملية، قادرة في دعواهم على ترشيد مختلف المجالات الإنسانية الاقتصادية والاجتماعية التي يتفاعل فيها الناس مع بعضهم البعض بموجب علاقات تعاقدية، وارتباطات قانونية، بما يحقق أعلى مستويات الضبط والتنظيم والفعالية والتقدم.

ولعل من أهم هذه الابتكارات والتطبيقات العملية التي تبرز المعاني السابقة بشكل واضح، وتقدم نموذجا واقعيا لها في نفس الآن، ما اشتهر اليوم تحت مسمى العقود الذكية Smart Contracts التي تعتمد في تقنيات عملها، وتستند في آليات اشتغالها، على تكنولوجيا حديثة نسبيا تلقب بمصطلح البلوكتشين Blockchain، وهو المصطلح الذي ذاعت شهرته في أواخر العشرية الثانية وبداية العشرية الثالثة من هذا القرن.

وبحسب التعريفات التي وضعها أهل الاختصاص في المجال التكنولوجي المالي الذي ظهرت فيه فكرة العقود الذكية مع صاحبها نيك سابو Nick Szabo، وبرزت فيه تطبيقاتها الفعلية مع ظهور نوع خاص من البلوكتشين سمح بخروجها إلى الوجود يدعى ب”إيثيريوم Ethereum”،[1] فإن هذه العقود الذكية هي عبارة عن “برامج معلوماتية، تقوم بتسجيل وتنفيذ بنود العقد التي تم تحديدها بوضوح مسبقا، وذلك بشكل آلي وذاتي التنفيذ (أوتوماتيكي) حينما يصل أجل تنفيذها”[2]. ولا يخرج هذا التعريف تقريبا -وغيره من التعريفات الاصطلاحية التي يمكن الوقوف عليها في المجال التداولي المعلوماتي والتكنولوجي- عن التعريف الذي أفرده عالم الكمبيوتر ورجل القانون نيك سابو لعبارة العقد الذكي الموضوعة من قبله، وهو التعريف الذي ورد فيه ما لفظه: “العقد الذكي هو بروتوكول معاملة محوسب يقوم بتفيذ بنود العقد”[3].

وبناء على هذا التعريف الاصطلاحي للعقود الذكية المعرب عن حقيقتها الجوهرية، يتبين أن طبيعتها تختلف تماما عن طبيعة العقود “التقليدية” كما هي عند أهل التخصص القانوني، أي باعتبار العقد مصطلحا يقصد منه توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني.

كما أن البروتوكولات المحوسبة والبرامج المعلوماتية التي تقوم على أساسها العقود الذكية لا تتعلق إطلاقا بمرحلة إبرام التصرف القانوني، وإنما يأتي الاعتماد عليها في مرحلة تنفيذ عقد موجود وقائم مسبقا بين طرفيه، حيث يتم اللجوء إليها من أجل إنهاء العلاقة التعاقدية وانقضاء الالتزامات عبر الوفاء “الأتوماتيكي” أو ما يصطلح عليه بالتنفيذ الذاتي Self-Executing من خلال بروتوكول مشفر بصيغة: “إذا… إذن…/If…then…”[4]، وذلك دون الحاجة إلى أي تدخل إنساني، سواء أكان تدخلا من قبل المتعاقدين، أو كان تدخلا من قبل الوسيط أو الغير المؤتمن لإتمام المعاملة.

ولنا أن نتصور واقعيا بعض تطبيقات العقود الذكية منخلال مثال تنفيذ عقد كراء شقة بين مكري ومكتري، حيث يعمد الطرفان إلى إبرام عقدهما وفق أركانه القانونية اللازمة، سواء بطريقة “عادية” أو إليكترونية، ثم يقوم كل منهما بإفراغ مضمون هذا العقد في برمجية العقد الذكي داخل تكنولوجيا البلوكتشين، من أجل التنفيذ الذاتي والآلي لالتزاماتهما، فيشترط المكري في صيغة: إذا (If) حل أجل أداء أجرة الكراء في اليوم الأول من كل شهر، ولم يؤدي المكتري الأجرة المتفق عليها، (إذن Then) يتم إغلاق باب الشقة آليا في وجه المكتري، وينتهي العقد”. وتجدر الإشارة في سياق التقريب بهذا المثال أن لغة هذا الاشتراط بين المكري والمكتري يكون في صيغته الظاهرة بلغة رياضية خوارزمية مشفرة، يتم فك رموزها بينهما بتوفر كل منهما على مفتاح التشفير العام ومفتاح التشفير الخاص[5].

ومن الأمثلة أيضا التي يمكن أن تقرب وظيفة العقد الذكي مثال الحصول على مبلغ التأمين بمجرد تحقق شرط حصول الشيء المؤمن عليه، كحصول حادثة سير في عقد تأمين على الحوادث مثلا، حيث يتم سداد مبلغ التأمين مباشرة بشكل ذاتي وآلي دون الحاجة إلى وسيط أو إلى القيام بأي إجراءات معينة من قبل المؤمن له.

وما يمكن استنتاجه من المثالين الافتراضيين لعقد الكراء وعقد التأمين المنفذين ببرمجية العقد الذكي هو الغلو في مبدأ القوة الملزمة للعقد، وكذلك ما يمكن أن نطلق عليه “حتمية تنفيذ بنود العقد” التي يخرج من دائرتها النظرية أي احتمال لعدم تنفيذ الالتزام أو التأخر في تنفيذه كليا أو جزئيا (حالة المطل)، وبالتالي تنتفي في هذه الحالة أي احتمالية لقيام المسؤولية العقدية. كما أن “حتمية تنفيذ العقد” هذه يخرج من مجال اهتمامها أي أبعاد إنسانية وحدود بشرية تتعلق بنظرية الظروف الطارئة ومفاهيم الحادث الفجائي والقوة القاهرة أو حتى بمبادئ أخلاقية وقيمية تقصد إلى حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.

ولنأخذ في هذا السياق على سبيل المثال إلغاء برمجية العقد الذكي لمؤسسة مهلة/نظرة الميسرة الممنوحة للمدين التي نصت على بعض أحكامها وضوابطها الفقرة الثانية من الفصل 243 من قانون الالتزامات والعقود التي جاء فيها ما نصه: “ومع ذلك، يسوغ للقضاة، مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها”. فهذه المؤسسة القانونية التي تضرب بجذورها عميقا في الشريعة الإسلامية وفقهها المصلحي[6]، وتجد أصلها في قوله سبحانه: “وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” [سورة البقرة:280]، ليس لها أي اعتبار في البنية المادية والخلفية الرأسمالية للعقود الذكية.  

إن “حتمية” تنفيذ العقود، عبر اعتماد آليات البرمجة والبروتوكولات المعلوماتية التي تقوم على أساسها العقود الذكية، قد يضع المدين في وضع مرهق لا يراعي حالة إعساره. نعم، من الصحيح أن العقد يولد في الأصل لكي ينفذ، فالتنفيذ هو النتيجة الطبيعية لنشأة العقد، وهو المصلحة، لكن إجبار المدين على الوفاء في حالة إعساره مفسدة، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة. كما أن المبدأ في مثل هذه الحالات هو التيسير ورفع الحرج وإزالة الضرر طبقا للقاعدة الكلية الفقهية النبوية “لا ضرر ولا ضرار”، إضافة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: “يسروا ولا تعسروا”، وقد روي كذلك عنه حبه عليه السلام التخفيف واليسر على الناس.[7]

والحاصل من هذا الكلام كله أن القيم الدينية الأخلاقية والإنسانية، المقدر عمرها بآلاف السنين وعشرات القرون، والتي تم تدوينها في نصوص تشريعية حديثة، يراد لها اليوم أن تصبح في مهب الريح، تاركة مكانها لإديولوجية رأسمالية، وفلسفة مادية، تستبطنها تكنولوجيا حديثة لا يتعدى عمرها الجيل أو الجيلين. والحقيقة أن من ينظر إلى برمجيات العقود الذكية، وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجالات القانونية، باعتبارها مجرد أدوات وآليات محايدة، فهو بلا شك ينظر إليها نظرة سطحية قاصرة لا تنفذ إلى جوهر الأمور.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة، هو سؤال مصير البعد الإنساني في ظل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، وعلى رأسها العقود الذكية. فهل ستقضي فعلا هذه “العقود” على مؤسسات قانونية ذات مبادئ قيمية وأخلاقية عريقة؟ أم أن هذا الطموح المادي الرأسمالي الذي يغلب مصلحة الطرف القوي في العلاقة التعاقدية سيصطدم بواقع يجابهه؟

ليس من المنطق الإجابة عن مثل هذه الأسئلة المركبة بنعم أو لا، وليس من السليم تقديم الإجابة مباشرة اعتمادا على منظور واحد، بل لا بد من تركيب الصورة الكاملة للإجابة عبر مختلف مكوناتها الواقعية والفكرية والقانونية. وأول شيء يجب ذكره في هذا السياق باعتباره ملاحظة جوهرية هو أن الطموح الذي يقف وراء العقود الذكية لا زال بعيدا عن الواقع الذي يعيشه السواد الأعظم من الناس، حيث إن تطبيق العقود الذكية في مثال تنفيذ عقد الكراء الذي سبق تفصيله أعلاه سيصطدم لا محالة بواقع عمراني وعقاري لن يسمح بخروجه إلى الوجود، فكيف سيتم اعتماد العقود الذكية في عقارات وأبنية سكنية أبوابها من خشب مهترئ ومغاليقها من حديد صدئ؟ وحتى لو سلمنا جدلا بإمكانية تحقق ذلك بشكل أو بآخر، وعلما بأن هذه الأكرية المعتمدة على العقود الذكية لا تتم في عالم افتراضي مواز وإنما في عالم مادي حقيقي، هل سيقبل القضاة في حالة المنازعات بغض الطرف عن الحماية القانونية المقررة للطرف المكتري من خلال قواعد تشريعية صارمة؟

ربما يتحقق اعتماد العقود الذكية في مجال كراء العقارات في مشاريع المدن الذكية في دول قطعت شوطا طويلا في هذا الخصوص، وسيكون حينها المكري والمكتري على قدم المساواة من ناحية القوة الاقتصادية، فكراء هذه العقارات السكنية في مثل تلك المدن يتطلب أموالا طائلة يفترض في المكتري أنه يملكها. وبالتالي، لن تطرح في هذه الحالة إشكالية الحماية القانونية للطرف الضعيف، لأنه غير موجود أصلا في مثل هذه العلاقة التعاقدية الكرائية.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية تظل دعوى إلغاء التدخل الإنساني والقانوني في المجال التعاقدي عبر حتمية و”أوتوماتيكية” التنفيذ باعتماد العقد الذكي دعوى تحتاج إلى تأمل ونظر، فإلغاء دور الوسيط أو الغير المؤتمن لإتمام المعاملة (كالموثق والعدل والمؤسسات المالية) في مرحلة التنفيذ ليس أمرا صحيحا على إطلاقه، حيث تعتمد العقود الذكية على نوع آخر من الوسطاء غير “التقليديين” يصطلح عليه بين المبرمجين بالأوراكل Oracle. هذا الأخير يكون إما شخصا ذاتيا أو شخصا معنويا، وقد يكون تطبيقا Application كذلك، مهمته أن ينهض بدور مصدر المعلومات الخارجية وناقلها والمحقق في صحتها؛ إذ يقوم الأوراكل بجلب البيانات من خارج مصدر شبكة البلوكتشين ويضعها داخل هذه الشبكة. ويعد هذا الوسيط ضروريا لعمل العقود الذكية التي لا يمكنها بأي حال الوصول إلى المعلومات المخزنة خارج الشبكة[8]. وفي هذا الصدد، يمثل نموذج عقد التأمين على حوادث السير المار بنا مثالا جيدا لضرورة نقل المعلومات المتعلقة بالحادثة، والتحقق من صحتها، وإدخالها لمنصة البلوكتشين التي اعتمدت عليها العقود الذكية المُنَفِّذَةِ ذاتيا لعقد التأمين.  

في الختام، ستظل الوعود المقدمة من قبل المروجين للعقود الذكية وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث تسيطر الآلات، وتُرَشَّدُ المعاملات، ويلغى دور الإنسان بدينه وقيمه وأخلاقه وقوانينه، مجرد مبالغات إيديولوجية وثرثرة مادية ما بعد إنسانية Post-Humanism تعلن موت الإنسان بعد أن أعلنت “موت الإله”. فدور الإنسان وما يحمله معه من دين وقيم وأخلاق سيبقى دورا فاعلا، لا مفعولا به، دورا يترصد الابتكارات ويؤطرها بما يحفظ كرامته وإنسانيته.

ثم إن التقدم الذي تعد به الثورة الرقمية وأنظمتها الذكية يثير سؤال طبيعة هذا التقدم الموعود وآثاره على إنسانية الإنسان وحريته وأمنه. ويبدو من الملائم التذكير في هذا السياق ب”التقدم” الذي حملته من قبل الثورة العلمية والصناعية على الطبيعة والمناخ والأمن العام!

فهل يعد التلوث وأزمة المناخ التي أدى ثمنها الفاعلون والأبرياء على السواء تقدما؟ وهل يعتبر التسارع في التسلح وامتلاك أسلحة الدمار الشامل وتطوير آليات سفك الدماء في الحروب تقدما؟ أليس التقدم المادي لحضارة القرن الواحد والعشرين هو بمنطق القيم والأخلاق تأخر؟ ألم يكن “إنسان الكهف” الذي عاش في أمن وسلم مع طبيعته المادية أكثر تقدما من إنسان ناطحات السحاب؟

وبعد تحقق هذا “التقدم” المزعوم، نتساءل: هل استطاعت الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية في مجال البيئة والقانون الدولي الإنساني الحد من ويلاته؟

لسنا هنا عبر طرح هذه الأسئلة بصدد رسم صورة قاتمة عن علوم التقنية والذكاء الاصطناعي، ولا بالأحرى بإزاء الدعوة إلى الحد من ابتكاراتها، ولكن بصدد التأمل ومناقشة تطبيقاتها التي ما لم تؤطرها القيم والأخلاق ستلقى نفس مصير تطبيقات العلوم البيولوجية والكيميائية والفيزيائية من قبل، وسيظل التشريع في حال فصله عن حاضنة القيم والأخلاق  في وضعية رد الفعل القاصرة عن ضبط جميع التفاصيل والإشكاليات القانونية وآثارها على المجتمع.

لقد حان الوقت فعلا لعلماء التقنية والذكاء الاصطناعي أن يعتبروا بقراءة التاريخ وأن يراجعوا تكبرهم، ويتراجعوا عن دعاويهم في إمكانية السيطرة على الإنسان وتغيير طبيعته البشرية، وحان الوقت كذلك لكي يبدوا الاحترام للدين والفلسفات والقيم الأخلاقية بوصفها عنصرا جوهريا في إنسانية الإنسان، إن لم تكن هي العنصر الجوهري الوحيد فيها.

وإلى ذلك الحين، يتطلب الأمر من رجال القانون ألا تمتزج عندهم الإثارة والتسرع في الأحكام كلما ذكرت ظاهرة الذكاء الاصطناعي وأنظمتها الرقمية، وألا ينساقوا وراء وعودها الزائفة مستهلكين غير منتقدين، إذ لا بد قبل وصف هذه الظاهرة المعاصرة والحكم عليها من تصورها كما هي حقيقة لا ترويجا. وليس المطلوب منهم هنا إتقان كيفية عمل واشتغال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ولا أن تكون لهم معرفة تقنية وفنية بلغة البرمجيات والبروتوكولات المعلوماتية، فهذه لها أهلها من المختصين وأصحاب الخبرة. لكن المطلوب من رجال القانون هو نوع من المعرفة الكافية التي تحيط بجوهر وحقيقة تلك الابتكارات بشكل يسمح بنقلها من دائرة التخصص التكنولوجي والمعلوماتي إلى دائرة التخصص القانوني. فإذا كانت الدائرة الأولى تختص بالذكاء الاصطناعي من حيث مبادئ اشتغال وعمل التطبيقات الذكية، ولغة التشفير والخوارزميات، والبرمجيات والبروتوكولات الرقمية، فإن الدائرة الثانية لا تهتم بالذكاء الاصطناعي إلا من جهة التصور العام والكافي لما تشتمل عليه من استخدامات واقعية، ومن جهة الوصف القانوني المناسب لها، بما يترتب عن تلك الاستخدامات من آثار قانونية في الواقع المجتمعي الحقيقي، لا الافتراضي المتخيل والمتوهم.

لائحة المراجع:

باللغة العربية:

  • محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، المقدمات الممهدات، تحقيق: محمد حجي، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيرةت، لبنان، 1988.
  • محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، تحقيق : مصطفى ديب البغا، الجزء الخامس، الطبعة الخامسة، دار ابن كثير، دمشق، 1993.

باللغة الإنجليزية:

  • Alexander Savelyev, Contract Law 2.0 : « smart » contracts as the beginning of the end of classic contract law, National research university higher school of economics, 2016.
  • Makoto Yano, Chris Dai, and others, Blockchain and Crypto Currency : Building a high quality Marketplace for Crypto Data, Research institute of Economy, Trade and industry )RIETI(, Tokyo, Japan, 2020.
  • Primavera De Filippi and Aaron Wright, Blockchain and the Law : The rule of code, First edition, Havard University Press, Cambridge, Massachusetts, London, Egland, 2019.

باللغة الفرنسية:

  • Laurent Leloup, Blockchain : La révolution de la confiance, Editions Eyrolles, Paris, 2018.
  •  Matthieu QUINIOU et Christophe DEBONNEUIL, Glossaire Blockchain, Les éditions de l’immatériel, CreaTIC , 2019.

[1] – يراجع في هذا الشأن بشكل أكثر تفصيلا :

– Primavera De Filippi and Aaron Wright, Blockchain and the Law : The rule of code, First edition, Havard University Press, Cambridge, Massachusetts, London, Egland, 2019, P : From 73 to 76.

[2]  – يمكن الرجوع في هذا التعريف، مثلا، إلى:

– Laurent Leloup, Blockchain : La révolution de la confiance, Editions Eyrolles, Paris, 2018, P : 79.

[3]  – يمكن الرجوع في هذا التعريف إلى:

  – Makoto Yano, Chris Dai, and others, Blockchain and Crypto Currency: Building a high quality Marketplace for Crypto Data, Research institute of Economy, Trade and industry )RIETI(, Tokyo, Japan, 2020, P : 77.

Available at :://link.springer

[4]  – انظر في هذه الصيغة الشرطية (إذا…/إذن If…/Then…)  للعقود الذكية المرجع التالي:

– Alexander Savelyev, Contract Law 2.0 : « smart » contracts as the beginning of the end of classic contract law, National research university higher school of economics, 2016, P: 14.

[5] – المفتاح في المعجم المعلوماتي هو مصطلح خاص بالتشفير. وهو سلسلة من الرموز التي تسمح بتوقيع الرسالة وتشفيرها أو فك شفرتها. ويتم التمييز في هذا الشأن بين مفاتيح التشفير الخاصة التي يجب أن يحتفظ بها بشكل سري، وبين مفاتيح التشفير العامة التي يمكن أن تكشف للجميع.

راجع في هذا الشأن:

– Matthieu QUINIOU et Christophe DEBONNEUIL, Glossaire Blockchain, Les éditions de l’immatériel, CreaTIC , 2019, P : 16.

[6] – يقول ابن رشد الجد رحمه الله: “ومن كان عليه دين ولم يكن له مال يؤديه منه، فهو في نظرة الله تعالى إلى أن يوسر، ولا يحبس ولا يؤاجر ولا يستخدم ولا يستعمل؛ لأن الدين إنما تعلق بذمته، فلا يصح أن يؤاجر فيه”.

انظر في هذا القول: محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، المقدمات الممهدات، تحقيق: محمد حجي، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيرةت، لبنان، 1988، ص: 305.

[7]  – يمكن الرجوع في هذا الخصوص إلى :

– محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، تحقيق : مصطفى ديب البغا، الجزء الخامس، الطبعة الخامسة، دار ابن كثير، دمشق، 1993، ص : 2269.

[8]  – راجع في هذه المعاني:

– Mustapha Mekki, Blockchain : L’exemple des smart contracts entre innovation et précaution, P : 13. Disponible (pdf) sur : ://lesconferences.openum. consulté le : 6/9/2023.

راجع المقصود من الأوراكل Oracle كذلك في الموقع الرسمي للبلوكتشين إيثيريوم: موقع إيثيريوم