حق الأفضلية تعليق على القرار عدد: 54 بتاريخ 08/01/2013 الصادر في ملف مدني عدد: 1286/1/4/2012

9 مايو 2020
حق الأفضلية تعليق على القرار عدد: 54 بتاريخ 08/01/2013 الصادر في ملف مدني عدد: 1286/1/4/2012

حق الأفضلية

تعليق على القرار عدد: 54 بتاريخ 08/01/2013 الصادر في ملف مدني عدد: 1286/1/4/2012

حميد العناوي

 

عرفت الملكية العقارية تطورا على مر التاريخ وتنوعا في الوظائف الاجتماعية والاقتصادة أهلها لأن تصبح محط اهتمام الأفراد والجماعات الشيء الذي جعل من المشرعين تناولها بالعناية أحكاما وتنظيما.

غير أن تحول وتطور تلك الوظائف وتنوع المجالات التي كانت فيها الملكية العقارية ولاتزال تحظى بالأهمية جعلت من المشرعين يتدخلون المرة تلوى الأخرى من أجل إصدار تشريعات تترجم هذا التحول والتطور ولعل ما يصطلح عليه الفقه بقوانين الأصفار يعتبر تجسيدا لاهتمام المشرع المغربي بالملكية العقارية وأنظمتها المتنوعة.

وفي هذا السياق يمكن إدراج قانون الملكية المشتركة الصادر تحت رقم 18.00 والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 07 نونبر 2002 الذي حدد الإطار القانوني لنظام الملكية المشتركة في المجال العقاري سواء من حيث نطاق التطبيق أو طرق تأسيس هذا النوع من الملكية وكذا الجزاءات المترتبة عن خرق قواعده والأجهزة المتدخلة في مجال الملكية المشتركة.

ولعل أبرز الأحكام المتعلقة بنظام الملكية المشتركة ترتبط بحقوق والتزامات الملاك المشتركين بدءا من حقهم في التصرف في هذا النظام أو إدارته مرورا بدور الأجهزة المتدخلة في حمايته وانتهاء بفض النزاعات المرتبطة به.

وتطرح بعض حقوق الملاك المشتركين اشكالات متعددة سواء من الناحية العملية أو على مستوى القضاء الشيء الذي ينبغي أن يعالج على ضوء التشريع ومايشهده من تعديلات وكذا الحاجة إلى استحضار المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتواترة والمؤثرة على نظام الملكية المشتركة.

ونظرا لتعدد النزاعات القضائية بخصوص هذا النظام فإن البحث في العمل القضائي يمكن أن يمكننا من تكوين صورة واضحة عن طريقة تعامل الأفراد مع مقتضيات هذا القانون وتفاعل القضاء مع هذا التعامل وكذا الاشكالات التي يمكن أن يفرزها من الناحية الواقعية.

من هذا المنطلق يمكننا أن نستاءل حول ما إذا كان الأفراد فعلا يمتلكون القدرة على استحضار الأحكام المتعلقة بهذا القانون عند إبرام تصرفاتهم المتصلة به وإلى أي حد يمكن للقضاء أن يلعب دور الحارس الأمين لأحكام هذا القانون والحامي لقواعده المتصلة بالنظام العام أساسا؟

هذا التساؤل يجعلنا أمام وضعية مزدوجة تجمع بين الدور التأطيري الذي يلعبه القانون نفسه والدور الحمائي الذي يتولاه القضاء وكيف يمكن أن تحمي قواعد الملكية المشتركة من كل عصف أو انتهاك ، والإجابة على هذا التساؤل يمكن أن تنطلق من دراسة حالة نهدف من خلالها رصد ثنائية التعامل الاجتماعي الذي يجسده سلوك الأفراد مع مقتضيات هذا القانون والصورة التي يجب على القضاء أن يتدخل من خلالها لحماية تلك المقتضيات وبالتالي ضمان صحة المراكز القانونية للأفراد المتدخلين في هذا النظام.

وفي هذا السياق يمكن الحديث عن قرارات قضائية متعددة سواء كانت صادرة عن قضاء الموضوع أو قضاء القانون مجسدا في محكمة النقض، ومن ضمنها قرار محكمة النقض تحت عدد: 54 بتاريخ 08/01/2013 في الملف المدني عدد: 1286/1/4/2012 هذا القرار الذي يشكل فرصة للحديث عن أحكام بيع الأجزاء المشتركة وممارسة حق الأفضلية فيها وسلطة المحكمة أثناء النزاع في بسط رقابتها على مدى احترام القواعد المتعلقة بالنظام العام والواردة بقانون الملكية المشتركة وما تملكه محكمة النقض باعتبارها محكمة قانون إزاء هذه السلطة.

ولتناول حالة هذا القرار بالدراسة فإننا نقترح أن تتم تلك الدراسة على مرحلتين نتناول في المرحلة الأولى وقائع النزاع على أن نليها بموقف كل من محاكم الموضوع ومحكمة النقض من ذلك النزاع في حين سنتناول في المرحلة الثانية لتقييم موقف القضاء ومن النقط القانونية المثارة وذلك وفق الخطة التالية:

الفقرة الأولى: صورة النزاع وموقف القضاء منه

أولا: عرض موجز لوقائع النزاع

ثانيا: موقف القضاء من النزاع

الفقرة الثانية: المناقشة القانونية لمرتكزات الحالة المدروسة وتقييم موقف القضاء منها.

أولا : الموقف القانوني من النقاط الاشكالية المثارة في النزاع .

ثانيا : تقييم موقف القضاء على ضوء أحكام القانون.

الفقرة الأولى: صورة النزاع وموقف القضاء منه.

لدراسة حالة الحكم القضائي موضوع التعليق لابد من الوقوف على وقائع النزاع (أولا) وذلك كتمهيد للوقوف على كيفية تعامل القضاء مع هذا الموضوع (ثانيا)

أولا: عرض موجز لوقائع النزاع:

بناء على عقد بيع عرفي تم بين كل من خالد رامسيسي وفاطمة مكرامي بصفتهما بائعين لشقتهما المملوكة في إطار الملكية المشتركة وبين خديجة الكندافي بصفتها مشترية للشقة المذكورة بموجب عقد عرفي مؤرخ في 04/04/2006 ومصادق على توقيعه بنفس التاريخ، علم المسمى محمد يعقوبي بهذا البيع وباعتباره مالكا مع بقية الشركاء شقتين على الشياع بالعمارة التي يقطنون فيها فتقدم على إثر ذلك بتاريخ 25/09/2006 بمقال أمام المحكمة الابتدائية يعرض فيه وقائع النزاع موضحا أنه يرغب في ممارسة حق الشفعة في البيع العرفي المذكور وأنه عرض على المشترية في إطار هذا الحق مبلغ 263325 درهم ملتمسا الحكم له بحقه في الشفعة ضد البيع المذكور وأمر المحافظ على الاملاك العقارية بتسجيل الحكم بالرسم العقاري المتعلق بالشفعة موضوع العقد. وبعد مباشرة الاجراءات من قبل المحكمة الابتدائية أصدرت هذه الأخيرة حكما برفض الطلب كان محل الطعن بالاستئناف من قبل المدعي فأيدت محكمة الاستئناف الحكم المذكور بعد اتخاذ الاجراءات اللازمة تعرض عليه المستأنف فانتهى تعرضه بالرد كذلك ليعمل بناء على الطعن بالنقض في القرار المذكور بانيا طعنه على كونه بنى طلب اعادة النظر أمام محكمة الاستئناف على مقتضيات الفصل 404 من قانون المسطرة المدنية وحاصرا سبب الطعن بإعادة النظر في واقعة التدليس المبنية على وضعه للمبالغ المعروضة على المشترية خديجة الكندافي في صندوق المحكمة يوم 11/09/2006 وذلك على إثر رفضها لتلك المبالغ التي عرضت عليها عن طريق مأمور الاجراءات معززا موقفه لمسطرة تصحيح العرض العيني التي حضرها جميع الاطراف بمن فيهم البائع وتم سحب المبالغ المودعة بالصندوق بتاريخ 18/12/2006 وأن المعني بالامر بالرغم من ذلك أخفت النقطة القانونية المتعلقة بقبول العرض العيني ومبدأ الشفعة على كل من المدعي والمحكمة وتمسكت برفض الشفعة وهو الرفض الذي لوعلمت به المحكمة لسارت في اتجاه آخر ولاستجابت لدعواه.

وقد كان لمحكمة النقض أن أوضحت موقفها بموجب القرار المطعون فيه الشيء الذي يتعين معه الوقوف على هذا الموقف مع الإشارة إلى موقف قضاء الموضوع من القضية من خلال المرحلة الموالية.

ثانيا: موقف القضاء من النزاع:

ينقسم الحديث في هذا السياق إلى قسمين : موقف قضاء الموضوع من النزاع (أ) وموقف قضاء القانون (ب).

  • موقف قضاء الموضوع من النزاع:

يتضح من خلال تنصيصات القرار موضوع التعليق بأن قضاء الموضوع بدرجتيه ذهب إلى عدم الاستيناد على المبررات التي اعتمدها المسمى محمد يعقوب وعمل بالمقابل على تطبيق القواعد القانونية المتعلقة بالاجراءات القانونية الواجبة الاتباع في سياق ممارسة حق الافضلية ذلك أنه بعد تفحصه لوقائع النزاع مجرياته ومراحل تطوره على أرض الواقع اتضح له أن طالب الشفعة باعتباره مالكا على الشياع رفقة آخرين في العمارة التي يقطنون بها لم يسلك اجراءات الحصول على أغلبية ثلاثة أرباع أصوات الملاك المشتركين أو الممثلين وفق ظهير 2002 الذي كرس شرط الحصول على هذه الأغلبية ولو بشروط نص عليها في صلب مقتضياته.

ومما يلاحظ أن توافق كل من المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف على موقف قانوني واحد يجد أساسه في تطبيق الشروط الشكلية لممارسة حق الأفضلية وهو ما يؤكده موقف محكمة النقض التي ذهبت في نفس اتجاه قضاء الموضوع حسب ما سيتضح لنا مما سيأتي بعده.

  • موقف قضاء محكمة النقض من النزاع:

من المعلوم أن محكمة النقض باعتبارها محكمة قانون لا تنفذ لمناقشة موضوع الدعوى وإنما تقتصر على دراسة الجوانب القانونية التي مرت منها هذه الأخيرة والأسس التي انبنت عليها وهي بذلك لا تتعامل مع الوسائل المثارة أمامها كأسباب للنقض إلا من هذا المنظور.

وفي هذا السياق يتضح أن الطاعن بالنقض أسس طعنه على أساس التعليل الناقص الموازي لانعدام التعليل عندما ركز طعنه على النقطة القانونية المتعلقة بعدم أخذ محكمة الموضوع عند بتها بالعناصر المكونة للتدليس المقترف من قبل المطلوبة في النقض وفق ماهو مفصل أعلاه ناعيا على القرار المطعون فيه كونه جانب الصواب لما لم يأخذ بواقعة التدليس التي لها الأثر البالغ على موقف قضاء الموضوع.

غير أن محكمة النقض وهي تتصدى للوسيلة المذكورة، وفي إطار فحصها للجوانب القانونية المتصلة بالفصل في القضية ، لم تلتفت لما جاء بالوسيلة المثارة وإنما عملت على التركيز على النقطة القانونية التي استند عليه قضاء الموضوع واعتبرها نقطة حاسمة ومؤثرة في موضوع النزاع ولو لم تكن محل انتقاد ومناقشة قانونية من قبل طالب النقض معتبرة إياها بأنها مؤثرة في حسم موضوع النقاش بغض النظر عن العلة المثارة باعتبارها علة زائدة وغير مؤثرة في موقف قضاء الموضوع.

إن هذا الاتجاه الذي سار فيه كل من قضاء الموضوع وقضاء محكمة النقض يدعونا للتساؤل حول ما إذا كان موقفا قانونيا أم إنه كرس لواقع آخر مخالف لما نص عليه المشرع في قانون الملكية المشتركة وهذا مايدعونا إلى ضرورة الوقوف على أحكام ممارسة حق الأفضلية في إطار القانون المذكور كمقدمة لتقييم موقف القضاء الذي اتخذه في النزاع.

الفقرة الثانية : المناقشة القانونية لمرتكزات الحالة المدروسة وتقييم موقف القضاء منها:

لاتستقيم المناقشة القانونية الا بتحديد الإطار العام الذي يجب أن يحل فيه النزاع (أولا) على أن نتولى تقييم الموقف الذي اتخذه القضاء من النزاع (ثانيا).

أولا : الموقف القانوني من النقاط الاشكالية المثارة في النزاع:

بالرجوع لوقائع النزاع فإن أهم مايثير الانتباه هو ثلاثة إشكالات كبرى نرى أنه من الضروري تحديد موقف القانون منها وأيها مؤثر في الآخر، ويمكن حصر هذه الاشكالات في الاتي:

  • الاشكال1: مرتبط بطبيعة عقد تفويت الشقة محل النزاع.
  • الاشكال2: متعلق باجراءات ممارسة حق الافضلية.
  • الاشكال 3: متصل بواقعة التدليس المعتمد كأساس لاعادة النظر.

من المعلوم أن العقار موضوع النزاع يندرج في سياق العقارات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة ولذلك فإن إبرام عقود البيع بشأنه يجب أن تكون وفق الضوابط التي حددها القانون.

فبالرجوع لوقائع النزاع يتضح لنا أن البيع تم بموجب عقد عرفي أبرم بتاريخ 04/04/2006 وتمت المصادقة عليه بنفس التاريخ، هذا يفرض علينا طرح التساؤل حول طبيعة هذا العقد وما إذا كان بالإمكان أن يكون له أثر ناقل للملكية أم لا وفق أحكام قانون الملكية المشتركة؟

بالرجوع إلى مقتضيات البند الرابع من الفقرة الثانية من الفصل 425 من قانون الالتزامات والعقود يتضح لنا أن العقد العرفي الذي أبرمه كل من البائعين المالكين الاصليين للشقة موضوع النزاع للمشترية وهنا نستاءل حول ما إذا كان لهذا العقد نفاذ في مواجهة طالب النقض بناء على المقتضى القانوني المذكور. فوفق البند المشار إليه  أعلاه فإن المحرر لايمكن أن يواجه به الغير الا من تاريخ المصادقة عليه من طرف موظف مأذون له بذلك، غير أن تلك المصادقة تبقى محل تساؤل حول طبيعتها ، هل المصادقة من قبل الموظف المأذون له يمكن أن يضفي القوة القانونية المنتجة لاثارها على هذا العقد أم أن القانون يعطي لذلك العقد قوته الثبوتية إذا توفرت شروط أخرى غير تلك المنصوص عليها في البند الرابع من الفقرة الثانية من الفصل 425 من قانون الالتزامات والعقود؟

في إطار حديثنا عن نظام الملكية المشتركة لابد لنا من الوقوف عند مفهوم الورقة الثابتة التاريخ وفق هذا القانون أم أن شروطها الواردة بقانون الالتزامات والعقود تبقى كافية للوفاء بالغرض؟

برجوعنا لمقتضيات المادة 12 من قانون الملكية المشتركة للعقارات المبنية نجد أن المشرع حدد طرق تحرير التصرفات المتعلقة بنقل الملكية المشتركة في طريقتين اثنتين أولهما أن يكون المحرر رسميا وثانيهما أن يأخذ المحرر صفة الثابت التاريخ متى تم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة يخولها قانونها تحرير العقود وقد جعل المشرع أثر البطلان جزاء لاختلال وقوع العقد الناقل للملكية المشتركة على غير هاتين الصفتين.

ولما كان العقد المبرم بين المالكين الاصليين والمشترية تم بصورة مخالفة لمقتضيات المادة 12 من قانون الملكية المتشتركة للعقارات المبنية فإن المشرع رتب عليه جزاء البطلان بما ينتجه هذا الجزاء من المساواة بين العقد وعدمه، ومفاد هذا القول أن هذا العقد المبرم لن يكون له أي أثر لا بين أطرافه ولا في مواجهة الغير مادام لم يحرره موظف وفق مقتضيات الفصل 418 من قانون الالتزامات والعقود ليكون ورقة رسمية ولا وفق مقتضيات المادة 12 المذكورة والتي تجعل المحرر الثابت التاريخ صادرا عن مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة يخولها القانون تحرير العقود.

وتبعا لذلك فإن بطلان العقد المبرم بين المالكين الأصليين والمطلوبة في النقض يبقى باطلا ولا أثر قانوني له، الشيء الذي يجعلنا نتساءل حول أهمية الاستمرار في الحديث عن الاشكالين الثاني والثالث الذي اعتمد عليهما كل من طالب النقض أولا والقضاء ثانيا.

وهذا يدفعنا إلى التساؤل حول مدى وجاهة موقف القضاء من هذه النازلة.

ثانيا: تقييم موقف القضاء على ضوء أحكام القانون:

على ضوء ماسبق يتضح أن الأسس التي اعتمد عليها كل من قضاء الموضوع وقضاء الحكم تبقى منتقدة لكونها أغفلت الطبيعة القانونية للعقد الذي نقلت به الملكية في نازلة الحال. ولما كان لهذه الطبيعة اتصال بالنظام العام على اعتبار ترتيب جزاء البطلان وفق مقتضيات المادة 12 فإن محكمة النقض جانبت الصواب في موقفها القانوني حينما اعتمدت العلة التي تبناها قضاء الموضوع من غير أن تثير مسألة البطلان الناتج عن عدم تحرير العقد وفق الشكليات التي حددها قانون الملكية المشتركة خاصة وأن العقد أبرم بتاريخ 04/04/2006 كان فيه قانون الملكية المشتركة ساري النفاذ.

وبناء عليه يكون موقف محكمة النقض المبني على أساس العلة الكافية لرفض طلب النقض غير مساير للقانون المنظم للنزاع موضوع التعليق.