عقد الكراء التجاري ما بين القانون رقم 49.16 و القانون رقم 73.17

4 يوليو 2020
عقد الكراء التجاري ما بين القانون رقم 49.16 و القانون رقم 73.17

عقد الكراء التجاري

ما بين القانون رقم 49.16 و القانون رقم 73.17

مقدمة:

لا يخفى على أحد أن المقاولة أضحت محركا أساسيا يعول عليه للإرتقاء بفعالية و نجاعة اقتصاديات الدول الحديثة، فضلا عن دورها كفاعل و مشارك في تحديد منحى التوجهات الكبرى في صناعة القرار السياسي داخل المجتمع الدولي.

و قد عمل المشرع المغربي بهجره لنظام الإفلاس، على تبني نظام مساطر صعوبات المقاولة، وذلك بإقرار مساطر وقائية و أخرى علاجية تتماشى و طبيعة الصعوبات التي تمر منها المقاولة، والتي ترتكز على ميكانيزمات لإنقاذ هذه الأخيرة من الانهيار بدل إقبارها ، و بالتالي اندثارها ، إذ أن استقرار الأوضاع الإجتماعية لن يتأتى إلا بالتنزيل المسؤول لمقتضيات هذا النظام.

و المقاولة باعتبارها رهانا يعول عليه في تنشيط النسيج الاقتصادي و الاجتماعي ، لابد لها من إبرام جملة من العقود و ذلك إقرارا لضوابط الحكامة الجيدة ، و وضع أرضية ناجعة لتحقيق الغرض المقاولاتي ، و يأتي على رأس هذه العقود عقد الكراء التجاري.

و نظرا لأهمية هذا الأخير باعتباره من أهم مستلزمات متابعة نشاط استمرار المقاولة ، فقد حظي برعاية تشريعية مهمة من خلال صدور القانون رقم 49.16[1] المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي ، بعدما أبان ظهير 24 ماي 1955 عن قصوره في مواكبة التحولات الاقتصادية التي يعرفها ميدان التجارة.

و لما كان لكل قانون دافع لإصداره ، فإن الدافع من وراء إصدار القانون رقم 49.16 كان يتمحور حول سببين ، الأول خارجي و يتمثل في الرغبة في تلميع واجهة المنظومة القانونية المغربية أمام الساحة الدولية، أما السبب الداخلي فيتمثل في إرادة المشرع المغربي في تحقيق التوازن بين أطراف العلاقة الكرائية و ذلك عن طريق منح الاستقرار للمكتري و الحفاظ على الملكية العقارية للمكري ، بالإضافة إلى التشجيع على الاستثمار كون أن القانون رقم 49.16 هو الاخر يرسخ لمفهومي الأمن القانوني و القضائي.

و دائما و في خضم الحديث عن تعزيز الترسانة القانونية و إحكام النسيج الاقتصادي الوطني ، قام المشرع المغربي بنسخ و تعويض الكتاب الخامس من القانون رقم [2]15.95 المتعلق بمدونة التجارة و ذلك بمقتضى القانون رقم 73.17[3] بغية وضع استراتيجية تشريعية تروم تشجيع الاستثمار.

هذا القانون الذي يعتبر الجديد البارز في قانون الأعمال ككل ، و الذي أملته مجموعة من الأسباب في نوع من المقاربة الشمولية لمواكبة المقاولات المتعثرة ، فضلا عن الظفر بتصنيف مرض على مستوى مؤشر مناخ الأعمال “DOING BUISNESS” ، في خطة تكتيكية تروم الرقي بالنسق القانوني المنظم لمجال الأعمال بالمغرب، خصوصا بعدما أثبتت التجربة العملية أن أغلب المقاولات لا تلجأ إلى القضاء إلا بعد انتشار الخلل في كل أوصالها مما يصبح معها غير ممكن إنقاذها أو معالجتها.

و تكمن أهمية هذا القانون في كونه يعتبر من القوانين المنتجة و الاستثنائية، خاصة وأنه أكسب المغرب ست نقاط بعد مناقشته و إصداره في فترة وجيزة لا تتعدى أربع ساعات و ثلاثة و عشرون دقيقة.

و على العموم فقد اعتبر المشرع المغربي بإقراره للتعديل المتمثل في القانون رقم 73.17 أنه قد آن الأوان لوضع استراتيجية واضحة ومرنة ، مرفوقة بتخطيط قبلي ، و يستشف ذلك من خلال الآليات التي وضعها المشرع المغربي كرهان للسير بالمقاولة نحو بر الأمان في خضم مسطرة التسوية القضائية ، و نخص بالذكر هنا ” العقود الجارية “.

و إذا كان عقد الكراء التجاري يخضع في الأصل للقانون رقم  49.16 ، فإن المشرع المغربي وكاستثناء لما سبق، أخضع عقد الكراء الذي أحد طرفيه مقاولة خاضعة لمسطرة التسوية القضائية لمقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة “القانون رقم 73.17” بدل إخضاعه لمقتضيات القانون رقم “49.16”، لنكون بذلك نتحدث عن عقد الكراء التجاري كعقد من العقود الجارية.

أما بالنسبة لأهمية الموضوع الذي نحن بصدد دراسته ، فإلى جانب الأهمية العلمية ، فأهميته تكمن في كونه يعد من المواضيع التي تعرف الندرة في التطرق للكتابة فيها و هذا ما هو واضح من خلال وجود قلة في الدراسات الفقهية التي تناولت موضوع مؤسسة عقد الكراء التجاري في مساطر صعوبات المقاولة ، بالإضافة إلى التنظيم التشريعي لهذا العقد الذي يتسم بالعمومية و الغموض و ما يطرح ذلك من صعوبة لا بالنسبة للأكاديميين في إطار البحث العلمي و لا على المستوي العملي بالنسبة للمهنيين.

و من هذا المنطلق ، فإن الإشكالية الرئيسية التي يتمحور حولها موضوعنا هي كالتالي :

ـ كيف نظم المشرع المغربي عقد الكراء التجاري ما بين القانون رقم 49.16 و القانون رقم 73.17؟

و للإجابة عن الإشكالية السالفة الذكر، سنتناول الموضوع بالتحليل من خلال محورين كالآتي:

المحور الأول : الفلسفة التشريعية في تنظيم مؤسسة عقد الكراء التجاري

المحور الثاني: عقد الكراء التجاري ما بين التحديات الإقتصادية و القصور التشريعي

 

المحور الأول : الفلسفة التشريعية في تنظيم مؤسسة عقد الكراء التجاري

سنتناول في هذا المحور الإطار التعاقدي لمؤسسة عقد الكراء التجاري من خلال القانون رقم 49.16 (أولا) ، و تجليات الحكامة التشريعية في تأطير العلاقة الكرائية (ثانيا).

أولا: الإطار التعاقدي لعقد الكراء التجاري

لما كان لعقد الكراء التجاري من أهمية قصوى في ميدان المعاملات التجارية ، فكان من اللازم توفير قانون يتماشى و هذه التحولات خصوصا بعدما أبان ظهير 24 ماي 1955 عن قصر مقتضياته و عدم مواكبته للتطور و التقدم الاقتصادي. فتم إصدار القانون رقم 49.16  و الذي كان قد تفائل به كل من الباحثين و المهنيين و لا سيما حتى أطراف العلاقة الكرائية باعتبارهم هم المعنيين به بالدرجة الأولى.

و بموجب هذا القانون عمل المشرع المغربي على إحاطة مؤسسة عقد الكراء التجاري بالاهتمام الذي يواكبه منذ وقت إبرامه إلى غاية إنهائه. حيث و بالرجوع للقانون السالف الذكر نلمس رغبة المشرع المغربي في الحفاظ على مبدأ الحرية التعاقدية و تحقيق التوازن العقدي بين أطراف العلاقة الكرائية، و ذلك بداية من المادة [4]3 و التي بموجبها اشترط المشرع المغربي ” الكتابة ” كشرط أساسي لانعقاد عقد الكراء التجاري و رتب عن تخلفها بطلان العقد. و نشير هنا ، على أنه و بالرغم لما لهذا المقتضى من أهمية ، إلا ما يعاب فيه أن المشرع المغربي أغفل تحديد الجهة الموكول إليها تحرير العقد.

و من منظورنا الشخصي كان من الأجدر عليه تحديد ذلك بهدف تفادي تحرير  المحررات العرفية نظرا لما تطرحه من إشكالات على المستوى العملي.

دائما و في إطار العلاقة التعاقدية ، نظل نلمس تنزيل مبدأ التراضي في هذا القانون ، و ذلك أيضا في المادة [5]5 و التي بموجبها جعل المشرع المغربي إمكانية تحديد الوجيبة الكرائية برضا طرفي العقد.

و يجب لفت الانتباه هنا إلى أن هذه المادة ما هي إلا انعكاس مماثل للفصل [6]628 من ظهير الالتزامات و العقود الذي كان السباق في التكريس لمبدأ الرضائية في عقد الكراء كخدمة لمصلحة طرفي العقد.

و بدون شك فإن طابع التوازن العقدي يشمل العديد من المقتضيات لا سيما حتى مرحلة إنهاء العقد، إلا أننا لا يمكننا الإحاطة بكل جوانب العلاقة التعاقدية و ما تكتسيه من توازن، لكننا في المجمل نشيد بمقتضيات القانون رقم 49.16 بعمومها و ذلك لما استطاع المشرع المغربي التجاوز بها و من خلالها عقم مقتضيات ظهير 24 ماي 1955 و قصورها.

ثانيا : الحكامة التشريعية في تأطير العلاقة الكرائية

إن وعي المشرع المغربي بأهمية و قيمة عقد الكراء التجاري في ميدان المعاملات التجارية تمت ترجمته في مقتضيات  القانون رقم 49.16  و ما تكتسيه من حكامة تشريعية حظيت بها هذه المؤسسة العقدية ، و ذلك من خلال الأهداف المعلنة و غير المعلنة لهذا القانون ، و التي تمثلت بالدرجة الأولى في رغبة المشرع المغربي في خلق استقرار تعاقدي بين المكري و المكتري ، و هذا ما يتبين لكل من يطلع على هذا القانون ، إذ نلا حظ أن هناك إلمام تشريعي بكل ما يخص هذه المؤسسة العقدية و الذي هو عبارة عن مجموعة من الضمانات و الحقوق التي جاءت منظمة بشكل واضح لا ريب فيه.

و من أهم مرتكزات الحكامة في القانون رقم 49.16  مراعاة مركز شخص المكتري و مده بمجموعة من الحقوق كالحق في تجديد عقد الكراء و التعويض في حالة إنهاءه، نفس الأمر بالنسبة لشخص المكري و الذي نوعا ما و حسب السائد و المعروف أنه الطرف القوي في العلاقة الكرائية  ، فالمشرع مده هو الاخر بمجموعة من الحقوق أيضا و التي ما هي إلا انعكاس لتلك الحكامة المتمثلة أو المضمنة في القانون السالف الذكر ، كحق المكري في المطالبة بالإفراغ و الهدم و إعادة البناء ، و إفراغ المحل إذا ما كان آيلا للسقوط و غيرها من الحقوق الأخرى، إلا أنه تمت مجاورة هذه الحقوق بقيود رغبة في الحفاظ على استقرار نشاط المكتري و استمراره.

و إلى جانب ما تم ذكره ، يستوجب علينا أن نشير إلى أن حكامة هذا القانون تجلت أيضا في توسيع نطاقه ليشمل عدة أنشطة أخرى كانت مستثناة منه ، من قبيل المصحات و المؤسسات التعليمية و المختبرات الطبية…بالإضافة إلى التدقيق في صياغة المواد و تبسيط اللغة حتى تكون قريبة من المخاطبين بهذا القانون ، و أيضا في الترسيخ للأمن القضائي و ذلك عن طريق إفراغ العلاقة الكرائية في عقد محرر ثابت التاريخ تحسبا من المشاكل التي كانت تعاني منها المحاكم  بخصوص إثبات وجود عقد ، و تحديد الأجل الذي يمنح للمكتري  و إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في ستة أشهر بعدما كان الأجل غير محدد و هو الأمر الذي ينتج عنه تضارب في الاجتهادات القضائية ، كما نشير أيضا إلى الحسم التشريعي في جعل المحكمة التجارية هي الجهة المختصة في النظر في النزاعات المتعلقة بشأن القانون رقم 49.16 استنادا للمادة 35[7] منه ، و المقصود بالنزاعات المتعلقة بهذا القانون هي تلك النزاعات الناشئة عن اكتساب الحق في الكراء و  مراجعة السومة الكرائية و الإفراغ و غيرها من النزاعات الأخرى.

المحور الثاني: عقد الكراء التجاري ما بين التحديات الإقتصادية و القصور التشريعي

سنعمل من خلال هذا المحور على تبيان أوجه تأثير وضعية المقاولة على عقد الكراء التجاري ( أولا)، مرورا باستعراض مكامن الإرتباك التي عرفها التنظيم القانوني لهذا الأخير في مدونة التجارة ( ثانيا).

أولا: مدى تأثر عقد الكراء التجاري بوضعية المقاولة

من المعلوم على أن الصعوبات التي تعترض حياة المقاولة تتفاوت خطورتها و انعكاساتها من مقاولة إلى أخرى، وهذا ما يبرر اعتماد المشرع المغربي من خلال ‘نظام معالجة صعوبات المقاولة’، لمساطر وقائية ترمي إلى اتقاء شر ما يمكن أن يصيب المقاولة من صعوبات و عراقيل، مرورا بمسطرة الإنقاذ المستحدثة، وصولا إلى مسطرة التسوية القضائية ثم التصفية القضائية كسبيل مؤد إلى إقبار المقاولة.

و عموما تخضع المقاولة المتعثرة لمسطرة التسوية القضائية كمسطرة علاجية، متى كانت متوقفة عن الدفع و وضعيتها مختلة، لكن ليس بالشكل الذي يجعلها منهارة تماما و بشكل لا رجعة فيه، و إنما لا زال هناك أمل في إنقاذها و السير بها نحو بر الأمان، غير أنه لا يمكن الحديث عن استمرارية المقاولة الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية، و خروجها من تلك الحالة الحرجة، دون الحديث عن المحرك الأساسي في هذه العملية و المتمثل في “استمرار العقود الجارية”.

و يراد بالعقود الجارية أو كما يطلق عليها البعض “بالعقود في طور التنفيذ”، تلك العقود التي يكون رئيس المقاولة ( المدين ) قد أبرمها مع الأغيار المتعاقدين، و التي يستمر سريان آثارها بعد صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية،فالعقود الجارية  هي ذات التنفيذ المستمر قبل و بعد الحكم بفتح المسطرة القضائية للمقاولة، و المبرمة من طرف رئيس المقاولة أو ممثلها القانوني[8].

و يعد السنديك من أهم محركات المساطر القضائية، و الذي تقع على عاتقه جملة من المهام عقب هذه المرحلة، إذ أناط المشرع المغربي بالسنديك وحده دون غيره مهمة تقرير متابعة أو عدم متابعة تنفيذ هذه العقود، بحسب ما إذا كان هذا التنفيذ يصب في مصلحة المقاولة أو العكس، و دونما أي حاجة إلى إذن من رئيس المقاولة أو المحكمة أو القاضي المنتدب أو أي جهاز آخر، و يجد هذا المقتضى سنده في المادة 588[9] من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، بخلاف المشرع الفرنسي و الذي استلزم الحصول على ترخيص القاضي المنتدب إذا تعلق الأمر بمتابعة تنفيذ واحد أو أكثر من هذه العقود.

و نجد على رأس العقود الجارية عقد كراء المحلات المعدة المعدة لاستغلال نشاط المقاولة المفتوحة في وجهها مسطرة التسوية القضائية، إذ يعد هذا الأخير من الضروريات الأساسية لمتابعة المقاولة لنشاطها و استمرارها عقب فترة إعداد الحل، و هذا ما يبرر لجوء السنديك في الغالب الأعم إلى المطالبة بمتابعة و استمرار تنفيذ هذا العقد.

غير أنه و بالرجوع إلى قانون رقم 49.16 المتعلق بالكراء التجاري، نجد أن هذا الأخير قد استثنى من نطاق تطبيقه عقود الكراء التي تخص مقاولة خاضعة لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية، و التي تكون مبرمة بمقتضى مقرر قضائي أو مترتبة عنه، بل و أخضعها المشرع للباب الخامس من مدونة التجارة و الخاص بمساطر صعوبات المقاولة، و أفرد لها ثلة من المقتضيات التي جاءت في مجملها عامة وفضفاضة و قاصرة، لم تشف الغليل في تنظيم هذا النوع من العقود في خضم هذه الفترة الحرجة من حياة المقاولة، مما يجعلنا نتحدث عن ارتباك تشريعي  في تنظيم مؤسسة عقد الكراء الذي يجمع المكري بمقاولة خاضعة للمسطرة القضائية للتسوية.

ثانيا: الإرتباك التشريعي في تنظيم مؤسسة عقد الكراء التجاري

كما سبق و ذكرنا، فإن الوضعية الحالة للمقاولة و ظروفها، قد تقتضي بالضرورة الإحتفاظ بعقد الكراء التجاري و ضمان استمرارية، كواحد من العقود الجارية و الذي أبرم قبل صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة القضائية، كنبراس لخروج المقاولة من وضعيتها الحرجة، وصولا بها إلى بر الأمان، و ذلك بطبيعة الحال بقرار متابعة لهذا العقد مصدره السنديك.

و في محاولة للوقوف عند التنظيم القانوني الذي أفرده المشرع المغربي لهذا العقد في خضم الكتاب الخامس من مدونة التجارة ( قانون 73.17 )، فالملاحظ أنه – أي المشرع المغربي – قد جاء بمقتضيات تتصف بالعمومية و القصور، انتصر فيها لمصلحة المقاولة المتعثرة على حساب  حقوق المكري.

فبالرجوع إلى مدونة التجارة و تحديدا المادة 588، يستشف أن المشرع المغربي قد أوجب على المكري الوفاء بالتزاماته السابقة حتى و إن لم تف المقاولة بالتزاماتها السالفة لفتح المسطرة.

بل و جعل عدم تنفيذ تلك الإلتزامات من قبل المقاولة، لا يخول للمكري سوى ممارسة حق التصريح بما له من ديون مترتبة في ذمة المقاولة و ذلك بقائمة الخصوم، و بهذا المعنى فلا يكون له أن يستفيد من حق الأولوية إلا بالنسبة للديون الناشئة بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية تطبيقا لأحكام المادة [10]590 من مدونة التجارة.

هذا و قد خول المشرع في مقابل ذلك للمكري الحق في ممارسة دعوى التعويض متى قرر السنديك عدم متابعة تنفيذ عقد الكراء، على أن تدرج مبالغ التعويض في قائمة الخصوم، كما منح للمتعاقد الحق في تأجيل إرجاع المبالغ الزائدة و المدفوعة من قبل المقاولة تنفيذا للعقد، إلى أن يصل أجل البت في دعوى التعويض عن الأضرار.

و لا يفوتنا أن نشير إلى أن المشرع المغربي قد حجم في حالة تفويت حق الكراء، إمكانية الإعتداد بأي شرط يفرض التزامات تضامنية مع المفوت إليه تجاه السنديك، و هذا ما يظهر بجلاء في المادة [11]589 من مدونة التجارة.

هذا و رغبة من المشرع في خلق نوع من التوازن بين أطراف العلاقة التعاقدية، أدرج من خلال الباب السادس من  الكتاب الخامس من مدونة التجارة مادة خاصة بحقوق المكري ‘694’[12] و الذي خول بمقتضاها لهذا الأخير حق الإمتياز متى تعلق الأمر بوجيبة الكراء المستحقة عن السنتين السابقتين مباشرة عن تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة، بل و متعه بامتياز إضافي في الحالة التي يتم فيها فسخ العقد و ذلك عن ثمن كراء السنة التي يتم خلالها هذا الفسخ.

و في الأخير و بعض استعراضنا لأهم الأحكام الواردة في النصوص القانونية المؤطرة لهذا النوع من العقود في الكتاب الخامس من مدونة التجارة، فإن الملاحظ أن الفلسفة التشريعية للمشرع المغربي تتجه في سبيل الإنتصار للمصالح الإقتصادية للمقاولة على حساب حقوق المكري، و ذلك بغية إنقاذها وترميمها، حفاظا على النسيج الإقتصادي الوطني.

و بالتالي فإن العمومية في التنظيم و التي طالت عقد الكراء التجاري عقب مسطرة التسوية القضائية، فيها و بطبيعة الحال إجحاف بحقوق المكري، و التيى تجعله في مركز متقهقر غير متوازن عوض أن نكون أمام مقتضيات تجعله في وضعية المتأهب للمساهمة في إسعاف المقاولة.

خاتمة:

و في الختام فلا يسعنا إلا أن نشيد بالتنظيم القانوني الذي خصه المشرع المغربي لعقد الكراء في إطار قانون 49.16 كمؤسسة قانونية لها وزنها و أهميتها في ميدان المال و الأعمال، و في المقابل،تجب الإشارة إلى أن التنظيم الفضفاض الذي طال عقد الكراء التجاري عقب مسطرة التسوية القضائية، فيه هضم لحقوق المكري مراهنة على مصالح المقاولة،كهدف سعى المشرع بمقتضاه إلى تسهيل السبيل أمام هذه الأخيرة،  كنبراس يروم من خلاله تجاوزها للصعوبات و العثرات التي تعترضها، و ذلك بغية إسعافها و إنقاذها لما في ذلك من إنقاذ للإقتصاد برمته والحفاظ على مناصب الشغل و غيرها … إلا أن إقرار تنظيم عقد الكراء التجاري في قانون مساطر صعوبات المقاولة إلى جانب أنه يتسم بالعمومية الأمر الذي اعتبرناه ارتباك تشريعي في تنظيمه ، فإنه أيضا بذلك ضرب مجموعة من المبادئ الجوهرية و ساهم في انتكاصها نتيجة لإسناد صلاحيات مطلقة إلى جهاز السنديك نكون بها  أمام عقود أصبح يتم التقرير فيها بإرادة منفردة بعدما تم إنشاءها في الأصل بإرادتين.

الإحالات

[1]  ظهير شريف رقم 99.16.1 صادر في 13 من شوال 1437 (18 يوليو2016 ) بتنفيذ القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي ، الجريدة الرسمية عدد 6490 بتاريخ 11/08/2016ص 5857.

[2]  ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح غشت 1996) بتنفيذ القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة المنشور في الجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 3 أكتوبر 1996 ص 2187.

[3]  ظهير شريف رقم 1.18.26 الصادر في 02 شعبان 1439 الموافق ل 19 أبريل 2018 بتنفيذ القانون رقم 73.17 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6667 بتاريخ 06 شعبان 1439 الموافق ل 23 أبريل 2018 ص 2345.

[4] المادة 3 من قانون رقم 49.16 المتعلق بالكراء التجاري:

“تبرم عقود كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي وجوبا بمحرر كتابي ثابت التاريخ.

عند تسليم المحل يجب تحرير بيان بوصف حالة الأماكن يكون حجة بين الأطراف”.

[5]  – المادة 5 من قانون 49.16:

‘ تحدد الوجيبة الكرائية للعقارات أو المحلات المشار إليها في المادة الأولى أعلاه، وكذا كافة التحملات بتراضي الطرفين.

تعتبر هذه التحملات من مشمولات الوجيبة الكرائية في حالة عدم التنصيص على الطرف الملزم بها.

تطبق على مراجعة الوجيبة الكرائية مقتضيات القانون رقم 07.03 المتعلق بمراجعة أثمان كراء المحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.134 بتاريخ 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007) ”.

[6] الفصل 628 من ظهير الإلتزامات و العقود المغربي:

“يتم الكراء بتراضي الطرفين على الشيء وعلى الأجرة وعلى غير ذلك مما عسى أن يتفقا عليه من شروط في العقد”.

[7]  – المادة 35 من قانون الكراء التجاري 49.16:

” تختص المحاكم التجارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق هذا القانون، غير أنه ينعقد الاختصاص للمحاكم الابتدائية طبقا للقانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة”.

[8] – عبد الرحيم شميعة – شرح أحكام نظام صعوبات المقاولة في ضوء القانون 73.17 ، دار الآفاق المغربية ، سنة 2018 ، ص 208.

[9] المادة 588 من مدونة التجارة:

” بإمكان السنديك وحده أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية بتقديم الخدمة المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة. ويفسخ العقد بقوة القانون بعد توجيه إنذار إلى السنديك يظل دون جواب لمدة تفوق شهرا .

يجب على المتعاقد أن يفي بالتزاماته رغم عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها السابقة لفتح المسطرة. ولا يترتب عن عدم تنفيذ هذه الالتزامات سوى منح الدائنين حق التصريح بها في قائمة الخصوم .

عندما لا يختار السنديك متابعة تنفيذ العقد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى دعوى للتعويض عن الأضرار يدرج مبلغه في قائمة الخصوم. غير أنه يمكن للطرف الآخر تأجيل إرجاع المبالغ الزائدة التي دفعتها المقاولة تنفيذا للعقد إلى حين البت في دعوى التعويض عن الأضرار .

تستثنى عقود الشغل من تطبيق مقتضيات الفقرات السابقة .

لا يمكن أن يترتب عن مجرد فتح التسوية القضائية تجزئة أو إلغاء أو فسخ العقد، على الرغم من أي مقتضى قانوني أو شرط تعاقدي.”.

[10] المادة 590 من مدونة التجارة:

” يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية، والمتعلقة بحاجيات سير هذه المسطرة أو تلك المتعلقة بنشاط المقاولة وذلك خلال فترة إعداد الحل، في تواريخ استحقاقها.

وفي حالة تعذر أدائها في تواريخ استحقاقها، فإنها تؤدى بالأسبقية على كل الديون الأخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات، باستثناء الأفضلية المنصوص عليها في المادتين 558 و 565 أعلاه.

تؤدى الديون المشار إليها في الفقرة الأولى، عند تزاحمها، وفق النصوص التشريعية الجاري بها العمل.”.

[11] المادة  589 من مدونة التجارة:

“في حالة تفويت حق الكراء، لا يمكن الاعتداد بأي شرط يفرض على المفوت التزامات تضامنية مع المفوت إليه تجاه السنديك.”

[12]المادة 694 من مدونة التجارة:

“لا يتمتع المكري بامتياز إلا بالنسبة لوجيبة الكراء المستحقة عن السنتين السابقتين مباشرة عن تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة .

وإذا تم فسخ العقد، يستفيد المكري بامتياز إضافي عن ثمن كراء السنة التي يتم خلالها الفسخ .

أما إذا لم يتم فسخ عقد الكراء، فلا يمكن للمكري أن يطالب بالوجيبة التي لم تستحق بعد، ماعدا إذا تم إلغاء الضمان الذي أعطي له عند إبرام عقد الكراء”.