حدود القرارات الإدارية والتنظيمية للحكومة في حالة الطوارئ بين: اعمال نظرية السيادة وسلطة الرقابة القضائية

27 مارس 2021
حدود القرارات الإدارية والتنظيمية للحكومة في حالة الطوارئ بين: اعمال نظرية السيادة وسلطة الرقابة القضائية

حدود القرارات الإدارية والتنظيمية للحكومة في حالة الطوارئ بين: اعمال نظرية السيادة وسلطة الرقابة القضائية

مقدمة:

الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة، ونظام الحكم  وشكل الحكومة، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة، وعليه

فإن سلطة الحكم لا تستطيع اتخاذ إجراءات مخالفة للدستور تحت ستار أعمال السيادة، إعمالا للمبادئ الدستورية التي فلسفتها قائمة على المشروعية الدستورية وجعل جميع قرارات الدولة ومؤسساتها الإدارية خاضعة للرقابة والمحاسبة القضائية وهو المقتضى الذي يكرسه بوضوح الفصل (118) من الدستور فحق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون، وان كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يُمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة، حيث بموجبه

 يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن، وذلك على اساس أنه لا فرق بين السلطة التي تمارس الضبط الإداري والسلطة التي تمارس الحكم، ومن ثم فإن جميع أعمال الحكومة تخضع لرقابة القضاء، فاذا كانت أعمال السيادة وهي القرارات المتعلقة بالأعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بمجلسي البرلمان مقتضاها التدابير الخاصة بالأمن الداخلي والخارجي للدولة وعن العلاقات السياسية أو المسائل الخاصة بالأعمال الحربية وعلى العموم سائر الطلبات المتعلقة بعمل من أعمال السيادة، لذلك فإن القرارات الادارية و التنظيمية الصادرة عن الحكومة بشأن اعلان حالة الطوارئ الصحية أثار الجدل حول مشروعية القرارات الإدارية والتنظيمية، ومدى مطابقته للدستور، كما أثار التساؤل حول مدى إمكانية تصدي محاكم القضاء الإداري للفصل في الخصومات المتعلقة بها ؟

الفقرة الاولى: مبدأ سمو الدستور.

ان تكريس مبدأ سمو الدستور معناه ان حق الدولة ليس أقوى من حق الفرد وأن كلاً من الحقين مستمد من القانون ولا يمكن التذرع بمفهوم أعمال السيادة من أجل استبعادها من اليات الرقابة القضائية

فأعمال السيادة تخضع لرقابة القضاء بمجرد مخالفتها الدستور والقانون، فإذا كان القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له، فعلى هذه السلطات احترام الدستور لأنه هو السند الشرعي لوجودها. ويؤدي إلى تأكيد مبدأ المشروعية ومبدأ تدرج القواعد القانونية و خضوع القاعدة الأدنى درجة للقاعدة الأعلى درجة، كما أن الاختصاصات التي تمارسها السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مفوضة لهم بواسطة الدستور، فلا يحق لها تفويض اختصاصاتها لجهة أخرى إلا بنص صريح من الدستور، وعلى مبنى ذلك يضمن الدستور لكل فرد الحق في سلامة شخص هو أقربائه، وحماية ممتلكاته، كما تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع، وفي هذا السياق  لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، كما  لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة فرض حالات الطوارئ ، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. حتى وإن كان سندها اعمال سيادية لمخالفتها لسمو القواعد الدستورية.

الفقرة الثانية: القرارات الإدارية والتنظيمية للحكومة في حالة الطوارئ، بين نظرية اعمال السيادة ومدى مطابقتها للشرعية الدستورية

.

عرف الدكتور محمود حافظ أعمال السيادة بأنها ( طائفة من أعمال السلطة التنفيذية تتمتع بحصانة ضد رقابة القضاء بجميع صورها أو مظاهرها ) سواء في ذلك رقابة الإلغاء، أو رقابة التعويض، أو رقابة فحص الشرعية ومن خلال هذا التعريف نتساءل حول وضعية

القرارات الادارية والتنظيمية للحكومة في حالة الطوارئ، بين نظرية اعمال السيادة ومدى مطابقتها للشرعية الدستورية، وهكذا فإذا كان للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها  من طرف البرلمان، خلال دورته العادية، إلى جانب امكانيتها في تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، بعد موافقة المحكمة الدستورية، إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها، وهو ما حصل مؤخرا بإصدارها

لمشروع مرسوم بقانون 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، فهل ذلك يعني ان جل قراراتها الادارية و التنظيمية المرتبطة بحالة الطوارئ الانفة ذكرها محصنة وإن خالفت مشروعية القواعد الدستورية؟ وبعبارة اخرى اذا كانت حالة الطوارئ تستدعي

 من الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد، فهل ذلك معناه أن تثقل الحكومة محكوميها بوابل من القرارات الادارية والتنظيمية تحث غطاء اعمال السيادة في حالات الطوارئ رغم الانحراف التشريعي او الموضوعي للدستور؟

الفقرة الثالثة: مدى إمكانية تصدي محاكم القضاء الإداري للفصل في منازعات القرارات الادارية والتنظيمية في حالة الطوارئ

مما لا شك فيه ان  القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون، فحق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون، وبناء عليه فكل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يُمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختص، هذا ما يجسد مبدأ استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، فالملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية، ومجرد الاستناد إلى حالة الطوارئ التي تجسد المظهر الإيجابي للسيادة في اصدار قرارات تنظيمية وادارية مخالفة لأحكام الدستور والتشريع، لا يكفي وحده تبريرا لعدم الخضوع للرقابة القضائية بحسبان الخضوع لرقابة القضاء لا يتنافى في ذاته مع فكرة سيادة الدولة بالمعنى الإيجابي والفصل في المنازعات وإرساء قواعد العدالة والمحافظة على حقوق الدولة وحريات الأفراد

 فأعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة، عما يرتكبون من جنايات وجنح، ماسة للضمانات الدستورية وخارقة لنصوص التشريع، فأثناء ممارستهم لمهامهم يُحدد القانون المسطرة المتعلقة بهذه المسؤولية، لذلك يفرق فقهاء القانون بين أعمال الحكومة بوصفها سلطة تنفيذية تشرف على إدارة وتسيير المرافق العامة، وبين أعمال الحكومة بوصفها سلطة سياسية أو سلطة حكم تباشر صلاحية أوسع في تقدير ملاءمة أعمالها من أجل حماية أرض الوطن واستقلاله، وقيام الدولة، بأركانها ،لذلك تكون خاضعة لحكم القانون في الحالة الأولى، وأعمالها تخضع لرقابة القضاء من حيث المشروعية والملاءمة، وعدم التعسف وغيرها من القواعد التي تحكم التصرفات الإدارية ، ولا تخضع في الحالة الثانية لرقابة القضاء ،ذلك أن نظرية أعمال السيادة تقوم على أن السلطة التنفيذية تتولى وظيفتين: إحداهما بوصفها سلطة حكم والأخرى بوصفها سلطة إدارة ، وتعد الأعمال التي تقوم بها السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم من قبيل أعمال السيادة، والأعمال التي تقوم بها بوصفها سلطة إدارة أعمالاً إدارية

 ولا عبرة لما تدفع به السلطة التنفيذية بهذا الخصوص، لأن العبرة لطبيعة العمل وليس للوصف الذي تعطيه الحكومة له. وفي هذا السياق وتزامنا مع اعلان حالة الطوارئ، فإصدار القرارات الإدارية و التنظيمية في حالة الطوارئ ابتداءً من قبل الحكومة هو عمل سيادي، لكن قبوله مشروط باحترامه للدستور الذي يلزم الحكومة باحترام القانون وحريات الافراد وحقوقهم، وإن لم تقم بذلك، يكون مصير قرارتها واعمالها التنظيمية خاضع للرقابة القضائية مرة أخرى، ويكون على القضاء إلغاء القرار لصدوره بالمخالفة للدستور.