إمكانية التمسك بإبطال التقييدات في مواجهة الغير المقيد حسن النية تعليق على قرار صادر عن محكمة النقض عدد 1840، مؤرخ في 2011/4/19، ملف مدني، عدد 2009/4/1/199.

12 أغسطس 2022
إمكانية التمسك بإبطال التقييدات في مواجهة الغير المقيد حسن النية تعليق على قرار صادر عن محكمة النقض عدد 1840، مؤرخ في 2011/4/19، ملف مدني، عدد 2009/4/1/199.

إمكانية التمسك بإبطال التقييدات في مواجهة الغير المقيد حسن النية

تعليق على قرار صادر عن محكمة النقض عدد 1840، مؤرخ في 2011/4/19، ملف مدني، عدد 2009/4/1/199.

 القــــــاعدة:

  • لا يمكن الاعتداد بمبدأ حسن النية إذا كان عقد شراء العقار المبرم قائما على عقد باطل، فما بني على باطل فهو باطل.
  • بطلان العقد لا يصححه التسجيل بالرسم العقاري من قبل الغير المقيد حسن النية.

يتعلق الموضوع قيد التعليق بالقرار عدد 1840، صادر عن محكمة النقض بتاريخ 2011/4/19، ملف مدني، عدد 2009/4/1/199، وذلك في قضية تهم تسجيل عقار في الرسم العقاري تم شراؤه بناء على سند مزور.

وتعود جذور هذا القرار في مرحلته الابتدائية عندما تقدمت المدعيتان “ن.ل” و “ث.ل” بدعوى ضد “ع.ع”، بعدما تفاجأتا بأن هذه الأخيرة سجلت العقار الذي تملكانه في الرسم العقاري. وبعد إدخال السيد “م” في الدعوى من طرف (ع) ادعى هذا الأخير أنه اشترى العقار من (ن و ث) بعقد عرفي، فطالبت هاتان الأخيرتان من المحكمة الإقرار ببطلان عقدي البيع (عقد البيع العرفي المزعوم بين (ن و ث) و(م) وعقد البيع بين (م وع)، والتشطيب عليهما من الرسم العقاري، لكون العقد العرفي مزور. وهذا ما استجابت له المحكمة الابتدائية وحكمت ببطلان العقدين والتشطيب عليهما من الرسم العقاري.

وهو الحكم الذي استأنفته السيدة (ع.ل)، إلا أن محكمة الاستئناف أيدت الحكم الابتدائي، وتم الطعن فيه بالنقض بعلة خرق القانون الداخلي من طرف محكمة الاستئناف.

وقد قضت محكمة النقض برفض الطلب وتحميل الطالبة الصائر.

إذن، هذه كلها مراحل قطعتها القضية لتصدر فيها أخيرا محكمة النقض القرار موضوع التعليق.

يطرح القرار قيد التحليل والمناقشة أهمية أساسية تتمثل أساسا في الأهمية العملية من حيث كون التعليق على القرارات القضائية يساهم في تجويد العمل القضائي، حيث يسعى المعلق جاهدا من خلال هذه القرارات إبراز الوسائل المؤسسة للطعن وطرق تعامل القضاء معها، ومحاولته كذلك في استخراج والبحث عن الثغرات والنواقص التي تشوب هذه القرارات بحيث قد تساعد المؤسسة القضائية مستقبلا لتجاوزها.

ومن هنا، يمكن استنباط الاشكالات التي يعالجها القرار والتي ستكون محلا للتحليل والنقاش فيما سيأتي بعده تبعا ومنها:

إلى أي حد يمكن الاعتداد بمبدأ حسن النية إذا كانت التصرفات العقارية المبرمة قائمة على عقد باطل؟

هل تصحح العقود الباطلة بتسجيلها في الرسم العقاري من قبل الغير المقيد حسن النية؟

لمقاربة هذا القرار وملامسة إشكالاته الأساسية والمطروحة أعلاه، سأعتمد التقسيم التالي:

أولا: مدى إمكانية التمسك بإبطال التقييدات في مواجهة الغير المقيد حسن النية

ثانيا: إشكالية التوفيق بين حماية الغير المقيد حسن النية وبين المالك الأصلي

أولا: مدى إمكانية التمسك بإبطال التقييدات في مواجهة الغير المقيد حسن النية

لقد أسست الطاعنة بالنقض السيدة “ع.ل” عريضتها المرفوعة إلى محكمة النقض في مواجهة القرار الصادر عن محكمة الاستئناف على أربع وسائل مجتمعة للارتباط تتجلى بالأساس في خرق القانون الداخلي، ويظهر ذلك من خلال خرق الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري خاصة الفقرة الثانية منه، والفصل 3 من ظهير 1915 المطبق على العقارات المحفظة، وكذا الفصل 451 من قانون الالتزامات والعقود، بالإضافة إلى فساد التعليل.

     إن تعليل محكمة النقض بخصوص الوسائل التي تقدمت بها الطاعنة أمامها يتلخص في عدم إمكانية التمسك بمبدأ حسن النية في التصرفات العقارية الباطلة والمسجلة بالرسم العقاري، والعقد المحكوم بزوريته يجعل التصرف هو والعدم سيان، ولأن البطلان لا يصححه التقييد بالرسم العقاري، إعمالا لقاعدة “ما بني على باطل فهو باطل”.

     حيث عللت محكمة النقض هذه القاعدة بأن عقد البيع المزعوم إبرامه في عقد عرفي من قبل السيد (م) قد ثبتت زوريته بمقتضى حكم جنائي، وبالتالي فهو عقد باطل ونفس الأمر يتعلق بالتقييد الواقع بشأنه في الرسم العقاري استنادا إلى القاعدة الفقهية التي تقول “ما بني على باطل فهو باطل” وإن كل تصرف لاحق لهذا العقد هو والعدم سيان ولا تنتج عنه أي أثار قانونية، تطبيقا للقاعدة القانونية “بطلان الالتزام الأصلي يبطل معه الالتزام التابع”. وبما أن الطاعنة استندت على العقد الأول الذي ثبتت زوريته فإنه لا مجال لتمسكها بحسن نيتها.

     وبالتالي فالمحكمة تمسكت في قرارها بزورية العقد وليس بمفهوم الغير الوارد في الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري.

     ومن جملة القرارات القضائية التي تسير في هذا الاتجاه بالإضافة إلى القرار موضوع التعليق نجد:

     القرار عدد 1107، صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 26/03/2008، في الملف المدني عدد 1638/06: “حسن نية المشترين طبقا للفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري لا أثر له على ما تمسكت به الطاعنة من زورية العقد ما دام أن تبوث الزورية يجعله منعدما غير منتج لأي أثر، وإن كان مسجلا بالرسم العقاري، حتى ولو كان المشتري حين النية”.

   كذلك القرار عدد 4285، الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 12/10/2010، في الملف عدد 266/09 والذي جاء فيه أنه “لا تعتد المحكمة بحسن النية المنصوص عليه بالفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري، إذ يتبين لها أن سند تملك الطاعنين باطل لتأسيسه على عقد مزور.”

     ثم القرار عدد 3009، صادر عن نفس المحكمة بتاريخ 21 يونيو 2011، فب الملف المدني عدد 2010/1/1/45: “ما دامت المحكمة الجنائية قضت بإتلاف العقد المزور سند التملك، فإن هذا العقد المؤسس عليه عقد البيع المزور سند التملك، فإن هذا العقد المؤسس عليه عقد البيع يصبح منعدما، ولا مجال لاعتبار حسن نية المشتري في دعوى تسجيل شرائه بالرسم العقاري، إذ أن ما بني على باطل فهو باطل.”

     بالإضافة إلى القرار عدد 5742، صادر عن محكمة النقض بتاريخ 27/12/2011، في الملف عدد  4148/10: “إن تبوث زورية العقد تجعله منعدما وغير منتج لأي أثر وإن كان مسجلا بالرسم العقاري حتى ولو كان المشتري حسن النية، لأن ما نص عليه الفصل 66 من ظهير 1913 من عدم إمكانية التمسك بإبطال التسجيل في مواجهة الغير ذي النية الحسنة لا محل لإعمالها في التصرفات الباطلة والمسجلة بالصك العقاري، وبذلك فإن ما تمسكت به الطاعنة من اكتسابها الحق المسجل على الرسم العقاري، ما دامت مشترية حسنة النية لا أثر له ما دام أن التصرف الباطل لا يصححه.”

     فضلا عن القرار عدد 170، الصادر عن محكمة النقض بغرفتين، بتاريخ 20 مارس 2013، في الملف عدد 2012/1/1/2820: “إن ثبوت التزوير في عقد وقع تقييده بالرسم العقاري لا يمكن أن يكون سببا لإبطال التقييدات اللاحقة ما دام أن الأًصل في تقييد التصرفات والحقوق في الرسوم العقارية هو قرينة حسن النية على صحتها لفائدة الغير ما لم يثبت خلاف ذلك”.

هذا ما يتعلق بالقضاء المغربي، أما الفقه الإسلامي فهو الآخر سلك نفس الاتجاه، فقد جاء في شرح الشيخ سعد الشثري لمنظومة القواعد الفقهية للسعدي “ومن القواعد في ذلك: أنه إذا كان المتبوع فاسدًا فسد التابع، ويعبر عنها بعض الفقهاء بقولهم: ما بني على الفاسد فهو فاسد، وما بني على الباطل فهو باطل”.

وفي نفس السياق، قال شرف الدين العمريطي الشافعي في نظمه للورقات:

“فالأصل ما عليه غيره بني ** والفرع ما على سواه ينبني”

ومغزى هذه القواعد، أن ما بني على مقدمات باطلة تنتج عنه نتائج باطلة، وما بُنِي على مقدمات صحيحة أنتج النتيجة الصحيحة، فالتابع يأخذ حكم ما هو تابع له. وبالتالي، فإذا بطل الأصل بطل الفرع. ومقابله في القواعد القانونية: “بطلان الالتزام الأصلي ينتج عنه بطلان الالتزام الفرعي”. وبمفهوم المخالفة فإن بطلان الالتزام التابع لا يبطل معه الالتزام الأصلي. وبما أن العقد الأول المزعوم إبرامه باطل لزوريته فالبيع والتقييد باطلان.

وبقراءتنا المتأنية للقرارات القضائية السالفة الذكر نجد من ضمنها القرار قيد التعليق، كما يتضح أن مقتضياتها ليست إلا خروجا عن القاعدة القانونية واستثناء من الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري الذي منح حماية مطلقة للغير المقيد حسن النية بقوله: “كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده، وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية. لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة.”

     وبالتالي، فالأصل هو عدم التمسك بإبطال أي تقييد في الرسم العقاري في مواجهة الغير المقيد حسن النية. وهو ما استقر عليه القضاء في عديد من قرارته ونستحضر منها القرار الصادر عن المجلس الأعلى عدد 404، بتاريخ 7/9/2005، في الملف الشرعي عدد 506/02: “إن ما يقع من إبطال أو تغيير لاحق لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المسجل عن حسن النية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، فحجية التسجيل بالنسبة للغير حسن النية تكتسي قوة طاعنة”.

وفي قرار آخر صادر عن نفس المجلس عدد 332 المؤرخ في 2006/12/01 ملف مدني عدد 1689/12/2004: “لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال تسجيل الحقوق العينية المتعلقة بعقار محفظ في مواجهة الغير حسن النية.”

ثانيا: إشكالية التوفيق بين حماية الغير المقيد حسن النية وبين المالك الأصلي للعقار

      تنص المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية على ما يلي: “إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها.

      إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه”.

     أما الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بالقانون 14.07 فينص على ما يلي: “كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده، وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.

     لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة.”

     وبقراءتنا لهذين النصين، يتضح أن هناك اختلافا بين مقتضياتهما، فالتقييدات الواردة في المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية تنصرف إلى ما قبل تأسيس الرسم العقاري وما بعده، بينما التقييدات الواردة في الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري تنصرف إلى ما قبل تأسيس الرسم العقاري.

     كذلك أقر المشرع من خلال مقتضيات المادة الثانية مبدأ التوازن واتخذ طريقا وسطا من خلال محاولته التوفيق بين استقرار المعاملات (أقصد الغير المقيد حسن النية) وبين حماية الملكية العقارية (أقصد المالك الحقيقي للعقار). وهنا نتساءل أين يكمن هذا التوفيق؟

     إن تقييد الغير حسن النية حقا عينيا بالرسم العقاري يجعلنا نفترض فيه أنه صاحب الحق الحقيقي، وبالتالي يكون للحق الذي تم تقييده حجة في مواجهة الأغيار. وهنا تكمن الحماية الأولى التي أقرها المشرع للغير المقيد حسن النية وذلك لغاية هي استقرار المعاملات.

   إلا أن المشرع لم يكتف عند هذه الحماية المقررة للحقوق العينية المقيدة من طرف الغير حسن النية، وإنما فتح المجال للمتضرر للمطالبة بحقه وذلك شريطة أن يكون ضحية تدليس أو تزوير أو استعماله، داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه.

     والملاحظ، أن المشرع استبعد الوسائل الأخرى واكتفى بوسيلتي التدليس أو التزوير فقط، وهاتين الوسيلتين استثناء من الفصل 66 من ظ ت ع.

     ومن هنا يمكن القول، إن المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية ليست إلا تكريسا للاجتهادات القضائية السالفة الذكر فيما يتعلق بوسيلة التدليس أو التزوير بالخصوص.

     بينما مقتضيات الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري، منحت حماية مطلقة للغير المقيد حسن النية مقارنة بالحماية الواردة في المادة الثانية، بحيث تكون الحقوق العينية المقيدة على عقار محفظ من قبل الغير حسن النية، لها الحجية في مواجهة الأغيار ولا يمكن لأحد بما فيه المالك الحقيقي التمسك ببطلانها، وبمفهوم المخالفة فإن الحقوق العينية المتعلقة بعقار محفظ لا تكتسب الحجية ولا تكون موجودة إلا ابتداء من تاريخ تقييدها بالرسم العقاري.

     ونقطة التلاقي بين المادة الثانية والقرار موضوع التحليل والمناقشة، تظهر في أن كلا مقتضياتهما يقران أنه لا مجال للتمسك بمبدأ حسن النية في التقييدات إن ثبت أن السند المؤسس للتقييد أو أصل الحق كان موضوع تزوير أو استعماله (هنا يجب استحضار أجل أربع سنوات الوارد في المادة 2 من م.ح.ع، فبمروره لا يكون للمتضرر إلا حق المطالبة بالتعويض). والقضاء المغربي ذهب في نفس المنحى، فإلى جانب القرارات السابقة الذكر في هذا الصدد، هناك كذلك القرار الصادر عن المجلس الأعلى عدد 2854 بتاريخ 23/7/2008 ملف مدني عدد 1696/1/1/2004: “الأولى بالحماية هو المالك الحقيقي طالما أن حق الملكية مضمون وأنه لا مجال للاستدلال بحسن النية طالما أن الوكالة التي انعقد البيع الأول على أساسها تبثث زوريتها، وأن ما يبنى على التزوير لا يترتب عنه أي أثر قانوني سواء بالنسبة للمتعاقدين أو خلفائهما من جهة أخرى، وأنه خلافا لما أثاره الطاعن فإن كل ما ضمن في السجل العقاري من تسجيل يمكن أن يشطب عليه بموجب حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به عملا بالفصل 91 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري”.

     وعليه، إن المشرع العقاري المغربي في ظل الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري لم يمنح الفرصة لصاحب الحق أو المالك الحقيقي للمطالبة بحقه الذي تم الإضرار به، لكن القضاء المغربي في عدد من قراراته خرج عن هذه القاعدة القانونية ومنح الإمكانية للمالك الأصلي المتضرر من المطالبة بحقه كاستثناء من الفصل 66 وخير مثال القرار موضوع الدراسة، وهذا ما تم تكريسه بمقتضى المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية في فقرتها الثانية التي أقرت  للمالك الأصلي المتضرر المطالبة بحقه إذا كان ضحية تدليس أو تزوير أو استعماله مع إضافة أجل 4 سنوات يجب التقيد بها لمباشرة الدعوى تحت طائلة سقوط الحق.

     ومنه نقول، إن المادة 3 من ظهير 1915 الملغى بمدونة الحقوق العينية سنة 2011 باعتبارها أصل المادة الثانية الحالية لم يتم تعديلها بهذه الأخيرة إلا بعد صدور مجموعة من القرارات القضائية التي أقرت مبدأ ما بني على باطل فهو باطل ولو كان الغير المقيد حسن النية والتي أثرت على المشرع بشكل مباشر أو بغير مباشر، ومنها حاول التوفيق بين حماية الغير المقيد حين النية لغاية استقرار المعاملات وبين حماية الملكية العقارية التي بموجبها يتم حماية المالك الأصلي.

خاتمــة:

 ونافلة القول، إن قرار محكمة النقض برفض طلب الطاعنة، وتأييدها للقرار الاستئنافي القاضي بزورية العقد العرفي، وإن تعليلها للوسائل المقدمة أمامها من طرف الطالبة، كانت محكومة على صواب.

     وبالتالي، فمحكمة النقض وفقت إلى حد كبير في قرارها حيث أيدت محاكم الموضوع بخصوص بطلان العقدين مع التشطيب عليهما من الرسم العقاري، إعمالا للقاعدة الفقهية “ما بني على باطل فهو باطل”، حيث لا مجال للتمسك بمبدأ حسن النية في التصرفات العقارية الباطلة، وإن هذه الأخيرة لا يصححها التسجيل بالرسم العقاري من قبل الغير المقيد حسن النية. وبما أن الطاعنة استندت على العقد الأول الذي ثبتت زوريته بمقتضى حكم جنائي، فإن ذلك يجعل التصرفات اللاحقة له منعدمة ولا تنتج أي آثار قانونية تطبيقا للقاعدة القانونية “بطلان الالتزام الأصلي يبطل الالتزام التابع”.

     إن الأصل في ظهير التحفيظ العقاري طبقا للفصل 66 منه هو عدم التمسك بإبطال أي تقييد في الرسم العقاري في مواجهة الغير المقيد حسن النية. لكن الواقع العملي وما يطرحه من دعاوى أمام القضاء أسفر على إصدار مجموعة من القرارات خرجت عن القاعدة القانونية الواردة في الفصل المذكور أعلاه فيما يتعلق بالتقييدات المبنية على سندات مزورة، حيث منحت الحماية الأولى للمالك الأصلي على خلاف الفصل 66 الذي منح حماية مطلقة للغير المقيد حسن النية، وهو ما تم تكريسه في ظل المستجدات العقارية، حيث حاول المشرع العقاري المغربي من خلال مقتضيات الفقرة الثانية من المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية خلافا للمادة 3 من ظهير 2 يونيو 1915 الملغى والفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري، أن يسلك طريقا وسطا بين حماية المالك الحقيقي للعقار الذي يمكن أن يكون ضحية تدليس أو تزوير وبين الغير المقيد عن حسن النية، وذلك من خلال اشتراط المشرع على الأول بأن يرفع الدعوى للمطالة بحقة داخل أجل 4 سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه. كما نجد مقتضيات هذه المادة جاءت لمواجهة الاستعمال السيء لمبدأ حجية التقييدات، بحيث جعلت له مدة محددة في 4 سنوات من تاريخ التقييد، بمرورها يصبح المقيد حسن النية محميا من كل مطالبة قضائية قد تؤثر على مركزه القانوني كصاحب حق عيني. وبالتالي فالمشرع قد زاوج بين الحجية النسبية والحجية المطلقة.