قراءة في تقرير مؤسسة وسيط المملكة برسم سنة 2021 المرفوع إلى جلالة الملك

13 مارس 2023
قراءة في تقرير مؤسسة وسيط المملكة برسم سنة 2021 المرفوع إلى جلالة الملك

قراءة في تقرير مؤسسة وسيط المملكة برسم سنة 2021 المرفوع إلى جلالة الملك

صدر بالجريدة الرسمية عدد 7156 مكرر بتاريخ 30 دجنبر 2022، تقرير مؤسسة وسيط المملكة السنوي المرفوع إلى جلالة الملك برسم سنة 2021، وما أثار انتباهي من المهلة الأولى، وقوف مؤسسة وسيط المملكة عند أن أكبر تحدي تواجهه في تدخلاتها يتمثل في حمل الإدارة على الانخراط في فلسفة الوساطة المؤسساتية، وبالتالي الاستجابة لانتظارات من يلجأ إلى خدماتها بإجراءات ميسرة وداخل الآجال المعقولة. وهذا الوضع يجب القطع معه ولو بتدخل تشريعي زجري، كما أن المؤسسة سجلت سنة 2021، 5409 ملفات، همت شكايات وتظلمات وطلبات تسوية، منها 3547 تدخل في اختصاص المؤسسة مقابل 3289 ملفات خلال سنة 2021، وهذا كثير. كما أنه على مستوى التوصيات أصدرت ما مجموعه 190 توصية جديدة.

لكن المثير للانتباه حقا، ما تضمنه المحور الأول المتعلق بمقترحات وسيط المملكة، المبادرة التلقائية، الوارد ضمن الجزء الثاني الخاص بتدخلات المؤسسة – خارطة الطريق لمواجهة الهشاشة الارتفاقية. ذلك أنه طبقا للمادة 42 من القانون رقم 14.16 المنظم لمؤسسة وسيط المملكة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.43 بتاريخ 11 مارس 2019 التي تنص على أن الوسيط يرفع، في إطار اختصاصاته وبصفته قوة اقتراحية لتحسين أداء الإدارة والرفع من جودة الخدمات العمومية التي تقدمها ، تقارير خاصة إلى رئيس الحكومة تتضمن توصيات ومقترحات، رفعت المؤسسة وبمبادرة تلقائية جملة من التقارير إلى رئيس الحكومة باعتباره مخولا بحكم الدستور بالتعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية وفي الوظائف السامية في المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية في الحدود المسموح به في مجال التعيين في المناصب العليا، كما أن الإدارة موضوعة تحت تصرف الحكومة التي يرأسها، فضلا عن تمثيل الدولة أمام القضاء طبقا للفصل 515 من قانون المسطرة المدنية، نذكر ما يلي :

– I – علاقة الإدارة العمومية بالمرتفق: حيث تضمن 4 مقترحات تتمثل في :

  1. مقترح بوجوب التفكير في خلق مرصد لدراسة واقع عدم اللجوء إلى بعض الخدمات المرفقية المتوفرة؛
  2. مقترح بشأن إيجاد آلية تشريعية لتفعيل ثقافة الاعتذار لدى الإدارات العمومية؛
  3. مقترح بإيجاد قائمة مرجعية للتقييم الذاتي لعلاقة الإدارة بمرتفقها؛
  4. مقترح حول قرار الحكومة بضرورة إدلاء المرتفقين بجواز التلقيح كشرط لولوج الإدارات العمومية.

– II -علاقة الإدارات العمومية فيما بينها، وقد تضمن مقترحا فريدا يتعلق بتسوية الخلافات الناشئة بين الإدارات العمومية .

وهذا المقترح يتماهى مع منشور رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني رقم 10/2021 بتاريخ 19 مايو 2021 حول موضوع التوفيق بين الإدارات في النزاعات الناشئة في ما بينها .

– III – الحق في وضعية إدارية سليمة،

وقد تضمن مقترحين،

الأول بخصوص وضعية مستخدمي الإنعاش الوطني،

الثاني هم شروط استحقاق الأشخاص في وضعية إعاقة لمعاش الأيتام من خلال تطبيق مقتضيات قانون المعاشات العسكرية والمدنية .

– IV – المحافظة على المال العام،

وقد تضمن كذلك مقترحا فريدا ويتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة وأشخاص القانون العام .

ونظرا لأهمية المبادرة التلقائية الأخيرة المتعلقة بالمحافظة المال العام، سنحاول التفصيل في هذا المحور. ذلك أنه حسب تقرير مؤسسة وسيط المملكة السنوي المرفوع إلى جلالة الملك برسم سنة 2021 السالف الذكر، اشتغلت المؤسسة بشراكة وتعاون مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمديرية العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة على موضوع تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة وباقي أشخاص القانون العام، وخلص الحاضرون إلى أنه يجب بدل مجهود إضافي لتأمين استخلاص مستحقات أشخاص القانون العام بإعمال كل ما يخوله القانون من مقتضيات وسد الثغرات القانونية في هذا المجال .

وبناء عليه رفعت مؤسسة وسيط المملكة لرئيس الحكومة التوصيات التالية:

  1. الحرص في مباشرة إجراءات استخلاص مستحقات الإدارة على الموازنة بين متطلبات حماية المال العام والمشروعية؛
  2. دعوة السلطة التشريعية إلى سن نص تشريعي لسد الفراغ القانوني أو نقص تشريعي في مجال مساطر التحصيل؛
  3. العمل على معالجة ما يطرأ من إشكاليات نتيجة تزاحم الديون العمومية؛
  4. التعجيل باستخراج مشاريع القوانين المتعلقة بالمسطرتين المدنية والجنائية ولا سيما في باب التنفيذ؛
  5. إعادة النظر في الآجال المرسومة لمباشرة إجراءات تحصيل الديون العمومية من تقادم وسقوط وإجراءات قاطعة أو موقفة حتى يتسنى للجهات المختصة حسن استخلاص تلك الديون لتفادي ما تعرفه الساحة من إهدار المال العام؛
  6. العمل على تحديد وضبط مختلف المصطلحات القانونية المتعلقة بالإجراءات الماسة بحق الملكية؛
  7. مراعاة ما يكون للأغيار من حقوق على الأملاك موضوع التنفيذ الجبري السابقة على حدوثه؛
  8. التفكير في إحداث هيئة مستقلة يعهد إليها بتنفيذ واتخاذ الإجراءات التحفظية عند الاقتضاء وذلك من أجل ضمان استخلاص مستحقات أشخاص القانون العام مع تزويدها بكل الإمكانيات لتحصين الديون العامة من التقادم والسقوط؛
  9. إيجاد حلول تنظيمية لما يعرفه المراس من صعوبات في الحصول على النسخة التنفيذية عند تعدد المحكوم لهم أو الجهات الملزمة بالتنفيذ.

وبناء على ما سبق، نقر بأن كل هذه المقترحات دقيقة وتتميز بالعمق وحسن الاستخلاص، كما أنها تعتبر صوت الموضوعية، ذلك أن كل الأصوات أو تكاد التي ترفع داخليا تعزف على قيثارة تنفيذ المقررات القضائية في مواجهة الدولة وأشخاص القانون العام، بل وحتى الأسئلة الموجهة للحكومة لا تخرج عن هذا الإطار، ولكننا الآن داخل التوصيات ومقترحات مؤسسة وسيط المملكة يتم التعامل بالقسط، إذ من المفروض أن المقررات القضائية النهائية ملزمة للجميع سواء الأفراد أو الأشخاص العامة أو الخاصة  

صحيح أن هناك صعوبة في تنفيذ كل المقررات القضائية الصادرة ضد أشخاص القانون العام ولا سيما في مجال القضاء الشامل، وقد أوجد لها القانون المالي لسنة 2020 في المادتين 8 و 9 الحلول حتى لو كانت نسبية، ولكن الإشكاليات التي بقيت عالقة بتلك المقررات القضائية الانتهائية الصادرة لفائدة الدولة وأشخاص القانون العام، بحكم الثغرات القانونية والخصاص في الأطر الإدارية المتخصصة في مجال المنازعات القضائية، سواء بحكم الندرة أو التهميش أو قلة الوسائل المادية والقانونية التي بين أيديها، فضلا عن إقرار المشرع لتقادمها التقادم القصير.

وهنا أشير بحكم عملي في مجال مصالح التشريع والنزاعات سواء على مستوى مديرية أملاك الدولة أو الكتابة العامة للجماعات الترابية، بأنه باستثناء بعض أطر الوكالة القضائية للمملكة، فإن العاملين بمصالح النزاعات القضائية لا يوجدون في منزلة مريحة بداية، بسبب أن جلهم يتنقل بوسائله الخاصة ولاسيما على مستوى المصالح الخارجية، كما يحصلون على نسخ الأحكام القضائية والمذكرات والعرائض غير تلك المبلغة إليهم اعتمادا على مالهم الخاص إلا من رحم ربي، كما أنهم يعاملون بكتابة الضبط وقاعات جلسات المحاكم كما لو أنهم متقاضون من العموم ولا يلقون أدنى مساواة مع زملائهم المحامين، ذلك أن الذي يمثل الدولة أمام المحاكم فهو يقوم بدور محامي الدولة من الناحية الفعلية، ويعتبر حقيقة من مساعدي القضاء، وبالتالي من المفروض أن يحصل على تعويضات إضافية ويمثل ببدلة خاصة تماما كالمحامي الذي وإن يعتبر من مساعدي القضاء فهو ينتمي إلى مهنة حرة .

ثم كيف يعقل أن الدولة تمثل أمام القضاء من طرف مجموعة من المرافق الإدارية بعضها منصوص عليها في الفصلين 514 و 515 من قانون المسطرة المدنية والبعض الآخر في نصوص مبعثرة وغير متناسقة؛ نذكر مثلا، الأوقاف والملك العام والجماعات الترابية وحوادث السير ……، وكان من الواجب والمستعجل إخراج قانون هيئة قضايا الدولة للوجود إسوة ببعض الدول العربية كمصر مثلا.

ولا يخفى كذلك أننا على مستوى مديرية أملاك الدولة وجدنا صعوبة جمة في تنفيذ المقررات القضائية المتعلقة بجرائم المخدرات، وأذكر هنا ما صاحب تنفيذ الأحكام النهائية بالمصادرة طبقا لظهير 21 مايو 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات. حيث كان التنفيذ متعثرا، كما أن بعض منطوق الأحكام تعلق بمصادرة العقارات المتحصلة من الاتجار في المخدرات لفائدة الخزينة العامة وهي غير معنية، كما يتم التبليغ لهذه الأخيرة من أجل التنفيذ، فتحيل هذه الأخيرة على مديرية أملاك الدولة من أجل الاختصاص، وعندما يتحرك أطر هذه المديرية من أجل التنفيذ، يجابهون بأنهم غير مختصين بقوة منطوق الحكم، ويبقى الوضع على ما هو عليه إلى حين أن تتدخل الوكالة القضائية للمملكة في بعض الأحيان ومتابعة إجراءات قانونية معقدة في التنفيذ. لذلك كان من المفروض أن يتضمن الحكم أو المقرر القضائي المصادرة لفائدة الدولة، أو إدخال مديرية أملاك الدولة في كل الجرائم التي من الممكن أن تصدر فيها عقوبة المصادرة وخاصة قضايا جرائم المخدرات. وهذا هو المطلوب في مشروع قانون المتعلق بالمسطرة الجنائية. ونفس الأمر يسري على الحالة التي تتوفر الجهات المحكوم عليها بمصادرة الأوراق المالية والأسهم وغيرها. لذلك أضم صوتي لمؤسسة وسيط المملكة بخصوص إنشاء جهة إدارية تعمل تحت إشراف رئيس الحكومة مهمتها السهر على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لفائدة أو ضد الدولة وأشخاص القانون العام تضم الأطر القضائية، أو الإدارية النشيطة، أو في وضعية التقاعد الإداري، والتي عملت في مجال النزاعات القضائية، بحكم ما حصلته من خبرة واحتكاك مباشر بالنزاعات القضائية وتنفيذها.

ويبقى السؤال العالق هل عملت مديرية أملاك الدولة على تنفيذ المقررات القضائية المتعلقة بالمصادرة في جرائم المخدرات، وهل تم نقل المبالغ المالية المحصلة من المخدرات إلى الميزانية العامة للدولة وخاصة التي تتخذ شكل ودائع بنكية أو تلك المخبأة في الصناديق بالأبناك المركزية وفروعها؟

وفي الأخير نتساءل عن مبررات عدم تنفيذ كل المقررات الصادرة عن محكمة العدل الخاصة التي تدخل المشرع، يا حسرة، بمقتضى القانون رقم 79.03 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي وبحذف المحكمة الخاصة للعدل الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 15 شتنبر 2004، من أجل وضع حد لوجودها، ثم أحال ملفاتها على غرف الجنايات لدى محاكم الاستئناف للنظر فيها، وما ترتب على ذلك من عراقيل قانونية وذاتية؟ (للمزيد من التفصيل راجع عبد الله الشرقاوي: قضايا اختلاس المال العام في المغرب، سلسلة ذاكرة وحقوق عدد 3 الطبعة الثالثة السنة 2022) .

والأمل معقود على رئاسة الحكومة من أجل إعطاء الأولوية والأهمية المطلوبة لتنزيل مقترحات مؤسسة وسيط المملكة لجديتها وطابعها الاستعجالي، فضلا عن الزاميتها في إطار القانون الجديد المنظم للمؤسسة، على الأقل من الناحية الأخلاقية.