قراءة عملية في الإشكالات القانونية لليمين

24 مايو 2020
قراءة عملية في الإشكالات القانونية لليمين

قراءة عملية في الإشكالات القانونية لليمين

مقدمة:

تلعب وسائل الإثبات دورا مهما في حماية حقوق الأشخاص، حيث تعتبر العوامل المساهمة في حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و ضمان حرياتهم و تكريس أمنهم القضائي و تطبيق القانون، فالقضاء لا يمكن أن يفصل في نزاع معين دون تقديم كل طرف ما لديه من حجج و دلائل تثبت ما يدعيه.

هكذا فإن لوسائل الإثبات أهمية خاصة، ذلك أن الحق الذي هو موضوع النزاع يتجرد من كل قيمة إذا لم يقم الدليل أو الحجة على الواقعة التي يستند إليها.

و تنقسم وسائل الإثبات  إلى نوعين، منها ما يدخل في القواعد الموضوعية و منها ما يدخل في القواعد الشكلية ، فالقواعد الموضوعية هي التي تبين مختلف الأدلة و قيمة كل واحدة منها، كما تبين من يقع عليه عبئ الإثبات و ما يجب عليه إثباته و هذه الأدلة هي إقرار الخصم، الحجة الكتابية، شهادة الشهود، القرائن ، اليمين و النكول عنها، و هو ما تم التنصيص عليه في الفصل 404 من قانون الالتزامات و العقود .

أما بالنسبة للقواعد الشكلية، فهي تلك الإجراءات و المساطر التي تتبع في تقديم أو هدم الأدلة أمام القضاء، كالأبحاث و الخبرة و اليمين….

و لما كان المشرع المغربي أخذ بالتصنيف الذي يدرج اليمين و شهادة الشهود، ضمن ما يوصف بوسائل الإثبات الشكلية، فقد نص الفصل 460 من قانون الالتزامات و العقود على أن الأحكام المتعلقة باليمين مقررة ضمن قانون المسطرة المدنية.

في عرضنا هذا سوف نقتصر على مؤسسة اليمين، هذه الأخيرة لم يعرفها المشرع المغربي  مما يحتم علينا  الرجوع إلى التعاريف الفقهية حيث عرفها الأستاذ إدريس العبدلاوي هي إشهاد الله تعالى على صدق ما يخبر به الحالف[1].

و تتجلى أهمية اليمين في أنها تشكل وسيلة إثبات غير مادية تعتمد على الوازع الديني لفض النزاع، و إيصال الحق لصاحبه عند انعدام وسائل الإثبات المادية.

تجدر الإشارة إلى أن اليمين نوعان، يمين حاسمة و يمين متممة، فاليمين الحاسمة هي يمين يوجهها الخصم إلى خصمه يحتكم إلى ضميره و تكون غايته من ذلك هي حسم النزاع نهائيا. أما اليمين المتممة هي يمين توجهها المحكمة تلقائيا إلى أي من الطرفين من أجل استكمال الأدلة التي قدمها هذا الطرف أو ذاك.

من هنا أممكنا أن نتساءل إلى أي حد استطاع المشرع المغربي تنظيم اليمين من خلال قانون المسطرة المدنية وما هي الإشكاليات العملية التي تطرحها ؟

يتفرع عن هذا الإشكال المحوري إشكاليتين فرعتين :

   ما مدى حجية اليمين الحاسمة وفق التشريع المغربي ؟

 ما هو التنظيم القانوني لليمين المتممة  وفق التشريع المغربي  ؟

للإجابة عن هذه الإشكاليات المطروحة ارتأينا تناولها وفق  التصميم التالي:

المبحث الأول : اليمين الحاسمة .

المطلب الأول:مفهوم اليمين الحاسمة و شروطها.

المطلب الثاني: إجراءات توجيه اليمين الحاسمة و آثارها.

المبحث الثاني: اليمين المتممة

المطلب الأول: اليمين المتممة خصائصها و شروطها.

المطلب الثاني : إجراءات توجيه اليمين المتممة و آثارها.

المبحث الأول: اليمين الحاسمة

سوف نتناول في هذا المبحث مفهوم وشروط اليمين الحاسمة، قبل بسط الإجراءات التي تواكب أداءها.

المطلب الأول:مفهوم اليمين الحاسمة و شروطها

لم يعرف المشرع المغربي اليمين الحاسمة مما يحتم علينا تعريفها، حيث يقصد باليمين الحاسمة تلك التي يوجهها الشخص الملزم بالإثبات، و الذي تجرد قوله من أي دليل، يطلب بواسطتها أداء المدعى عليه اليمين على براءة ذمته حيال المدعي من الحق المدعى به. هذا و تجدر الإشارة إلى أن المشرع أشار لها في الفصل 85 من قانون المسطرة المدنية حيث يقتضي الفصل على أنه “إذا وجه أحد الطرفين اليمين إلى خصمه لإثبات ادعائه أو ردها هذا الأخير لحسم النزاع نهائيا فإن الخصم يؤدي اليمين في الجلسة بحضور الطرف الآخر أو بعد استدعائه بصفة قانونية “.

و من أجل توجيه اليمين الحاسمة، يجب أن يتم ذلك من قبل المدعى الذي تجرد قوله من دليل والمتمتع بأهلية القانونية، وأن توجه إلى مدعى عليه متمتع بنفس الأهلية .

الشرط الأول: أن يتم توجيه اليمين إلى الخصم

من أجل تمييز المدعي من المدعى عليه نستحضر هنا الضوابط التي قمنا بدراستها، ولأن المدعي هو الملزم بالإثبات، فإنه إذا عجز عن الإتيان بدليل يعزز ادعاءه، تبقى اليمين الحاسمة مسلكا أخيرا يتخذه، مستسلما للذمة الدينية للمدعى عليه، وهي مكنة تخصه ولا تشترك معه فيها المحكمة،  بحيث يقتصر دورها على مراقبة مدى توفر اليمين الحاسمة على شروطها، لتطلب من المدعي عليه أداءها، في حين لا يمكن لهذا الأخير أن يوجه اليمين للمدعي، لأنه غير ملزم بالإثبات بالرغم من أن الفصل 85 من ق.م.م تحدث عن توجيه اليمين من أحد الطرفين إلى خصمه دون تمييز، فإذا طلب المدعى عليه من المحكمة توجيه اليمين إلى المدعي، فإنها ترد طلبه هذا معللة بأن المدعي هو الملزم بالإثبات، وهو من يملك توجيه هاته اليمين، انطلاقا من القاعدة الفقهية البينة على المدعي واليمين على من أنكر، ولا نرى مسوغا لقبول توجيه اليمين من المدعى عليه إلى المدعي، لأن الإثبات يتحمل بعبئه المدعي، واليمين وسيلة من وسائل الإثبات لذلك فإنها قاصرة على المدعي.

وقد يطلب المدعي توجيه اليمين المتممة، والحال أن ادعاءه مجرد من أي دليل، في هاته الحالة فإن المحكمة تكيف طلبه على أن المقصود به هو اليمين الحاسمة، تطبيقا للفصل 3 من ق.م.م الذي يخول المحكمة صلاحية تكييف طلبات الأطراف تكييفا صحيحا.

الشرط الثاني: شرط الأهلية

من شروط إقامة الدعوى أن يكون المدعي متمتعا بأهلية التقاضي، وهي بلوغه 18 سنة وألا يكون محجورا عليه بأحد أسباب الحجر، والأشخاص ناقصي الأهلية يرفعون الدعوى بمعية نائبهم القانوني، فهل يحق للقاصر توجيه اليمين الحاسمة؟ وهل تكون مقبولة اليمين الحاسمة التي يوجهها النائب القانوني؟.

لم يعالج المشرع المغربي هاته الإشكالية، إلا أن المؤكد هو عدم قبول اليمين الموجهة من القاصر، لكونها تعتبر تبرعا، أما  النائب القانوني على مستوى القانون المغربي، فالأب باعتباره وليا شرعيا له صلاحية إدارة أموال القاصر بدون إذن مسبق، عندما لا يتجاوز مبلغها 200000 درهم كما تنص على ذلك المادة 240 من مدونة الأسرة، كما أن له صلاحية التصرف في المنقولات دون إذن مسبق، لكون الفصل 201 من ق.م.م لم ينص على الولي الذي هو الأب والأم من بعده، فلهم صلاحية التصرف في المنقولات، وهي صلاحية تمتد إلى توجيه اليمين الحاسمة لكون الدعوى تدخل في حكم أعمال الإدارة، بينما في العقار فإن الفصل 207 من ق.م.م لم يميز بين الولي والوصي والمقدم، فكل هؤلاء يحصلون على إذن مسبق من أجل التصرف في عقار القاصر إذا تجاوزت قيمته 2000 درهم، مما يجعل اليمين الحاسمة توجه استنادا إلى إذن مسبق من القاضي.

وحاصل كلامنا في هاته النقطة أن القاصر والمحجور عليهم لا يوجهون اليمين الحاسمة، بل يوجهها نائبهم القانوني، فإذا كان وليا لم يكن بحاجة إلى إذن مسبق، إلا إذا تجاوزت قيمة المنقول محل الدعوى 200000 درهم، أما إذا كان وصيا أو مقدما فهؤلاء يحصلون على إذن مسبق من القاضي المكلف بشؤون القاصرين، في الدعاوى  المتعلقة بالمنقولات والديون والعقارات التي تتجاوز قيمتها 2000 درهم.

تجدر الإشارة إلى أن الوكيل – حتى وإن تعلق الأمر بوكالة التقاضي – لا يحق له توجيه اليمين الحاسمة أو قلبها، إلا إذا كان مأذونا له في ذلك إذنا خاصا، استنادا إلى ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 894 من ق.ل.ع، ويندرج في حكمه المحامي، كما قضت بذلك المادة 30 [2]من قانون المحاماة في فقرتها الثالثة، مشترطة وكالة مكتوبة.

أما بالنسبة للشخص المعنوي فهناك اتجاهان في الفقه، اتجاه يعتبر أن اليمين لا يوجهها الشخص المعنوي  و لا يؤديها، لكون الممثل القانوني ليس معنيا في ذمته المالية في اليمين بل الشخص المعنوي هو المعني، وأن الممثل القانوني له تمثيل مسطري وليس تمثيل للحق أو للذمة المالية للشخص المعنوي، بينما يذهب اتجاه ثان إلى القول بأن الشخص المعنوي حتى وإن كان مسيرا بواسطة ممثله القانوني، إلا أن هذا الأخير هو الذي يقوم بإبرام التصرفات المجسدة لإرادة الشخص المعنوي، لذلك فإن الممثل القانوني يمكن أن يوجه اليمين ويمكنه أداؤها، في حدود التصرفات التي يجريها لتسيير المؤسسة.

الشرط الثالث: أن يتجرد قول المدعي من أي دليل قانوني.

تقوم المحكمة بممارسة رقابتها على قانونية اليمين الحاسمة، بحيث لا تطلب من الطرف الموجهة إليه أداءها إلا بعد أن تتأكد بأن الملف جاء خلوا من دليل يثبت الواقعة محل اليمين، أما إذا اتضح لها وجود وسيلة إثبات غير اليمين فإنها تأخذ بها، وترفض طلب توجيه اليمين، ولو تمسك بها الموجهة إليه.

لو اعتبرنا بأن اليمين تنازل عن وسائل الإثبات، فعلينا أن نستحضر بأنها فقط وسيلة من بين وسائل أخرى، لذلك فإنه لا معنى لاستبعاد حجة كتابية لمجرد أن المدعي أدلى بشهود لتأكيدها، كما لا يمكن استبعاد باقي الوسائل لأن المدعي  وجه اليمين الحاسمة، ثم كيف نعتمد على بداية حجة ونعززها باليمين المتممة، في حين عند وجود دليل كامل، نستبعده ونحتكم لليمين، بالرغم من أنها ليست بدليل مادي، لذلك فإن وجود وسيلة إثبات كاملة توجب استبعاد الطلب الرامي إلى توجيه اليمين الحاسمة، خصوصا أن الحديث النبوي التي استمدت منه القاعدة أوجب البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، فهي وسيلة إثبات احتياطية وليست أصلية، وإلا فإن الاحتكام إلى منطق القرار يجعل اليمين تستعمل وتكون ملزمة ولو أدلى المدعى عليه بدليل يفيد إبراء ذمته، وتمسك مع ذلك المدعي باليمين، فهنا يظهر التعسف في توجيهها.

أما إذا تبين بأن هناك بداية حجة، هل يحق للمحكمة أن تعتبر اليمين متممة وليست حاسمة، مخالفة بذلك الطلب الذي تقدم به موجه اليمين، واصفا إياها  بالحاسمة، نعتقد بأن المحكمة في إطار ممارستها لسلطة تكييف طلبات الأطراف تكييفا قانونيا صحيحا، على ضوء وقائع النزاع، يمكنها أن تعتبر اليمين متممة، لتعزز بها دليلا حواه ملف القضية، كما يمكن للمحكمة أن تكيف اليمين المتممة على أنها في الحقيقة حاسمة.

المطلب الثاني: إجراءات توجيه اليمين الحاسمة  و آثارها

نتناول في هذا المطلب إجراءات طلب وأداء اليمين الحاسمة في (الفقرة الأولى)، تم آثارها في (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: إجراءات طلب وأداء اليمين الحاسمة

لم يشترط المشرع لتوجيه اليمين الحاسمة أن تتم بواسطة مقال مؤدى عنه، بل يكفي أن تتم بواسطة دفع، لذلك فإنه يكفي أن يتقدم المدعي بمذكرة يطلب فيها توجيه اليمين الحاسمة لخصمه، لتقوم المحكمة بإفراغ هذا الطلب في قالبه القانوني الذي يليق به، فإذا توفرت بداية حجة اعتبرتها يمين متممة وإلا كيفتها على أنها يمين حاسمة، والمحكمة كما سبق وأوضحنا لا رقابة لها على كون اليمين تعسفية من منطلق انعدام القرائن البسيطة  وإنما رقابتها من منظور عدم توفر أي وسيلة إثبات تغني عن اليمين.

واليمين الحاسمة يمكن توجيهها في أي مرحلة كانت عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع، بل يمكن توجيهها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، لنخلص إلى طرح السؤال التالي: هل تصدر المحكمة أمرا تمهيديا بأداء اليمين، أم أنها تكتفي بتوجيهها بدون أمر؟.

لم يجب على ذلك قانون المسطرة المدنية، ولكن بالرجوع إلى السياق العام الذي وردت فيه اليمين، وهي إجراءات التحقيق، نجد القواعد العامة المنظمة لها تشير إلى كون هاته الإجراءات يصدر بها أمر تمهيدي[3].

و الأصل أن اليمين الحاسمة يصدر بها حكم تمهيدي، يؤكد توفر شروط توجيهها، وهو توجه سليم لأن اليمين وسيلة من وسائل الإثبات، وهو ما يتطلب الحسم في أدائها قبل الفصل في جوهر النزاع، أما تعليق الحكم على أداء اليمين فإن هذا التوجه غير صائب، لأن الحكم يجب أن يكون حاسما في موضوع الحق لا أن يتركه موضوع إجراءات لاحقة، ثم إصدار الحكم معلقا على أداء اليمين كما يحصل في قضايا الأسرة، قد تترتب عنه آثار قانونية معقدة، كالحالة التي يتوفى فيها الشخص الذي وجهت إليه اليمين أو يفقد أهليته، فيصبح تنفيذ الحكم مستحيلا لأن اليمين يؤديها الشخص نفسه ولا تنتقل إلى ورتثه، ولا يؤديها عنه الغير بوكالة أو ولاية.

وتؤدى اليمين بصيغة “أقسم بالله العظيم” ومع ذلك فإن المحكمة لها أن تستجيب لاتفاق الأطراف على أداء اليمين وفق شروط تلزم دينيا ضمير من يؤديها، إلا أنه لا يمكن للشخص أن يلزم غيره بأداء اليمين بأمور يؤمن بها موجه اليمين، كطلبه بأن يحلف المدعي عليه في مسجد أو ضريح، فإذا وافقه الموجهة إليه اليمين على طلبه أخذت المحكمة بتلك اليمين، أما إذا اعترض على هذا الأمر، وطلب أداءها وفق الصيغة العادية، فإن المحكمة تنذر موجه اليمين بكون الموجهة إليه لن يؤديها بالصيغة التي تقترحها، وإنما بصيغة “أقسم بالله العظيم” فإذا رفض ردت يمينه، وإذا قبل تم أداؤها بتلك الصيغة، ولا نتفق مع التوجه الذي يجعل صيغة اليمين ملكا للطرف الذي يوجهها، وذلك حتى نتفادى حمل الأشخاص على أداء أيمان ليست شرعية، وتحمل في ثناياها شركا بالله عز وجل، فإذا أداها أو نكل عنها ترتبت عن ذلك آثار قانونية .

الفقرة الثانية:آثار اليمين الحاسمة

عندما تعرض المحكمة اليمين على الطرف الموجهة إليه قصد آدائها، فإن الموقف لا يخلو من احتمالين، الأول أن يؤديها والثاني أن ينكل عن أدائها.

أولا- فرضية أداء اليمين الحاسمة.

إذا قبل الموجهة إليه اليمين آدائها، وقام بذلك وفق الصيغة والشروط القانونية المتطلبة، فإن النزاع يحسم بصدور الحكم الذي يثبت أداء اليمين، وتكون ذمة مؤديها قد برئت اتجاه موجه اليمين، والحكم الذي يصدر بناء على أداء اليمين يكون حاسما للنزاع، لكن هل يقبل الطعن؟

هناك توجهان، اتجاه يعتبر الحكم الذي يصدر بناء على يمين حاسمة لا يقبل أي طعن، لكونها تحسم النزاع نهائيا، ويلاحظ أن هذا التفسير ينطلق من عبارة “حسم النزاع نهائيا” الواردة في الفصل 85 من ق.م.م.

أما الاتجاه الثاني فيعتبر بأن الحكم الصادر بناء على يمين حاسمة يقبل الطعن بالاستئناف والنقض، على أن ينصب هذا الطعن على إجراءات أداء اليمين، ومن ذلك قرار محكمة النقض بتاريخ  2/03/2010 الذي جاء فيه “… إن ما نص عليه الفصل 85 من .ق.م.م من حسم النزاع نهائيا إنما يعني ثبوت الحق بشأنه لأحد الطرفين، والحكم في الدعوى على النحو الذي لا يقبل الطعن… مادامت اليمين الحاسمة لا أثر لها على قابلية الحكم أو عدم قابليته للطعن… والفصل 19 من ق م.م يجيز الطعن بالاستئناف في جميع الطلبات التي تتجاوز ثلات الآف درهم…”[4].

ويبدو أن التوجه الأخير صائب، لكون الطعن حق مطلق لا يمكن تقييده إلا بنص خاص واضح الدلالة، وأن الحكم الذي يصدر بناء على يمين يمكن الطعن فيه من حيث مدى توفر شروط أداء اليمين أو صيغتها أو حضور الطرف لأدائها، وهي كلها أمور لا يمكن التطرق لها إلا بطريق الطعن، فكيف يمكن أن نعتبر حكما بأنه نهائي لا يقبل أي طعن وفي نفس الوقت تقبل على أساسه بطلان الإجراءات، لذلك فالمقصود بنهائية النزاع أنه لا يمكن للخصم الذي وجه اليمين أن يتمسك بعد أدائها بوسيلة إثبات مخالفة لليمين،  لكن هل يمكن إثبات كذب اليمين؟

إذا أردنا الجواب عن هذا السؤال يتعين علينا تصوره واقعيا، فقد قلنا بأن من وجه اليمين وقبلها الموجهة إليه بالأداء، اعتبر ذلك حسما للنزاع، وتنازلا ضمنيا عن غيرها من وسائل الإثبات، فما هي الطريق القانونية التي يمكن بواسطتها للمدعي إثبات  كذب اليمين؟ طبعا لا يمكنه أن يقدم أدلة تثبت خلاف الواقعة التي أديت اليمين من أجلها، فيبقى الطريق الوحيد هو الطريق الجنائي، بحيث يمكن لمن وجه اليمين وتم قبولها بالأداء، أو لمن رد اليمين، فتم أداؤها ممن وجهها، أن يتقدم بشكاية مؤسسة على الفصل 377 من القانون الجنائي، يطلب فيها متابعة مؤدي اليمين بجنحة اليمين الكاذبة، مع تقديم الأدلة التي يؤكد بواسطتها كذب اليمين، فقد جاء في هذا الفصل أنه ” كل شخص وجهت إليه اليمين أو ردت عليه في المواد المدنية، إذا أدى يمينا كاذبة، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم”

ثانيا- فرضية النكول عن اليمين الحاسمة وردها.

يقصد بالنكول امتناع من وجبت عليه أو له يمين منها، وقد يمتنع الموجهة إليه اليمين الحاسمة عن أدائها، دون أن يردها، ويسمى هذا نكولا عن اليمين، فهل مجرد نكول الموجهة إليه اليمين يخول للمحكمة الحكم عليه، أم لابد من أن توجهها إلى المدعي و تطلب منه أداء اليمين التي وجهها، فإذا حلف حكم له، وإذا نكل ردت دعواه؟.

على مستوى القانوني فإن المشرع يعتبر النكول عن اليمين دون ردها، أساسا للقضاء على الناكل، دون إلزام المدعي بحلف اليمين، يستشف ذلك من اعتبار المشرع  “النكول عن اليمين” من ضمن وسائل الإثبات، ولكن النص القانوني ليس حاسما، بحيث قد نعتبرها بداية حجة يجب أن تعزز  بيمين من طالب بها، فكيف نطلب من المدعي الذي عزز قوله بشاهد أن يؤدي اليمين من أجل الحكم له، بينما نعتبر النكول كافيا للقضاء على المدعى عليه[5].

و في هذا الصدد كيف يمكن للمحكمة أن تتعامل مع هذه اليمين علما بأنها هي دليل من لا دليل له، أي أن الشخص يحتكم إلى ضمير خصمه، لكن لنفترض أن هذا الشخص له ما يثبت مديونيته كأن تكون له ورقة تجارية كالشيك مثلا و الخصم يدعي الوفاء لكن لا إثبات لديه على هذا الوفاء، فاحتكم إلى ضمير الدائن ووجه له اليمين الحاسمة، فهل يكون المدعي مجبرا على أداء هذه اليمين الحاسمة أم يكون من وجهها متعسفا في استعمالها، فكيف يعقل أن الشخص يحوز ورقة تجارية تثبت المديوينة ويصير ملزما بأداء اليمين الحاسمة تحت طائلة ترتيب الآثار القانونية، أي يصبح في نفس الكفة مع خصمه رغم توفره على حجة كتابية، فهل للمحكمة سلطة في التعامل مع هذا الوضع من باب تقدير حسن النية من عدمها أم أنها تكون مكبلة و لا يمكن لها أن تحرم الطرف الآخر من هذا الحق المسند إليه بمقتضى الفصل 85 من ق م م.

نعتقد أن الأصلح للعدالة هو أن مجرد النكول عن اليمين لا يرتب القضاء على المدعى عليه، لأن نكوله قد يكون لدافع أدبي أو ديني، وقد تنعدم عنده الثقة في الذمة الدينية للمدعي، فيرفض قلب اليمين عليه، لذلك فما الذي يمكن أن يخسره المدعي إذا ألزمته المحكمة بأداء اليمين، لتعزيز نكول الموجهة إليه، والاستيثاق في ادعائه، خصوصا أنه احتكم بنفسه إلى اليمين كطريق للإثبات، فيكون بذلك قد رفع الحرج عن نفسه، باستعداده لأدائها عند قلبها عليه، فالمحكمة كلما وجدت سبيلا للوثوق بوسيلة الإثبات التي تطرح عليها فإنها تعزز بها ما رجح لديها تحقيقا للعدالة.

أما إذا ردها الموجهة إليه فقلب اليمين على من وجهها، فلا خلاف في أن المدعي يصبح ملزما بأداء اليمين، ولا يمكنه ردها، وإلا اعتبر ناكلا، فإما أن يؤديها فيحسم النزاع لصالحه أو ينكل عنها فيرد ادعاؤه، ويصدر حكم في الموضوع برفض طلبه، ولا يمكنه بعد قلب اليمين عليه أن يتشبث بحجة غير اليمين، لأن ذلك يعد رجوعا عن طريقة الإثبات التي اختارها.

المبحث الثاني: اليمين المتممة

سوف نتناول في هذا المبحث مفهوم و شروط اليمين المتممة، قبل بسط الإجراءات التي تواكب أداءها.

المطلب الأول: مفهوم اليمين المتممة وشروطها

اليمين المتممة هي اليمين التي توجهها المحكمة من تلقاء نفسها إلى أحد الطرفين، عندما يتضح لها من تفحص وثائق الملف أن الخصم الموجهة إليه اليمين يتوفر على الحجة لكنها غير كافية، فتقرر توجيه اليمين لهذا الطرف لتعزيز الحجة الناقصة أو غير الكافية حسب تعبير الفصل 87 من قانون المسطرة المدنية.

هكذا فإن اليمين المتممة هي التي يوجهها القاضي تلقائيا إلى أحد الأطراف قصد استكمال دليل أو حجة غير كافية، وهي بذلك تشكل وسيلة من وسائل الإثبات المنصوص عليها قانونا.

إذا كانت المحكمة تمتلك صلاحية توجيه اليمين المتممة إلى أحد الخصمين،فإن ذلك مشروط بوجوب توفر شرطين أساسيين،وهما أن تكون الدعوى التي ستوجه المحكمة اليمين فيها غير خالية من أية حجة، وأن تكون الحجة المتوفرة في الدعوى غير كافية.

وانطلاقا مما سبق فإن للمحكمة أن توجه هذه اليمين لأحد الطرفين سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، غير أنه يتعين عليها أن تراعي قبل توجيه هذه اليمين وجوب توافر شرطين أساسيين هما أن يكون الدليل المقدم في الدعوى غير كاف (الفقرة الأولى) ، وأن لا تكون الدعوى خالية من أي دليل (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: أن يكون الدليل المقدم في الدعوى غير كاف

إن توجيه اليمين المتممة يبقى مشروطا بأن يكون الدليل أو الحجة المعتمد عليها في الدعوى غير كافية، وهذا معناه أنه في حالة توفر دليل كامل في النازلة فإن المحكمة تكون ملزمة في هذه الحالة بأن تقضي وفق الدليل المذكور، فإذا كان في الدعوى دليل كامل لم تصبح هناك حجة لليمين المتممة .

    فاليمين المتممة توجه في حالة وجود دليل ناقص يتعين استفاؤه أو إتمامه أو تكملته، فإذا وجد في الدعوى دليل كامل وجب على القاضي الحكم على أساسه، لأن توجيه اليمين عند وجود دليل كاف هو بمثابة  زيادة لا قيمة لها، و الدليل الناقص الذي تكمله اليمين المتممة يختلف باختلاف الأحوال، فعندما تأمر المحكمة بتوجيه اليمين المتممة بناءا على ما يتوفر لديها من حجج غير كافية، كالشخص الذي يعوزه الدليل، هنا يطرح التساؤل هل الحجة في حد ذاتها غير كافية للإثبات أي ينقصها بيان من أحد بياناتها أو توقيع أو غير ذلك، أم أنها صحيحة لكن غير كافية للإثبات؟ و كمثال على ذلك وجود وثيقة تحترم جيمع الشروط الشكلية إلا أنها كوثيقة صحيحة غير كافية لإثبات ادعاء المدعي؟

فبالرجوع إلى إلى الفصل 87 من ق م م نجد ينص على عبارة “الحجة غير الكافية ” و هذا يعني أن السلطة التقديرية تبقى للمحكمة في تقدير مدى إمكانية لجوءها لليمين المتممة من عدمه ،وقد ذهب بعض الفقه  [6] إلى أن الحجة غير الكافية أو الدليل الناقص، لا يتعين وجوبا الاستدلال به من الخصم، حتى يمكن تكملته بهذه اليمين، على أساس أن الفصل 87 من ق.م.م عندما تحدث عن اليمين المتممة ارتباطا بأحد الطرفين الذي لم يعزز ادعاءه بالحجة غير الكافية ، فإن هذه الحجة غير الكافية أو الدليل الناقص، قد تكون مجرد قرائن قضائية، تقنع بها المحكمة اعتمادا على ما يخوله لها الفصل 454 من ق.ل.ع، قد تؤيدها باليمين تطبيقا لما ينص عليه الفصل 455 من ق.ل.ع.

من خلال ما ذكر، يتبين أنه يشترط في توجيه اليمين المتممة أن يكون في الدعوى بداية حجة تجعل الادعاء قريب الاحتمال، وقد نص الفصل 447 من قانون الالتزامات والعقود على أنه “وتسمى بداية حجة بالكتابة كل كتابة من شأنها أن تجعل الواقعة المدعاة قريبة الاحتمال إذا كانت صادرة ممن يحتج بها عليه، أو ممن أنجز إليه الحق عنه، أو ممن ينوب عنه”.

الفقرة الثانية : ألا تكون الدعوى خالية من أية حجة

لعل من نافلة القول، أنه إذا كانت الدعوى المقدمة أمام المحكمة خالية من أية حجة أو دليل، فإن المحكمة في هذه الحالة لا يمكنها أن توجه اليمين لأي من الطرفين، على اعتبار أن اليمين المتممة الغاية منها هي تتميم دليل ناقص ولا يمكن أن تقوم مقامه ، على خلاف اليمين الحاسمة التي يمكن توجيهها ولو في غياب الدليل، لأنها تحسم النزاع نهائيا ، بل هذا ما يميز اليمين الحاسمة عن اليمين المتممة .

في حالة ما إذا كان موضوع الدعوى مما يجيز القانون فيه اثباته بالبينة أو بالقرائن، فيمكن للمحكمة في هذه الحالة أن توجه اليمين المتممة إذا وجدت في الدعوى عناصر تكون قناعتها الأولية مثل القرائن وشهادة الشهود، وقد نص الفصل 455 ق.ل.ع أنه: “لا تقبل القرائن، ولو كانت قوية وخالية من اللبس ومتوافقة، إلا إذا تأيدت باليمين ممن يتمسك بها متى رأى القاضي وجوب أدائها”.

 المطلب الثاني : إجراءات توجيه اليمين المتممة و آثارها

سنتناول في هذا المطلب الإجراءات التي  تقوم بها المحكمة عندما يتبين لها ضرورة توجيه اليمين المتممة من أجل استكمال الدليل الذي أدلى به الطرف المكلف بالإثبات في النزاع المطروح عليها.

الفقرة الأولى: إصدار حكم تمهيدي بتوجيه اليمين المتممة.

مما ينبغي التأكيد عليه بداية، أن اليمين المتممة توجهها المحكمة تلقائيا وبدون طلب من الأطراف، على خلاف اليمين الحاسمة التي توجه بطلب من الأطراف، ولا يمكن للمحكمة أن توجهها تلقائيا، ويتعين على المحكمة في حالة ما إذا تبين لها ضرورة توجيه اليمين المتممة أن تصدر حكما تمهيديا بذلك، ويكون هذا الحكم  متضمنا للوقائع التي ستتلقى اليمين بشأنها، كما يتضح ذلك من خلال الفصل 87 من قانون المسطر المدنية، كما أن الطرف الذي وجهت إليه اليمين المتممة من أجل استكمال حجته غير الكافية يكون أمام خياران، فهو إما أن يؤدي اليمين الموجهة إليه، أو ينكل عنها، بحيث لا يمكن أن يردها على خصمه كما هو الشأن بالنسبة لليمين الحاسمة.

إذا كان الفصل 87 السالف الذكر، قد نص على أن توجيه اليمين المتممة يكون بواسطة حكم، فإن الملاحظ على هذا الفصل أنه لم يحدد طبيعة الحكم الواجب إصداره في حالة توجيه اليمين، فيما إذا كان الأمر يتعلق بحكم تمهيدي أم حكم فاصل في الموضوع معلق على أداء اليمين، حيث وردت في الفصل 87 عبارة ” بحكم” دون تحديد لطبيعة هذا الحكم،  فما     مفهوم عبارة الحكم الواردة في الفصل المذكور هل الأمر يتعلق بحكم تمهيدي، أم أن الأمر يتعلق  بالفصل 444 من ق.م.م  و الذي قد نص على أنه ” إذا كان التنفيذ معلقا على تأدية يمين أو تقديم ضمان من قبل الدائن فلا يبدأ قبل إثبات القيام بذلك” فهذا الفصل ورد في القسم المتعلق بالتنفيذ، وهو يهم الحالة التي يكون فيها الحكم معلق على شرط أداء اليمين.

وهكذا، فقط طرح إشكال حول طبيعة الحكم الذي يجب أن يصدر من أجل توجيه اليمين المتممة، هل يجب إصدار حكم تمهيدي بأداء هذه اليمين، أم حكم نهائي معلق على شرط أداء اليمين؟

يتبين مما سبق ذكره، أن المشرع المغربي عند إشارته في الفصل 87 من ق.م.م إلى أن المحكمة إذا اعتبرت أن أحد الأطراف لم يعزز ادعاءاته بالحجة الكافية أمكن لها تلقائيا أن توجه اليمين إلى هذا الطرف بحكم يبين الوقائع التي ستلقى اليمين بشأنها، فإنه قصد بذلك وجوب إصدار حكم تمهيدي بتوجيه اليمين المتممة، وليس إصدار حكما فاصلا في موضوع النزاع معلق على شرط أداء اليمين.

ومما ينبغي الإشارة إليه، أن السبب في بروز الإشكال السالف  الذكر، يرجع في نظرنا إلى عدم وضوح الفصل 87 من قانون المسطرة المدنية، الذي لم يحدد بدقة معنى عبارة الحكم الواردة فيه،  هل هو حكم فاصل في الموضوع معلق على شرط أداء اليمين، أم هو حكم تمهيدي يصدر قبل البت في جوهر النزاع ؟

 الفقرة الثانية: استدعاء الطرف الموجهة إليه اليمين قصد الحضور شخصيا لأدائها

بعدما تصدر المحكمة حكما تمهيديا بتوجيه اليمين المتممة للطرف الذي توفرت في دعواه الشروط السالفة الذكر، فإنها تعمل على استدعائه قصد الحضور شخصيا لأداء اليمين في التاريخ المحدد لذلك.

وبالاطلاع على الفصل 87 من ق.م.م في فقرته الأخيرة نجده ينص على أنه: ” تؤدى هذه اليمين وفق الشكليات والشروط المنصوص عليها في الفصل السابق”، وبالرجوع إلى الفصل 86 نجده ينص على أنه : ” إذا عاق الطرف مانع مشروع وثابت بصفة قانونية أمكن تأدية اليمين أمام قاض، أو هيئة منتدبة للتوجه عنده مساعدا بكاتب الضبط الذي يحرر في هذه الحالة محضرا بالقيام بهذه العملية.

إذا كان الطرف الذي وجهت إليه اليمين او ردت يسكن في مكان بعيد جدا أمكن للمحكمة تأمر بأن تؤدى اليمين أمام المحكمة الابتدائية لمحل موطنه على أن تسجل له تأديته لهذه اليمين”. فالملاحظ من خلال قراءة الفصل السالف الذكر، أنه يتعلق بالحالة التي يتعذر فيها على الطرف الموجهة  إليه اليمين الحضور أمام المحكمة لتأدية هذه اليمين إما لوجود مانع مشروع أو لكونه يسكن بمكان بعيد جدا عن المحكمة موجهة اليمين.

كما يمكن للمحكمة أن تأمر دائما بعد اتفاق الأطراف على أن تؤدى اليمين طبقا للشروط التي تلزم دينيا ضمير من يؤديها، وفي حالة حصول مثل هذا الاتفاق يثبت ذلك في الحكم الذي يحدد الوقائع التي تستوفي اليمين عليه، والأجل والمحل والشروط المحددة لإتمام تأديتها، كأن يتفق الطرفان على تأدية اليمين في المسجد، وهذا يستلزم حتما اتفاق الطرفين معا، ويتم أداء اليمين حينئذ بحضور الطرف الآخر أو بعد استدعائه بصفة قانونية، وبحضور القاضي المنتدب، أو الهيئة المنتدبة، وكاتب الضبط الذي يحرر محضرا بالقيام بهذه العملية.

الفقرة الثالثة: أداء اليمين بحضور الطرف الأخر أو بعد استدعائه بصفة قانونية.

بالرجوع إلى الفصل 85 منق.م.م نجد ينص على أنه إذا وجه أحد الأطراف اليمين إلى خصمه لإثبات إدعاء أو ردها هذا الأخير لحسم النزاع نهائيا، فإن الخصم يؤدى اليمين في الجلسة بحضور الطرف الآخر أو بعد استدعائه بصف قانونية.

الملاحظ من خلال هذا الفصل أن اليمين الحاسمة تؤدي بصورة وجاهية، مما يقتضي استدعاء الطرف الآخر للحضور في الجلسة التي ستؤدى فيها هذه اليمين، في حين بالرجوع إلى الفصل 87 من ق.م.م، يتبين أن المشرع لم ينص فيه على ضرورة استدعاء الطرف الأخر قصد الحضور في الجلسة التي سيؤدي فيها خصمه اليمين المتممة، مما قد يطرح تساؤلا حول ما إذا كان المشرع قد أغفل التطرق لهذه النقطة التي تدخل في الإجراءات المسطرية في استفاء اليمين المتممة، أم أنه قصد ذلك، حيث رأى عدم ضرورة استدعاء أو حضور الطرف الآخر لجلسة أداء اليمين؟

بداية نشير أن حضور الطرف الذي لم توجه إليه اليمين المتممة ليس ضروريا مقارنة مع الطرف الذي وجهت إليه هذه اليمين، فهذا الأخير لابد أن يؤدي اليمين شخصيا وشفاهيا، عكس الطرف الذي لم  توجه إليه اليمين الذي يمكنه ان يتغيب عن الجلسة أو ينيب عنه شخصيا آخر لحضور الجلسة التي تؤدى فيها اليمين.

  وهكذا، فقد يتوصل الطرف الذي لم توجه إليه اليمين بالاستدعاء لحضور الجلسة التي ستؤدى فيها اليمين، فيحضر حيث تسجل المحكمة حضوره في محضر الجلسة، وقد يتوصل بالاستدعاء ويتخلف عن الحضور، ففي هذه الحالة فإن المحكمة لا تكون ملزمة بإعادة استدعائه أو بتأخير الملف حتى يحضر إذا التمس ذلك نائبه، مادامت اليمين المتممة لا ترد ومادام الموجهة إليه اليمين حاضرا في الجلسة، فمن باب العدل أن تستوفي المحكمة اليمين ولا تستجيب لطلب تأخير الملف لأن في ذلك ضررا بالطرف الموجهة إليه، كما أن تأخير الملف لن يفيده في ذلك.

خاتمة

وختاما يمكن القول أن اليمين بنوعيها الحاسمة و المتممة تتأرجح بين إجراءات التحقيق   المسطرية و بين وسائل الإثبات إذا لم نقل هي من بين أهم وسائل الإثبات، فيتبين أن سبب هذا الاختلاف وعدم الاستقرار هو عدم وجود تنظيم دقيق وجامع لجميع وسائل الإثبات، خاصة اليمين بنوعيها الحاسمة والمتممة، كما أن النصوص القانون المنظمة حاليا لليمين، ونقصد بذلك الفصول من 85إلى 88 من ق.م.م، هي فصول غير دقيقة وتحمل أكثر من معنى ولا أدل على ذلك ما عرفته اليمين على وجه الخصوص، و كذا صفة الادعاء عامة التي تحمل معنيين، معنى صفة الشخص الذي بادر إلى رفع الدعوى إلى القضاء، كما أن صفة المدعي تطلق على الطرف الآخر إذا ما ادعى واقعة جديدة غير ما ادعاه المدعي الأول، لأن المدعى عليه في المقال الافتتاحي عندما سيواجه خصمه بأنه أدى ما بذمته، فهو في هذه الحالة مدعي بوجود واقعة الأداء في مواجهة خصمه( المدعي الأصلي)، الذي يصبح مدعى عليه، لكن ما يهمنا نحن، هو من يقع عليه عبء الإثبات هل المدعي أم المدعى عليه؟ فصفة المدعي و المدعى عليه هنا تنقلب أثناء جريان المسطرة، طبقا لقواعد الإثبات، فالذي يدعي خلاف الأصل هو الملزم بالإثبات طبقا للفصل 399 من ق ل ع.

مراجع وإحالات 

[1]  إدريس العبدلاوي، وسائل الإثبات، ص 174.

[2] – ورد فيها مهام المحامي وصلاحياته التي من بينها تقديم كل عرض أو قبوله وإعلان إقرار أو رضى أو رفع اليد عن كل حجز والقيام بصفة عامة بكل الأعمال لفائدة موكله ولو كانت اعترافا بحق أو تنازلا عنه ما لم يتعلق الأمر بإنكار خط يد أو طلب يمين أو قلبها فإنه يصح إلا بمقتضى وكالة مكتوبة .

[3] – انظر الفصل 55 من ق.م.م.

[4] – لبريس نور الدين، نظرات في قانون المسطرة المدنية، الطبعة الأولى 2012 ص 103.

[5] – نور الدين لبريس، مرجع سابق، ص 104.

[6]  – نور الدين لبريس، نظرات في قانون المسطرة المدنية، مرجع سابق، ص 110.