خصوصية التعويض عن فقدان الحق في الكراء التجاري وفق قانون 7.81 متعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة

6 يونيو 2020
خصوصية التعويض عن فقدان الحق في الكراء التجاري وفق قانون 7.81 متعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة

خصوصية التعويض عن فقدان الحق في الكراء التجاري وفق قانون 7.81 متعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة

 

يعتبر الحق في الكراء مظهرا من مظاهر التميز التي تطبع القانون التجاري،  و إفرازا من إفرازات إستقلالية هذا القانون عن القانون المدني، أملته ظروف تطور الأنشطة التجارية، وعجز القواعد العامة للكراء عن تلبية حاجات التجار و مواكبة تجذرهم في واقع الممارسة التجارية و الإقتصادية[1].

و تبرر أهمية الحق في الكراء و وسائل الحفاظ عليه عند إنهاء عقد الكراء و قد ذهبت التشريعات المقارنة من أجل الإبقاء على الأصل التجاري و إستمراره كلبنة من لبنات الإقتصاد القوي و ككائن قانوني له حياته التجارية، و حتى يتسنى للتاجر الإحتفاظ بثمرة عمله و إجتهاده التي لا تأتي من فراغ، بل هي نتيجة إبداع ذهني يتطلب الصبر و المهارة و العمل الجاد المتواصل، و إذا كانت الأموال التجارية الأخرى كالعلامات التجارية و الرسوم و النماذج الصناعية و حقوق الملكية الأدبية و المصنفات الفنية تحميها قوانينها الخاصة، فإن قانون الأكرية التجارية يحمي الملكية التجارية[2].

وتجدر الاشارة في هذا الصدد أن فقدان المكتري قد لا يكون نتيجة حتمية لرغبة المكري في إنهاء عقد لكراء التجاري، بل في بعض الاحيان يكون إنهاء هذا العقد دون رضى المكري و المكتري، حيث يكون الامر لزاما عليهما معا، و من بين هذه الحالات نذكر الحالة التي يتم فيها نزع ملكية العقاري من المكري من أجل المنفعة العامة، و بالتالي يفقد المكتري حقه في الكراء الذي يعد عنصرا مهما من عناصر الاصل التجاري عملا بأحكام المادة 80 من مدونة التجارة.

نصت المادة 21 من قانون 49.16 على أنه إذا تم نزع ملكية عقار يستغل فيه أصل تجاري لأجل المنفعة العامة، تطبق مقتضيات القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.254 بتاريخ 11 من رجب 1402 6 مايو 1982.

وبالرجوع إلى الفصل 22 من قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت ، حيث ينص على أنه ” إذا كان يشغل العقارات المنزوعة ملكيتها مكترون بصفة قانونية مصرح بهم على اثر البحث الإداري المنصوص عليه في الفصل 10 أو المقيدون بصفة قانونية في السجلات العقارية فان نازع الملكية يتحمل منح التعويضات الواجبة لهم أو عند الاقتضاء تمكينهم من عقار أخر إذا كان ممكن”.

وبالتالي يستفاد من هذه المادة أن الادارة نازعة الملكية لها الإختيار في أن تقرر إما منح المكتري تعويضا نقديا عن فقدانه لحقه في الكراء، أو أن تمنحه تعويضا عينيا يتمثل في تمكينه من عقار آخر يتلاءم و النشاط التجاري الذي يمارسه.

اذن من خلال ما سبق ذكره سنحاول الاجابة عن تساؤل جوهري مفاده خصوصية التعويض المقرر لفاقد للتاجر فاقد الحق في الكراء بسبب نزع ملكية من أجل المنفعة العامة للعقار المستغل فيه  الاصل التجاري؟.

وللإجابة عن هذا التسائل سنوزع الحديث إلى نقطتين أساسيتين:

أولا : التعويض النقدي عن فقدان حق في الكراء:

ثانيا: التعويض العيني عن فقدان الحق في الكراء :

 أولا: التعويض النقدي عن فقدان حق في الكراء:

المبدأ و القاعدة في التعويض عن فقدان الحق في الكراء تتمثل في كون التعويض يكون نقدا،  إذ ما رجعنا إلى مقتضيات المادة 7 قانون 49.16  نجد المشرع هنا ينص على أنه :” يستحق المكتري تعويضا عن إنهاء عقد الكراء، مع مراعاة الاستثناءات الواردة في هذا القانون.

يعادل التعويض ما لحق المكتري من ضرر ناجم عن الإفراغ.

يشمل هذا التعويض قيمة الأصل التجاري التي تحدد انطلاقا من التصريحات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة بالإضافة إلى ما أنفقه المكتري من تحسينات وإصلاحات وما فقده من عناصر الأصل التجاري، كما يشمل مصاريف الانتقال من المحل…….”.

ولهذه القاعدة بعض الاستثناءات الواردة في القانون نذكر منها؛ مقتضيات الفصل 22 من قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة و الاحتلال المؤقت.

و يستخلص من الفصل 22 – المذكور سابقا – أن المكتري المعني بمقتضيات هذا الفصل هو المتوفر على الشروط التالية:

أ- المكتري بصفة قانونية

ب- أن يتم التصريح به من طرف المالك المنزوع ملكيته خلال البحث الإداري

ج- أو أن يكون مسجلا في السجلات العقاري

إذا فلا حق للمكتري في المطالبة بالتعويض إلا إذا كان في وضعية قانونية سليمة تجاه المكري أو من يقوم مقامه أي أن تكون العلاقة الكرائية[3].

للأشارة في هذا الصدد فالمشرع ألزم مالك العقار المنزوع ملكيته، من خلال احكام الفصل 11 من قانون 7.81 بضرورة التصريح بكل المكترين ومن لهم حقوق على العقار تحت طائلة تحمله للتعويضات المقررة لهم، إذ جاء في الفصل المذكور أنه : ” يجب على المعنيين بالأمر خلال الأجل المحدد في الفصل 10 أن يعرفوا بجميع مستأجري الأراضي الزراعية والمكترين وغيرهم ممن بيدهم حقوق في العقارات و إلا بقوا وحدهم مدينين لهؤلاء الأشخاص بالتعويضات التي قد يطالبون بها، كما يجب، داخل نفس الأجل، على جميع الأشخاص الآخرين أن يعرفوا بأنفسهم و إلا سقط كل حق لهم…”.

وبالرجوع إلى ظهير 24 ماي 1955 من باب المقارنة، نجد الفصل 19 منه ينص على أنه :”إذا وقع نزع ملكية المكان لأجل المصلحة العمومية فان الجماعة العمومية التي تباشر أعمال نزع الملكية يمكنها أن تتجنب أداء التعويض عن الإفراغ المنصوص عليه في الفصل العاشر أن عرضت على المكتري الضائع حقه مكان يكون مماثل للمكان المنزوع ملكيته ويكون واقعا بالقرب منه.

وفي هذه الحالة يتوصل المكتري بتعويض عما نقص من قيمة اصله التجاري وتدفع له زيادة على ذلك مصاريف انتقاله من المكان ومصاريف استقرار في المكان الأخر”.

ومن خلال هذه المقتضيات يتبين أن التعويض الناتج عن الإفراغ في مقابل نزع ملكية العقار من أجل المنفعة العامة يضاهي التعويض المنصوص عليه في فصل 10 من ظهير 24 ماي 1955، وهو تعويض الكامل المستحق لمكتري العقار، من جراء الإفراغ دون سبب مشروع، ولكي يستفيد المكتري من هذا التعويض ينبغي إثبات اكتسابه ملكية الحق في الكراء من خلال الشروط المنصوص عليها في الظهير[4].

لكن إذا ما قارنا الفصل 19 المذكور أعلاه، والمادة 21 من قانون الجديد رقم 49.16، نجد المشرع قد أشار في الفصل 19 من الظهير إلى التعويض النقدي والتعويض العيني، في حين أن المادة 21 من قانون الجديد لم تشر إلى نوعية التعويض كما هو الحال في الظهير، بل إكتفى المشرع بالإحالة على مقتضيات قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة و الاحتلال المؤقت.

وبالتالي سؤال المطروح هنا: على أي أساس يحسب التعويض النقدي ؟

لابد بداية أن نشير إلى أن اللجنة الإدارية للخبرة أو المحكمة المختصة ملزمة بتبيان كل تعويض على حدة، أي التعويض عن فقدان حق في تجديد العقد وكذلك الطرق المعتمدة لاحتساب ذلك التعويض.

وهكذا يميز بعض الفقه، بين نوعين من التعويضات، التعويضات الأساسية عن الإفراغ والتعويضات التبعية أو المكملة، فبالنسبة للتعويضات الأساسية فتتمثل في التعويض عن الترحال كما هو الحال بالنسبة للمنتفع، وكذا التعويض عن الإفراغ l’ éviction  يحتسب على أساس عدد السنوات المتبقية  لانتهاء عقد الكراء[5].

وفي الاخير يمكننا القول أن جميع المهتمين بالشأن القانوني ينتظرون التوجه الذي سيتبناه القضاء المغربي في مسألة تحديد التعويض المستحق عن فقدان الحق في الكراء نتيجة نزع ملكية العقار من أجل المنفعة العامة.

ثانيا: التعويض العيني عن فقدان الحق في الكراء :

إنطلاقا من مقتضيات المادة 22 من قانون نزع الملكية من اجل المنفعة العامة و الاحتلال المؤقت، يتضح أن التعويض المحتمل الثاني يتعلق بإمكانية تمكين المكتري – حسب إختيار الادارة نازعة الملكية- من محل آخر إذا كان ذلك ممكن، وهو ما يطلق عليه بالتعويض العيني.

وقد ذهب بعض الفقه إلى أن التعويض العيني يفيد نازع الملكية كثيرا في تلافي التعويضات الضخمة التي قد تستحق لأصحاب الأصول التجارية[6].

وتكمن أهمية التعويض العيني في الحفاظ على استمرارية الأصل التجاري و المقاولات التجارية بصفة عامة، بدلا من إقبارها والقضاء عليها مقابل تعويض نقدي لا يوازي قيمة الأصل التجاري.

وتثار إشكالية غاية في الاهمية حينما يتعلق الأمر بالتعويض العيني، بعد صدور حكم قابل للتنفيذ بأداء المكري للتعويض نقدي عن الإفراغ ، ومسطرة نزع الملكية قد تمت مباشرتها ، فهل سيؤدي المكري أم نازع الملكية؟

وفي رأينا المتواضع نرى أن الإدارة التي قامت بنزع الملكية العقار قد تتحمل في بعض الاحيان أداء مبلغ التعويض المحكوم به ضد المكري لفائدة المكتري، كما لها أن تختار التعويض العيني إذا تبين لها أن التعويض النقدي المحكوم به سيتقل كاهلها، لأن حق المكتري في الكراء لازال قائما مادام المكري لم يؤدي التعويض المستحق لهذا الاخير، حيث إذا علمنا أن المشرع أعطى للمكري أجل ثلاث أشهر من تاريخ  الذي يصبح فيه الحكم قابلا للتنفيذ من أجل إيداع التعويض المحكوم به، وإلا أعتبر متنازلا عن حقه في الافراغ، وهذا ما كرسته  المادة 28 من قانون 49.16 التي تنص على أن :” إذا قضت الجهة القضائية المختصة بإفراغ المكتري مع التعويض، يتعين على المكري إيداع مبلغ التعويض المحكوم به داخل أجل ثلاثة أشهر من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم قابلا للتنفيذ، وإلا اعتبر متنازلا عن التنفيذ، ويتحمل حينئذ جميع المصاريف القضائية المترتبة عن هذه المسطرة”، في هذه الحالة قد يمتنع أو يتراجع المكري عن أداء التعويض المحكوم به، بما أنه يعلم بشأن بداية سلوك الادارة لمسطرة نزع الملكية، و بالتالي يرى من الانسب إليه أن يترك الامر لنازع الملكية، هنا يثار إشكال آخر؛ هل المكتري ملزم بقبول التعويض العيني رغم أنه يعلم حجم التعويض النقدي الذي قضت به المحكمة سابقا ضد المكري؟

لذلك نرى أن الحكم الصادر سابقا قد تتلاشى أثاره مادام المكري إختار التراجع عن الاداء، و بالتالي رجوع الحالة إلى ما كانت عليه، و التعامل مع مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة له طبيعة خاصة من حيث قانون الواجب التطبيق أولا، ثم من حيث الغاية المتوخاة من هذا الاجراء المتمثلة في المصلحة العامة، الشيء الذي يبرر حق الادارة نازعة الملكية في الاختيار في هذه الحالة  بين التعويض العيني أو النقدي.

ختاما، قد لا نبالغ في القول أن المشرع أحسن فعلا، لما أحال إلى قانون 07.81 بشأن مسألة إنهاء عقد الكراء الناتج عن نزع ملكية العقار المستغل فيه الاصل التجاري، وذلك راجعا إلى خصوصية مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة التي ستنعكس كذلك على طبيعة التعويض الممنوح  جراء فقدان الحق في الكراء التجاري.

الإحالات

[1]  سفيان الزيكوري، الحماية القانونية للمكتري في ضوء مستجدات قانون 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للإستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، رسالة لنيل دبلوم  الماستر تخصص قانون المقاولة،بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية السويسي الموسم الجامعي 2016/2017، الرباط، الصفحة : 1.

[2]  Jean Derrypé << Les baux commerciaux >> Paris. 2éme  édition, Dalloz, 1996 P : 133.

[3] – العربي محمد مياد:” الحق في التعويض العادل عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة”، مطبعة الأمنية ، الرباط، الطبعة الأولى 2009، ص: 124.

[4] – عزيز فاكس، الحق في الكراء بين دعوى الإفراغ والتنفيذ على العقار في القانون المغربي، ص: 179

[5] – العربي محمد مياد، مرجع سابق، ص 125

[6] – محمد الكشبور:” نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، قراءة في النصوص القانونية وفي المواقف القضائية”،الطبعة الثانية، 2007، ص :215.