التعامل مع القانون على ضوء المقاربة العلمية ونظيرتها التقنوية

21 يناير 2021
التعامل مع القانون على ضوء المقاربة العلمية ونظيرتها التقنوية

التعامل مع القانون على ضوء المقاربة العلمية ونظيرتها التقنوية

في إطار برنامج “5 أسئلة للجامعة” الذي يشرف عليه موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، يشرفنا أن نحاور في هذه الحلقة الأستاذ أحمد السكسيوي حول موضوع غاية في الأهمية ألا وهو موضوع “التعامل مع القانون على ضوء المقاربة العلمية ونظيرتها التقنوية”  ليطلع قراء ومتتبعي موقع aljami3a.com  على مقاربتين من أهم المقاربات المنهجية في سبيل التعامل الأمثل مع القانون ودراسة نصوصه.

وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه موقع الجامعة القانونية المغربية مع ضيفها الأستاذ أحمد السكسيوي الباحث القانوني والمتخصص في الدراسات الإدارية بجامعة محمد الخامس – الرباط.

أحمد السكسيوي باحث بجامعة محمد الخامس، الرباط، تخصص: الدراسات الإدارية، الدراسات المدنية في علاقتها بفلسفة القانون وعلم الاجتماع القانوني والفلسفة السياسية، يشتغل على العدالة القانونية وعلمية القانون وتاريخ الانظمة القانونية، صدرت له عدة ورقات بحثية: تكريس النزعة النقدية وأثرها في تطوير العقل القانوني”-“حق الملكية في مواجهة السلطة الحيوية للدولة”-“القاضي الجنائي وتشكلات السلطوية في النسق القانوني المغربي” – “القانون أفقا للتفكير الإبستمولوجي” وسيصدر له قريبا كتاب بعنوان:”القانون أفقا للتفكير: مقاربات متعددة”.

  • السؤال الأولفي البداية هل لكم أن تبسطوا ولو بإيجاز مفهوم المقاربة العلمية والمقاربة التقنوية، وعلاقتهما بدراسة القانون؟

في حقيقة الأمر ليس من السهل أن نحدد الأسس المنطقية أو المنهجية للمقاربة العلمية والمقاربة التقنوية في علاقتهما بالدراسات القانونية، بل إن لفظة التقنية تحمل دلالات متنوعة لا يمكن تحديد المقصود من استعمالاتها إلا بالسياق البحثي-العلمي المستعملة فيه، فلو كان الباحث يبحث في مجموع المهارات والخبرات والمناهج التي كرسها العقل البشري لتطوير الحياة من خلال مختلف المجالات (الطب، النقل، الأنترنيت، الزراعة، علوم المواد …) لكان استعماله للفظة “التقنية مما هو مقابل للفظة“the technology” بالإنجليزية، وبهذا تكون التقنية تعني مجموع الطرق والمناهج المتعلقة بفن من الفنون مكرسا لخدمة البشرية.

ومع تأسيس العلوم الإنسانية عانت في بداياتها من معيقات معرفية عديدة، خصوصا سؤال المناهج والتقنيات المستعملة في الأبحاث المكرسة لفهم الإنسان. وتعني التقنية في هذا المستوى الطرق التي توصل إلى العلم المكرس لفهم الإنسان، لكن الانغماس في التقنية حد التماهي كرس نمطا من الأبحاث في العلوم الإنسانية التي تحرص على عرض البيانات المتعلقة بموضوع البحث كما هي دون أي تحليل أـو ممارسة للفحص أو تطبيق المناهج العقلية الموصلة إلى النتائج العلمية.

 وقد اتجهت الدراسات القانونية نحو هذا الانغماس منتصرة بذلك للمقاربة التقنية التي تنصرف إلى عرض البيانات موضوع البحث (نص قانوني – حكم قضائي) دون أي محاولة لفهم هذه البيانات فهما علميا يبتعد عن وصفها أو عرضها كما هي، وبهذا أصبحت الدراسات التقنية المنصبة على القانون اتجاها عاما أو نزعة يمكن أن نطلق عليها “التقنوية القانونية” بوصفها دراسة خالصة للقانون كما تصورها فيلسوف القانون النمساوي “هانس كيلسن”، وإن أغلب من يدافع عن صواب “النزعة التقنوية في دراسة القانون” ينطلقون من أن رجل القانون لا بد وأن يؤمن بمبدأ كفائية النصوص القانونية وأن دوره ينحصر في شرح ووصف النص القانوني كما هو كائن، ولو تجاوز هذا الدور سيتجاوز دوره نحو تخصصات أخرى قد تحوله إلى متفلسف أو لساني أـو سوسيولوجي، وهذا الادعاء يصعب قبوله:

 لأنه يخلط بين مفهوم العلمية القانونية ومفهوم الممارسة القانونية، وأن الممارسة القانونية منتهى ما يحققه رجل القانون.

 ولأنه إذا كان القانون خطاب تواصلي مع المكلف من خلال إحداث أثر في سلوكه، فإن دراسة القانون لا تتأتى إلى بمقاربة علمية تبتغي فهمه بوصفه خطابا، وبذلك لا بد أن نقف في فهمنا للنص القانوني على عدة مستويات، يتحدد المستوى الأول في الجانب اللغوي واللساني من خلال استثمار قواعد اللغة والمنطق واللسانيات لفهم الخطاب القانوني (تركيبا ودلالة وتداولا)، وأننا يجب أن نرتقي بمعرفتنا العلمية للقانون إلى مستوى ثان يبحث في غاية القانون وممكنات اعتباره وجها للعدالة حتى يتسنى القضاء على سلطوية النصوص وبهذا سنحتاج إلى فهم فلسفي للقانون من خلال (نشوء القانون – قيمة القانون – المعرفة القانونية)، إلى أن نصل إلى مستوى ثالث من خلال فهم مآلات القانون ودراسة الأثر المترتب على سن القانون في واقع المجتمعات من خلال دراسات تجريبية ميدانية، وكذلك من أجل فهم المجتمعات المطبقة عليها هذه النصوص ولا يتحقق ذلك إلا بالبحث في (علم الاجتماع القانوني – علم النفس القانوني – أنثروبولوجيا القانون)، ولعل الدراسة التي قام بها لورانس فريدمان في التداول الغربي حول أثر القانون في السلوك الصادرة عن جامعة هارفرد سنة 2016 دليل على أهمية المستوى الاجتماعي في فهم القانون.

  • السؤال الثاني: تطرح المناهج إشكالات متعددة لدى دارسي القانون، في نظركم ما السبب في ذلك وكيف يمكن تجاوز هذ الخلل لتجاوز التعامل التقنوي مع القانون إلى التعامل العلمي؟

حقا إن دارسي القانون يعانون من أزمة في مفهوم المنهج المطبق في الدراسات القانونية، ويجوز إرجاع سبب هذه الأزمة إلى الخلط بين المفاهيم التي يعاني منها العقل القانوني، فهو يخلط بين المنهجية والمنهج، كما أنه يجزئ المعرفة القانونية وسبب هذه التجزيء غير المقبول هو تفتيت المواد المدروسة في كليات الحقوق تفتيتا يراعي الزمن المخصص للتدريس، كما أن العقل القانوني يعاني من آفة الانغلاق المعرفي فلا هو يستطع أن يؤسس مناهج خاصة بالمعرفة القانونية، ولا هو يقبل بالمناهج التكاملية المكرسة في العلوم الإنسانية لتطبيقها في الدراسات القانونية، فتجده -العقل القانوني- ينبذ كل المناهج التكاملية تحت ذريعة التخصص.

من ثم فإن المعرفة القانونية المدروسة في كليات الحقوق لا تضم معرفة تأصيلية بمنهجية دراسة القانون، إلا ما يتعلق بالمنهجية الجامعية التي لا يمكن أن تكون درسا معرفيا في مناهج الدراسة العلمية للقانون، وبذلك لن تستقيم المعرفة القانونية في اتجاه العلمية القانونية إلا من خلال تحقيق ما يلي:

– تجاوز النظرة التجزيئية للقانون: أي عدم اعتبار القانون دراسات تخصصية تجزيئية تُفرغ القانون من مضمونه ودلالاته، فمثلا لا يمكن دراسة التحصيل الجبري للديون العمومية بوصفه متفرع عن القانون العام دون البحث في القانون التجاري والمدني، وكذا الحجوز في إطار قانون المسطرة المدنية بوصفهم متفرعين عن القانون الخاص، فاليوم يتم تلقي القانون على أنه مجالات متفرقة بعضها عن بعض. ولما يتعمق دارس القانون في مجال ما، يصطدم بهذا التمثل التجزيئي المترسب في ذهنه، ويصبح غير قادر على ربط المعرفة المتجزئة التي تلقاها، بل لا يستفيد أبدا من المقاربات الأفقية للقانون.

– التأسيس للنظرة الشمولية للقانون: يحيل الاعتبار الأول إلى اعتبار ثان مرتبط بمحاولة دراسة القانون في إطار شمولي، أي محاولة الانطلاق من الكليات، أو المنطلقات المركزية للتحكم بالنظرة الجزئية في ما بعد، وهذا يحتاج من الدارس أمرين:

الأمر الأول تجاوز النظرة الثنائية للقانون من خلال قانون عام وخاص، أو على الأقل محاولة نقد هذه الثنائية.

 الأمر الثاني وهو نقد المسلمات التي كرست في المعرفة القانونية دون محاولة فحصها والتخلي عنها في حالة تجاوزها، وتعني المسلمات تلك المنطلقات والمبادئ، أو البداهات الأولى التي بني عليها القانون، أو كما يسميها مفكر القانون الفرنسي كرستيان أتياس في كتابه “ابستمولوجيا القانون” “بالأساطير القانونية”، مثلا محاولة دراسة خصائص القاعدة القانونية دون فحص هذه الخصائص فحصا عقليا وتجريبيا.

– التأسيس لنظرة تكاملية بين القانون بوصفه خطاب وبين العلوم التكاملية (لغة، فلسفة، اجتماعيات) من خلال المستوى اللغوي والمستوى الفلسفي والمستوى الاجتماعي.

السؤال الثالث: في نظركم كيف أثر تحول المناهج في تدريس القانون؟

إن تحول المناهج المطبقة في المعرفة القانونية من العلمية إلى التقنوية أدى إلى أزمة حقيقية في الدرس القانوني، ويمكن إجمال تجليات أزمة الدرس القانوني في ما يلي:

  • تفتيت المعرفة القانونية إلى مواد مجزئة لا تجعل منها معرفة تكاملية أو شمولية، فينطبع لدى الطالب أن لا علاقة أفقية أو عمودية بين المواد المدروسة؛
  • معظم المواد المدروسة في كلية الحقوق تتميز بطابع الوصف النوازلي للقانون، وهي مواد غارقة في التفاصيل التي تبتغي ضبط الممارسة القانونية مما يجعل الطالب يغرق بدوره في كثرة النوازل والأحكام، لذلك تراه قد اعتمد على التلقين والحفظ بدل التفكير والفهم؛
  • غياب مواد الآلة المساعدة في فهم وتفسير أو تأويل القانون (مادة اللغة القانونية – مادة اصول الفقه – مادة المنطق القانوني – مادة اللسانيات القضائية – مادة الصياغة والتعليق على القوانين والاحكام القضائية) وإما المواد التكاملية مع المعرفة القانونية التقنية (مادة علم الاجتماع – الفلسفة – الأنثروبولوجيا – تاريخ القوانين – القانون المقارن)؛
  • إغراق مادة المدخل لدراسة القانون بالفروع والاحجام عن الاصول، لذلك لما تقرأ أحد هذه الكتب تجدها قد استفاضت في الكلام عن مفهوم القاعدة القانونية وتمرير ما تيسر من المسلمات، ثم المرور إلى المصادر فالأنواع في إطار دغمائي يمرر الكلام النمطي، لكن تقتضب هذه الكتب في ما كان يجب الاستفاضة فيه، فيتم التطرق إلى قواعد تفسير القانون في وريقات لا تفي بالغرض، وهذه آفة زادت من أزمة علم القانون، اذ التفسير والقواعد الميسرة لفهم النص هي الاهم في تكوين الطالب الباحث عن المعرفة القانونية.
  • تدرس أيضا مادة الشريعة الاسلامية لطالب القانون بطريقة نمطية منفصلة عن أصولها، فتدرس اليه خصائصها ومصادرها وما تيسر من الامور الكاشفة لمفهوم الشريعة، ينتج عن هذا الدرس طالب باحث لا يكاد يفرق بين الحكم الشرعي والدليل الشرعي والفقه والشريعة ومناهج تعامل الفقهاء مع النصوص، إن الدعوى الرامية الى نقد الفروع الفقهية من داخل الدرس القانوني تتناقض مع ما يدرس لطالب القانوني من أحكام نمطية فرعية لا تفي بضبط الاصول والمناهج الاصولية ضبطا كافيا، فنقد الفروع والآراء الفقهية يتطلب تمحيص مناهج الفقهاء لا استعراض الآراء فقط والتأريخ لها والربط بين التواريخ والاحداث. فالاستنتاج او الاستنباط الفقهي محكوم بقواعد اصولية ومنطقية، لغوية، وإذا ما قرر المرء نقد الرأي الفقهي فيجب عليه: أولا: أن ينظر في الطريق والسبيل المؤدي لوصول الفقيه لذلك الرأي حتى يتمكن من نقد المنهج لا الفروع المستنتجة عن طريق المنهج؛

ثانيا: أن يعمل على تقديم النقد في إطار قواعد الاستدلال قديما وحديثا من خلال اثبات أن الرأي الفقهي يعتريه الخطأ، ثم نقده والاعتراض على بعض وجوهه حجاجا واحتجاجا، حتى لا يكون كلام الناقد تحكمه الاهواء والعنف والايديولوجيا.

ولا يكون هذا النقد او الفحص والكشف الا بضبط اصول الفقه ضبطا في ضوء ما أُستجد من مبادئ اللسانيات خصوصا التداولية وما توصلاليه علماء اللغة والمنطق من نظريات في الحجاج والبلاغة والتأويل، اذ ذاك تنكشف للمرء الامور، وتتجلى له الاحكام والفروع، وتتفتح بصيرته وقريحته القانونية.

  • السؤال الرابع: غالبا ما تستعملون لفظ “التكسب”، هل لكم أن توضحوا للقراء معنى هذا اللفظ وعلاقته بدراسة القانون؟

لقد استعملتُ مفهوم “التكسب بالقانون” في مختلف ما كتبته عن نقد المعرفة القانونية قاصدا به مختلف التقنيات والمناهج التي تحول ذهن الطالب وغياته إلى كسب وظيفة من خلال دراسته للقانون، ولا يجب أن يفهم من كلامي أني أمنع من أن يلج الطالب المتخرج إلى المهن التي تراعي معرفته القانونية، بل نقدي لهذا التصرف مرده إلى إغراق الجامعة بالممارسة القانونية التي اتجهت نحو اعتبار الدراسات القانونية طريقا للمهننة، بل إن كثيرا من الطلبة يعزفون على اختيار بعض التخصصات مثل الفلسفة أو السوسيولوجيا أو الفيزياء، في حين يختارون تخصص القانون ابتغاء بوظيفة مهنية، حتى أضحى أكثر الشعب تضخما بعدد الطلبة، طلبة يحلمون يوما بالتكسب بوظيفة جراء استيعابهم التقنوي بالمعرفة القانونية.

كما أن اختيار مفهوم التكسب كدلالة على اجتياح الممارسة المهنية للدرس القانوني وتحويل الطالب من باحث عن الحقيقة إلى باحث عن وظيفة يدخل في إطار عام هو النقد الذي وجهه مجموعة من الفلاسفة المعاصرون للأدوار التي أضحت تضطلع بها الجامعة، وهي أدوار سلبية تتجه نحو إنتاج الخبرة والمهنية عوض العلم.

فالمفكر الفرنسي “جيل دولوز حاول في إحدى حواراته أن يقدم نقدا لأزمة الجامعة في اختياراتها المتجهة نحو تطابقها مع احتياجات السوق، لأنها تحولت من مكان للبحث العلمي والمعرفي إلى مكان يضم تخصصات إدارية وتقنية اي تحول الجامعة من ميدان للبحث الى مدرسة تقنية تخرج تقنيين حسب احتياجات السوق، يرى دولوز ان الجامعة مسؤولة عن البحث وليس عن سوق الشغل، حيث هذا الاخير يجد مكانه في المدارس العليا والمعاهد المهنية، وحسب رايه أصبح الاستاذ اداري يحضر عدد ضخم من الاجتماعات التي لا علاقة لها بدور الجامعة الحقيقي وهو البحث. وأصبح ايضا يعيد المقررات ذاتها في كل عام. وبذلك أصبحت الجامعة مكانا للتخصصات غير الابداعية.

لقد تحدث أيضا المفكر “إدوارد سعيد” عن مسألة المهنية التي اجتاحت كل شيء، حيث قال: “إن الخطر الذي يهدّد مثقف اليوم لا يكمُن في الجامعة، ولا في الأحياء المُحيطة بالمدينة، ولا في التسليع الشنّيع للصّحافة ودُور النّشر، وإنما يكمن في موقفٍ عام شاملٍ سوف أسميه بالمهنية professionalism “

Edward W. Said, Representations of the Intellectual: The 1993 Reith Lectures, New York: Vintage books, 1996, pp. 73-74.

كما ان الفيلسوف “جاك دريدا” قام بتفكيك أدوار الجامعة بوصفها فاعلة في المجتمع بقوله: “الجامعة … [هي] … “شيئا” و”علة” مستقلة تتوفر على حرية لا مشروطة داخل مؤسساتها وكلامها وكتابتها وفكرها، [لا يجب ان تكون الجامعة مجرد] فكر وكتابة وثائقية او إنتاجات للمعرفة … [كما يحصل الان من انتاج لابحاث ترمى وتحرق بعد مناقشتها من لجن لا تعير لهذه الابحاث اي اهتمام، أو يتم وضعها في الرفوف فتتحول أوراقها الى لون اصفر] … بل [يجب أن تكون الجامعة عبارة عن] أعمال إنجازية بعيدة عن كل حياد يوتوبي”جاك دريدا، إستراتيجية تفكيك الميتافيزيقا، حول الجامعة والسلطة والعنف والعقل والجنون والاختلاف والترجمة واللغة، ترجمة: عز الدين الخطابي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2013، ص. 120.

في حين نجد المفكر الكندي المعاصر “ألان دونو” قدم وصفا جريئا وحزينا لواقع الجامعة بوصفها مكانا للخبرة لا للمعرفة في كتابه المهم جدا “نظام التفاهة” من خلال اعتباره أن المغالاة في التخصص الدقيق أدى بالجامعة إلى أن تسيطر عليها هواجس السوق، حتى أضحى أساتذتها وطلبتها مسيرين من قبل شركات كبرى تحدد ما يجب أن يبحث فيه وما التخصصات الملائمة للسوق، لينتهي الأمر بالجامعات إلى إنتاج “الخبراء” ذوي التخصص الضيق الذين يخدمون السوق، لا العلماء ذوي الأفق الواسع القادرين على مواجهة المشاكل الحياتية، وقد سبق وأن أعلن مفكرون آخرون نقدهم للتخصص الضيق كما هو الحال لعبد الله العروي وبليز باسكال.

  • السؤال الخامس: الاشتغال بالقانون والاشتغال على القانون، هل من عالقة مع العلمية والتقنوية؟

سأجيب عن هذا السؤال باقتضاب شديد فأقول:

أن الاشتغال بالقانون هو حمل القانون إلى معترك الممارسة الحياتية طالبا بذلك ضبط كل تطبيقات النصوص وليس هنالك طريقة للاشتغال بالقانون أصح من الاتجاه نحو التقنية.

أن الاشتغال على القانون هو حمل النصوص القانونية بما هي ممارسة إلى معترك المعرفة القانونية طالبا بذلك فهم وتحليل وتفكيك النصوص وما نتج عنها من ممارسات وليس هنالك طريقة للاشتغال على القانون أصح من الاتجاه نحو العلمية.

شكرا لكم أستاذ أحمد السكسيوي