خمسة أسئلة للجامعة “وضعية الطفل القاصر في التشريع المغربي” – أنس سعدون

23 يناير 2021
خمسة أسئلة للجامعة “وضعية الطفل القاصر في التشريع المغربي” – أنس سعدون

في إطار برنامج “5 أسئلة للجامعة” الذي يشرف عليه موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، يشرفنا أن نحاور في هذه الحلقة الدكتور أنس سعدون حول موضوع غاية في الأهمية ألا وهو موضوع “وضعية الطفل القاصر في التشريع المغربي” ليطلع قراء ومتتبعي موقع aljami3a.com  على مجموعة من الجوانب الإشكالية للموضوع المذكور وفق ما يلي:

التعريف بالمحاور:

أنس سعدون، مواليد مدينة القصر الكبير بتاريخ 06 أبريل 1983.

المسار العلمي

حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص سنة 2007/2008، وشهادة نهاية التدريب من المعهد العالي للقضاء 2008/2010، ودكتوراه في القانون الخاص 2016/2017.

باحث في فريق المفكرة القانونية ببيروت؛

عضو مجموعات العمل للشبكة الأورومتوسطية للحقوق، المتعلقة بالمرأة والنوع الاجتماعي، اصلاح العدالة، وحقوق المهاجرين واللاجئين؛

ناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان للنساء والأطفال وقضايا النوع الاجتماعي؛

له عدة دراسات وأبحاث منشورة وطنيا ودوليا في مجال استقلال القضاء وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الانسان، ومدونة الأسرة والقانون الجنائي.

المسار المهني

  • نائب وكيل الملك بالمحاكم التالية:
  • مركز القاضي المقيم بآيت عتاب بالمحكمة الابتدائية بأزيلال 2010-2014
  • المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب 2014-2018
  • المحكمة الابتدائية بالقصر الكبير ابتداء من سبتمبر 2018.
  • رئيس سابق لخلية التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف.
  • مستشار مكلف بمهمة في ديوان السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان.
  1. من هو الطفل القاصر وهل هو الحدث، وماذا نعنًي بالطفل فًي خلاف مع القانون؟

تنص اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 في مادتها الأولى على أنه “يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز 18 سنة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”. وبالعودة الى مقتضيات مدونة الأسرة يلاحظ أنها حددت سن الرشد القانوني في 18 سنة شمسية كاملة، بمقتضى المادة 209 منها، مما يؤكد أن الطفل القاصر هو كل انسان يقل سنه عن 18 سنة شمسية كاملة، والملاحظ في هذا السياق أن مدونة الأسرة استعملت أحيانا عبارة “الطفل”، وفي أحيان أخرى استعملت عبارة “القاصر”، دون أن تحدد مفهوم هذا المصطلح الأخير، وهو ما يبدو بوضوح في المادة 218 منها التي تنص على أنه: “ينتهي الحجر عن القاصر إذا بلغ سن الرشد، ما لم يحجر عليه لداع آخر من دواعي الحجر”. وهو الأمر الذي أكدت عليه المادة 233 من مدونة الأسرة حينما نصت على أن ” للنائب الشرعي الولاية على شخص القاصر وعلى أمواله إلى بلوغه سن الرشد القانوني، وعلى فاقد العقل إلى أن يرفع الحجر عنه بحكم قضائي”.

الى جانب مصطلح “طفل”، و”قاصر”، نجد مصطلحا آخر وهو “الحدث” وفي هذا السياق تنص قواعد الأمم المتحدة بخصوص حماية الأحداث المجردين من حريتهم لسنة 1990 على أن “الحدث هو كل شخص دون 18 سنة من العمر ويحدد القانون السن التي ينبغي دونها عدم السماح بتجريد الطفل من حريته أو الطفلة من حريتها”.

وبحسب قواعد الأمم المتحدة النموذجية بشأن إدارة شؤون قضاء الأحداث -قواعد بيجين لسنة 1985- الحدث هو “طفل أو شخص صغير السن يجوز بموجب النظم القانونية ذات العلاقة مساءلته عن جرم بطريقة تختلف عن طريقة مساءلة البالغين”.

وفي القانون المغربي نجد حضورا مكثفا لمصطلح الحدث في عدد من القوانين من بينها قانون المسطرة الجنائية وفي القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، وفي مدونة الشغل، ويطلق هذا المصطلح أيضا للدلالة على الأشخاص الذين يقل سنهم عن 18 سنة في سياق التشغيل أو حينما يكونون في وضعية خلاف مع القانون،هذا المصطلح الأخير يعني “الأشخاص دون سن 18 سنة، والذين هم في تماسّ مع نظام العدالة الجنائية، كنتيجة لتوجيه اﻻتهام لهم بارتكاب فعل مخالف للقانون الجنائي، بحيث لا تعاملهم أجهزة العدالة كمجرمين وانما يعتبرون أحداثا جانحين يحتاجون الى الحماية والرعاية والتهذيب.

ويتضح أن القاسم المشترك بين هذه التعاريف مجتمعة هو أن كل من “الطفل” أو “الحدث” أو “القاصر” هو عدم تجاوز سن 18 سنة.

2-يتساءل المهتمون حول تنوع وتعدد النصوص التشرٌيعٌية التًي تؤطر الوضع القانوني للطفل في التشريع المغربي، وينقسم الرأي بين مؤيد لهذا التعدد ومعارض له. في نظركم هل هذه الفسيفساء التشريعية عامل قوة أم أن الحاجة أصبحت ملحة من أجل خلق مدونة تشريعية خاصة بالطفل؟

بالفعل، يمكن القول بأن الترسانة التشريعية المنظمة للوضعية القانونية للطفل بالمغرب توجد موزعة بين عدة نصوص، منها مدونة الأسرة وقانون الجنسية وقانون الحالة المدنية، وقانون كفالة الأطفال المهملين، والقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، ومدونة التجارة، وقانون دخول وإقامة الأجانب بالمغرب، وغيرها من النصوص، وأمام تعدد النصوص وتشتتها فإن ذلك يحد أحيانا من فعاليتها بسبب عدم تحقيق الالتقائية والملاءمة بين هذه النصوص، حيث يبدو غياب نسق واضح ناظم لها، وأعتقد أنه آن الأوان لوضع مدونة تشريعية حديثة خاصة بالطفل .

3-هل لكم أن تبسطوا لنا أهم الخطوات المتخذة من أجل تعزيز المكانة الحقوقية للطفل إن على المستوى التشريع أو المستوى المؤسساتي؟

يمكن القول أن المغرب يعتبر من بين البلدان التي راكمت تجربة طويلة في مجال إقرار الحماية الحقوقية للطفل سواء على المستوى التشريعي أو المؤسساتي، وهو ما يبرز من خلال عدة محطات من بينها المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة سنة 1989، حيث كان المغرب من بين البلدان الأولى التي بادرت في نفس سنة إقرار هذه الاتفاقية على التوقيع عليها، دون أن ننسى صدور مدونة الأسرة سنة 2004، والتي تضمنت مقتضيات مهمة على مستوى حماية حقوق الطفل خاصة في المادة 54 منها، ناهيك عن الإصلاحات التشريعية المتلاحقة التي عرفتها الترسانة القانونية الوطنية، والتي توجت بصدور دستور 2011 الذي ارتقى بحق الطفل في الحماية وجعله حقا دستوريا، إذ نص في الفصل 32 منه على أن الدولة تسعى لـتوفير “الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”.  كما نص على أن “التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة”،  كما تم احداث مجلس استشاري للأسرة والطفولة ينتظر التنزيل.

كما قام المغرب أيضا بالتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات والبروتوكولات مثل البروتوكول الاختياري الثالث لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات سنة 2013 فضلا عن توقيع ثلاث اتفاقيات لمجلس أوروبا تتعلق باتفاقية «لانزاروت» الخاصة بحماية الأطفال من الاعتداء والاستغلال الجنسي والاتفاقية المتعلقة بممارسة حقوق الطفل، والاتفاقية بشأن العلاقات الشخصية للطفل.

كما صادق المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي لها تأثير مباشر على حقوق الطفل، سواء تعلق الأمر بحماية الأطفال من التعذيب والمعاملة القاسية أو حماية العمال المهاجرين التي تضمن حماية لأفراد أسرهم، وحماية الأطفال من الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ومن الاتجار بالبشر، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد الفتاة.

ومن بين أهم الآليات المؤسساتية التي تم احداثها مؤخرا الآلية الوطنية لتظلم الأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل التي يأتي احداثها تفاعلا مع اتفاقية حقوق الطفل ومقتضيات البروتوكول الاختياري الثالث الملحق باتفاقية حقوق الطفل وتوصية اللجنة المعنية بحقوق الطفل المتعلقة ب”دور المؤسسات الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان في تشجيع وحماية حقوق الطفل” لتشجيع الدول الأطراف على إنشاء مؤسسة مستقلة لتعزيز ورصد تنفيذ الاتفاقية.

وتختص هذه الآلية حسب المادة 18 من قانون المجلس الوطني لحقوق الانسان بتلقي الشكايات المقدمة من طرف الأطفال ضحايا الانتهاكات أو من ينوب عنهم شرعيا أو يدافع عنهم ومباشرة جميع التحريات المتعلقة بالشكايات المتوصل بها ودراستها ومعالجتها والبت فيها. كما تقوم أيضا بتنظيم جلسات استماع ودعوة الأطراف المعنية بالانتهاك أو شكاية وكذا الشهود والخبراء وكل شخص ترى فائدة في الاستماع إليه. وتتصدى تلقائيا لكل حالات خرق أو انتهاك حقوق الطفل التي تبلغ إلى علمها وتبليغ السلطات القضائية المختصة وموافاتها بجميع المعلومات والمعطيات والوثائق المتوافرة لديها في حالة وقوع خرق أو انتهاك فعلي.

4- ارتباطا بالمكانة الحقوقية للطفل وهذه المرة على المستوى القضائي، ما هي الجهود التي يبذلها القضاء المغربي في سبٌل تعزيز هذه المكانة الحقوقية؟

القضاء يعتبر حاميا للحقوق والحريات، ويتولى دورا مركزيا في تنزيل الحماية الدستورية والقانونية للأطفال، ويمكن في هذا السياق أن نتوقف عند الدور الذي تلعبه المؤسسات القضائية المعنية والمكلفة بمهام قضاء الأحداث، والقاصرين على وجه الخصوص، أو محاكم الموضوع عموما سواء أقسام قضاء الأسرة أو باقي المحاكم العادية أو المتخصصة منها، دون أن نغفل دور القضاء الاستعجالي، وعموما فإن دور القضاء يركز على حماية المصلحة الفضلى للطفل.

5-هل من مقترحات من أجل تقوية المركز القانوني والحقوقي للطفل المغربي؟

التفكير في احداث مدونة شاملة للطفل على غرار عدد من التشريعات المقارنة، لجمع شتات النصوص القانونية المتفرقة، والاستمرار في تعزيز قدرات الأجهزة المكلفة بانفاذ القانون في مجال اعمال الاتفاقيات الدولية، ونشر الأحكام القضائية المبدئية الرائدة في مجال حماية الطفولة، ايمانا بأن للحكم القضائي أثر بيداغوجي مهم، وتشجيع البحت العلمي في مجال حماية الطفولة، والإسراع بإخراج المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، دون أن ننسى ضرورة منع تزويج الطفلات والأطفال وذلك بتثبيت القاعدة والالغاء الاستثناء وهو الشعار الذي سبق للمجلس الوطني لحقوق الانسان أن اختاره كعنوان لحملته لمنع زواج القاصرات أمام تفاقهم المشاكل المترتبة عن هذا الزواج الذي يعد مشكلة مركبة يختلط فيها البعد القانوني بأبعاد أخرى اجتماعية واقتصادية وثقافية.

وفي الأخير أدعو الى ضرورة التفكير في ايجاد حل ينهي معاناة الأطفال المزدادين خارج اطار مؤسسة الزواج يضمن تعرفهم على آبائهم الحقيقيين حفاظا على حقهم في الهوية، وأعتقد أن مؤسسة الاجتهاد التي مكنت من اصدار مدونة حديثة للأسرة سنة 2004 قادرة اليوم على حل هذا الاشكال العويص.

شكرا لكم أستاذ أنس سعدون