البيع القضائي للأصل التجاري بين الخصوصية المسطرية والارتباك التشريعي

2 مارس 2022
البيع القضائي للأصل التجاري بين الخصوصية المسطرية والارتباك التشريعي

       أمام المتغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم، و التي لم يكن المغرب في منئى عنها  وسعيا منه لمواكبة الساحة الدولية، قام المغرب بتبني مجموعة من الإصلاحات، حيث عرفت المنظومة القانونية المغربية المتعلقة بالأعمال بصفة خاصة تحولات جذرية في العقد الأخير تمثلت في تعديل مجموعة من النصوص القانونية التجارية الأساسية و وضع أخرى جديدة.

     و قد شمل نطاق هذه التعديلات تطوير فكرة الأصل التجاري أيضا، هذا الأخير الذي لم يكن معروفا في الفقه و التشريع المغربي قبل ديسمبر 1914، إلا أنه تبلور في معناه الاقتصادي عبر تطور العلاقات التجارية داخل المجتمعات و بين الدول و بروز مختلف علاقات الافتراض من خلال أنظمة مالية متعددة، فكان من الضروري التخلي عن القواعد التقليدية للرهن الحيازي كضمانة بين الدائنين الممولين و العاملين التجار و غيرهم.

      و لقد حظي الأصل التجاري بأهمية قانونية محضة جعلته يكتسي طابع خاص مميز على اعتبار أنه يشكل ضمانا للدائنين باختلاف أصنافهم الذين خول لهم المشرع إمكانية سلوك مجموعة من الإجراءات التنفيذية في مواجهة مالك الأصل التجاري لعل من أنجعها و أكثرها أهمية إمكانية سلوك مسطرة البيع القضائي للأصل التجاري وفق مجموعة من الإجراءات الحمائية التي تكتسي أهمية قصوى في المادة التجارية التي تقوم على السرعة و الائتمان.

       و يعبر عن هذا النوع من البيوعات بالبيع القضائي لتدخل القضاء و رقابته في عملية البيع، على عكس البيع الرضائي أو الاتفاقي، و إذا لم يكن المشرع المغربي قد عرف هذا البيع في القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة باعتباره القانون المؤطر لمؤسسة الأصل التجاري، فإنه تم تعريفه من أحد الفقهاء[1] بأنه : ” البيع الذي يتم بتدخل من القضاء و رقابته و إشرافه لإيجاد حل عادل وفقا للقانون و الاجتهاد عند الاقتضاء لنزاع قائم بين تاجر مالك لأصل تجاري و دائن له يرغب في استيفاء ديونه إن تعذر عليه الحصول عليها وديا “.

      فالبيع القضائي للأصل التجاري لا يصدر عن إرادة حرة من المدين، كما هو الشأن في البيع الرضائي الذي يكون فيه البائع موجبا و المشتري قابلا، بل يتم بمقتضى حكم قضائي صادر عن المحكمة المختصة أو بموجب سند تنفيذي.

      و نظرا لقيمة الأصل التجاري و مدى تأثيره على الدورة الاقتصادية، تدخل المشرع و حدد حالات بيعه قضائيا، و هذه الحالات تختلف و تتعدد، فهناك حالات عادية و أخرى غير عادية، و تختلف هذه الحالات باختلاف الوضعية التي أصبح عليها مالك الأصل التجاري و بالتحديد الحالة التي يمر منها و وضعية المديونية في حد ذاتها. كما حدد المشرع بشكل مفصل الإجراءات المحيطة بالبيع القضائي أو الجبري للأصل التجاري انطلاقا من استصدار الحكم وصولا إلى توزيع حصيلة البيع، و كل هذا بمسطرة خاصة و بمقتضيات قانونية موضوعية استثنائية، لأن سلوك المسطرة العادية يكتنفه البطء و التعقيد، إلى جانب القصور عن تمكين الدائن من حقه.

    و لما كان لكل موضوع أهمية فإن أهمية هذا الموضوع تتجلى على المستوى النظري، في كون أن الأصل التجاري تتجاذبه العديد من القوانين الخاصة و العامة من جهة، و الشكلية الموضوعية من جهة أخرى.

     أما على المستوى العملي تتمثل أهميته في كون أن البيع الجبري للأصل التجاري يمر بالعديد من الإجراءات  التي تمنحه خصوصية تشريعية مسطرية.

    كذلك يكتسي الموضوع أهمية تشريعية نلمسها من خلال أن المشرع أفرده بتنظيم تشريعي خاص و ذلك من خلال التخصيص له عدة مواد و فصول بين مدونة التجارة و قانون المسطرة المدنية، إلى أنه تم استثناءه من القواعد العامة للتنفيذ نظرا لخصوصيته و ارتباطه بحقوق المتعاملين به.

     و بالرغم من الأهمية التي يحظى بها هذا الموضوع، إلا أنه يطرح إشكالية يتمحور حولها موضوعنا هذا، و التي هي : ” ما مدى تمكن المشرع المغربي من توفير تنظيم تشريعي خاص للبيع الجبري للأصل التجاري دون إحداث ارتباك في المقتضيات القانونية المشتركة في التنظيم له ؟ “

   للإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا وضع التصميم التالي :

المحور الأول : الخصوصية الإجرائية للبيع الجبري للأصل التجاري

المحور الثاني :  الارتباك التشريعي في الإجراءات القضائية للبيع الجبري للأصل التجاري

المحور الأول : الخصوصية الإجرائية للبيع الجبري للأصل التجاري

      تبرز خصوصية البيع الجبري للأصل التجاري من خلال طبيعته كمال منقول معنوي يستحيل إخضاعه للقواعد العامةـ، حيث تم تنظيم مقتضياته بشكل خاص يتلائم و مقاصد المادة التجارية و خصوصياتها المتمثلة في حماية الدائنين بالدرجة الأولى. و من خلال هذه الخصوصية يمكن التمييز بين الإجراءات التمهيدية لإنجاز بيع الأصل التجاري (أولا)، و الإجراءات المصاحبة لهذا البيع (ثانيا).

أولا : الإجراءات التمهيدية لبيع الأصل التجاري

       قبل بيع الأصل التجاري بالمزاد العلني، فإنه يخضع للعديد من الإجراءات التمهيدية   التي تميزه و تستثنيه عن باقي البيوعات الأخرى من قبيل الإخطارات، التعليقات، الشهر القانوني، تلقي العروض من طرف العون المكلف بالتنفيذ… إلا أننا و من منظورنا الشخصي سنقتصر في الحديث فقط على دفتر التحملات باعتباره إجراء تمهيدي يطرح بعض الإشكالات. هذا الدفتر يتم تحريره  من طرف كاتب الضبط المعين في الحكم القاضي ببيع الأصل التجاري، و تبقى الغاية منه هو  إخبار كل طرف مهتم ببيع الأصل التجاري بالتحملات التي على عاتق هذا الأخير وكذا مختلف المعلومات المتعلقة به، و هذا ما نصت عليه المادة 113 من مدونة التجارة و التي على الرغم من تنصيصها على دفتر التحملات في الفقرة السادسة، غير أنها لم تذكر البيانات التي يلزم أن يتضمنها إلا أنه يمكن التعرف عليها من خلال مضمون الحكم القاضي بالبيع، و مضمون الإعلانات التي تسبق المزايدة من قبيل الاسم و الهوية الكاملة لمالك الأصل التجاري موضوع البيع و كذا عنوانه، نشاطات الأصل التجاري و مكوناته، التحملات التي يكون الأصل التجاري محلا لها…

      هكذا و يمكن لكاتب الضبط أن ينص أيضا على بيانات أخرى في دفتر التحملات، كاسم مالك الجدران، و هل هناك واجبات كرائية لم تؤد، إلى غير ذلك من البيانات شريطة أن لا تتعارض مع الحكم أو القانون، إلا أن سلطات كاتب الضبط بخصوص هذا الشأن تكون مقيدة، خصوصا عندما يكون البيع ناتجا عن الزيادة بالسدس، حيث يتم البيع الثاني طبقا للشروط التي كانت مقررة للبيع الأول استنادا للمادة 97 من مدونة التجارة.

      و  يجب لفت الانتباه أنه و في إطار الحديث عن دفتر التحملات يمكن للمدين أن يتعمد إثقال الأصل التجاري المبيع برهن آخر أو إبرام عقد كراء بشأنه ـــــ عقد التسيير الحر ــــ بعد صدور الحكم القاضي بالبيع أو أثناء سريان مسطرة طلب البيع بغية الحيلولة دون إقدام الغير على شراء الأصل التجاري. إذا في هذه الحالة ما هو الإجراء الذي يمكن للدائن المرتهن القيام به لتفادي عمل المدين ؟

      و الواقع أن المشرع المغربي لم ينص على هذه الإشكالية، مع أنها من الناحية العملية قابلة للتحقق و كثيرة الوقوع، و أنه يمكن معالجة موضوعها ضمن القواعد القانونية العامة. لكن يلزم التمييز بين الحالة التي يكون فيها دفتر التحملات متضمنا للالتزامات الجديدة التي حدثت بعد صدور الحكم أو أثناء جريان المسطرة و بين الحالة التي لا يكون دفتر التحملات يشير إليها، في الحالة الأخيرة لا يكون المشتري ملزما بالالتزامات الجديدة المثقل بها الأصل التجاري.

       أما إذا كان دفتر التحملات قد نص على هذه الالتزامات، فإنه بإمكان المشتري الطعن فيها إن صاحب صدورها تدليس.

      طبعا تبقى الغاية من إثارة هذه الإشكالية إبراز  الخصوصية المسطرية التي يحظى بها التنظيم التشريعي للبيع الجبري للأصل التجاري إلى جانب الأهمية التي يكتسيها دفتر التحملات، حيث في غالب الأحيان تثار مشاكل في وجه مشتري الأصل التجاري عن طريق المزاد العلني حيث يفاجئ بالتزامات لم يشر إليها دفتر التحملات، و تنهض أمامه حجر عثرة في استغلال الأصل المشترى، لذلك نعتقد أنه من الضروري إيجاد جهاز خاص ببيع الأصول التجارية لدى المحاكم لأن الهيكلة غير كافية، الأمر الذي يحد من إقدام الأغيار  على شراء الأصول التجارية لدى المحاكم خوفا من المشاكل.

ثانيا : الإجراءات المصاحبة للبيع الجبري للأصل التجاري

        تعتبر عملية البيع بالمزاد العلني هي المرحلة التي تعكس التنفيذ الفعلي لمقتضيات الحكم القاضي بالإذن ببيع الأصل التجاري بصفة إجبارية، و الغاية منها تمكين الدائنين من اقتضاء مبلغ دينهم.

       و تجري المزايدة لدى كتابة الضبط التي نفذت الإجراءات التمهيدية من لدن كاتب الضبط الذي أطلق عليه المشرع صفة ” عون التنفيذ “.

      و للمزايدة أسس و شروط نجد سندها القانوني في المواد 115، 116 و 117 من مدونة التجارة، كما أن لها آثار سواء بالنسبة لمالك الأصل التجاري المبيع، و اتجاه الدائنين المقيدين أو بالنسبة لمن رسا عليه المزاد.

       و المقصود بالمزايدة سلوك إجراءات معينة لبيع الأصل التجاري بالمزاد العلني، هذا الأخير باعتباره بيعا جبريا يتم بيد القضاء، فإنه يقوم على علاقة ثلاثية بين البائع و المشتري و المكلف بالبيع، فهو إجراء يتعلق بالبيع و يستطيع حضوره أي شخص.

        إلا ما يجب الإشارة إليه هو أنه إذا كانت المزايدة من الإجراءات المصاحبة للبيع الجبري للأصل التجاري، فإن المشرع لم ينظمها بشكل مفصل في مدونة التجارة، وإن كانت المادة 117[2] منها حددت بعض جوانبها، حيث يلزم كاتب الضبط التقيد بها، إلا أنه في الغالب تطبق أيضا المقتضيات القانونية الواردة في قانون المسطرة المدنية، خصوصا منها الفصول المنظمة للبيوعات العقارية كالفصلين 476 و 477، لذلك يمكن القول أن مسطرة المزايدة المفضية إلى بيع الأصل التجاري المرهون بواسطة المزاد العلني تتم وفق المقتضيات الواردة في المدونة و الأخرى المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، و المقتضيات القانونية التي يلزم مراعاتها في مسطرة المزايدة هي ما يتعلق من جهة بشخص المزايد، و الإجراءات التي يجب على كاتب الضبط القيام بها، و محضر المزايدة[3].

       و في إطار تنفيذ المزايدة، فإن نكول أو تراجع من رسا عليه المزاد، يؤدي إلى إعادة بيع الأصل التجاري بالمزاد العلني، و هو ما عالجه المشرع المغربي في المادة 119 من مدونة التجارة التي نصت على : ” إذا لم ينفذ الراسي عليه المزاد شروط المزايدة و لم يستجيب للإنذار الموجه إليه باحترام التزاماته خلال عشرة أيام، يعاد بيع الأصل التجاري بالمزاد على ذمته، داخل أجل الشهر الموالي للعشرة أيام.

تنحصر إجراءات البيع المعاد في إعلان جديد تتبعه مزايدة جديدة…..” .

      و من منظورنا الشخصي أن هذه الإجراءات المرنة من شأنها أن تفتح باب الغش و التلاعب و مراقبة المزايدة عن قرب للظفر بأكبر نصيب على حساب الآخرين.

      و يجعل القانون من رسا عليه المزاد بين اختيارين لا ثالث لهما، فإما تنفيذ شروط المزايدة كما هي محددة في دفتر التحملات، سواء تعلق الأمر بالتقاعس عن دفع الثمن، و إما الإخلال بالتزاماته هاته. و بمعنى آخر، يملك من رسا عليه المزاد وحده مفتاح نجاح المزايدة أو فشلها و إعادة البيع من جديد.  

المحور الثاني : الارتباك التشريعي في الإجراءات القضائية للبيع الجبري للأصل التجاري

        لما كان البيع القضائي للأصل التجاري في جوهره عبارة عن إجراءات قضائية يبقى الهدف منها التنفيذ على أصل المدين لسداد خصومه، فان هده الإجراءات تتم من خلال مجموعة من المساطر المحددة قانونا، وهدا ما سنعالجه من خلال هذا المحور .

  أولا :  انعدام الوضوح التشريعي للجهة المختصة في البث

       لما كانت مسألة الاختصاص بشقيه النوعي و المكاني تطرح العديد من الإشكالات المهمة على مستوى العديد من القوانين، أهمها القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، و الذي لم يبين فيه المشرع فيما يتعلق بالاختصاص النوعي المحكمة المختصة التي تنظر في المنازعات المتعلقة بالبيع الجبري للأصل التجاري، مكتفية بذكر المحكمة دون تحديد الاختصاص، وهذا راجع إلى كون المغرب لم يكن يتوفر آنذاك على الاختصاص القضائي المتمثل في المحاكم التجارية .

       إلا انه وبعد التطور التشريعي الذي عرفه المغرب و تنزيل القانون رقم 53.95 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية أصبحت الترسانة القضائية للمغرب تتوفر على محاكم متخصصة وبالتالي أصبح الاختصاص النوعي للبيع القضائي للأصل التجاري ينسب للمحاكم التجارية وفق مانص عليه البند 5 من المادة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية : ” تختص المحاكم التجارية بالنظر في :

        1………..

        5 النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية…” .

         غير ما يجب الإشارة إليه هو انه إذا كانت هده المادة قد حسمت الأمر في مسألة الاختصاص، إلا أنها أثارت جدلا ينصب على مفهوم المنازعات المتعلقة بالأصول التجارية، فهل يقصد بهده النزاعات تلك التي تهم العقود والتصرفات الواردة على الأصل التجاري المنظمة في الكتاب الثاني من مدونة التجارة، أم أنها تتجاوز ذلك إلى نزاعات أخرى يمكن أن تنصب على الأصل التجاري ؟

        وبالتالي ما يمكن قوله بخصوص البند 5 من المادة 5، أنه مقتضى يتسم بالعمومية، كونه يفيد عدم اقتصار النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية على تلك التي يكون موضوعها احد العقود والتصرفات المنصبة على الأصل التجاري والمنظمة في باب الأصل التجاري من القانون رقم 15.95.

       ولعل ما يؤكد ذلك إشكالية عنصر الكراء الذي يتوخى من وراء حمايته حماية الأصل التجاري ككل، حيث انه إذا كان ظهير 24 ماي 1954  لم يحسم الأمر في مسألة الاختصاص فان المشرع في إطار المستجدات يمكن القول انه أحسن عملا، حيث حسم الأمر بموجب المادة 30 من القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي  بان المحكمة المختصة بالنظر في النزاعات المتعلقة بهذا القانون هي المحكمة التجارية ليحقق بذلك انسجاما و البند 5 من المادة 5 من القانون رقم 53.95.

       ويجب الإشارة أنه و إن كان المشرع لم يحدد الاختصاص النوعي من قبل لعدم وجود اختصاص قضائي كما أشرنا سابقا، فإننا نقف اليوم عند نفس الإشكالية مع اختلاف السبب، حيث أنه و بانتظار المصادقة أو عدمها على مشروع القانون رقم  38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي فإننا نجد أن المشرع أيضا لا يحدد الاختصاص النوعي في جميع القوانين التي صدرت و إنما يذكر مصطلح المحكمة دون تحديد نوعها، و هذا راجع لمقتضيات المشروع السالف الذكر الذي و إن تمت المصادقة عليه سيتم إحداث غرف متخصصة بالمحاكم الابتدائية عملا بمبدأ تقريب الإدارة من المواطن.

         أما فيما يخص الاختصاص المحلي فانه كقاعدة عامة تم تنظيمه في المواد من 10 إلى 12 من القانون المحدث للمحاكم التجارية رقم 53.95 وتم التنصيص عليه أيضا في بعض المواد من مدونة التجارة من قبل المادة 113، 114 و 120.

         إلا ما يمكن تسجيله هنا انه إلى جانب أن الاختصاص المحلي لم يطاله أي تغيير على عكس الاختصاص النوعي كما رأينا،  فان المواد المنظمة له أيضا ــــ الاختصاص المحلي ــــ المنصوص عليها في مدونة التجارة تتعارض وما تقضي به المادة 12 من قانون إحداث المحاكم التجارية لأنه حسب مقتضيات المواد 113، 114 و 120 من مدونة التجارة فان المحكمة المختصة مكانيا للنظر في دعوى بيع الأصل التجاري هي المحكمة التي يتواجد بدائرة نفوذها الأصل التجاري، أي مكان وجود المقر الرئيسي للأصل التجاري.

         و الاختصاص المكاني هذا من النظام العام بحيث لا يمكن للإطراف الاتفاق على مخالفته ويجب على المحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها[4].

       و إذا ما عدنا للمادة 12 من القانون رقم 53.95 ومسايرة لمقتضياتها فان معنى ذلك انه بإمكان المتعاقدين ــــ الراهن و المرتهن ـــــ  الاتفاق على تعيين المحكمة المختصة للنظر في طلب بيع الأصل التجاري المرهون، مع أن الأمر يتعلق بقاعدة قانونية أمرة كما هو وارد في المواد 113، 114 و  120 من مدونة التجارة .

ثانيا : توجيه الإنذار

       عرفه احد الباحثين بأنه ” ورقة مطبوعة وفق نموذج معين يملؤها مأمور الإجراءات “[5]، و  بالرجوع إلى مقتضيات القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة فان الإنذار يقصد به ” ما يوجه من البائع والدائن المرتهن لفائدة المدين و الحائز للأصل التجاري لمطالبته بأداء ما بذمته ” كما هو منصوص عليه في المادة 114 من القانون السالف الذكر، وهو جزء من المسطرة يترتب عن عدم احترامه تعريض الطلب لعدم القبول .

      و يجب لفت الانتباه إلى أن الارتباك التشريعي هنا لا يتمثل فقط في عدم اقتصار  المشرع على توضيح شكليات الإنذار و إنما يتعدى ذلك لعدم ذكر البيانات الواجب تضمينها فيه، لان توجيه الإنذار لا يكفي لإخلاء ذمة الطالب، بل عليه أن يستوفيه حقه من البيانات التي توضح الطالب و المطلوب بشكل لا لبس فيه،  و إن اقتضى الأمر كل بيان أخر له مساس بموضوع الطلب، و هذا ما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها إذ جاء فيه ” كذلك يلزم أن يتضمن الإنذار تنبيها صريحا من الدائن إلى المدين برغبته في تحقيق الضمانة إذا لم يؤد ما بذمته داخل الأجل المحدد قانونا مع الإشارة إلى مراجع الضمانة و عنوانها، حيث يلزم ذكر رقم السجل التجاري للأصل المرهون و مكان وجوده و كذا مبلغ الدين مذكرا إياه بالإطار القانوني الذي وجه فيه و هي المادة 114 من مدونة التجارة[6].

     من خلال ما سبق، لقد حاولنا تسليط الضوء على المقتضيات و الأحكام التي جعلت مسطرة البيع الجبري للأصل التجاري تتسم بالخصوصية التشريعية و العملية، و ذلك من خلال الإجراءات التمهيدية و الأخرى المصاحبة للبيع مرورا للارتباك التشريعي الموجود في مسألة تنظيم البيع القضائي لمؤسسة الأصل التجاري نتيجة لتداخل عدة قوانين فيما بينها لتنظيمه، الأمر الذي من مفاده أن يخلق لنا ضبابية على مستوى مفهوم الأمن القانوني، هذا الأخير الذي نكون أمامه حين تتوفر نصوص قانونية مرنة واضحة و حديثة و ملائمة لبعضها البعض و مواكبة للبعد القانوني الدولي.

      و ختاما ما يمكن ملاحظته هو أنه حبذا لو أن يتم تنظيم مسألة البيع القضائي في إطار محدد و موحد و الذي هو القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة عوض العمل بالمقتضيات العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية حفاظا على الخصوصية القانونية التي يحظى بها باعتباره مال منقول معنوي مميز تشريعيا و عمليا عن باقي الأموال الأخرى و مؤثرا في الدورة الاقتصادية.

    كذلك حبذا لو تم تقليص مدد المساطر و الإجراءات القضائية التي تسلكها عملية البيع الجبري خاصة و أننا نتحدث عن هذه العملية في إطار مجال التجارة و الأعمال الذي تعد السرعة أحد مبادئه، و أيضا لاعتبار أن الأصل التجاري هو مال منقول معنوي له عناصر قابلة للاندثار بسبب المعيار الزمني.

لائحة المراجع :

  • أحمد شكري السباعي، الوسيط في الأصل التجاري، الجزء 3، دار نشر المعرفة، ط 2018.
  • العربي الغرمول، حماية الدائن المرتهن في الأصل التجاري، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون، جامعة محمد الخامس، أكدال، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الرباط، 2000/2001.
  • يوسف نجم جبران، طرق الاحتياط و التنفيذ، منشورات عويدات، بيروت، ط 1، 1980.
  • Bayart, étude de notion du fonds de commerce Th paris 1906.

[1]  الفقيه أحمد شكري السباعي.

[2]  تنص المادة 117 من مدونة التجارة على ما يلي : إذا حل اليوم و الساعة المعينان لإجراء المزايدة و لم يؤد مالك الأصل التجاري ما بذمته قام عون التنفيذ، بعد التذكير بالأصل التجاري الذي هو موضوع المزايدة و بالتكاليف التي يتحملها و بالعروض الموجودة و آخر أجل لقبول عروض جديدة، بإرساء المزاد بعد انقضاء هذا الأجل على المتزايد الأخير الموسر الذي قدم أعلى عرض أو قدم كفيلا موسرا و يحر محضرا بإرساء المزاد.

[3]  العربي الغرمول، حماية الدائن المرتهن في الأصل التجاري، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون، جامعة محمد الخامس، أكدال، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الرباط، 2000/2001.

[4] Bayart, étude de notion du fonds de commerce TH paris, 1906, page 484.

[5]  يوسف نجم جبران، طرق الاحتياط و التنفيذ، منشورات عويدات، بيروت، ط 1 ، 1980، ص 459 466.

[6]  قرار صادر عن المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) ب 22 أكتوبر 1993، المجلة المغربية للقانون فاتح مارس 1994، ص 139.