المجتمع .. عن مكانة القضاء

21 مايو 2020
المجتمع .. عن مكانة القضاء

المجتمع .. عن مكانة القضاء(1)

احترام القضاء وحاملي رسالته ليس شأنا قضائيا يناضل من أجله القاضي أو المحامي أو غيرهم من الفاعلين في منظومة العدالة، ولا هو مرتبط بمكانة سلطة القضاء بين باقي السلط، وإنما بالصورة التي ترسم للقاضي الفرد داخل المجتمع، فما يمكن أن يجعل القضاء يتبوأ المكانة التي يستحقها، وإنفاذ الدور المنوط به المتمثل في الدخول بين الخالق والخلق لتأدية العدالة، هو صناعة مجتمع واع تكون فيه الريادة للمثقف أيا كان اختصاصه وبغض النظر عن مجال اشتغاله، وفي غياب ذلك يبقى دفاع القاضي عن القاضي مجرد حركة فئوية، أقرب إلى العمل النقابي منه إلى شيء آخر، وسينظر لها لا محالة بعين الريبة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يلتف حولها جميع مكونات المجتمع.

لم يتخلص القضاة إلا حديثا من الصورة النمطية للفقيه صاحب الجلباب الذي لا يبرح مجلس القضاء، في انتظار ما سيرفع إليه من نوازل ليفصل فيها بين الخصمين، مع ما يصاحب ذلك من نوادر القضاة التي تحكى بغرض التفكه والترويح عن النفس، وتبقى يد القاضي مغلولة في غير ذلك، ولذلك قيل في وصف الفرق بين عمل المحتسب (السلطة التنفيذية) وعمل القاضي (السلطة القضائية) أن الأول يزيد عن الثاني بكونه يتعرض للفحص عن المنكرات وإن لم تنه إليه، وأما القاضي فلا يحكم إلا فيما رفع إليه، لأن موضع الحسبة الرهبة، وموضع القضاء النصفة.

فما الذي يمكن مثلا أن يثير حفيظة رجل الأعمال، والفلاح، والمياوم، والعاطل عن العمل…..إذا ما تم المساس بمكانة وهيبة القاضي؟ كيف يمكن أن يسود الوعي و تترسخ القناعة أن تحصين القاضي هو تحصين لحقوق جميع مكونات المجتمع أفرادا وجماعات ضد السلطة النافذة المتغلبة.

وصية ابن عبدون في رسالته في القضاء والحسبة

 

أن يتظاهر القاضي بالمرض ليكلف السلطان الوزير بعيادته، وليرى الجمهور ذلك، فتكثر هيبة القاضي بذلك عند الناس وعند أهل الدولة

مما أوصى به ابن عبدون في رسالته في القضاء والحسبة، أن يتظاهر القاضي بالمرض ليكلف السلطان الوزير بعيادته، وليرى الجمهور ذلك، فتكثر هيبة القاضي بذلك عند الناس وعند أهل الدولة، أليس من الواجب التساؤل عن الغرض من تلك الهيبة والتي يجب أن يتمتع بها القاضي، وعن المستفيد منها، أهو القاضي أم المجتمع ككل؟

فعلى فرض أن القضاء أنصفك في مواجهة السلطة المهابة الجانب، فإلى من يوكل أمر تنفيذ حكمه؟ ما الذي يمكن أن يرغم المحكوم عليه على الخضوع للحكم وتنفيذه؟ ما الذي جعل وينستون تشيرشل في عز الحرب العالمية الثانية، يفضل أن تخسر بلاده الحرب على أن يسجل عليها ايقاف حكم استصدرته مديرة إحدى المدارس بنقل مطار للطائرات الحربية، بدعوى أن أزيز الطائرات يزعج التلاميذ؟؟؟ أليس هو المجتمع الحر الواعي؟؟؟

الدفاع عن مكانة القاضي المتقلد بمسؤولية الإمامة الكبرى الثقيلة يجب أن يكون مطلبا مجتمعيا، والعيب كل العيب أن يتقدم به القاضي.

إلى حين ذلك، يكون من الأصلح للقاضي التعويل على مهاراته في الركض السريع أكثر من أي شيء آخر، وكيفما كان نوعه.

(1) : العنوان تمت صياغته من طرف موقع aljami3a.com  ويبقى لصاحب المقال كل الحق في طلب تعديله أو تغييره.