حماية الطفل من الجرائم الجنسية

26 مايو 2020
حماية الطفل من الجرائم الجنسية

حماية الطفل من الجرائم الجنسية

مقدمة :

تمثل الأخلاق أساس كل بيان اجتماعي بدونها ينتفي كيانه وينصهر ، فلا يمكن بحال من الأحوال الحصول على مجتمع سليم إلا إذا كانت أخلاقه سوية ، وفي الواقع لا يعدو المجتمع إلا أن يكون مجموعة من الناس خاضعين لقوى ونظم عامة ، فمن المحال وجود مجتمع سوي مركب من أفراد غير سويين ، لذا فإن أخلاق المجتمع من أخلاق أفراده الذين تغرس فيهم الفضيلة فيعيشون عليها ، ومن الفلاسفة من قال أن مأساة الإنسان أنه كان في الأصل طفلا .

فعلا ، إن مأساة الإنسان أنه يبدأ حياته طفلا لا يملك حماية نفسه ينفسه ، ولكنه يملك أن يكون أساسا لكل المجتمعات ، فكل إنسان تتأثر طباعه ونفسيته وانتماءاته وفق أخلاقه والتزاماته بنشأته في طفولته ، فإن شب سويا شاب على الطريق المستقيم والسليم ، وإن شب بنفسية مريضة سيفسح المجال لإنسان مريض يقوض أساس البنيان الاجتماعي ، إذن فإنه من البديهي القول أن أساس كل إنسان طفل ، وحتى نضمن سلامة هذا الإنسان من الناحية النفسية وانخراطه السوي في المنظومة الاجتماعية ، علينا أن نضمن نشأة سوية للطفل ، وأن نوفر له الحماية التي يحتاج إليها في فترة الطفولة وعند بلوغه سن الرشد ، ثم إن هذه الحماية لها وجوه عديدة تتحدد كلها في الأساس الذي تبنى عليه وهو الأساس القانوني .

وهكذا تصبح مسؤولية حماية الطفل في كل مجتمع مسؤولية تشريعية ، فمتى وجدت منظومة قانونية متكاملة وكافية لحماية الطفل ، إلا وفسح المجال لبقية المستويات للتدخل لوضع هذه القوانين موضع التطبيق ، وتنزل بها إلى الواقع لتحقق حماية الطفل من الخطر الذي يهدده ، وهذه الحماية تتطلب جملة من الضمانات القانونية والمؤسسات الكفيلة بدعم الأسرة ، باعتبارها الخلية الأساسية لنشأة الطفل ورعايته وهي المحيط الطبيعي ، الذي يجب أن يوفر له أسباب النمو المتوازن ، وبالتالي خلق حصانة ذاتية للطفل ،غير أن دور الأسرة وحده لا يكفي للقيام بهذه المهمة ، فمن الضروري توفير ضمانات قانونية ردعية لحماية الأطفال من الخطر .

في ظل التغييرات السريعة التي يعيشها مجتمعاتنا اليوم ، سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو التكنولوجية في العالم ، حدثت تطورات موازية للخطر الإجرامي الذي يتربص بالطفل ، وأي خطر أكثر من تهديد الطفل في سلامته الجسدية والأخلاقية ، ولعل ما يلفت الانتباه في هذا المجال ، هو الجرائم الجنسية التي ما فتئت ترتكب ضد الأطفال في العالم ، حتى كادوا ينقسمون بين ضحية لهذه الجرائم ومهدد بها .

وهذا الخطر الذي يتربص بهذه الكائنات الصغيرة ، يستفز فينا غريزة الدفاع عن وجود أطفالنا ووجوب العناية بهم ، وإعدادهم أفضل إعداد تحسبا للمستقبل ، وضمانا للتركيبة الاجتماعية  وانطلاقا من أهمية الطفل كعنصر أساسي في مجتمعنا ، ارتأيت التطرق إلى دراسة الجرائم التي ترتكب ضده .

لقد اهتم المشرع في بلادنا على غرار بلدان العالم بمسالة الاعتداءات الجنسية عامة ، والاعتداءات الجنسية ضد الأطفال خاصة ، فكرس ترسانة كاملة من النصوص القانونية المجرمة لهذا النوع من الجرائم ، وخصص لها مكانة هامة في القانون الجنائي وفي نصوص أخرى متفرقة .

فما هي مظاهر حماية الأطفال من الإجرام الجنسي ؟  وهل المنظومة التشريعية توفر حماية كافية للطفل من الاعتداءات الجنسي ؟ وما مدى نجاح المشرع المغربي في مكافحة هذا النوع من الإجرام أو بالأحرى الحد من استفحاله ؟ وهل القانون لوحده كاف لمحاربة هذه الجرائم أم لا بد من تدابير أخرى ؟ .

انطلاقا من الإشكالية المطروحة أتناول هذا المقال وفق التصميم التالي :

المطلب الأول : حماية الطفل من الجرائم الجنسية في التشريع المغربي

المطلب الثاني :  حماية الطفل من الإجرام الجنسي في المواثيق والمؤتمرات الدولية.

 المطلب الأول : حماية الطفل من الجرائم الجنسية في التشريع المغربي

تعتبر جرائم الاغتصاب وهتك العرض ، من أخطر الجرائم مساسا بحرمة جسد الطفل وأخلاقه ، فهي تهدر أدميته وتخدش حياءه ، كما تؤدي إلى المساس بشرفه وعفته فتجعله منبوذا في المجتمع ، خاصة إذا كان الطفل المجني عليه أنثى ( الفقرة الأولى ) ، كما يعتبر التحرش الجنسي والتحريض على الفساد من بين أخطر أشكال سوء المعاملة تأثيرا على أخلاق الطفل ، من خلال جسمه ونفسيته ، لذلك عني المشرع المغربي بحماية الطفل من هذه الجرائم ( الفقرة الثانية )

الفقرة الأولى : الصور التقليدية للجرائم الجنسية ضد الطفل

عمل المشرع المغربي على وضع إطار لحماية الطفل من الإجرام الجنسي، يتمثل أساسا في تجريم فعل الاغتصاب ( أولا ) تم تجريم هتك العرض ( ثانيا ).

أولا : جريمة اغتصاب قاصرة

تعد جريمة الاغتصاب من اخطر جرائم العرض التي تلحق الأنثى ، فتجعلها ضحية بين يدي وحش كاسر يدنسها ويخلف لها أسوا الآثار ، خاصة إذا كانت بكرا ، وقد تعرضها للحمل سفاحا ، وتبلغ خطورة الجريمة أشدها إذا استهدفت قاصر [1].

وقد أضحت ظاهرة اغتصاب الأطفال بالمغرب كشكل من أشكال سوء معاملة الأطفال ، تتفاقم في أوساط المجتمع المغربي سنة بعد أخرى [2]، وما يزيد من استفحالها هو كونها ظاهرة صامتة ، نظرا للأعراف التي تداولتها الأسر المغربية فيما يخص الجانب الجنسي ، بحيث تكاد تجده من المحرمات ، بل ومن نقد العار فاغلب الضحايا وأسرهم يختارون الصمت والتستر عوض فضح هذه الجريمة خوفا من التشهير خاصة وانه يصعب إثباتها أمام القضاء .

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 486 من مجموعة القانون الجنائي نجده يعرف الاغتصاب بأنه : ” مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها ، والمواقعة تعني إيلاج عضو التذكير في عضو التأنيث ، ووفقا لهذا التعريف فان أي إيلاج لعضو التذكير في غير موضعه الطبيعي لا يعد اغتصابا ، كما لا يعد اغتصابا إيلاج غير عضو التذكير في عضو التأنيث .[3]

ووفقا لهذا التعريف فان أساس التجريم هو انعدام رضا المجني عليه ، ومن تم إذا كانت المواقعة تمت برضا الطرفين لا تشكل جريمة ، ونظرا لان الرضا لا يعتد ب هالا إذا كان صادرا عن شخص بالغ ، لذا فان الاغتصاب يختلف نطاقه متى كان المجني عليه شخصا بالغا ، حيث يقتصر في هذه الحالة على المواقعة دون رضاه ، بينما إذا كان المجني عليه قاصرا ( طفلة ) فانه يتسع ليشمل المواقعة سواء تمت برضاها أو دون رضاها ، وما ذلك إلا لعدم الاعتداد برضاها في حالة توفره حكما [4].

ونظرا لخطورة هذه الجريمة على القاصرة لما يلحقها من أضرار جسدية وصدمات نفسية ، فقد عاقب عليها المشرع المغربي بالسجن من خمس إلى عشر سنوات ، غير انه إذا كانت سن المجني عليها تقل عن ثمان عشرة سنة ، فان المجني يعاقب من عشر إلى عشرين سنة ( الفصل 486 ق.ج ) ، وإذا كان الجاني من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عندها أو عند احد الأشخاص السالف ذكرهم أو كان موظفا دينيا أو رئيسا دينيا ، وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص أو عدة أشخاص ، فان العقوبة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة ( الفصل 487 ق.ج ) .

وفي الأخير لا بد من الإشارة إلى التعديل الأخير للفصل 475 من القانون الجنائي المغربي[5] ، والذي يدخل في إطار تعزيز الحماية الجنائية للقاصر ، حيث تم حذف الفقرة الثانية من هذا الفصل ، والتي كانت تعطي للشخص الذي اختطف قاصرة أو غرر بها ، إمكانية الزواج بها إذا كانت بالغة وبالتالي الإفلات من العقاب ، ويأتي هذا التعديل بعد موجة احتجاجات للجمعيات الحقوقية على اثر انتحار أمينة الفيلالي بعد تزويجها من مغتصبها .

ثانيا  : جريمة هتك عرض قاصر

يقصد بهتك العرض كل فعل مخل بالحياء يقع على شخص ، أي كل فعل مناف للآداب يقع عمدا ومباشرة على المجني عليه ، وفقا لهذا التعريف يشترط في الفعل المخل بالحياء أن يكون على درجة من الفحش والجسامة ، وان يكون هذا الإخلال عمديا فلا يعد هتك عرض ذلك الفعل الذي بقع بصورة غير عمدية مهما كان خادشا بالحياء ، ولا يشترط أن يقع المساس بعورة المجني عليه من قبل الجاني ، وإنما يتصور ولو كان المجني عليه هو الذي اجبر على المساس بعورة الجاني [6].

وعكس جريمة الاغتصاب التي لا يمكن أن تقع إلا على أنثى ، فان هتك العرض يمكن أن يقع على أنثى كما يمكن أن تقع على ذكر ، بل يمكن أن تقع هذه الجريمة من أنثى على أنثى أو من أنثى على ذكر ، وقد استهدف المشرع من تجريمه لأفعال هتك العرض ، حماية المناعة الأدبية للأشخاص[7] نظرا لما قد يلحقهم من أذى جراء هتك أعراضهم ، خاصة إذا كان المجني عليه قاصرا ، لسهولة خداع الطفل أو تهديده أو إكراهه على المساس بعرضه بسبب ضعفه البدني ، وأيضا لعدم نضج قدراته التي تمكنه من فهم طبيعة الفعل الذي يرتكب عليه ، لذا فانه من اليسير أن يقع ضحية الجاني.

لهذه الأسباب عاقب القانون الجنائي بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات كل من هتك دون عنف أو حاول هتك عرض قاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة سواء كان ذكرا أو أنثى [8]، وتشدد هذه العقوبة لتصبح هي السجن من خمس إلى عشر سنوات إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عندها أو عند احد الأشخاص السالف ذكرهم ، أو كان موظفا دينيا أو رئيسا دينيا [9]وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص أو عدة أشخاص أو إذا نتج عن هتك عرض الضحية افتضاضها .

وفقا لهذه المقتضيات ، فان أي هتك لعرض القاصر دون قوة يشكل جريمة معاقب عليها ، عكس الحالة التي يقع فيها هتك عرض شخص تجاوز سن 18 سنة دون عنف إذ لا عقاب في هذه الحالة ، إلا إذا شكل الفعل جريمة أخرى كالإخلال العلني بالحياء وبذلك يتبين أن المشرع المغربي اعتبر سن المجني عليه الأقل من 18 سنة عنصرا مكونا للجريمة ، بحيث إذا بلغ سن الضحية 18 سنة فأكثر ، فان احد أركان الجريمة يتخلف ومن تم لا وجود للجريمة .

وعلى هذا الأساس فقد عاقب الفصل 485 من القانون الجنائي المغربي على جريمة هتك عرض بالعنف بالسجن من خمس إلى عشر سنوات ، غير انه إذا كان المجني عليه طفلا تقل سنه عن ثمان عشرة سنة ، فان العقوبة هي السجن من عشر إلى عشرين سنة [10]، وتشدد هذه العقوبة إذا كان الجاني من أصول الضحية أو إذا نتج عن الجريمة افتضاض المجني عليها لتصبح هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة [11].

الفقرة الثانية : الصور المستحدثة للجرائم الجنسية ضد الطفل

عمل المشرع المغربي على حماية الطفل من أخطر أشكال سوء المعاملة والمثمتلة أساسا في التحرش الجنسي ( أولا ) وفي كل ما من شأنه إيقاع الطفل في براثين الفساد ( ثانيا ) .

أولا : حماية الطفل من التحرش الجنسي

يطرح مفهوم التحرش الجنسي صعوبة كبيرة في تحديده ، وذلك بسبب اختلاف المؤشرات الدالة عليه ولتعدد الأفعال التي يمكن إدراجها ضمن هذا التعبير ، وأيضا بسبب تنوع مظاهره حسب الأوساط والثقافات ، كما أن إحساس المتحرش بها يدخل كعنصر يحدد في اعتبار سلوك التحرش الجنسي ، نظرا لطابع الذاتية في الإقرار بشعور الاهانة والمضايقة والمس بالكرامة بالنسبة للمتحرش به [12].

وقد عرفت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التحرش الجنسي بأنه : ” كل سلوك لا أخلاقي يرمي إلى استهداف جسد المرأة ، في تنكر تام لرغبتها ورضاها وباستغلال السلطة الذكورية”[13].

كما عرفت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بأنه : ” كل سلوك يتضمن إيحاءات جنسية مباشرة أو ضمنية تستهدف الإيقاع بالطرف الأخر ، سواء كان ذكرا أو أنثى رغما عن إرادته في ممارسة جنسية مستغلا بذلك سلطته ونفوذه “ .[14]

من خلال هذين التعريفين يتبين أن مفهوم الاستغلال الجنسي ، هو الطابع المهيمن على هذه الظاهرة ويتخذ أشكالا مختلفة نذكر منها :

  • المساومة سواء بالتلميح أو التصريح بالكلام اللطيف أو العنيف الشفوي في اغلب الأحيان والكتابي في بعض الأحيان الأخرى.
  • الإغواء بالوعود والتهديد بالوعيد ، بهدف الاذغان لرغبات المتحرش الجنسية .
  • اللمس والمداعبات غير البريئة .
  • الوعود بالمكافآت والترقية عندما يتعلق الأمر بالموظفات والعاملات .

ويبقى الغرض هو الوصول إلى الجنس . دون اعتبار لرضا أو رغبة الطرف الأخر ، وتجدر الإشارة إلى أن استعمال السلطة والنفوذ من الأساليب الأساسية للتحرش الجنسي ، وبذلك يكون التحرش الجنسي،  هو كل السلوكات اللا أخلاقية الهادفة للوصول إلى أغراض جنسية في تنكر تام لرضا ورغبة المتحرش بها جنسيا ، وتكون السلطة والنفوذ من مكوناته[15] .

ونظرا لخطورة التحرش الجنسي على الراشد عموما وعلى الطفل ( القاصر ) على وجه الخصوص، فقد دعت العديد من فعاليات المجتمع المدني والباحثين إلى تجريم التحرش الجنسي، وهو ما استجاب له المشرع الجنائي من خلال إصدار القانون 24.03 المتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل والمرأة ، حيث نص على أنه : ” يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من خمسة ألاف إلى خمسين ألف درهم ، من أجل جريمة التحرش الجنسي ، كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه ، أو أية وسيلة أخرى ، مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه لأغراض ذات طبيعة جنسية “ [16].

من خلال هذا المقتضى، يتضح بأن المشرع المغربي لم يعرف التحرش الجنسي، بل اكتفى بتعداد بعض أساليب ارتكاب هذه الجريمة، كالأوامر أو التهديدات أو وسائل الإكراه الأخرى….التي قد يستعين الجاني في تنفيذها بالسلطة التي تخولها له مهامه أو وظيفته ، بمعنى أخر لا يعتبر تحرشا جنسيا الأوامر أو التهديدات أو الإيحاءات والمضايقات التي قد يتعرض لها الشخص لأغراض ذات طبيعة جنسية من أحد المارة في الشارع العام مثلا ، إذا لم تكن للفاعل سلطة على الشخص المجني عليه ، في حين أن السلوكات السالفة الذكر تسبب أضرارا كبيرة للطفل الذي تعرض لها حتى ولو لم يكن للفاعل سلطة عليه ، ومن هنا يمكن القول بقصور هذا النص لعدم اشتماله لكافة حالات التحرش الجنسي .

ثانيا : تجريم تحريض الأطفال على الفساد وتسخيرهم في الأعمال الإباحية

من الظواهر التي عرفتها البشرية منذ الأزل إلى يومنا هذا ، ظاهرة تجارة الجسد أو تعاطي البغاء وهو نظام أقرته الشرائع والتقاليد لدى كثير من الشعوب المتحضرة فقد نظرت إليه الشعوب القديمة – وما تزال – بعين الرضا والاستحسان معتبرة إياه أمرا عاديا وطبيعيا لصرف طاقة جسدية مقابل الحصول على منفعة مادية .

فهذه التجارة لم تقتصر في وقتنا الحاضر على تحريض النساء على الفساد ، بل تحريض الأطفال كذلك ، وفي سن جد مبكرة حيث يتعرض أطفال العالم لمختلف أشكال سوء المعاملة الجنسية مثل الدعارة بهم واستخدامهم في العروض والمواد الإباحية ، وكذا في مختلف الجرائم التي تلحق بهم أكبر الأضرار بصحتهم وأخلاقهم ونموهم الجسدي والعقلي والروحي والاجتماعي .[17]

فلا أحد ينكر بأن بغاء الأطفال أصبحت ظاهرة عالمية وتتم من خلال شبكات منظمة ، يعاني منها ملايين الأطفال في مختلف بلدان العالم وقد تطورت الظاهرة لتصبح وسيلة من وسائل الجذب السياسي خاصة من أوروبا وأمريكا [18].

وقد شجعت مثل هذه التجارة على رواج هذه الظاهرة في العديد من المجتمعات العالمية الفقيرة ، مثل ما هو كائن في شرق أسيا والهند والمغرب أيضا الذي أصبحت فيه هذه الظاهرة مستشرية في بعض المدن السياحية كمراكش وأكادير ، وذلك رغم الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي من أجل القضاء على هذه الظاهرة المهددة لأمن الطفولة .

ونظرا لخطورة جرائم إفساد الأطفال والزج بهم في مستنقعات الفساد والرذيلة، فقد تضمن القانون الجنائي بعض المقتضيات التي تعاقب كل من حرض أو سهل أو ساعد الغير على تسخير الأطفال في البغاء.

ولقد عدد القانون الجنائي الجرائم التي تستهدف البغاء ، ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف وهي : جرائم التحريض أو المساعدة على البغاء ، تم جرائم الاستخدام أو الاستدراج أو الإغواء ، تم أخيرا جرائم استبقاء شخص بغير رغبته في محل للفجور أو الدعارة [19].

فبالنسبة لجرائم تحريض أو تسهيل الفساد ، فقد نص الفصل 497 من القانون الجنائي على أنه يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من عشرين ألف إلى مائتي ألف درهم ، كل من حرض القاصرين دون الثامنة عشر على الدعارة أو البغاء أو شجعهم عليها، ولم يستثن المشرع من العقاب كل من ساعد أو حمى ممارسة البغاء ، أو جلب أشخاصا أو استخدامهم لأجل البغاء ، حيث عاقب الجاني بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبالغرامة من خمسة ألاف درهم إلى مليون درهم[20] ، وترفع هذه العقوبة إلى السجن لمدة تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة ، إذا اقترفت هذه الجريمة بواسطة عصابة إجرامية[21]، أما إذا صاحب ارتكاب هذه الجريمة التعذيب أو أعمال وحشية فإن العقوبة هي السجن المؤبد [22].

ولحماية الطفل من بعض أشكال الاعتداءات الجنسية الخطيرة التي أصبحت منتشرة بشكل مخيف في وقتنا الحاضر ، مثل استغلال الأطفال في مواد إباحية أو الاستغلال الجنسي للأطفال عبر شبكة الانترنيت فقد نص الفصل 2-503 من القانون 03/24 المتمم للقانون الجنائي والمتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل والمرأة على أنه : ” يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من عشرة ألاف إلى مليون درهم ، كل من حرض أو شجع أو سهل استغلال أطفال تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة في مواد إباحية ، وذلك بإظهار أنشطة جنسية بأية وسيلة كانت أثناء الممارسة الفعلية أو بالمحاكاة أو المشاهدة أو أي تصور للأعضاء الجنسية للأطفال يتم لأغراض ذات طبيعة جنسية ” ، وتطبق نفس العقوبة على كل من قام بإنتاج أو توزيع أو نشر أو استيراد أو تصدير أو عرض أو بيع أو حيازة مواد إباحية من هذا النوع ، وتضاعف العقوبة إذا كان الفاعل من أصول الطفل أو مكلفا برعايته أو له سلطة عليه .

هذا الفصل وردت فيه عبارة ” بأية وسيلة كانت “ وهي تتضمن جميع الوسائل التي ترتكب بها جريمة استغلال القاصرين جنسيا ، وضمنها الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل الانترنيت والحاسوب والهاتف ، فلو أن المشرع حدد الوسيلة المرتكب بها الفعل الجرمي سيكون حصرها في تلك الوسيلة يعينها ، وبالتالي إذا ارتكب الفعل الجرمي ذاته بوسيلة أخرى لم ينص عليها المشرع ، فذلك يعني أن متابعة الفاعل على جريمته تلك تصبح غير ممكنة على اعتبار أن المشرع لم يشر إليها تطبيقا لمبدأ ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص “.

وعلى الرغم من المقتضيات الزجرية الهامة التي تقر عقوبات رادعة في حق الجناة ، فإن هذا النوع من الجرائم لا زال منتشرا بشكل مخيف للغاية داخل مجتمعنا المغربي ، وتظهر خطورة هذا النوع من الجرائم في كون الجناة غالبا ما يقومون بإقناع الطفل بأن الجسد مجرد سلعة تباع وتشترى ، كما أن هناك قسما أخر من الجناة أكثر وحشية حيث يقومون بإجبار الأطفال للخضوع لرغباتهم تحت تأثير التهديد أو التخدير ، ومع ظهور شبكة الانترنيت واتساع استخدامها عالميا أصبح مثل هذا النشاط أكثر اتساعا مما يجعل السيطرة عليه أمرا غاية في الصعوبة [23].

وبما أن ظاهرة الاستغلال الجنسي أصبحت عالمية، فإن مواجهتها تقتضي تعاونا دوليا وملائمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، وكذلك تبادل الخبرات بين مختلف الدول، فما مدى ملائمة نصوص التشريع المغربي في مجال الجرائم الجنسي مع الاتفاقيات الدولية والقوانين المقارنة ؟

المطلب الثاني : حماية الطفل من الإجرام الجنسي في المواثيق والمؤتمرات الدولية.

قام المجتمع الدولي بإصدار مجموعة من المواثيق الدولية تخص الطفل ( الفقرة الأولى )، كما تم عقد عدة مؤتمرات دولية حول ظاهرة الإجرام الجنسي ضد الأطفال ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : الجرائم الجنسية ضد الطفل من خلال الاتفاقيات الدولية

 أولا : اتفاقية حظر الاتجار بالبشر واستغلال دعارة الغير لعام 1949

تم إقرار هذه الاتفاقية في عام 1949 وأبرز ما جاء في هذه الاتفاقية ما يلي [24]:

  • تجريم فعل أي شخص يقوم بإرضاء لأهواء أخر ، بقوادة شخص أخر أو غوايته أو تضليله بهدف الدعارة ، حتى لو توافر رضاء هذا الشخص أو باستغلال دعارة شخص أخر حتى لو كان برضائه .
  • تجريم فعل كل ما يملك أو يدير مكانا لممارسة الدعارة أو يقوم عن علم بتمويله أو المشاركة في تمويله ، أو يؤجر أو يستأجر مبنى أو مكانا لاستغلال دعارة الغير .
  • التزام الأطراف المتعاقدة باتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الاتجار بالبشر من الجنسين لأغراض الدعارة، وعلى وجه الخصوص الأنظمة اللازمة لحماية المهاجرين إلى بلدانهم أو منها، وبشكل خاص النساء والأطفال من استغلالهم لأغراض الدعارة.
  • وجوب اتخاذ أطراف هذه الاتفاقية التدابير اللازمة لمراقبة مكاتب الاستخدام بغية تفادي تعرض الأشخاص الباحثين عن العمل ، ولا سيما النساء والأطفال ، لخطر الدعارة .

ثانيا : الإعلان العالمي لحقوق الطفل لعام 1959

تم اعتماد ونشر هذا الإعلان بموجب قرار الجمعية العامة 1387 (د/14) في عام 1959، ووقع على هذا الإعلان سبعون دولة، وامتنعت دولتان هما كمبوديا وجنوب إفريقيا عن التصويت على هذا الإعلان.

ويعد هذا الإعلان من هم الوثائق الدولية في مجال الطفل ، وقد نص هذا الإعلان في المبدأ التاسع منه على وجوب أن يتمتع الطفل بالحماية من جميع صور الإهمال والقسوة والاستغلال ، ويحظر الاتجار به على أية صورة .

ثالثا : الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل لعام 1989

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل (CRC) بموجب قرارها رقم 44/25 لعام 1989، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1990 وفقا للمادة 49 منها، وتشمل الاتفاقية بالإضافة إلى الديباجة على أربع وخمسين مادة، كما تحتوي على مجموعة من القواعد التي تهتم بحماية الأطفال وسلامتهم.

ويعرف الطفل في هذه الاتفاقية بأنه كل إنسان لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة، ما لم تحدد القوانين الوطنية سنا أصغر للرشد.

وتقع هذه الاتفاقية في ثلاثة أجزاء : الجزء الأول ويشمل المواد المتعلقة بحقوق الطفل ، والجزء الثاني يشتمل على المواد المتعلقة بألية تنفيذ الاتفاقيات ونشر مبادئها وأحكامها بين الدول ، والجزء الثالث يحتوي على البنود المتعلقة بتوقيع الاتفاقية والتصديق عليها [25].

وأعطت هذه الاتفاقية الطفل حماية من جميع أشكال الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي ، أو التعرض لانتهاك جنسي ، وجميع أشكال استغلال الأطفال أو أدائهم لأي عمل يرجح أن يكون خطرا عليهم ، كما أكدت الاتفاقية على حماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال والانتهاك الجنسي ، ولهذه الأعراض تتخذ الدول الأطراف بوجه خاص جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع :

  • حمل أو إكراه طفل على تعاطي أي نشاط جنسي غير مشروع.
  • استخدام واستغلال الأطفال في الدعارة وغيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة.
  • استخدام واستغلال الأطفال في العروض والمواد الإباحية[26].

كما نصت الاتفاقية على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة الوطنية والمتعددة الأطراف ، لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال[27] .

رابعا : البرتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في المواد الإباحية

تم عرض هذا البرتوكول للتوقيع والتصديق والانضمام إليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 263 لعام 2000، ودخل حيز التنفيذ في عام 2002، واهم ما جاء في هذا البرتوكول ما يلي :

  • حظر هذا البرتوكول على الدول الأطراف بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية.
  • عرف هذا البرتوكول استغلال الأطفال في البغاء، بأنه استخدام طفل لغرض أنشطة جنسية لقاء مكافأة أو أي شكل من أشكال العوض.
  • يعد استغلال الأطفال في المواد الإباحية وفقا للبرتوكول تصوير أي طفل ، بأية وسيلة كانت يمارس ممارسة حقيقية أو بالمحاكاة أنشطة جنسية صريحة ، أو أي تصوير للأعضاء الجنسية للطفل لإشباع الرغبة الجنسية أساسا[28] .
  • نكفل كل دولة طرف أن تغطي، كحد أدنى، الأفعال والأنشطة التالية تغطية كاملة بموجب قانونها الجنائي، أو قانون العقوبات فيها سواء أكانت هذه الجرائم ترتكب محليا أو دوليا أم كانت ترتكب على أساس فردي أو منظم :
  • في سياق بيع الأطفال كما هو معرف في المادة 2 :
  • عرض أو تسليم أو قبول بأي طفل بأي طريقة كانت لغرض من الأغراض التالية :
  • الاستغلال الجنسي للطفل
  • نقل أعضاء الطفل توخيا للربح
  • تسخير الطفل لعمل قسري
  • عرض أو تأمين أو تدبير أو تقديم طفل بغرض استغلاله في البغاء على النحو المعرف في المادة 2.
  • إنتاج أو توزيع أو نشر أو استيراد أو تصدير أو عرض أو حيازة مواد إباحية متعلقة بالطفل على النحو المعرف في المادة 2.
  • رهنا بأحكام القانون الوطني للدولة الطرف، ينطبق الشيء نفسه على أي محاولة ترمي إلى ارتكاب أي من هذه الأفعال أو التواطؤ أو المشاركة في أي منها.
  • تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة التي تجعل هذه الجرائم موجبة للعقوبات المناسبة والتي تضع في الاعتبار خطورة طابعها .
  • تتخذ الدول الإطراف التدابير المناسبة لحماية حقوق ومصالح الأطفال ضحايا الممارسات المحظورة بموجب هذا البرتوكول في جميع مراحل الإجراءات القضائية الجنائية ، ولا سيما عن طريق ما يلي :
  • الاعتراف بضعف الأطفال الضحايا وتكييف الإجراءات لجعلها تعترف باحتياجاتهم الخاصة ، بما في ذلك احتياجاتهم الخاصة كشهود .
  • إعلام الأطفال الضحايا بحقوقهم ودورهم وبنطاق الإجراءات وتوقيتها وتقدمها والبث في قضاياهم .
  • توفير خدمات المساندة الملائمة للأطفال الضحايا طيلة سير الإجراءات القانونية .
  • القيام في الحالات المناسبة بحماية سلامة الأطفال الضحايا وأسرهم والشهود الذين يشهدون لصالحهم من التعرض للإرهاب والانتقام.
  • تعتمد الدول الأطراف التدابير اللازمة التي تكفل التدريب الملائم، وخاصة التدريب القانوني والنفسي للأشخاص الذين يعملون مع ضحايا الجرائم المحظورة بموجب هذا البرتوكول.
  • تعتمد الدول الأطراف وتعزز وتنفذ وتنشر القوانين والتدابير الإدارية والسياسات والبرامج الاجتماعية ، التي تمنع الجرائم المشار إليها في هذا البرتوكول ، إضافة إلى ايلاء الاهتمام الخاص لحماية الأطفال ، الذين هم عرضة بوجه خاص لهذه الممارسات .
  • نص البرتوكول على أن تشجيع الدول الأطراف على تعزيز التعاون الدولي، بغية التصدي للأسباب الجذرية مثل الفقر والتخلف التي تسهم في استهداف الأطفال للبيع واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية وفي السياحة الجنسية [29].

خامسا : بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة غير الوطنية

فتح الباب التوقيع على هذا البروتوكول أمام جميع الدول في 12 دجنبر 2000 ، وقد جرم هذا البروتوكول في المادة الثالثة منه استغلال دعارة الغير وسائر أشكال الاستغلال الجنسي ، وأكد في المادة التاسعة منه على حماية ضحايا الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال من معاودة إيذائهم ، كما أكد على وجوب اتخاذ الدول المختلفة تدابير لتخفيف وطأة العوامل التي تجعل الأشخاص وبخاصة النساء والأطفال مستضعفين أمام الاتجار ، مثل الفقر والتخلف وانعدام تكافؤ الفرص[30] .

سادسا : اتفاقية مكافحة الجرائم المعلوماتية في بودابست لعام 2001

قامت 26 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكندا وجنوب أفريقيا ، بإبرام أول اتفاقية دولية بشأن الجرائم الواقعة ضد شبكات الحاسب الآلي ، أو باستخدامها وذلك في مدينة بودابست .

وهذه الاتفاقية وإن كانت أوروبية المنشأ إلا أنها مفتوحة لجميع الدول الأخرى للانضمام إليها، وقد تضمنت هذه الاتفاقية في المادة التاسعة منها الجرائم المتصلة بالمواد الإباحية للأطفال [31].

الفقرة الثانية  : الجرائم الجنسية ضد الطفل من منظور المؤتمرات الدولية

في عام 1996 وقعت حادثتين منفصلتين كان من شأنها أن وضعتا قضية الاستغلال الجنسي للأطفال في صميم البرامج الحكومية والسياسية ، فالاهتمام العالمي باختفاء بنتين بلجيكيتين في الثامنة من عمرهما ، وهما جولي لوجون وميليسا روسو ، واكتشاف جثتيهما في أب أغسطس من ذلك العام قد أفضيا إلى القبض على مغتصب سبقت إدانته ، وهو مارك دوترو وإزاحة الستار عن قصة من قصص اختطاف البنات والاعتداء عليهن والاتجار فيهن لأغراض جنسية عبر قارة أوروبا .

وفي نفس الشهر ، اجتمع المئات من ممثلي الحكومات ومندوبي الأمم المتحدة والناشطين في مجال حقوق الطفل ، فضلا عن الباحثين والأطفال والشباب ومسؤولي وسائل الإعلام العالمية ، في ستوكهولم في السويد لعقد المؤثمر العالمي الأول بالاستغلال الجنسي للأطفال لأغراض تجارية .

وفي ستوكهولم سدت التفاصيل المتعلقة باستغلال الأطفال جنسيا بغية الربح ، ما وجد من ثغرات لدى الجمهور فيما يتصل بتصور كيفية قيام أشخاص من قبيل دوترو بالعمل . واحتمال وقوع أطفال من كافة أنحاء العالم ضحية لمن يبحثون عنهم لإشباع الغريزة أو لتحقيق الربح ، واتفق المندوبون في هذا الاجتماع على مخطط من مخططات العمل وهو ” جدول أعمال ستوكهولم “ وأيضا على التزام شامل ودعوة للكفاح يتمثلان في ” إعلان ستوكهولم “[32] .

وفي عام 2001 عقد المؤتمر العالمي الثاني بيوكوهاما في اليابان حول مكافحة الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال ، هذا المؤتمر سبقته سلسلة من الاجتماعات الإقليمية أفضت إلى وضع خطط للعمل متعلقة بكل جهة ، وقام المندوبون ذوو الصلة باستعراض التقدم المحرز في مجال تنفيذ جدول أعمال ستوكهولم ، وأيضا بتعزيز تمسكهم بالتزام يوكوهاما العالمي .

وفي عام 2008 نظم المؤتمر العالمي الثالث لمكافحة الاستغلال الجنسي من طرف حكومة البرازيل بالتعاون مع شبكة وقف بيع الأطفال واستغلالهم في الدعارة والمواد الإباحية – ايكبات واليونيسيف ومجموعة منظمات اتفاقية حقوق الطفل في ريو دي جانيرو خلال الفترة من 25-28 نوفمبر 2008 ، شارك فيه حوالي ثلاثة ألاف من ممثلي الحكومات والمجتمع المدني والأمم المتحدة والقطاع الخاص وغيرهم من الفاعلين الرئيسيين بجميع أنحاء العالم [33].

وشكل المؤتمر الثالث لمكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال والكبار ، فرصة ليجدد العالم التزامه مرة أخرى ، ويترجم الإرادة والدعم الدوليان إلى تحركات ملموسة لازمة ، كما كان فرصة للفت اهتمام العالم لمشكلة محددة هي ” الاستغلال الجنسي للطفل “ ، وإثارة انتباه العاملين في الميدان لتحليل برامج عملهم ومراجعتها وتحديثها ، وتجديد التزامهم بها ، وتحديث أدوات العمل في مكافحة بيع الأطفال واستغلالهم في الدعارة والمواد الإباحية ، وهو فرصة لتقييم التقدم المحرز ومراجعة ما جد من تغيرات وتطورات للوصول لتحرك عالمي طويل المدى يهدف لحماية الطفل [34].

خاتمة :

بالوقوف على ما تقدم من طرح للجرائم الجنسية ضد الأطفال في التشريع المغربي ، تظهر الخطورة البالغة لمثل هذه الجرائم لما لها من اثر على نفسية الطفل وسلامته الجسدية ، لذا حاول المشرع المغربي التصدي لها من خلال التنصيص على مجموعة من العقوبات في القانون الجنائي ، إلا أن هذه النصوص لا زالت تحتاج إلى العديد من التعديلات حتى تلاءم التطور الكمي والنوعي لهذه الجرائم .

من جانب أخر ، وحتى تكون للنصوص القانونية اثر على تغيير السلوك العدواني اتجاه الأطفال ، لا بد من التحسيس والتوعية من طرف المجتمع ككل بخطورة هذه الأفعال الإجرامية ، كما لا يجب أن ننسى معاناة الأطفال ضحايا الإجرام الجنسي ، لذلك يجب تفعيل آليات تأهيل الأطفال الضحايا ، بغية التخفيف من معاناتهم النفسية والجسدية ، وحتى لا ينتجوا نفس العنف عند رشدهم .

كما لا يجب نسيان التأهيل النفسي للمجرم ، فارتكابه للجريمة الجنسية ضد الطفل يدل على شذوذ جنسي ، وجب علاجه داخل المؤسسة السجنية ، كي لا يتكرر نفس الفعل الجرمي .

وختاما لا بد من الإشارة إلى أن مسالة الجرائم الجنسية المرتكبة ضد الأطفال تطرح إشكالا هاما ، يتمثل في الحالة التي يكون فيها المتهم أي الجاني نفسه طفلا ، ففي هذا الموقف سنجد أنفسنا في حالة تصادم بين سياستين تشريعيتين ، ألا وهما السعي إلى حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية المرتكبة ضدهم من ناحية والسعي من ناحية أخرى إلى خلق مكانة خاصة بالطفل الجانح الذي يعامل بشكل خاص ، ويتمتع بحماية قانونية نظرا لحداثة سنه وعدم قدرته الكاملة على التمييز وتحمل مسؤولية أفعاله ، مما دفع بالمشرع المغربي إلى التخفيف من العقوبات المسلطة عليه وتمتعيه بإجراءات خاصة تتلاءم مع وضعيته .

الإحالات 

[1] . محمد مصباح القاضي، الحماية الجنائية للطفولة، دار النهضة العربية الطبعة الأولى، القاهرة 1998، ص : 50.

[2] . المرصد الوطني لحقوق الطفل : تقرير مركز الاستماع وحماية الأطفال ضحايا سوء المعاملة، 10 سنوات ( 1999- 2009 )، ص : 2.

[3] . محمود احمد طه ، الحماية الجنائية للطفل المجني عليه ، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية ، الطبعة الأولى ، الرياض ، 19999 ، ص : 192.

[4] . محمود أحمد طه ، مرجع سابق ، ص : 192.

[5] . تمت المصادقة على هذا التعديل مساء الأربعاء 22 يناير 2014 ، بالإجماع من طرف مجلس النواب المغربي

[6] . أحمد أجوييد ، الموجز في شرح القانون الجنائي الخاص المغربي ، الجزء الثاني ، كلية الحقوق فاس ، السنة الجامعية 2004-2005 ، ص : 83.

[7] . فعلى الرغم من كون هتك العرض لا يفترض اتصالا جنسيا بين الجاني والمجني عليه إلا أنه يفترض المساس بحرمة المجني عليه ، فالفعل المخل بالحياء على نحو جسيم هو بحسب المجرى العادي للأمور تمهيدا لاتصال جنسي أو على الأقل يشير في ذهن المجني عليه فكرة الاتصال الجنسي وهو اتصال غير مرغوب فيه وبالإضافة إلى ذلك فهذه الجريمة تنطوي على المساس بالشرف وحصانة الجسم بصفة عامة ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى مؤلف ، سعيد الفكهاني ، التعليق على القانون الجنائي في ضوء الفقه والقضاء ، الجزء 3 ، الطبعة الأولى ، الدار العربية للموسوعات 1993 ، ص : 214 وما بعدها .

[8] . الفصل 484 من القانون الجنائي المغربي ، المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 24.03 .

[9] . إن الحكمة من تشديد عقوبة هؤلاء الأشخاص هي ردع من سولت له نفسه خيانة الثقة التي توضع فيه تبعا لمركزه إزاء الصغير الذي يصبح فريسة سهلة له لوجوده معه بدون رقابة في أغلب الأحيان إذ يعتبر هو نفسه مسؤولا عنه ومن المفترض فيه أن يحميه من كل أنماط سوء المعاملة بدلا من الإساءة إليه غير أن اعتبار صفة موظف أو رئيس ديني ظرف تشديد في بعض الجرائم يعد غريبا عن المجتمع المغربي المسلم ، إذ المقصود بالموظف الديني أو الرئيس الديني الأشخاص الدين تخول لهم صفتهم هذه الاتصال الانفرادي بالناس بما فيهم النساء وممارسة الضغط المعنوي عليهم بما يملكونه من وساطة بينهم وبين خالقهم تحط بها خطاياهم وتبدل بها بسيئاتهم حسنات وهذا إن صدق على التقاليد الكنسية فإنه لا مجال له بالنسبة للديانة الإسلامية ، التي لا يملك فيها أحد التسلط باسم الدين أو الإكراه المعنوي للأفراد بدعوى الغفران ومحو الخطيئة ، أنظر : أحمد الخمليشي ، شرح القانون الجنائي ، ص : 156 .

[10] . الفصل 487 من القانون الجنائي المغربي .

[11] . الفصل 488 من القانون الجنائي المغربي .

[12] . الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء، التحرش الجنسي جريمة، سلسلة لنحرك الصمت، مطبعة النجاح الجديدة، ابريل 2001، ص : 27.

[13] . اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، تم اعتمادها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 دجنبر 1979 ، وتتضمن 30 مادة ، في قالب قانوني ملزم .

[14] . الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب ، التحرش الجنسي في المغرب ، نشر الفنك ، مطبعة النجاح الجديدة ، 2001 ، ص : 39 .

[15] . خديجة أبو مهدي ، الحماية الجنائية للمرأة في المنظومة القانونية المغربية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، كلية الحقوق فاس ، 2002-2003 ص : 137 .

[16] . الفصل 1-503 من القانون الجنائي المغربي ، المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 24.03 .

[17] . محمد الصديق أطراسي ، حماية الطفل من الجرائم الجنسية ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، تخصص العلوم الجنائية وحقوق الإنسان ، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط ، 2012-2013 ، ص : 21.

[18] . أحمد الدريج ، الأطفال في وضعية صعبة ، سلسلة المعرفة للجميع العدد 25 ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ، سنة 2002 ، ص : 66-167 .

[19] . محمد الصديق أطراسي ، حماية الطفل من الجرائم الجنسية ، مرجع سابق ، ص : 22- 23 .

[20] . الفصل 498 من القانون الجنائي المغربي ، المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 24.03 .

[21] . الفصل 499 من القانون الجنائي المغربي ، المعدل بمقتضى القانون رقم 24.03 .

[22] .الفصل 2-499 من القانون الجنائي المغربي ، المعدل بمقتضى القانون رقم 24.03 .

[23] . أحمد الدريج ، مرجع سابق ، ص : 168 .

[24] . أسامة بن غانم العبيدي ، جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر شبكة الانترنيت ، مجلة الشريعة والقانون ، كلية القانون ، جامعة الإمارات العربية المتحدة ، يناير 2013 ، ص :  24 .

[25] . وقد وقعت على هذه الاتفاقية في اليوم الأول 70 دولة من ضمنها أربع دول عربية وهي الجزائر ولبنان والمغرب وموريتانيا .

[26] . المادة 34 من الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل .

[27] . المادة 35 من الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل .

[28] . المواد ( 1-3 ) من البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشان بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية.

[29] . محمد الصديق أطراسي ، حماية الطفل من الجرائم الجنسية ، مرجع سابق ، ص : 29- 30 .

[30] . أسامة بن غانم العبيدي ، جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر شبكة الانترنيت ، مرجع سابق ، ص :  34 .

[31] . أسامة بن غانم العبيدي ، جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر شبكة الانترنيت ، مرجع سابق ، ص 34 .

[32] . محمد الصديق أطراسي ، حماية الطفل من الجرائم الجنسية ، مرجع سابق ، ص : 31-32  .

[33] . محمد الصديق أطراسي ، حماية الطفل من الجرائم الجنسية ، مرجع سابق ، ص : 32 .

[34] . محمد الصديق أطراسي ، حماية الطفل من الجرائم الجنسية ، مرجع سابق ، ص : 33 .