النفقة و بعض إشكالات التنفيذ

8 يونيو 2020
النفقة و بعض إشكالات التنفيذ

النفقة و بعض إشكالات التنفيذ

مــــــقدمــــــــة:

إن تنفيذ الأحكام القضائية هو الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له، كما أن عدم التنفيذ أو التأخر فيه يلحق ضررا جسيما بالمحكوم له، و يؤثر على مصداقية الأحكام و على ثقة المواطنين في الجهاز القضائي.

و المشرع المغربي لم يقم بتعريف التنفيذ بل ترك هذه المهمة إلى الجهة المختصة وهي القضاء و الفقه و تطرق إلى الإجراءات القانونية في الفصول من 428 إلى 496 من المسطرة المدنية ، لذا عرفه البعض على أنه: تمكين صاحب الحق من اقتضائه بإجبار المدين على الوفاء بإلتزماته، فإذا لم ينفذ أجبر على ذالك بتدخل السلطة العامة التي تجري التنفيذ تحت إشراف القضاء و رقابته، فهو تبعا لذالك يعتبر وسيلة قانونية تمارسها السلطة العمومية تحت إشراف القضاء و بأمر منه بناءا على الحكم الصادر من المحكمة أو بناء على طلب الدائن الذي يتوفر على سند تنفيذي[1].

وطرق التنفيذ تختلف حسب طبيعة الأحكام، ومن بينها تلك المتعلقة بالنفقة في مدونة الآسرة، و  المشرع المغربي جعل الأحكام الصادرة عن هذه الأخيرة مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون، ونظم النفقة في الفصول من 187 إلى 205 من مدونة الأسرة، وترك أمر التعريف للجهة المختصة وعرفها البعض بأنها: ما يخرجه الملزم من مال نقدي أو عيني حسب وضعه وحال المتحقق و المتعارف عليه عرفا، إيفاء بمتطلبات الزوجة والأبناء و الوالدين المادية والمعنوية[2]. ولهذا للنفقة دورا مهما في التحقيق الاستقرار الاجتماعي.

ومنه، ما هي الأحكام القانونية المنظمة للنفقة وفق مدونة الأسرة؟ وما هي أهم الإشكالات القانونية والقضائية للنفقة؟

للإجابة عن هذا سنتطرق في البداية إلى الأحكام القانونية المنظمة للنفقة في مدونة الأسرة المغربية(المطلب الأول). والإشكاليات القانونية والقضائية والواقعية التي تعترض إجراءات تنفيذ النفقة ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: الإطار القانوني للنفقة

إن دراسة الإطار القانوني للنفقة تقتضي التطرق إلى مشتملاتها ( الفقرة الأولى ). كما تستوجب ذكر الجهة المختصة في تقديرها ( الفقرة الثانية ). و أخير سوف نتطرف إلى وسائل إثبات النفقة ( الفقرة الثالثة ).

الفقرة الأولى: مشتملات النفقة

إن تحديد عناصر النفقة تطرق إليها المشرع المغربي في المادة 189 من مدونة الأسرة، وعليه نستشف على أن النفقة تشمل الغذاء والكسوة والعلاج، وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد، مع مراعاة أحكام المادة 168 من نفس المدونة التي لا تدخل في مشمولات النفقة تكاليف سكنى المحضون وأجرة الحضانة و غيرها. ومن الواضح أن المشرع المغربي لم يتحدث في النص أعلاه عن السكنى، وإنما أحال على المادة 168 التي تقرر بأن تكاليف سكنى المحضون مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما، وما يدل على وجوبها للزوجة ما نصت عليه المادة 196 التي جاء فيها ” المطلقة رجعيا يسقط حقها في السكنى دون النفقة إذا انتقلت من بيت عدتها دون موافقة زوجها أو دون عذر مقبول”. فبالإضافة إلى اشتمال النفقة على الغذاء والكسوة والعلاج والسكن، فمن المنطقي أن تستمل على مصاريف الولادة والنفاس والعقيقة، باعتبارها من الضروريات المنصوص عليها في المادة 189 من مدونة الأسرة المغربية. كما تعتبر توسعة الأعياد من مشمولات النفقة وهو ما دأب إليه القضاء المغربي على أنه” تعتبر واجبات الأعياد والمناسبات من مشتملات النفقة طبقا لمقتضيات المادة 189 من مدونة الأسرة[3]، و منه فإن ما ليس ضروري لا يدخل في النفقه.

الفقرة الثانية: المعايير القانونية لتقدير النفقة

وفي حالة إمتناع الزوج عن الإنفاق على الزوجة أن ترفع دعوى بذلك إلى القضاء الذي عليه أن يقدر مبلغها وأن يحكم به، وفيما يتعلق بمحددات النفقة يبقى المحدد الرئيس هو الدخل الملزم،عملا بمقتضيات المادة 189 من مدونة الأسرة، وقد جاء في قرار المجلس الأعلى سابقا و محكمة النقض حاليا تأكيدا على ذالك: المحكمة التي لم تبرز الوسائل المادية التي اعتمدتها في التقدير ما يجب على الملزم خاصة دخله يكون قرارها غير مرتكز على أساس مما يعرضه للنقض. فالتقدير يجب أن يستدل على أدلة محسوسة و أسباب سائغة، وهكذا جاء في قرار المجلس الاعلى سابقا و محكمة النقض مايلي: حيث تبين صحة ما ورد في هذا النص ، تلك أن تقدير النفقة يبقى خاضعا لسلطة المحكمة على أن تبني ذالك على أسباب سائغة، وإذا هي قدرت الفرض المبين في حكمها دون أن تبحث في داخل الطاعن ومدى قدرته على الانفاق على غيره، و التوسط عند التقدير.تكون قد خرقت المادتين المحتج بهما و عرضت قرارها للنقض[4].

إنطلاقا من المادة 190 من مدونة الأسرة، نجد أن المشرع المغرب أكد على أن المحكمة هي المكلفة بتقدير النفقة إلا أنها في سبيل حسن التقدير تعتمد على مجموعة من المعايير إذ تعد هذه العناصر بمثابة قيود على السلطة التقديرية للقاضي وهذا ما تؤكده عدة قرارات صادرة عن المجلس الأعلى سابقا ومحكمة النقض حاليا على أنه: قضاة الموضوع لهم صلاحية في تحديد قدر النفقة بعد أن تتوفر لهم العناصر الراجعة إلى اعتبار الأسعار وعادة أهل البلد وحال الطرفين كما أنهم غير مجبرين بالأخذ بالقدر المطالب به، إذ بوسعهم الحكم بأقل منه أو أكثر.[5]  وجاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالبيضاء “إن النفقة تخضع في تقديرها لسلطة القضاء. غير أن هذه السلطة قد جعل لها المشرع سببا يحفظها من طغيان هذه السلطة مدا وجزرا [6].

 الفقرة الثالثة: وسائل إثبات النفقة

إن مدار المنازعة القضائية المتعلقة بالنفقة يتمحور حول الإثبات، كون أن المشرع المغربي لم يوحد له حلا شافيا في مدونة الأسرة، و لم ينظم بمواد المعلومة، وهذه الأحكام الفقهية تختلف بحسب ما إذا تعلق الأمر بنفقة الزوجة أو بنفقة الأبناء، وما إذا كان الزوج حاضرا أو غائبا، وما إذا كانت العلاقة الزوجية قائمة أو منتهية.

إذا كان الزوج حاضرا بمعية زوجته ببيت الزوجية وادعى الإنفاق طيلة المدة المطلوبة، فإن المحكمة تعتمد قول الزوج بيمينه، ذالك أن حضوره يشكل شاهدا عرفيا لصالحه و قرينة قضائية مقررة لمصلحته يعضدها بيمينه، إذ الغالب أن ينفق الزوج الحاضر على زوجته و أبنائه. وقد جاء في قرار المجلس الأعلى سابقا و محكمة النقض حاليا تأكيدا على هذا الأمر: إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما ثبت لها أن المطلوب في النقض حاضر بالبلد ويدعي الإنفاق على زوجته وابنه منها، ولم تدحض الطاعنة ادعاءه بدليل مقبول ، وقضت بيمينه عن فترة ما قبل الطلاق، تكون قد طبقت القاعدة الفقهية المنصوص عليها في هذا الصدد تطبيقا صحيحا، ولم تقلب عبأ الإثبات[7].

إذا غاب الزوج عن البلد الذي تقيم فيه الزوجة ثم لما حضر من غيبته طلبته بنفقتها الواجبة لها في فترة غيابه، فادعى أنه ترك لها ما تنفقه أو أرسل إليها و أنكرت ذالك  نكون هنا أمام فرضيتين:

  • إذا أثبتت الزوجة أنها رفعت دعواها في غيابه تطالبه بنفقتها منه، يكون القول قولها بيمينها.
  • إذا لم تثبت أنها رفعت هذه الدعوى في غيابه، يكون القول قوله بيمينه، ما لم يقر بما تدعيه الزوجة.

وهذه القاعدة هي التي تطبق من جانب القضاء المغربي و في مقدمته محكمة النقض الموجهة والموحدة لذالك القضاء.[8]

يعد واجب الإنفاق على الأبناء من أوكد الواجبات الملقاة على عاتق الأب، فأحكام الشرع و المقتضيات الوضع توجب النفقة عليهم، و يستوي في ذالك أن تكون العلاقة الزوجية قائمة أو منتهية، لعدم تأثيرها على علاقة البنوة التي هي سبب النفقة، لكن إثبات الإنفاق على الأبناء يختلف بحسب ما إذا كانت العلاقة الزوجية سارة أو منفصلة.

إن ما قيل في إثبات  النفقة الزوجية أثناء قيام العلاقة الزوجية ، وعيش الأب المكلف بها مع أبنائه تحت السقف الواحد، إذ جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا ومحكمة النقض حاليا على أنه: لكن حيث أن المحكمة لما قضت بتأييد الحكم المستأنف القاضي على طالب بأداء النفقة المطلوبة بدون يمين، فإنها عللت قرارها بان وجود المطلوبة و أبنائها ببيت الزوجية لا يكون قرينة على إنفاق الطالب عليهم ، إلا إذا كان حاضرا ويعيش معهم تحت سقف واحد، أما أنه ويسكن بعيدا عنهم فان استغلالها لممتلكاته لا يفيد كليا من التزام بعدم ثبوت أي ريع قار يمكن الاعتماد عليه لتغطية حاجيتها منه من عدمه، و الطالب لم يثبت خلاف ذالك كما أنه لم يثبت بأنه كان ينفق فعلا على المطلوبة و بذالك يكون قرار المحكمة مبني على أساس القانون. فتواجد الأبناء بمعية الأبيهم داخل بيت الزوجية منظمة على الإنفاق و تواجدهم خارج بيت الزوجية قرينة على عدم الإنفاق.

إن المطلق عقب الطلاق هو الملزم بإثبات الإنفاق على أبنائه و لا وجه للتعويل على اليمين بدليل أن قيام العلاقة الزوجية و الحوز خلالها الذي كان يعد شاهدا عرفيا لصالحه قد انتهى، ومن تم فلا يجزئه إلا الاثبات العامل، لأنه ذمته عامرة بيقين، فلا تبرأ إلا بيقين مثله، وهذا الأمر يتحقق من خلال إدلائه بكل ما يفيد توصل الأبناء المستحقين بالنفقة، كالحوالات البريدية أو الاقتطاع من الأجر،أو الإيداع بصندوق المحكمة بعد رفض المستحق للعرض العيني.[9]

وعليه، يمكن القول على أن النفقة تعتبر من أهم الحقوق المقررة لفائدة الزوجة و الأبناء.

المطلب الثاني : الإشكالات القانونية و القضائية المتعلقة بالنفقة

تطرح النفقة عدة إشكالات على مستوى العملي، منها الإشكالات القانونية و القضائية وهي على النحو التالي:

الفقرة الاولى: الاشكالات القانونية المتعلقة بالنفقة

خص المشرع المغربي بمجموعة من الظمانات القانونية حماية لهذا الحق الحيوي و تجسيدا له في أرضية الواقع وتمكينا لأصحابه منه بسهولة و سرعة و بالقدر الكافي، وهذه الظمانات مبثوتة في قوانين مختلفة موضوعية وإجرائية[10]، ومن أبرزها:

  • إعتبار المسطرة في قضايا النفقة شفوية هذا ما أكده المشرع المغربي في الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية، ومعفاة من أداء الرسوم القضائية بقوة القانون بحكم طلبعها المعيشي، إذ كيف لمن لا يجد أن ينفق أن يأدي الرسوم القضائية.
  • جعل النفقة في عداد الديون الممتازة المحصنة ضد أي حجز أو مقاصة. وهوما كرسه الفصل 488[11] من قانون المسطرة المدنية.
  • إعتبار نفقة الزوجة لا تسقط بالتقادم، فلا تسقط بمضي الزمان بل بالاداء أو الابراء، سواء كان الزوج موسرا أو معسرا، وسواء كانت النفقة مفروضة قضائيا أو مقررة إتفاقا.
  • إعتبار الامساك العمدي عن أداء النفقة مفروضة قضاء لفائدة الزوجة أو الفروع فعلا جرميا يقضي عقابا حسبما توجبه مقتضيات الفصلين [12]479 و 480[13] من مجموعة القانون الجنائي. وكذا مقتضيات الفصل 202 من مدونة الاسرة .
  • تخويل الحق في مراجعة النفقة زيادة أو نقصان بعد انصرام سنة من تاريخ أخر فرض هذا ما أكدة المشرع المغربي في المادة 192 من مدونة الاسرة.
  • استمرار سريان نفقة المصابين بالاعاقة و العاجزين عن الكسب، ونفقة البنت إلى حين توفرها على الكسب أو وجوب نفقتها على زوجها، أو إتمام 25 سنة بالنسبة للأبناء الذين ييتابعون دراستهم وهذا ما أكده الفصل 198 من مدونة الاسرة[14].
الفقرة الثانية: الاشكالات القضائية المتعلقة بالنفقة

المقصود بالاشكالات القضائية تلك المرتبطة بعمل القضاء وكيفية إنفاذه للنصوص القانونية، و تفسيره لمعنيها الظاهرة و تأوييله لمعنيها الباطنة، خاصة وأن كثيرا من القواعد الحاكمة قي مادة النفقة، المطبقة قضاء هي قواعد غر مقننة، بل يستقيها القصاء من تأليف الفقه الاسلامي مباشرة. فالعبرة بالتطبيقات القضائية وليست بالنصوص المسنونة، الانها هي التي تجد سبيلها إلى التنفيذ وهي التي ترى عيانا و تقتضى واقعا، فالعدالة الواقعية هي التي تقدم بين يدي الناس لا العدالة القانونية الورقية.[15]

  • سلطة المحكمة في الحكم بأكثر من مبالغ النفقة المطلوبة: ألزم الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية المحكمة بالبث في حدود طلبات الاطراف، وهي قاعدة محكمة في سائر القضايا، غير أن محكمة النقض جوزت خلافا للمقتضى المذكور عدم التقيد بحدود طلبات الاطراف و الحكم بأكثر من المبالغ المطلوبة في الدعوى. وقد جاء في قرار لمحكمة النقض: … قضاة الموضوع لهم الصلاحية في تحديد قدر النفقة بعد أن تتوفر لهم العناصر الراجعة إلى إعتبار الأسعار وعادة أهل البلد وحال الطرفين، كما أنهم غير مجبرين بالأخذ بالقدر المطلوب به، إذ بوسعهم الحكم بأقل منه أو اكثر.
  • عسر تقدير المبالغ المحكوم بها: إن مراعاة محددات النفقة المبسوطة في المادة 189 من مدونة الاسرة، متمثلة في دخل الملزم وحال مستحقتها يسارا أو إعسرا و مستوى الاسعار في البلد الذي يقضي فيه، أمر لا يتأتى بسهولة دائما، وقلما تكون هذه المحددات مستجمعة وطوع يمين القاضي، وهي ولا شك مدخلات حكمه، خاصة الوقوف على داخل الملزم المطلوب قي دعوى النفقة، أبا أو زوجا أو إبنا، و الذي يعسر على طالب النفقة الادلاء بشهادة أجره أو بما يثبت مجموع دخله إن كان يمتهن عمل خاصا، لأنها حجة بيد خصمه، و قلما يدلي الملزم طوعا بما يثبت ذالك أو يقر بما نسب إليه. ولأجله أتاح المشرع للمحكمة بمقتضى المادة 190 من المدونة أن تعتمد عند تقدير النفقة على تصريحات الطرفين وحججهما ولها الاستعانة بالخبراء المحاسبين، كما أتاح الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية للمحكمة في سائر الدعاوى، إجراء أبحاث بصفة مباشرة مع الخصوم أو بواسطة من يجب من السلطة المختصة للتحقيق من بعض الوقائع التي هي محل غموض أو تشكيك[16].
  • عدم تفعيل مسعى الصلح : بعدم قرر المشرع المغربي في الفصل 1098 من قانون الالتزامات والعقود، أن الصلح هو عقد بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان قيامه، وذالك بتنازل كل منهما للاخر عن جزء مما يدعيه لنفسه. و أضاف كذالك ف الفصل 1102 على أنه: لايجوز الصلح على حق النفقة، وإنما يجوز على طريقة أدائه أو على أداء أقساطه التي إستحقت فعلا.

و على الرغم من أن المجلس الاعلى سابقا ومحكمة النقض حاليا قد سبق له أن قرر، أن قانون الالتزامات والعقود لا يطبق في مجال الاحوال الشخصية الملغاة، فإنه قد تمسك بتطبيق الفصل 1102 أعلاه الابعاد لفيف صلحا تم بين الزوجين بخصوص النفقة[17].

الفقرة الثالثة : بعض الاشكالات التنفيذية المتعلقة بالنفقة

المراد بالاشكالات التفيذية تلك التي تعترض تنقيذ أحكام النفقة وتحول دون اقتضاء المستفيدين لحقوقهم المالية المقضى بها أحكام قضائية واجبة النفاذ، و المعلوم ان التنفيذ هو الذي يدب الحياة في الحق والروح في الحكم وإلى بقي مجرد مداد أسود على ورق أبيض، و مأل الحكم متمثل في التنفيذه قد تعترضه عوارض وتعتريه موانعن، ناتجة عن أسباب متعددة، رغم أن الاحكام الصادرة بخصوص النفقة مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، إلا أن المشرع لم يميزها بإجراءات تنفيذية خاصة، مراعاة لطبيعتها، بل أخضعها لإجراءات التنفيذ العادية، المنظمة بمقتضى الفصول من 428 إلى 496 من قانون المسطرة المدنية[18].

وعليه، رغم طابع الاستعجالي التي تتمتع بها هذه الاحكام إلى أن هناك إشكلات حقيقية، قضائية وقانونية و واقعية، تعترض تنفيذها و لا سبيل لإزالتها إلا بجهد موصل يبدله القضاء، وتتمثل هذه الاشكالات في:

  • صعوبة تحديد تاريخ انتهاء سريان السند التنفيذي، حال تضمينه عبارة إلى حين سقوط الفرض شرعا، او إلى ان يصدر الحكم أخر يحل محله، أو يسقط حق المحكوم له في النفقة هذا ما أكده المشرع المغربي في الفصل 191 من المدونة، يعسر أحيانا على المفوض القضائي المعهود إليه بالتنفيذ، تحديد تاريخ السقوط، خاصة حال متابعة الولد المحكوم له بالنفقة دراسته و إدلائه هو أو حاضنته بشهادة مدرسية تثبت أحقيته باستمرار في الاستفادة من النفقة، فيبث المفوض القضائي أحيانا في أحقيته، و احيانا يرفع الامر إلى القاضي التنفيذ أو رئيس المحكمة للبث في الامر حال وجود منازعة جدية في الاستحقاق.
  • عدم تصفية الايمان الشرعية الصادرة أثناء النظر في دعاوى النفقة وإرجائها إلى ما بعد صدور الحكم، و هو ما يعد إصدار الاحكام معلقة على شرط واقف، وهذا ما يتنافى مع طبيعة الاحكام التي يجب أن تفصل في الخصومة ليتخذ طرفها في ضوء ذالك ما يلزم من الحماية لحقوقهم.
  • عسر بعض الملزم و عدم قدرتهم الفعلية على الاداء، مما قد يأدي بهم إلى الايداع في السجن بجريمة إهمال الاسرة.
  • المطل في التنفيذ الاحكام، ناجمة عن وجود إجراءات متعددة وطويلة بين قسم التنفيذ الذي يفتح بين يديه الملف التنفيذي و المفوض القضائي المكلف بالتنفذ، فقد أضحى للمفوضين القضائيين دور مهم في تنفيذ الاحكام وبلورتها.
  • وفاة الملزم عقب الحكم القاضي بالنفقة، فتكون المبالغ المحكوم بها في عداد الديون الواجبة في التركة قبل الميراث، بخلاف ما إذا توفي أثناء سريان الدعوى، فإن دعوى النفقة تنقضي بعتبارها دعوى شخصة متعلقة بالشخص الملزم الذي يسوغ له وحده المنازعة في هذه الواقعة وأمادها، بتحديد تارخ التوقف أو الامتناع وأداء الايمان الشرعية[19].
خاتمة:

في الختام يمكن القول على أنه بعد التطرق إلى أحكام القانونية التي تنظم النفقة، وتطرق إليها المشرع المغربي في الفصول من 187 إلى 205 من مدونة الاسرة، نلاحظ أن عدم نجاعة إجرات التنفيذ النفقة راجع في بعض الاحيان إلى مجموعة من الإشكالات قد تكون قانونية أو قضائية أو واقعية، ولا يمكن تجاوزها في بعض الأحيان إلى باللجوأ إلى الجهة المختصة قانونا، لذا يجب التفكير  في أليات جديدة لمواجهة هذه الظاهرة.

 

 

[1]  نادية للوسي ، التنفيذ المدني وإ شكالاته.

[2]  عادل حاميدي، الدليل الفقهي و القضائي و المحامي في المنازعات الأسرية، الطبعة الاولى 2016.

 [3]  موقع دروس  القانون ، النفقة حسب مدونة الاسرة المغربية،https://www.coursdroitarab.com ،اليوم 30.05.2020، الساعة 16.30

[4]   عادل حاميدي، الدليل الفقهي و القضائي و المحامي في المنازعات الأسرية، الطبعة الاولى 2016.

[5]  قرار عدد 526صادر بتاريخ 3/4/90في ملف عدد 7236/88ورده محمد امجاط في بحثه المنشور بمجلة الملحق القضائي عدد 24  لسنة 1991 ، (عرض ، إشكالية النفقة علي ضوء مدونة الاسرة ).

[6]   قرار 314صادر بتاريخ 28فبراير 1990ملف شرعي عدد 1094/89منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد
65/64 ص173 ، .(عرض ، إشكالية النفقة علي ضوء مدونة الاسرة ).

[7] عادل حاميدي، الدليل الفقهي و القضائي و المحامي في المنازعات الأسرية، الطبعة الاولى 2016.

[8] محمد الكشبور، الواضح في شرح مدونة الأسرة، الجزء الأول،الطبعة الثالثة 2015  .

[9]   عادل حاميدي، الدليل الفقهي و القضائي و المحامي في المنازعات الأسرية، الطبعة الاولى 2016.

 [10]  عادل حاميدي، الدليل الفقهي و القضائي و المحامي في المنازعات الأسرية، الطبعة الاولى 2016.

[11]  ينص الفصل 488 من قانون المسطرة المدنية على أنه: يمكن لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين  ثابت إجراء حجز بين يدي الغير بإذن من القاضي على مبالغ ومستندات لمدينه والتعرض على تسليمها له.

غير أنه لا يقبل التحويل والحجز فيما يلي:

– التعويضات التي يصرح القانون بأنها غير قابلة للحجز؛

– النفقات؛

– المبالغ التي تسبق أو ترد باعتبارها مصاريف مكتب أو جولة أو تجهيز أو تنقل أو نقل؛

– المبالغ الممنوحة باعتبارها ردا لتسبيقات أو أداء لمصاريف أنفقها عامل مستخدم بصفة مستمرة أو مؤقتة بمناسبة عمله؛

– المبالغ الممنوحة باعتبارها ردا لتسبيقات أو أداء لمصاريف سينفقها الموظفون أو الأعوان المساعدون في تنفيذ مصلحة عامة أو مصاريف أنفقوها بمناسبة عملهم؛

– جميع التعويضات والمنح وجميع ما يضاف أو يلحق بالأجور والرواتب كتعويضات عائلية؛

– رأس مال الوفاة المؤسس بالمرسوم رقم 2.98.500 الصادر في 14 من شوال 1419 (فاتح فبراير 1999) يحدث بموجبه نظام رصيد للوفاة لفائدة ذوي حقوق الموظفين المدنيين والعسكريين والأعوان التابعين للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة [11]؛

– المعاشات المدنية للدولة المؤسسة بالقانون رقم011.71 بتاريخ 12 ذي القعدة 1391 (30 دجنبر1971) باستثناء ما أشير إليه في الشروط المقررة في الفصل 39 من القانون المذكور.

– المعاشات العسكرية المنظمة بالقانون رقم 013.71 بتاريخ 12 ذي القعدة 1391 (30 دجنبر 1971) [11] باستثناء ما أشير إليه في الشروط المقررة في الفصل 42 من القانون المذكور.

– معاشات التقاعد أو العجز الممنوحة من القطاع الخاص ولو كان المستفيد منها لم يشارك في إنشائها بمبالغ سبق دفعها. ومع ذلك يجوز حجز وتحويل هذه المعاشات بنفس الشروط والحدود الخاصة بالأجور. ويجوز أن يصل الحد القابل للحجز والتحويل لفائدة المؤسسات الصحية أو بيوت إيواء العجزة لاستيفاء مقابل العلاج أو إقامة بها إلى 50 في المائة إن كان صاحبها متزوجا وإلى 90 في المائة في الحالات الأخرى.

لا يقبل بصفة عامة التحويل والحجز جميع الأشياء التي يصرح القانون بعدم قابليتها لذلك.

[12] ينص الفصل 479 من القانون الجنائي على أنه: يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 200 إلى 2.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط:

– الأب أو الأم إذا ما ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد على شهرين وتملص من كل أو بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية الأبوية أو الوصاية أو الحضانة، ولا ينقطع أجل الشهرين إلا بالرجوع إلى بيت الأسرة رجوعا ينم عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية،

– الزوج الذي يترك عمدا، لأكثر من شهرين ودون موجب قاهر، زوجته وهو يعلم أنها حامل.

[13] ينص الفصل 480 من القانون الجنائي على أنه: يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل للتنفيذ الموقت بدفع نفقة    إلى زوجه أو أحد أصوله أو فروعه وأمسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد،  وفي حالة العود يكون الحكم بعقوبة الحبس حتميا، والنفقة التي يحددها القاضي تكون واجبة الأداء في محل المستحق لها ما لم ينص الحكم على خلاف ذلك.

[14]  عادل حاميدي، الدليل الفقهي و القضائي و المحامي في المنازعات الأسرية، الطبعة الاولى 2016.

[15]  عادل حاميدي: نفس المرجع المذكور.

[16]  عادل حاميدي ، نفس المرجع المذكور أعلاه.

[17]   محمد الكشبور، الواضح في شرح مدونة الأسرة، الجزء الأول،الطبعة الثالثة 2015.

[18]  عادل حاميدي، الدليل الفقهي و القضائي و المحامي في المنازعات الأسرية، الطبعة الاولى 2016.

[19]   عادل حاميدي، الدليل الفقهي و القضائي و المحامي في المنازعات الأسرية، الطبعة الأولى 2016.