إشكالية التخلي عن المتابعةالقضائيةفي منازعات التعمير وسقوط الدعوى العمومية

4 نوفمبر 2020
إشكالية التخلي عن المتابعةالقضائيةفي منازعات التعمير وسقوط الدعوى العمومية

إشكالية التخلي عن المتابعةالقضائيةفي منازعات التعمير وسقوط الدعوى العمومية

تقديم:
في إطار المساعي الحميدة التي تبدلها الإدارة الجماعية من اجل تسوية وحل المنازعات القضائية عن طريق التفاوض و التوافق للوصول إلى حلول رضائية ، ووقوفا على ما تعرفه بلادنا من إختلالات ناجمة على مخالفات قواعد التعمير و ضوابط البناء في ميدان التعمير العملياتي ومدى انعكاساتها السلبية على المشهد العمراني والبيئي، وما تثيره من منازعات من قبل مرتكبي جرائم التعمير، وفي سبيل ايجاد بعض الحلول البديلة لفض منازعات التعمير ،نظم المشرع المغربي اطارا قانونيا لاحتواء تلكم القضايا التعميرية عبر اليات الصلح و التنازل عن المتابعات القضائية، بما فيها امكانية الجهات المختصة سحب الشكاوي المتعلقة بمخالفات التعمير و البناء.
فالمشرع المغربي، وعلى الرغم من سنه لقوانين لعقوبات زجرية في مجال العقار و التعمير ،وتحدبده للجهات صاحبة الولاية في اقامة الدعوى العمومية على مرتكب مخالفات التعمير و البناء، وعلى شركائه الأصليين أو المساعدين، ومنح حق متابعتها من طرف رجال القضاء،أو الموظفون المعهود إليهم بها بمقتضى القانون، الا انه ومراعات منه لاهمية الصلح و التنازل في فض منازعات مخالفات التعمير والبناء، ،خول للجهات المختصة امكانية التخلي عن المتابعات القصائية في شأن بعض المخالفات المتعلقة بالتعمير و البناء حيث يترتب بموجب إعمال تلكم الصلاحية عن طريق سحب الشكاوي في مادة التعمير سقوط الدعوى العمومية المتعلقة بمخالفات التعمير، بإبرام مصالحة مادام ان قانون التعميرلم يتضمن ما يمنع من إعمال ذلك ، وكذا الشأن في حالة سحب الشكاية طالما كانت شرطا لازما للمتابعة، الا ان المشرع لم يجعل حق التخلي عن المتابعة المخول لرؤساء الجماعات سابقا و للسطات المحلية حاليا بموجب احكام قانون 12/66 حقا مطلقا، بل إنه نظم التخلي بشأن المخالفات لقانون التعمير، وحدد له شروطا أهمها، ألا تكون الأفعال المتكونة منها المخالفة من الأفعال التي تمثل إخلالا خطيرا بضوابط البناء، وأن يتم انهاء المخالفة داخل أجل محدد، وبالتالي لا يمكن للسلطات المخول لهم الصفة الضبطية في مجال التعمير و البناء، أن يتخلوا عن المتابعة إذا كانت الأفعال التي أتاها المتهم تمثل اخلالا خطيرا بضوابط البناء.فحف المتابعة الزجرية في مجال مخالفات التعمير لا يحول دون اتخاذ الإجراءات الإدارية في حق مرتكب المخالفة ، كما أن الصلح في جرائم التعمير موقف لتنفيذ العقوبة ولا يسقط قيامها من جديد كلما تم الاخلال بموجبات الصلح و الالتزامات المتعلقة به .
المبحث الاول:
التكييف القانوني للشكاية في و الامر الصادر بالتخلي عن المتابعة القضائية في منازعات التعمير
مما لا شك فيه ،انه في حالة ارتكاب أعمال ممنوعة بمقتضى قانون 12 –90 ، كما هو الشأن بالنسبة للأفعال المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 34 أو كانت مخالفة للمواد 40 – 42 – 58 – 59 – 61 من قانون التعمير، بإيداع شكوى لدى وكيل الملك المختص الذي يتولى متابعة المخالف
فالقيام بإخبار الجهات المختصة (ضباط الشرطة القضائية او المخول لهم الصفة الضبطية في مادة التعمير و البناء، أو النيابة العامة ) عن وقوع جريمة تعميرية، هو حق لأى شخص تضرر من جنح تعميرية، أو شاهد وقوع الجريمة،يترتب عنه بموجب التبليغ او الوشاية قيام مسؤولية اجهزة الرقابة المختصة بمعاينة وزجر مخالفات التعمير والبناء، عن طريق وضع شكاوي لدى النيابة العامة قصد تحريك الدعوى العمومية في مواجهة مرتكبي تلكم المخالفات التعميرية، فالشكاية الصادرة من المصالح المختصة و المؤهلة لوضعها، تأخد الوصف والتكييف الاجرائي الادارى، الذي يترتب عليه قيد الدعوى، ومن ثم فقيد الشكوى، هو عمل اجرائي لصحة تحريك الدعوى في مادة التعمير،في حين التخلي عن المتابعة من طرف الجهات المؤهلة باصداره هو كذلك عمل اجرائي ينوخى منه استجابة المحكمة لطلب التخلي وعدم متابعة مرتكب المخالفة ، الا انه يجب التميز في هذا الصدد للفرق بين الحق في الدعوى، والحق في العقاب، فحق الدعوى، هو حق اجرائي بينما حق الدولة في العقاب من عدمه هو حق موضوعي تقرره المحكمة، وليس لمجرد تقديم الشكوى، بل لابد من ثبوت نسبة التهمة للمتهم، وبالتالي ثبوت مسؤوليته، مما يعني الحق في الشكوى هو رفع القيد الاجرائي، في تحريك ومباشرة الدعوى، او انه غير ملزم لتحريكها، كحالة اصدار امرُ بالحفظ، على الرغم من وجود شكوى، كما ان الشكوى لاتعد عنصراً او ركناً في الجريمة فهذه متوافرة وعقوبة المتهم محتملة، والتي تتأكد من خلال حكم قضائي، كما ان الدولة لا تضار عند تعليق اقتضاء حقها على شكوى، لصعوبة الوصول لاقتضاء حقها لكل جريمة على حدة، مما يعني لامناص من ترك زمام المبادرة بالشكوى للجاهات المختصة بمراقبة جرائم التعمير او من يقوم مقامها قانوناً، لكونها اجدر على تقيمها وفي ذلك موازنة لمصالح الاطراف.
وفي هذا السياق، فالشكاوي المتعلقة بمخالفات التعمير و البناء الصادرة من السلطات المحلية المختصة تعثبر اجراءات ادارية تهدف الى فتح تحقيق في الموضوع ومتابعتها امام الجهات القضائية المختصة، في حين التخلي عن المتابعة القضائية تكون اجراء اداري حينما تصدر بداية بطلب من السلطات المختصة بمراقبة التعمير و البناء، ليتحول تكييفها من الفعل الاداري بموجب طلب مقدم الى عمل قضائي صادر عن الجهات القضائية المختصة في شكل حكم يقضي بالمتابعة او الاستجابة للطلب القاضي بالتخلي عن المتابعة القضائية، فطلب التخلي عن المتابعة القضائية الصادر عن السلطة المحلية، لاجل تسوية مخالفات التعمير و البناء، يعكس إفصاح جهة الإدارة في الشكل الذى يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانونى معين يكون ممكناً وجائزاً ابتغاء مصلحة عامة،
وعلى ما جرى به العمل القضائي في هذا الصدد – أن الاختصاص بالفصل في المنازعات المتعلقة بالقرارات الإدارية إلغاءً وتأويلاً ووقف تنفيذ، وتعويضاً عن الأضرار معقود كأصل عام لجهة القضاء الإداري سواء رفعت هذه الطلبات بصفة أصيلة أو تبعية ، وكان القرار الإدارى هو ذلك القرار الذى تفصح به الإدارة عن إرادتها الذاتية الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح في الشكل الذى يتطلبه القانون بقصد إحداث أثر قانونى معين متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة وهو بذلك يختلف عن الأعمال المادية والأفعال الضارة التى تأتيها الجهة الإدارية – دون أن يكون تنفيذاً مباشراً لقرارات إدارية – والتى يكون الاختصاص بالفصل في المنازعة الناشئة عنها معقوداً لمحاكم القضاء العادى .
وعلى هذا الاساس نتساءل حول الجهة القضائية صاحبة الولاية في البت في منازعات افصاح الادارة عن رغبتها في التخلي عن المتابعة القضائية المتعلقة بمخالفات التعمير و البناء؟
إن الاصل بالبت في قرار الادارة بالتخلي عن المتابعة القضائية يرجع في نظرنا لولاية القضاء الاداري مادام انه عمل اجرائي اداري، لكن وحيث ان المتضرر من ذلك القرار يمتلك خيار الدعوة الموازية امام ولاية القضاء العادي ، يكون مضطرا الى استعمال حقه القضائي في اطار القواعد المدنبة لدفع الضرر الذي قد يصيبه من جراء استجابة القضاء لطلب الادارة بالتخلي عن المتابعة القضائية في مواجهة مرتكب مخالفات التعمير و البناء ، مادام مرتكب المخالفة لم يقم بتسوية و ضعية المخالفة التعميرية رغم صدور الامر بالتخلي عن المتابعة ، على اساس انه في كثير من الحالات تصدر احكام قضائية بالتخلي عن المتابعة الا ان صاحب المخالفة لا يستجيب لمسألة التسوية ، مما يجعل من امر دوام المخالفة يشكل ضررا للجوار الذي قد يتأدى منه البعض.
المبحث الثاني:
اشكالية التخلي عن المتابعة القضائية بين النص القانوني و الواقع العملي
كما هو معلوم ، يعد ارتكابا للمخالفة للقانون الجاري به العمل في مجال التعمير:
1- انجاز بناء أو الشروع في انجازه من غير رخصة سابقة،دون احترام مقتضيات الوثائق المكتوبة والمرسومة موضوع الرخص المسلمة في شانها في منطقة غير قابلة لاستقبالها بموجب النظم المقررة،او فوق ملك من الاملاك العامة أو الخاصة للدولة والجماعات الترابية، وكذا الاراضي التابعة للجماعات الساللية بدون رخصة سابقة يجب الحصول عليها قبل مباشرة ذلك من طرف السلطات الوصية على تسيير هده الاملاك.
2 – استعمال البناية بدون الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة.
3 – ارتكاب أعمال ممنوعة بموجب الفقرة الثانية من المادة 34 من هدا القانون.
4 – الاخلال بمقتضيات الفقرة الاولى من المادة 54 ،المتعلقة بمسك دفتر الورش.المادة 68.
وهكذا، فبالرجوع الى المفتضيات والقواعد المطبقة في حالات المخالفات التعميرية، وتطبيقا للقانون الجاري به العمل في مجال التعمير العملياتي ،فإن المراقب الذي يعاين المخالفة ، يصدر امرأ إلى المخالف بإتخاذ التدابير الالزمة لانهاء المخالفة في اجل لا يمكن أن يقل عن عشر 10 أيام، ولا أن يتجاوز شهرا واحدا، ادا كانت الافعال المكونة للمخالفة يمكن تداركها لكونها لا تمثل إخالال خطيرا بضوابط التعمير والبناء التي تم خرقه، ويبلغ بذلك كال من السلطة الادارية المحلية ورئيس المجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية، كماتطبق مقتضيات الفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة 68 أعلاه، اذا كانت المخالفة تتمثل في القيام ببناء من غير الحصول على رخصة سابقة بذلك، أو كان البناء غير مطابق للرخصة المسلمة في شانه، من حيث عدم تقيده بالعلو المسموح به بالزيادة، أو الشروع في زيادة طابق أو طوابق إضافية أو بالمواقع المادون فيها، أو بالمساحة المباح بناؤها أو بالضوابط
المتعلقة بمتانة البناء واستقراره، أو باستعمال المواد أو الطرق المحظورة في البناء أو
بالغرض المخصص له البناء، غير انه اذا كانت الاشغال تتمثل في القيام ببناء على ملك من الاملاك العامة أو الخاصة للدولة والجماعات الترابية،وكذا الاراضي التابعة للجماعات الساللية، من غير رخصة سابقة يجب الحصول عليها قبل مباشرة ذلك، أو في منطقة غير قابلة للبناء بموجب وثائق التعمير،حيث يجب على السلطة الادارية المحلية أن تقوم بهدمها تلقائيا وعلى نفقة المخالف، ولا يحول هدم البناء دون تحريك الدعوى العمومية، ولا يترتب عليه انقضائها اذا كانت جارية،ولاجل ذلك يتخذ المراقب أو ضابط الشرطة القضائية، مباشرة بعد معاينة المخالفة أمرا بإيقاف الاشغال في الحال، إذا كانت أشغال البناء المكونة للمخالفة، مازالت في طور الانجاز، ويرفق الامر المذكور الموجه إلى المخالف بنسخة من محضر المعاينة، وفي هذا السياق يبلغ الامر الفوري بإيقاف الاشغال إلى كل من السلطة الادارية المحلية ورئيس
المجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية، وفي حالة إذا لم ينفد المخالف الامر المبلغ إليه بإيقاف الاشغال في الحال، يمكن للمراقب، حجز المعدات والادوات ومواد البناء وكذا إغالق الورش ووضع الاختام عليه، ويحرر محضرا تفصيليا بذلك، يوجهه إلى السيد وكيل الملك،من اجل تحريك المتابعة القضائية في مواجهة مرتكبي المخالفة.الا انه وخلافا لذلك يلاحظ من الناحبة العملية، ان البعض من رؤساء الجماعات قبل دخول قانون 12/66 حبز النفاذ، كانوا يقومون بمراسلة السادة وكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية يطالبون من خلالها التخلي عن المتابعة ضد مرتكبي مخالفات التعمير لامتثالهم للأوامر، مما يعني أن المخالفين لقواعد التعمير والبناء، قد قاموا فعلا بتنفيذ الاحكام القضائية الصادرة ضدهم ،في الوقت الذي تستمر فيه المخالفة التعمبرية وتضل قائمة،في حين أن المتهم لم يمتثل للحكم القضائي مما يعتبر تمويها للقضاء،ويترتب عن الاستجابة لذلك استفاذة المخالفين من سقوط الدعوى العمومية وعدم تحريكها مرة اخرى في مواجهة مرتكبي المخالفات و شركائهم الاصليين، ذلك أن البناء بدون ترخيص يعثبر جنحة طبقا لمقتضيات المادة 66 من ظهير 17 يونيو 1992 المتعلق بقانون التعمير، كما تم تتميمه و تعيبره،و حيث أن المخالفة المرتكبة من طرف المتهم تعتبر جنحة فهي تسقط بمجرد سحب الادارة للشكوى المتعلقة بالمخالفة التعميرية ، وحيث أن معظم المخالفات يتم معاينتها بتاريخ سابق،في حين ان المتابعة القانونية تنطلق بتاريخ لاحق، مما يجعل إمكانية استجابة المحكمة لطلب السلطات المحلية المختصة القاضي بالتخلي عن المتابعة القضائية على اساس انه سيتم تسوية مخالفة التعمير والبناء في اطار ودي بين الادارة و صاحب المخالفة، وحيث وإن كان الفصل 67 من الظهير يعطي الصلاحية لرئيس مجلس الجماعة في السابق ، وحاليا لضباط الشرطة القضائية ومراقبي التعمير ومن لهم الصفة الضبطية ، بتوجيه الأمر إلى المخالف لاتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء المخالفة في الحالات التي لا تمثل إخلالا خطيرا بضوابط التعمير والبناء فإنه تبقى للقضاء حق مراقبة الملاءمة في حالة تقدير الإخلال الخطير من غيره، وإن ترك التصرف المطلق للجهات المختصة بصفتها الإدارية، لمن شأنه أن يفوت على القضاء مراقبة تطبيق النص التشريعي بخصوص الإنذار من عدمه وبالنسبة للمخالفين سواء كان لهم أو عليهم.فقصد المشرع من الفصل 67 هو التمييز في اتخاذ المواقف بين فتح نافذة أو باب مثلا وبين بناء طابق، فالنص قد ميز بين الحالتين: ففي الحالة الأولى وهي لا تمثل إخلالا خطيرا بضوابط البناء فإن الأمر يقتصر فيها على توجيه الإنذار لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه وينتهي بذلك أي أثر للمخالفة وبين الحالة الثانية التي تمثل إخلال خطيرا لضوابط البناء تستلزم تحرير محضر بالمخالفة وتوجيهه إلى القضاء. فتقدير الإخلال الخطير من غيره بضوابط البناء يخضع لرقابة القضاء، ويجد سنده في الحفاظ على القواعد الجوهرية لحقوق الدفاع ،وفي عدم تفويت الفرصة على المخالفين للاستفادة من الضمانات القضائية، حيث جاء القرار رقم 6/1736المؤرخ في 16-09-1998في الملف الجنحي رقم 3647(
لئن كان الفصل 67 من ظهير 17 يونيو 1992 يعطي الصلاحية لرئيس مجلس الجماعة بتوجيه الأمر إلى المخالف لاتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء المخالفة في الحالات التي، لا تمثل إخلالا خطيرا بضوابط التعمير والبناء، فإنه يبقى للقضاء حق مراقبة الملاءمة في حالة تقدير الإخلال الخطير من غيره، وإن ترك التصرف المطلق لرئيس مجلس الجماعة بصفته الإدارية، لمن شأنه أن يفوت عن القضاء مراقبة تطبيق النص التشريعي بخصوص الإنذار من عدمه وكذا بالنسبة للمخالفين، وتبعا لذلك يكون القرار ناقص التعليل إذا لم يعلل فعل المخالفة.)
المبحث الثالت:
الاثار المترتبة عن سحب الشكاية في مخالفات التعمير
في هذا الاطار، و حيث إنه لما كان مقررا بمقتضى المادة الرابعة من قانون المسطرة الجنائية أنه تسقط الدعوى العمومية بتنازل المشتكي عن شكايته إذا كانت الشكاية شرطا ضروريا للمتابعة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك،وحيث المادة 66 من القانون رقم 12/90 المتعلق بالتعمير تنص على أنه إذا كانت الأفعال المعاينة تتمثل في ارتكاب أعمال ممنوعة بموجب الفقرة 2 من المادة 34 أو في القيام ببناء بغير رخصة صريحة أو ضمنية خلافا للمادتين 40 و42 أو في استعمال المبنى من غير الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة خلافا للمادة 55 ، أو في تحول الغرض المخصص له المبنى خلافا للمادة 58 أو في خرق ضوابط البناء العامة أو الجماعية المنصوص عليها في المادتين 59 و61، أو في خرق ضوابط التعمير تقوم السلطات المحلية المختصة(انظر قانون رقم 12/66المتعلق بمراقبة ومعاينة وزجر مختلفات التعمير و البناء) بايداع شكوى لدى وكيل الملك المختص ليتولى متابعة المخالفة، ويحاط الوالي أو العامل المعني علما بذلك، وكانت باقي مواد القانون المذكور لم تفرض أية شروط أو قيود على الجهات الادارية المختصة للتخلي عن هذه المتابعة، فإنه عندما تقضي المحاكم المختصة مصدرة القرار بسقوط الدعوى العمومية المثارة ضد المطلوب لتخلي الجهة المشتكية عن المتابعة، تكون قد طبقت القانون تطبيقا سليما، وهذا ما دأب عليه العمل القضائي في موضوع سحب الشكايات المتعلقة بمنازعات جنح و مخالفات التعمير ،حيث جاء في احدى قرارات محكمة الاستئناف الادارية للرباط (- القرار عدد 6-7 الصادر بتاريخ 06-01-2016في الملف رقم 8537-6-7-2015-)
تنازل رئيس المجلس الجماعي عن شكايته بمخالفة قانون التعمير والبناء بدون رخصة يؤدي إلى سقوط المتابعة، بصرف النظر عن خطورة المخالفة أو كونها تشكل اخلالا خطيرا بضوابط البناء، أوأن يتم انهاء المخالفة داخل أجل محدد، الا انه من وجهة نظرنا في الموضوع، نرى بأن التنازل او سحب الشكاية في مجال مخالفات التعمير و البناء لا يمكن اسقاط الدعوى العمومية في جميع الاحوال ، على اعتبار انه في كثير من الاحوال يتم التخلي عن المتابعة او سحب السكوى ، في مختلفات التعمير أملا من السلطات المختصة في فض المنازعة عن طريق استجابة مرتكب المخالفة للامر الصادر بتسوية الوضعية وارجاء الحالة الى ماكانت عليه، وهو المبتغى الذي لا يلتزم به مرتكبو جرائم التعمير، بأستغلالهم للامر القاضي بالتخلي عن المتابعة القضائية وسقوط تحريك الدعوى العمومية في مواجهتهم،
لذلك نلتمس من السادة وكلاء الملك التماس عقوبات زجرية تتناسب وخطورة الأفعال المرتكبة”، وكذا “الطعن في الأحكام القضائية التي تقضي بعقوبات غير متناسبة مع خطورة الأفعال أو لا تراعي حالة العود”، كما نأمل من
النيابة العامة بالدعو إلى الصرامة خلال البت في زجر مخالفات البناء والتعمير، في ظل تزايد مخالفات التعمير بالجماعات الترابية، والشكاوى المتعلقة بها، خصوصا
إذا تم الطعن في هذه الرخص من طرف الغير خاصة من طرف الجوار ، بعلة أن من شأن البناء موضوع الرخصة إلحاق أضرارا جسيمة بالجوار، ومن تطبيقات مضار الجوار،في هذا الصدد نورد مثال للغرفة الإدارية للمجلس الأعلى في قرارها عدد 29/96 الصادر بتاريخ 18/01/1996 في الملف الإداري عدد 10541/93 و الذي جاء فيه ” القرار الصادر بالترخيص بفتح حمام لا يقبل الطعن بالإلغاء للشطط اعتمادا على أن الحمام أحدث أضرار للجيران لأن بإمكانهم أن يرفعوا دعوى في إطار القضاء الشامل بناء على الفصل 91 من قانون الالتزامات و العقود الطلب رفع مضار الجوار أو التعويض عنها بحسب الأحوال ــ
فبحسب رأينا في الموضوع ، فالمتضرر من مخالفات البناء والتعمير في بعض الحالات لا ينازع هؤلاء مشروعية الرخصة من عدمها، بل
يؤسس دعواه في هذا الإطار على أساس وجود خرق لقواعد العمران و مخالفة بنود الرخصة من قبل المرخص له بالبناء، التي تلحق به ضررا شخصيا و مباشرا، كما انه في حالة الاستعجال ، يمكن رفع دعوى من قبل المتضرر من تنفيذ رخصة البناء لطلب وقف الأشغال أمام قاضي الاستعجال، الى حين الفصل في الموضوع.
لذلك فالتخلي عن المتابعة القضائية وسحب الشكوى في ميدان التعمير يجب ان ياخد بعين الاعثبار ما قد ينجم عن عدم الامتثال للتسوية وإلحاق الضرر بالغير ،حتى ولو قام مرتكب المخالفة التعميرية بتغريم غرامة مالية الطاعن حيث جاء حكم عن المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 27/10/1976 في الملف الجنحي عدد 7828/75 القاضي بتغريم الطاعن بغرامة نافذة قدرها 500,00 درهم ، فإن ذلك لا يحول دون إصدار أمر بهدم ذلك البناء لاستقلال العقوبتين ودون أن يعتبر ذلك معاقبة مزدوجة،مجسدة بذلك
م أكدت عليه مقتضيات المادة 70 من ( قانون التعمير رقم90\12 كما تم تتميمه وتعديله) التي تنص على أن هدم البناء، لا يحول دون إجراء المتابعة الزجرية ولا يترتب عليه انقضاء المتابعة إذا كانت جارية.
.وفي الاخير ومع متم مقالنا هذا ،اشير الى ملاحظة هامة بالقول
أن مرور مدة طويلة على مخالفات التعمير والبناء،وبالرغم من صدور الامر بالتخلي عن المتابعة القضائية في شأنها ، فإن ذلك لا يمنع من اتخاذ قرار بالمتابعة ما دام لم يثبت ما يفيد تصحيح وضعية البناء او المخالفة ، كما لا يمكن الاحتجاج بأي أجل للتقادم، الذي لا مجال للتمسك به في مثل هذه الحالات لكوننا نعثبر جرائم التعمير من الجرائم المستمرة التي لا تزول المتابعة بشأنها الا بعد زوال اسباب المتابعة وتسوية وضعيتها.