مقاربة النوع الاجتماعي من خلال قرارات الأمم المتحدة : المكاسب التي حققتها المرأة المغربية

20 أكتوبر 2020
مقاربة النوع الاجتماعي من خلال قرارات الأمم المتحدة : المكاسب التي حققتها المرأة المغربية

مقاربة النوع الاجتماعي من خلال قرارات الأمم المتحدة، المكاسب التي حققتها المرأة المغربية

مقدمة:

يستخدم مصطلح الجندر للتعبير عن الآراء والمعتقدات والممارسات والأفكار المرتبطة بظاهرة التمييز بين الجنسين الذكر والأنثى، سواء في الممارسات العملية، أو كتمييز فكري، كما يستخدم المصطلح أحيانا من قبل الباحثين لدراسة ظاهرة معينة مع تبيان اختلاف تأثيرها على كلا الجنسين، وتعني الكلمة حرفيا النوع أو الجنس، وترمز الكلمة إلى أن الجنسين مختلفين، وقدراتهما مختلفة.

حيث تقول المنشورات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة أنه تعبير إنكليزي(gender) وقد ترجم هذا المصطلح إلى العربية بـ “النوع الاجتماعي”، استنادًا إلى اختيار “مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث” في اجتماع خبراء في تونس عام [1]1995.

ويهدف نشر هذا المفهوم وتطبيقه إلى إعادة النظر واعتماد مفهوم تقسيم العمل على أساس جديد يأخذ في الاعتبار النوع الاجتماعي، أي منع التمييز القائم بين المرأة والرجل على الأساس البيولوجي التقليدي، وتعديل هذا التقسيم بما يتلاءم وضع المرأة، فكان الفرق بين الجنس والنوع الاجتماعي.

الجنس: يعني الفوارق البيولوجية الطبيعية بين الذكر والأنثى وهي تولد مع الإنسان ولا يمكن تغييرها، وجدت من أجل وظائف محددة.

“الجندر”: أو النوع الاجتماعي، يُقصد به أدوارًا اجتماعية يصنعها المجتمع بناء على دور بيولوجي لكنها تختلف من مجتمع إلى آخر. ويتوقع هذا المجتمع من الذكر أو الأنثى التصرف في شكل محدد وتكون لهما أدوارًا محددة بناء على قيم المجتمع وعاداته. وهذه الأدوار هي من صنع الإنسان ولم يولد بها. “فالجندر” يعطي كلاً من الرجل والمرأة أدوارًا.

وتعتبر المرأة في المغرب شريكا أساسيا في تحقيق أهداف التنمية و مساهما فاعلا في تطور المجتمع. ولتكريس هذا النهج وضع المغرب استراتيجيات وخططا لدعم النساء وتأهيلهن للقيام بأدوارهن كاملة في النسيج المجتمعي. كما واكب المغرب كل الخطوات التي قام بها المجتمع الدولي للنهوض بأوضاع النساء، والتي توجت بانخراطه في أهداف الألفية من أجل التنمية.

 

ولعل  وضع المرأة في المجتمع هو ما يعطي  أهمية  كبيرة للمواضيع المتعلقة بها وذلك أن النهوض بالمرأة وعدم التقليل منها بسبب جنسها له دور كبير في النهوض  بالمجتمع .

وهذا ما يجعلنا نتساءل عن ماهو مفهوم النوع الاجتماعي؟ وماهي مقاربة النوع الاجتماعي من خلال قرارات الأمم المتحدة؟ وماهي تطورات الحركة النسوية بالمغرب؟

سنجيب على هذا الإشكال من خلال التصميم التالي:

المطلب الأول : مفهوم النوع الاجتماعي ومقاربته من  خلال قرارات الأمم المتحدة

المطلب الثاني: تطور الحركة النسوية بالمغرب

 

المطلب الأول : مفهوم النوع الاجتماعي ومقاربته من  خلال قرارات الأمم المتحدة

في مقدمة[2] ميثاق الأمم المتحدة الذي يعتبر المستند الدولي الأول الذي ترتكز عليه اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي تنص في البند “ج” من المادة 10، على أن “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة لكي تكفل لها حقوقًا متساوية لحقوق الرجل والقضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله، عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، ولاسيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم”. 

وفي عام 2000، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة[3] القرار 1325، بشأن المرأة والسلام والأمن، والذي يدعو إلى زيادة مشاركة المرأة وإدماج المنظور الجنساني في كل الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في سبيل تحقيق السلام والأمن (بما في ذلك مشاركة المرأة في عمليات اتخاذ القرار والسلام والمنظور الجنساني في التدريب وحفظ السلام وتعميم مراعاة المنظور الجنساني في نظم الإبلاغ الخاصة بالأمم المتحدة). ومنذ ذلك الحين، اعتمد مجلس الأمن عدداً من القرارات المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن. وفي عام 2008، اعتمد مجلس الأمن 1820 سنة 2008، وهو أول قرار مخصص للتصدي للعنف الجنسي في حالات النزاع. وركزت قرارات المتابعة اللاحقة، 1888 سنة 2009، 1889 سنة 2009، 1960 سنة 2010، على منع العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والتصدي له، وأنشأت عدداً من الآليات التابعة للأمم المتحدة لهذه الغاية (تعيين الممثل الخاص المعني بالعنف الجنسي في حالات النزاع بهدف تأمين الريادة وتعزيز التنسيق في ما بين آليات الأمم المتحدة القائمة ودعم إنهاء العنف الجنسي ضد المرأة بالتعاون مع الحكومات؛ وإنشاء فريق خبراء معني بسيادة القانون والعنف الجنسي في حالات النزاع، والذي يعمل مع الأمم المتحدة على الأرض ويساعد السلطات الوطنية على تعزيز سيادة القانون؛ وتعيين وتوظيف مستشارين لشؤون حماية المرأة؛ وإنشاء الآليات الخاصة بالرصد والتحليل والإبلاغ.

وفي قراراته الأخيرة[4]، أشار مجلس الأمن إلى أن أعمال العنف الجنسي والجنساني يمكن أن تُستخدم كأسلوب من أساليب الإرهاب (القرار 2242 لمعتمد في عام 2015) وأكد أيضاً على الرابط القائم بين الاتجار والعنف الجنسي والإرهاب والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية (القرار 2331 المعتمد في عام 2016).

وفي عام 2013، اعتمدت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة التوصية العامة 30، التي توفر توجيهات موثوقة للدول الأطراف في اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة بشأن التشريعات والسياسات وغيرها من التدابير المناسبة لحماية واحترام وإعمال حقوق الإنسان للمرأة في حالات النزاع وعدم الاستقرار. وفي التوصية رقم [5]35، المتعلقة بالعنف الجنساني ضد المرأة، (تحديث للتوصية العامة رقم 19)، تذكِّر اللجنة بأن العنف الجنساني ضد النساء والفتيات يشكل تمييزاً بموجب الاتفاقية وبالتالي يتضمن التقيد بكل الالتزامات الناجمة عن الأعمال أو الإغفالات سواء من قبل الدول أو الجهات الحكومية من جهة، والجهات الفاعلة من غير الدول من جهة أخرى. وتشكل الاتفاقية والمعاهدات الأخرى لحقوق الإنسان الأساس الوطيد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن المرأة والسلام والأمن بالنظر إلى أن جميع الشواغل المعرب عنها في هذه القرارات توجد شواغل مناظرة لها يجري تناولها في المواد الموضوعية للاتفاقية.

وفي 20 تموز/يوليو 2018[6]، وقع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالعنف الجنسي في حالات النزاع ولجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (FRAMEWORK OF COOPERATION) اطار التعاون، هو الأول من نوعه، بهدف إعادة التأكيد على الالتزامات المشتركة من أجل تشجيع وحماية حقوق النساء والفتيات اللواتي تضرَّرن بفعل العنف الجنسي المرتبط بالنزاع. ويهدف إطار التعاون المذكور إلى تعزيز أوجه التآزر بين دعائم السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية. وسيتم ذلك خصوصاً من خلال إنشاء برنامج عمل مشترك؛ ودعم تنفيذ معايير حقوق الإنسان على المستوى الوطني في ما يتعلق بحماية النساء والفتيات اللواتي تضرَّرن بفعل العنف الجنسي؛ والتعاون في إجراء الأبحاث وجمع البيانات بغية ضمان المساءلة وامتثال الدول الأعضاء للالتزامات بموجب القانون الدولي.

المطلب الثاني: تطور الحركة النسوية بالمغرب

نشأت النواة الأولى للنسوية في المغرب العربي بشكل عام في الأربعينات من القرن المنصرم، ولم تكن حركة نسوية، بالمعنى الاصطلاحي، بقدر ما كانت عملا نسائيا ذا طابع وطني قومي، فرضت مساره طبيعة المرحلة التي عاشتها بلدان المغرب العربي، وهي حالة الاستعمار. ثم ما لبثت الحركة النسائية بعد الاستقلال أن تحولت إلى فاعل قوي في مجال التنمية، لتتحول مع بروز الأحزاب والاستقطاب الفكري والسياسي وتنامي النسوية العالمية بعد الخمسينات إلى حركة متشبعة بالمفاهيم النسوية.[7]

حيث برز النوع الاجتماعي، بشكل طردي على الصعيد الدولي في سياق جهود المجتمع الدولي لإقرار حقوق المرأة في المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان. كما شكلت موضوعا للجدل في مختلف المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة، وفي مقدمتها مؤتمر السكان والتنمية لعام 1994، الذي أسفر عن اعتماد وثيقة ترسم خارطة الطريق الأساسية لإعمال حقوق المرأة وتكريس المساواة بين الجنسين. وقد كان للحركة النسوية العالمية دور كبير في إقناع المجتمع الدولي بضرورة منح ضمانات أقوى للمرأة، والتأكيد على أهمية حماية حقوقها، باعتبارها رافدا من روافد النهوض بوضع المرأة والقضاء على مختلف أشكال التمييز والعنف الممارس ضدها.

ويعد المغرب، باعتباره دولة طرفا في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مطالبا باعتماد قوانين وسياسات عمومية للنهوض بالمساواة بين الجنسين، وتجاوز إكراهات الداخل الاجتماعي الذي يعرف مختلف أشكال التمييز القانوني والاجتماعي والسياسي ضد المرأة.

وقد عرف المغرب على غرار باقي المجتمعات الديمقراطية ميلاد حركة نسائية تعمل على مقاومة العلاقات الاجتماعية المعززة للهيمنة الذكورية في المجتمع، وذلك في أفق بناء مجتمع حداثي يقوم على المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات.

وفي ظل النظام العالمي الجديد أصبح  المستقبل السياسي للأنظمة الحاكمة في المغرب العربي مرهونا بمدى تجاوبها مع القضايا الحقوقية، فأصبحت الدول المغاربية شريكة للغرب في الالتزام بالمواثيق الدولية، بل حتى بالتوصيات التي تتمخض عنها المؤتمرات العالمية المتعلقة بالمرأة ففي سنة 1979م صدرت الوثيقة الثانية عن الأمم المتحدة وهي: اتفاقية (سيداوcedaw ) أو (اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة)عام (1979م)، والتي جاءت عقب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، وكانت أكثر وضوحا في موادها في تقرير الاختلاط والمساواة بين الرجل والمرأة في الزواج والطلاق وعدم التميز العنصري، وفي هذا المرحلة التاريخية بالتحديد ستشهد النسوية المغاربية طفرة غير مسبوقة في جرأة مطالبها، كما ستشهد تحولات ومكتسبات غير مسبوقة أيضا على المستوى الاجتماعي والتشريعي القانوني.[8]

كما عرفت النسوية المغاربية تحولات جذرية أكثر بعد مؤتمر السكان بالقاهرة سنة 1994م وبعده مؤتمر بكين سنة 1995م ومؤتمر بكين خمسة سنة 2000م ثم مؤتمر بكين عشرة سنة 2005م، فبعد هذه المؤتمرات أصبح مؤشر التزام الدول المغاربية بحقوق الإنسان، هو تنفيذ بنود وتوصيات هذه المؤتمرات، مما جعل الدول المغاربية تلتزم بمعظم التوصيات مع تحفظ بعضها على بعض البنود للاعتبارات خاصة، وهو ما سيجعل فترة التسعينات إلى يومنا هذا تشهد نشاطا حميما للنسوية المغاربية على المستوى السياسي والتشريعي والاجتماعي، وزيادة في تأسيس الجمعيات النسوية تمخض عنها مكتسبات أكبر وأعمق من ذي قبل. وقد كان هذا الضغط الدولي لفرض النسوية على المجتمع المغاربي مصحوبا ببرامج دعم اقتصادية ولوجيستية غير مسبوقة

خاتمة

اذ تمثل النساء والفتيات نصف سكان العالم، وبالتالي نصف إمكانياته. إن المساواة بين الجنسين، إلى جانب كونها حق أساسي من حقوق الإنسان، أمر ضروري لتحقيق السلام في المجتمعات وإطلاق إمكانيات المجتمع الكاملة. وعلاوة على ذلك، فقد ثبت أن تمكين المرأة يحفز الإنتاجية والنمو الاقتصادي


[1] _ مجلة مساواة ، الـ (جندر) وانتهاك حقوق الإنسان عدد (1/2)

[2] _ “نحن شعوب الأمم المتحدة،”وقد آلينا على أنفسنا: “… أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق

“الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد”وقدره وبما للرجال والنساء والأمم”كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية….

[3] _ الموقع الرسمي للمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان  www.ohchr.org

[4] _ مرجع سابق www.ohchr.org

[5] _ التوصية العامة رقم 35 بأن العنف الجنساني ضد المرأة، الصادرة تحديثا للتوصية العامة رقم١٩

[6] _ مرجع سابق www.ohchr.org

[7] _ جميلة المصلي، الحركة النسائية في المغرب، مركز الجزيرة للدراسات+ الدار العربية للعلوم،سنة 2013.

[8] _ دراسات وتقارير، النسوية في المغرب ، النشأة والمآل، عدد 3.