الإشهار التجاري المضلل في التشريع المغربي، أية  ضمانات قانونية لحماية المستهلك منه في المرحلة السابقة للتعاقد؟

3 يناير 2021
 الإشهار التجاري المضلل في التشريع المغربي، أية  ضمانات قانونية لحماية المستهلك منه في المرحلة السابقة للتعاقد؟

 الإشهار التجاري المضلل في التشريع المغربي، أية  ضمانات قانونية لحماية المستهلك منه في المرحلة السابقة للتعاقد؟

 

يحظى الإعلان التجاري بقدر كبير من الاهتمام في مجالات الإنتاج و التوزيع و تبادل السلع و الخدمات، فقد أدرك المنتجون-منذ الوهلة الأولى- أهمية الإعلان التجاري، بالنظر إلى ما يمارسه من وظيفة تسويقية أثبت فيها كفاءة واضحة، في ضوء ما يحوزه من مقومات ذاتية ترقى به لأن يصبح أهم وسائل الترويج للسلع و الخدمات، من خلال إثارة الطلب عليها و توجيه نظر المستهلكين إليها[1].

و لما كان المورد يتوخى بالدرجة الأولى تحقيق الأرباح فإنه من المتوقع أن  يستغل الإشهار التجاري بشكل يضلل المستهلك بل يتعارض و مصالحه التي يرجو تحقيقها من وراء تعاقده. الأمر الذي يستدعى منا بالضرورة أن نتساءل، ما المقصود بالإشهار التجاري عموما ؟ و ما هي عناصره و شروطه؟ و ما هي طبيعته القانونية؟ و ما المقصود بالإشهار التجاري المضلل للمستهلك ؟ و أية معايير تلك التي يمكن الإرتكان لها لتقدير التضليل الإشهاري للمستهلك؟ و أية مسؤولية  عن الإشهار التجاري المضلل للمستهلك؟ و إلى أي حد توفق المشرع المغربي في ضمان الحماية القانونية للمستهلك من التضليل الإشهاري في المرحلة السابقة للتعاقد ؟

الوقوف على مضمون الإشهار التجاري(المبحث الأول)، و المسؤولية  عن التضليل الإشهاري للمستهلك(المبحث الثاني).

المبحث الأول: مضمون الإشهار التجاري

الإشهار كلمة طالما نسمعها، خصوصا في ظل النظام الاقتصادي الليبرالي الذي نعيشه، و الذي يدعم قوة المقاولة بشتى الوسائل، فقد أضحى وسيلة منافسة قوية بين مختلف المقاولات، حيث إن كل مقاول يهدف إلى إنقاص زبناء منافسه من أجل جلبهم إليه، و الأمر يعتبر مشروعا لأن الزبون لا يعد ملكا لأحد، فهوس المهنيين وراء الربح جعلهم يسعون لتجميع المعارف المكتسبة حول نفسية الإنسان بفضل العلوم الإنسانية، ومن تم التسرب لعقل المستهلك، و التحكم فيه و تسييره من أجل تحقيق رغبات تجارية بحثة، و تلعب وكالات الإشهار دورا مهما في هذا الإطار، و ذلك بفضل دراستها لنفسية المستهلك، فتعلم أن هذا الأخير قد يقتني هذا المنتوج أو ذاك ليس بسبب خاصياته الذاتية، و إنما من أجل إشباع رغباته الغير واعية[2].

بذلك سنحاول بحث ماهية الإشهار التجاري عموما (المطلب الأول)، و الإشهار المضلل على وجه الخصوص (المطلب الثاني).

المطلب الأول: ماهية الإشهار التجاري

تقتضي منا دراسة ماهية الإشهار التجاري تحديد مفهومه و طبيعته القانونية(الفقرة الأولى)، بل أكثر من ذلك بيان عناصره و شروطه(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم الإشهار التجاري و طبيعته القانونية

اعتبارا لما يطرح  مصطلح الإشهار من غموض، فإننا سنحاول على إثر ذلك بحث مفهومه على كل من المستويات- لغة و اصطلاحا، و فقها و تشريعا- بل أكثر من ذلك  سنعمل على تمييزه عما قد يشابهه من مفاهيم(أولا)، و لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بحيث يستلزم بالضرورة الكشف عما يعتري طبيعته القانونية من غموض(ثانيا).

أولا: مفهوم الإشهار التجاري و تمييزه عما يشابهه من مفاهيم.

  • مفهوم الإشهار التجاري

 الإشهار أو الإعلان لغة:  من علن الأمر يعلن علونا و يعلن علنا و علانية[3]يعني أظهر الأمر و صيره شهيرا[4]، و اصطلاحا: يعرف بأنه كل رسالة موجهة للجمهور من أجل تهييج الطلب على المنتجات و الخدمات[5]. و يعرفه بعض الفقه[6] بأنه وسيلة لترويج المنتجات و الخدمات هدفه المتاجرة و تحقيق الأرباح. بينما يعتبره آخرون[7] وسيلة من وسائل البيع و شكل من أشكاله و طريقة من طرق تصريف البضاعة.

أما تعريف الإشهار فقها فقد اختلف فيه، بحيث  ترى بعض الاتجاهات الفقهية[8] بأنه وسيلة غير شخصية لتقديم السلع و الخدمات و ترويجها و تأكيد حضورها و الإشادة بها بواسطة مهمة معلومة مقابل أجر مدفوع.

وفي نفس السياق يعرفه جانب من الفقه[9] بأنه إخبار أو إعلام تجاري أو مهني القصد منه التعريف بسلعة أو خدمة معينة عن طريق إبراز مزاياها و محاسنها بغية خلق انطباع جيد يؤدي إلى إقبال الجمهور على هذه السلعة أو الخدمة.

وقد ذهب بعض الفقه[10] إلى أن أهم ما يتسم به الإعلان التجاري هو قدرته على التأثير النفسي و الذهني للمتلقي، و من تم تعديل اتجاهاته السلوكية فيما يتعلق بقناعته بالسلعة أو الخدمة المعروضة، و يصاحب ذلك بالضرورة ممارسة قدر من الإلحاح عليه بقصد دفعه إلى التعاقد، و على ذلك فالإعلان التجاري في نظر هذا الفقه هو الوسيلة الفنية التي يستخدمها المعلن للتأثير النفسي و الذهني على المستهلك بقصد تحفيزه على شراء المنتج المعروض.

وعموما فإن الباحث عن تعريف للإشهار يجد نفسه في مواجهة ثلاثة عناصر رئيسية، ألا وهي: الوسيلة، و الهدف، و الأثر النفسي للرسالة الإشهارية على المستهلك. و عليه يكون الإشهار التجاري هو ذلك الإعلان الذي يستغله المهني بشكل مباشر أو غير مباشر[11] و بأي وسيلة كانت مرئية أو سمعية أو غير ذلك، للترويج لمنتوجاته أو خدماته على أبعد نطاق، وذلك بشكل يؤثر على نفسية جمهور المستهلكين و يدفعهم لاقتناء منتوجاته أو طلب خدماته، و بالتالي تحقيقه للربح.

و أما  على مستوى التشريع، فقد عرف المشرع العراقي الإشهار بموجب قانون مكاتب الدعاية و النشر رقم 45 لسنة 1971 المعدل، حيث جاء في مادته الأولى أنه: ” يراد بالإعلان جميع وسائل الدعاية و النشر في الصحف أو التلفزيون أو السينما أو النيون أو البلاستيك أو الملصقات الجدارية و كذلك الأدلة باختلافها و أنواعها”. و الملاحظ بأن المشرع العراقي لم يكن واضحا في تعريفه للإشهار أو الإعلان بأن ركز بشكل مطلق على الوسيلة المستعملة في الإشهار، دون بيان الغاية التي قد يهدف لها الإشهار و التأثير الذي قد يبعثه في نفس المستهلك. و هي نفس الملاحظة التي نأخذها على المشرع المصري الذي عرفه في القانون الخاص بتنظيم الإعلان رقم 66 لسنة 1956 في مادته الأولى بأنه: “أية وسيلة أو تركيبة أو لوحة صنعت من الخشب أو المعدن أو الورق أو القماش أو البلاستيك أو الزجاج أو أية مادة أخرى تكون معدة للعرض أو النشر بقصد الإعلان، بحيث تشاهد من الطريق أو بداخل أو خارج وسائل النقل العام”.

على أن المشرع المغربي و إن كان قد عرف الإشهار بموجب مشروع قانون حماية المستهلك بأنه: “كل خطاب أو إعلان بياني، أو مكتوب، أو مسموع، أو سمعي بصري يبث نظير أجر، أو يؤدى بمقابل آخر، من أجل الترويج للسلع، و الأموال و الخدمات، في إطار نشاط تجاري أو صناعي، أو مهني حر، أو لضمان الرواج التجاري لمقاولة عمومية أو خاصة”، فإن الصيغة النهائية له في إطار قانون 31.08   القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، جاءت خالية من أي تعريف  يذكر، بأن اكتفى المشرع فيه بمنع الإشهارات الكاذبة التي تهدف للإيقاع بالمستهلك في غلط  يفسد إرادته .

ولم يقف المشرع المغربي عند هذا الحد، بأن أحال في المادة 21 السالفة الذكر على القانون [12]77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، هذا الأخير الذي جاء في مادته الثانية ” لأجل تطبيق هذا القانون، يعتبر إشهارا أي شكل من أشكال الخطابات المذاعة أو المتلفزة و لاسيما بواسطة صور أو رسوم أو أشكال من الخطابات المكتوبة أو الصوتية التي يتم بها بمقابل مالي او بغيره، الموجهة لإخبار الجمهور أو لاجتذاب اهتمامه إما بهدف الترويج للتزويد بسلع أو خدمات، بما فيها تلك المقدمة بتسمية فئتها، في إطار نشاط تجاري أو صناعي أو تقليدي أو فلاحي أو مهنة حرة وإما للقيام بالترويج التجاري لمقاولة عامة أو خاصة…”. و الملاحظ بأن المشرع المغربي قد تجنب الهفوة التي وقع فيها كل من المشرع العراقي و المصري، بأن جمع في تعريفه للإشهار بين كل من الوسيلة التي يمكن أن يتم بها و الغاية التي يهدف لتحقيقها فضلا التأثير الذي قد يبسطه على جمهور المستهلكين.

على أن تعريف الإشهار التجاري لا يغني عن تداخله مع بعض المفاهيم التي قد تتشابه معه، و عليه نتساءل، ماهي المفاهيم التي قد تتشابه مع مفهوم الإشهار التجاري؟ و أية فروقات يمكن بها التمييز بينها و الإشهار التجاري ؟

  • تمييز الإشهار التجاري عن المفاهيم المشابهة له

يحدث أن تعرف بعض المفاهيم تقاربا فيما بينها بشكل يصعب التمييز بينها، و هكذا شأن الإشهار التجاري بحيث يعرف تداخلا كبيرا مع بعض المفاهيم شأن الإعلام و الدعاية و الترويج، و عليه سوف نبحث هذه المفاهيم بشكل نكشف به عن الفروقات الجوهرية بين هذه الأخيرة و الإشهار التجاري:

  • الإشهار و الإعلام

 يعنى الإعلام بنشر المعلومات و الحقائق و الأخبار بين أفراد المجتمع، وهو شكل من  أشكال الإتصال لتقديم المعلومات بقصد تنمية الوعي و ملكات الإدراك في مختلف المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، فهو يتميز بالموضوعية من الناحية النظرية خلافا للإعلان الذي يعتمد على الإغراء و المبالغة و التهويل[13]. و المبالغة في الإعلان التجاري أمر مقبول ما لم تصل إلى حد الكذب و تزييف الحقائق[14].

وما يميز الإعلان التجاري كذلك عن الإعلام هو أن الإعلان يهدف إلى ترويج المنتجات أو الخدمات بقصد تحقيق الربح إذ إن الإعلان التجاري مدفوع الأجرة عادة[15]، في حين أن الإعلام لا يستهدف تحقيق الربح لأنه لا يهدف إلى ترويج المنتجات و الخدمات[16].

  • الإشهار و الترويج

 يهدف الترويج إلى تحسين صورة المنتج أو الخدمة و إظهار مزاياهما لدى المستهلك و في هذا الهدف يشترك الترويج مع الإعلان التجاري، إلا أن الترويج يمنح شيئا ملموسا مثل تخفيض الأسعار و تقديم الهدايا و إجراء المسابقات و تقديم العينات و إعداد النشرات التعريفية و الكتلوجات و تقديمها[17]. ومن ثم يفترض فيه التواجد في أماكن وجود العملاء و هو ما يفسر أن الترويج يتوجه إلى عدد محدود من المستهلكين بخلاف الإعلان الذي يتوجه إلى عدد غير محدود من المستهلكين[18].

  • الإشهار و الدعاية

 الدعاية (La Oropaganda) هي النشاط الذي يؤدي إلى التأثير في عقيدة الجمهور سواء ليجعله يؤمن بفكرة أم مبدأ أم عقيدة معينة أم من أجل صرفه عن فكرة أو مبدأ أو عقيدة يؤمن بها، و تستخدم الدعاية نفس وسائل الإعلان فضلا عن وسائل أخرى مثل الخطب و الأحاديث و الاجتماعات و عقد المؤتمرات و الندوات و المناقشات، وما دامت الدعاية مرتبطة بالعقيدة فهي اتخضع لما تخضع له العقيدة من تأثيرات نظرية تتصل بالدوافع الفطرية كالغرائز و القابلية للاستهواء أو التقليد[19]، إلا أن الدعاية لا تقتصر على الجانب العقائدي بل تشمل الدعاية التجارية و التي تمثل الحد الأقصى للإعلان التجاري[20]، حيث لا يكتفي المعلن بالإعلان عن المنتج أو الخدمة فحسب، بل يدعو لهما و الدعوة أبعد أثرا من الإعلان، فهي ذات صلة وثيقة بالبيع تمهد الطريق له، و تهيء أذهان الناس لاستقبال المنتجات، و لعل العنصر الذي بموجبه يتم تحديد أننا أمام دعاية تجارية هو أنها توجه إلى المستهلك النهائي فقط، في حين يتوجه المعلن في الإعلان التجاري إلى المستهلكين و المحترفين، فالإعلان التجاري و الحالة هذه أوسع من الدعاية التجارية بحيث يشملها فيجعل كل دعاية تجارية إعلانا دون العكس[21]. كما و تختلف الدعاية عن الإعلان في أنها في الغالب تكون مجانية ولا تستهدف تحقيق كسب مادي، بل تحقيق إيديولوجية سياسية أو اجتماعية أو دينية[22].

ثانيا: الطبيعة القانونية للإشهار التجاري

بداية تجدر الإشارة إلى أن تحديد الطبيعة القانونية للإشهار التجاري ليس بالأمر الهين، بحيث قد أثار ذلك نقاشا فقهيا كبيرا بين اعتبار الإشهار التجاري مجرد دعوة للتعاقد[23]، أو إيجابا[24]، انتهي بتحديد معايير موضوعية كفيلة للتمييز بين الاثنين، و هو الأمر الذي سنسعى لبيانه من خلال دراستنا لهذا المحور.

إن التفرقة بين الإيجاب و الدعوة إلى التعاقد أمر مستقر في القضاء و الفقه المصريين، فقد عرفت محكمة النقض المصرية الإيجاب بأنه: العرض الذي يعبر به الشخص الصادر منه على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين، بحيث يمكن إذا ما اقترن به قبول مطابق انعقد العقد[25]، بينما ذهبت إلى أن المفاوضة ليست إلا عملا ماديا ولا يترتب عليها بذاتها أي أثر قانوني[26].

و إزاء ذلك اشترط بعض الفقه المصري في العرض حتى يكون إيجابا، أن يكون جازما أي أن يعبر عن إرادة مصممة و عازمة نهائيا على إبرام العقد إذا صادف قبولا مطابقا، كما يجب أن يكون محددا و كاملا، أي أن يتضمن على الأقل تلك البيانات و المعلومات التي تشير إلى طبيعة العقد المراد إبرامه و شروطه الأساسية دونما غموض أو لبس، بحيث- وهو المعيار الأكثر دقة- لا يتبقى لانعقاد العقد سوى صدور قبول مطابق[27].

وهو ما يمكن القول معه بمفهوم المخالفة، بأن العرض و متى لم يكن جازما كاملا  و محددا للمعلومات الأساسية للسلعة أو الخدمة فإنه يكاد لا يتجاوز كونه مجرد دعوة للتفاوض ليس إلا.

ومن أمثلة ذلك أن يأتي الإعلان خاليا من تحديد عنصر الثمن، أو أتى به على وجه يحتمل اللبس أو الغموض كأن يكون الإعلان عن بيع سلعة لأعلى سعر يعرض أو مقابل أسعار تبدأ من مبلغ معين، و هكذا[28]. على أنه لا ينال من إمكانية اعتبار الإعلان التجاري إيجابا، عدم تحديد سعر السلعة محل الإعلان، متى كان يمكن للعرف أن يقوم بهذا الدور [29].

و مما تجدر الإشارة إليه أن المشرع المغربي هو الأخر و إن لم يحدد طبيعة الإشهار التجاري، غير أنه يمكن من خلال  تسليط  الضوء على بعض المقتضيات القانونية لقانون الالتزامات و العقود، استنتاج طبيعة الإشهار التجاري هل هو إيجاب قائم بذاته أم لا يتجاوز كونه مجرد دعوة للتعاقد. حيث جاء في نص الفصل 19 أنه:” لا يتم الاتفاق إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للالتزام وعلى باقي الشروط  المشروعة الأخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية”. بحيث توحي قراءة الفصل 19 من قانون الالتزامات و العقود بمفهوم المخالفة أنه لا وجود للاتفاقات التعاقدية في ظل غياب التراضي على العناصر الأساسية، و هو ما نستنتج معه بأن الإشهار التجاري و متى تضمن العناصر الأساسية  للسلعة أو الخدمة محل الإشهار يكون إيجابا بمصادفته للقبول ينعقد العقد، و متى لم يتوفر على العناصر الأساسية للخدمة أو السلعة محل الإشهار فإنه لا يتعدى كونه مجرد دعوة للتفاوض.

الفقرة الثانية: عناصر و شروط الإشهار التجاري

بعدما تقدم لنا تعريف الإشهار التجاري و تمييزه عن المفاهيم المشابهة له  فضلا عن تحديد طبيعته القانونية، سنعمل تبعا لذلك على تحديد عناصره (أولا)، و شروطه (ثانيا).

أولا: عناصر الإشهار التجاري

يجمع فقهاء القانون على أن الإشهار التجاري يتشكل من عنصران، أحدهما مادي(أ)، و الآخر معنوي(ب).

  • العنصر المادي للإشهار التجاري

لابد للإعلان من أدوات مرنة تتحقق من خلالها أهدافه التي يتوجه بها المعلن إلى الجمهور، فأدوات الإعلان هي العنصر المادي L’élement Matérial  الذي يتمثل في  كل فعل أو نشاط أو استخدام لوسائل تعبير تدرك بالحواس بهدف إحداث تغيير معين و محدد على المتلقي[30].

و يفترض في الإعلان استخدام أداة من أدوات التعبير التي يتم اختيارها من بين الوسائل المتاحة أمام المعلن و تتنوع أدوات الإعلان في الأصل، إلى إعلانات مكتوبة و مقروءة تتمثل بالصحف و المجلات و إعلانات سمعية و مرئية كالإنترنت و التلفزيون و السينما و إعلانات الراديو أو ثابتة كاللافتات الإعلانية و الألواح الضوئية و الملصقات الجدارية و واجهات المحال و إعلانات الشوارع و غيرها من الأساليب المستخدمة لجذب انتباه الجمهور[31].

و يلاحظ أن القضاء الفرنسي يذهب لأبعد من ذلك، فبمفهومه تعد البطاقة الموضوعة فوق المنتجات و الكتابة على أغلفتها من قبيل الإعلان، و كذلك الحال مع البطاقة الإعلامية فهي تعد أداة إعلان لأنها تمثل رسالة موجهة إلى المستهلك تحوي كل البيانات و المعلومات الإرشادية للمستهلك.

أكثر من ذلك فإن العلامة التجارية تعتبر من أهم الوسائل التي يستعين بها التاجر أو مقدم الخدمة للإعلان عن سلعته أو منتجاته أو خدماته، فاستخدام العلامة التجارية كأداة إعلان يساهم في تثبيت العلامة في ذاكرة الجمهور، فيصبح عندئذ من الصعب تناسي الدور الذي تؤديه في جدب العملاء لمنتجات مشروع معين أو خدماته[32].

و قد أثير خلاف حول ما إذا كان بالإمكان عد الرسم أو الزخارف أو الصورة أو الموسيقى أو الصخب أو الرائحة إعلانا[33].

وقد ذهب القضاء الفرنسي إلى عد الصور و الرسوم و الزخارف و الموسيقى و الروائح إعلانا و لو لم يكن ذلك مصحوبا بأي نوع من الكتابة أو الكلام، بل أكثر من هذا اعتبر البطاقات الموضوعة فوق المنتجات و الكتابة التي توجد فوق أغلفة المنتجات من قبيل الإعلان[34].

  • العنصر المعنوي للإشهار التجاري

فالعنصر المعنوي للإعلان يتجسد بعامل نفسي يؤثر تأثيرا مباشرا في حرية المستهلك في الإختيار و التفضيل[35]، بحيث لا يكفي تحقق العنصر المادي في الإعلان بل يجب أن يتحقق عنصره المعنوي أيضا، وهو قصد الترويج للمنتجات و الخدمات بغية تشجيع المستهلكين على طلبها بغية تحقيق الربح، فالإعلان يستثير المستهلك و يستميله إلى الإقبال على المنتجات و الخدمات محل الإعلان، وهذا القصد أي قصد تحقيق الربح هو السمة المميزة للإعلان التجاري و التي تميزه عن غيره من النظم كالإعلانات التي تقوم بها وزارة الصحة في سبيل المحافظة على الصحة و السلامة في المجتمع أو الوقاية من أمراض معينة أو الإعلان بالمعنى القانوني و الذي يوجبه القانون في بعض الحالات كالإعلان عن تأسيس شركة مثلا أو الإعلان عن بيع الأموال المحجوزة من دائرة التنفيذ[36].

 ثانيا: شروط الإشهار التجاري

حتى يكون الإشهار قانونيا يستلزم المشرع المغربي شأن باقي التشريعات المقارنة مجموعة من الشروط لضمان صحته، و بالتالي حماية المستهلك من التجاوزات المحتملة في الإشهارات التجارية. فأين يتجلى ذلك في التشريع المغربي و المقارن ؟

بالرجوع إلى مقتضيات المادة 2 من القانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، نجدها تنص على أنه:”لأجل تطبيق أحكام هذا القانون، يعتبر:

  • إشهارا غير تجاري: كل خطاب يبث بمقابل مالي أو غيره و الذي تتوفر فيه الشروط التالية:
  • أن يبث بهدف خدمة الصالح العام؛

ب) أن يطلبه شخص عمومي كيفما كان شكله أو هيئة غير تجارية موضوعة تحت مراقبة أو وصاية السلطات العمومية أو تكون تابعة لها أو من طرف هيئة دولية خاضعة للقانون العام أو الخاص أو منظمة أو جمعية مهنية أو اجتماعية أو ثقافية أو علمية أو رياضية؛

ت) ألا يتضمن أي إشارة إلى علامة منتوج أو خدمات أو أي تلميح إلى تلك العلامة سواء من خلال شكل الخطاب أو مطابقته مع خطاب مماثل و لكن يتضمن ذلك التلميح. ولا يمكن أن تقدم المنتوجات أو الخدمات إلا تحت اسم الفئة التي تنتمي إليها؛

ث) ألا يذكر إسم أي مقاولة أو أي شخص معنوي غير تلك المشار إليها في ب) أعلاه و ألا يتضمن تلميحا إليها سواء من خلال شكل الخطاب أو مطابقته مع خطاب مماثل و لكن يتضمن ذلك التلميح”.

و عليه فإنه و بمفهوم المخالفة لنص البند الخامس من المادة 2 من القانون 77.03 أعلاه، يعتبر إشهارا تجاريا كل خطاب يبث بمقابل مالي أو غيره، على أن يكون الهدف من بثه خدمة المصلحة الخاصة لجهة تجارية حرة، و أن يشير إلى اسم أو علامة منتوج أو خدمات تلك الجهة التجارية طبيعية كانت أو معنوية.

و لا يتوقف الأمر عن هذه الشروط حتى يمكن القول باعتبار الإشهار التجاري أو غيره صحيحا، و هو ما يمكن استخلاصه من البند 3 من المادة 2 السابق الإشارة إليها و الذي بموجبه يعد ” إشهارا ممنوعا:

  • الإشهار الذي يحتوي على عناصر للتمييز بسبب العرق أو الجنس أو الديانة أو على مشاهد تحط من كرامة الإنسان أو تمس بحقوقه أو مشاهد العنف أو تحريض على سلوكات مضرة بالصحة و بسلامة الأشخاص و الممتلكات أو بحماية البيئة؛

ب) الإشهار ذو طابع سياسي؛

ج) الإشهار الذي يتضمن مزاعم و بيانات أو تقديمات مغلوطة أو من شأنها أن توقع المستهلكين في الخطإ؛

د) الإشهار الذي من شأنه أن يلحق ضررا معنويا أو بدنيا بالقاصرين و الذي يهدف بالخصوص إلى ما يلي:

– تشجيع القاصرين بصفة مباشرة على شراء منتوج أو خدمة عن طريق استغلال قلة تجربتهم أو سذاجتهم أو حثهم بصفة مباشرة على إقناع آبائهم أو الأغيار لشراء المنتوجات أو الخدمات المعنية؛

– استغلال أو زعزعة الثقة الخاصة للقاصرين إزاء آبائهم و معلميهم و الأشخاص الذين لهم سلطة شرعبة عليهم؛

– تقديم قاصرين في وضعية خطيرة دون سبب مشروع.

ه) الإشهار الذي يتضمن بأي شكل من الأشكال بيانات من شأنها أن توقع المواطنين في الخطإ أو تخرق حقهم في سرية المعلومات المتعلقة بحالتهم الصحية أو تتضمن بيانات كاذبة عن الصحة أو تحث على الممارسة غير القانونية لمهنة الطب أو ممارسة الشعوذة؛

و) الإشهار الذي يتضمن تشهيرا بمقاولة أو منظمة أو نشاط صناعي أو تجاري أو فلاحي أو خدماتي أو منتوج أو خدمة سواء من خلال محاولة تعريضه لإحتقار الجمهور أو سخريته أو بأي وسيلة أخرى”.

و عليه فإنه حتى يمكن القول بسلامة الإشهار التجاري أو غيره من أنواع الاشهارات الأخرى، لا بد من توافر مقتضيات كل من البند 3 و 5 من المادة 2 و غيرها من مقتضيات القانون 77.03 المتعلقة بالاتصال السمعي البصري[37].

و لم يتوقف المشرع المغربي عند مقتضيات القانون 77.03 لتحديد الشروط الواجب توفرها في الإشهار التجاري، بحيث نجد  بالإضافة  إلى ذلك بعض المقتضيات القانونية المتفرقة بالقانون 31.08 االمتعلق بتحديد تدابير قانونية لحماية المستهلك و التي تحدد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

بحيث جاء في نص المادة 3 من القانون 31.08 أنه:” يجب على كل مورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العلامة أو العنونة أو الإعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بأسعار المنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات وطريقة الاستخدام أو دليل الاستعمال ومدة الضمان وشروطه والشروط الخاصة بالبيع أو تقديم الخدمة، وعند الاقتضاء، القيود المحتملة للمسؤولية التعاقدية”.

و هو ما يمكن معه القول بأن الإعلان أو الإشهار التجاري كوسيلة لإعلام المستهلك في المرحلة ما قبل التعاقدية، يلزم أن يتضمن وجوبا بيانات كافية لإعلام و تبصير المستهلك، و ذلك من قبيل أسعار المنتوجات والسلع وتعريفات الخدمات وطريقة الاستخدام أو دليل الاستعمال ومدة الضمان وشروطه والشروط الخاصة بالبيع أو تقديم الخدمة و غيرها من المعلومات.

كما و تلزم الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد خص الإشهار المقارن[38] كأحد أصناف الاشهارات التجارية، بشروط معينة بموجب المواد 22 و [39]23 من القانون 31.08 ح.م، و التي يمكن إجمالها في الآتي:

  • الترخيص به متى كان نزيها و صادقا و ليس من شأنه إيقاع المستهلك في الغلط.
  • ضرورة أن يكون الإشهار المقارن حول الخصائص الأساسية للخدمة أو السلعة.
  • أن يكون كل إشهار مقارن حول الأسعار أو التعريفات متعلقا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات المماثلة والمبيعة وفق نفس الشروط وأن يشير إلى المدة التي يحتفظ خلالها بالأسعار أو التعريفات المحددة من لدن المعلن باعتبارها خاصة به.
  • ضرورة الإشارة إلى الطبيعة الإشهارية له بشكل واضح لا يحتمل أي لبس(بيع بالتخفيض أو مسابقة اشهارية…).
  • ضرورة تحديد المورد الذي أنجز لصالحه الإشهار.

المطلب الثاني: ماهية الإشهار التجاري المضلل

يقتضي بحث ماهية الإشهار التجاري المضلل بالضرورة، تحديد المقصود به و الحد الفاصل بينه و الإشهار التجاري الكاذب(الفقرة الأولى)، و كذا معايير التضليل الإشهاري للمستهلك(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المقصود بالإشهار التجارى المضلل  و الحد الفاصل بينه و الإشهار الكاذب

منذ أن أطلق (غوبلز) وزير الدعاية النازي جملته الشهيرة ” أكذب أكذب حتى يصدقك الناس” في الثلاثينيات من القرن الماضي حتى انتقل هذا الأسلوب من التضليل من ميدان الدعاية السياسية و العقائدية إلى ميدان الإعلان التجاري. و إذا كانت الحقيقة الموضوعية الكاملة غير موجودة في الإعلان التجاري فإن ما يوجبه القانون هو أن لا تكون إعلانات التاجر المحترف كاذبة أو مضللة [40]. و عليه سنحاول تبعا، تحديد المقصود بالإشهار المضلل(أولا)، على أن نبين الحد الفاصل بينه و بين الإشهار الكاذب فيما بعد(ثانيا).

أولا: المقصود بالإشهار التجاري المضلل

يقصد بالتضليل لغة: من ضلل، و الضلال ضد الرشاد، و تضليل الرجل نسبته إلى الضلال[41]. و التضليل هو الخداع[42]، و يراد بالخداع كل تصرف ينطوي على إلباس أمر من الأمور مظهرا مخالفا للحقيقة في الواقع، على نحو يؤدي إلى تضليل المستهلك و إيقاعه في الغلط[43].

و يعرف بعض الفقه الإعلان المضلل  بأنه الإعلان الذي من شأنه خداع المستهلك أو من الممكن أن يؤدي لذلك، هذا و قد لا يتضمن الإعلان المذكور بيانات كاذبة و لكنه يصاغ بعبارات تؤدي إلى خداع المتلقي[44]، بحيث يقع الإعلان المضلل في نقطة تقع بين الإعلان الصادق و الإعلان الكاذب[45].

وقد عرفت المادة الثانية من التوجيه الأوروبي الصادر في 10 أيلول 1984 الإعلان المضلل بأنه” أي إعلان بأي طريقة كانت يحتوي في طريقة تقديمه على أي تضليل أو يؤدي إلى تضليل هؤلاء الذين يصلهم الإعلان”[46].

وفي نفس السياق فقد اعتبر المشرع الجزائري بموجب القانون 02.04[47] المنظم للممارسات التجارية، أن الإشهار المضلل هو كل إشهار يتضمن تصريحات أو بيانات أو تشكيلات يمكن أن تؤدي إلى التضليل بتعريف منتوج أو خدمة أو بكميته أو وفرته أو مميزاته.

ويعرف المشرع اللبناني الإشهار الخادع في المادة 11 من قانون حماية المستهلك بأنه: “هو الذي يتم بأية وسيلة كانت، و يتناول سلعة أو خدمة، و يتضمن عرضا أو بيانا أو ادعاء كاذبا أو أنه مصاغ بعبارات من شأنها أن تؤدي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إلى تضليل خداع أو تضليل المستهلك”.

و الباحث عن تعريف للإشهار المضلل سواء في قانون الالتزامات و العقود أو قانون حماية المستهلك  المغربيين يكاد لا يجد أي تعريف يخص الإعلان المضلل ، و إن يتحدث الفصل 21 من القانون 31.08 ح.م على منع كل إشهار يتضمن بأي  شكل من الأشكال إدعاءا أو بيانا أو عرضا كاذبا، غير أنه و كما سنبين لاحقا يختلف الإعلان الكاذب عن المضلل. إلا أن المشرع المغربي و إن لم يورد في القوانين السالف ذكرها مفهوم الإشهار المضلل فإنه و بمناسبة سنه لبعض المقتضيات القانونية نجده يتحدث عن مفهوم الإشهار المضلل و إن بطريقة غير مباشرة، و نذكر من ذلك ما جاء في نص المادة 68 من ق.إ.س.ب بأنه:” يمنع كل إشهار سمعي بصري كاذب أو مضلل يحتوي على إدعاءات أو بيانات أو تقديمات مغلوطة أو من شأنها أن توقع الغير في الخطإ…”، بحيث يمكن بحسب منطوق هذا الفصل تعريف الإشهار المضلل بأنه كل إشهار  يحتوي على ادعاءات أو بيانات أو تقديمات مغلوطة أو من شأنها أن توقع الغير في الغلط و الخطإ. و هو نفس التعريف الذي نستخلصه من مقتضى المادة 10 من ظهير 5 أكتوبر 1984 المتعلق بزجر الغش عن البضائع.

و الملاحظ أمام تعدد كل هذه التعاريف للإشهار المضلل، أنه كما يتحقق الخداع الإعلاني بذكر بيانات مخالفة للحقيقة، فإنه يتحقق أيضا بذكر بيانات مضللة، فيتفق الإعلان الكاذب و الإعلان المضلل في وحدة الأثر المترتب على كل منهما و المتمثل في خداع المتلقي[48]. و عليه يثار التساؤل، ما الحد الفاصل بين كل من الإشهار المضلل و الإشهار الكاذب ؟

ثانيا: الحد الفاصل بين الإشهار المضلل و الكاذب

تجدر الإشارة إلى أن الكذب لغة هو الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه في الواقع[49]، و يعرف الأستاذ Jean-Jacques Burst الإشهار الكاذب بأنه عبارة عن معلومات مغلوطة ينشرها التاجر أو الصانع حول طبيعة المنتجات أو الخدمات المعروضة للبيع تضل الجمهور[50].

وهكذا يعتبر بعض الفقه بأنه يكون الإعلان كاذبا منذ اللحظة التي لا تتطابق فيها الرسالة الإعلانية التي يتضمنها مع واقع المنتج أو الخدمة المعلن عنها[51]، و هو ما يميزه عن الإشهار المضلل، بحيث أن المعلومات المقدمة أو الصفات المزعومة للخدمة أو السلعة في هذا الأخير، هي معلومات صحيحة و لكنها غير كافية، أو مبالغ فيها، أو أنها تصور للمستهلك أنها تلبي حاجيات هي في الأساس ثانوية أو ليس بحاجة إليها، مما يغريه باقتنائها[52].

وعلى العموم فإن الإعلان الكاذب كما سبق البيان هو ادعاء أو زعم مخالف للحقيقة الهدف منه تضليل المتلقي و خداعه، و الكذب فيه يكون على درجة من الوضوح يدركها الشخص العادي، فلا يحتاج لذكاء أو فطنة شديدة كإعلان أحد شركات السفر و السياحة عن قيامها برحلات سياحية إلى جزيرة في دولة معينة، في حين الحقيقة هي أن دولتهم في حالة حرب مع الدولة المراد السفر إليها[53].

في حين الإعلان المضلل هو ذلك الإعلان الذي من شأنه خداع المستهلك و لكن ليس بالضرورة أن يتضمن بيانات كاذبة، فالإعلان المضلل قد يحوي كذبا أو لا يحوي.

وعليه فإن مفهوم الإعلان المضلل أوسع من مفهوم الإعلان الكاذب، لأن كل إعلان كاذب هو مضلل دون العكس. فالصورة التي يأتي الإعلان المضلل في ذاتها صادقة و لكن في مجموعها تضلل المستهلك فيكون الإعلان مضللا، و المثل على الإعلان المضلل هو الإعلان عن بيع لحوم دواجن تظهر وهي تسعى في الحقول الخضراء و الهواء الطلق، مما يعطي للمشاهد انطباعا بأن هذه الدواجن يتم تربيتها و تغذيتها بصورة طبيعية في حين أنهات كانت تربى و تغذى غذاءا صناعيا[54].

و عموما فإنه مهما حاولنا التمييز بين كل من الإعلان المضلل و الكاذب فإننا سنجد ذلك من الصعوبة بمكان، و عليه فإن المنطق القانوني يقتضي و الحال هذا أن يترك الأمر للسلطة التقديرية للقضاء.

الفقرة الثانية: معايير تقدير التضليل الإشهاري للمستهلك

أثار تحديد معيار التضليل الإشهاري جدلا فقهيا تجاذبه اتجاهان، يقول بعضهما بالمعيار الذاتي(أولا) لتحديد التضليل الإشهاري من عدمه، بينما يقول الآخر بالمعيار الموضوعي(ثانيا) في سبيل ذلك، و عليه سنتناول بالبحث و الدراسة كلا من هذه الاتجاهات وفق الآتي:

أولا: المعيار الذاتي أو الشخصي في تقدير التضليل الإشهاري

و بموجب هذا المعيار ينظر في التضليل إلى شخص المتلقي(المستهلك) لا إلى التضليل في حد ذاته، بحيث ينظر فيه إلى كل حالة مستقلة عن الحالات الأخرى. فالتضليل يتحدد من خلال شخص المتلقي، هل هو على درجة كبيرة من اليقظة و حسن التدبير و الذكاء فإن الإعلان لا يكون مضللا إذا كان يخدع مثل هذا الشخص، أما إذا كان المستهلك المتلقي دون المستوى العادي في الفطنة و الذكاء فيكون الإعلان مضللا مهما تضاءلت درجة التضليل، أما إذا كان المستهلك من المستوى العادي المألوف، فإن الإعلان لا يعد حينئذ مضللا إلا إذا كان يقع فيه جمهور الناس[55].

و على هذا النحو، نستطيع أن ندرك عدم انضباط هذا المعيار، لأنه يتطلب بحثا في شخصية المتلقي و كشف ما لديه من درجة اليقظة. و مثل هذا الأمر يصعب على القاضي كشفه. و مع ذلك فإن القضاء الفرنسي يعتمد المعيار المذكور في بعض أحكامه،  بحيث يرى في بعض أحكامه إن كتابة عبارة (En Imitation Diam)  التي تعني أن البضاعة أصلية على بطاقات الملابس الجاهزة يعتبر تضليلا، لأن الحقيقة أن البضاعة غير أصلية(Diam Styile) ، حيث جاء في حيثيات الحكم” إن العميل في حل من تقدير نوعية البضاعة ما إذا كانت أصلية أم لا، و له أن يعتد بما ورد في الإعلان، فإذا كان مضللا أو كاذبا اعتبر المعلن مسؤولا”[56].

ثانيا: المعيار الموضوعي في تقدير التضليل الإشهاري

و يذهب هذا المعيار إلى تجريد متلقي الإعلان من الظروف الشخصية الخاصة به و اعتماد معيار الشخص المعتاد، فهو شخص ليس خارق الذكاء من جهة، و ليس بليدا و غبيا من الجهة المقابلة. و هذا المعيار لا يختلف باختلاف الأشخاص، يستوي في التضليل أن يكون ضحية الإعلان المضلل شخصا فطنا ذكيا أو شخصا أقل فطنة و ذكاءا، فالإعلان يكون مضللا إذا كان من شأنه تضليل المستهلك العادي[57].

و تتجه غالبية أحكام القضاء في فرنسا إلى تبني هذا المعيار المجرد، فقد ذهبت محكمة باريس في حكمها الصادر بتاريخ 31 كانون الثاني 1985 إلى أن قيام أحد الأندية بالإعلان عن تقديم برنامج ترفيهي لأعضائه يشمل تقديم حفلات و عروض مسرحية و نزهات دون أن يشير إلى أن ذلك بمقابل ليس من شأنه تضليل الشخص المعتاد الذي ليس له أن يتوقع أن يكون مثل هذا البرنامج الحافل مجانيا[58].

وعلى العموم فإنه أمام وجود نص صريح يحدد المعيار الواجب الإخذ به في تقدير التضليل الإعلاني فإنه تبقى للقاضي السلطة التقديرية في تحديد المعيار الأنسب، إذ إن الأخذ بأحد المعيارين دون الآخر بشكل مطلق قد لا يكون الأنسب لحماية مصالح المستهلك، وعليه يجوز للقضاء مراعاة وضعية المستهلك و الظروف المحيطة به أثناء التعاقد و الأخذ بأي من المعيارين يراه أنسب لحماية المستهلك.

المبحث الثاني: المسؤولية القانونية عن الإشهار المضلل للمستهلك

إن الحديث عن الإشهار التجاري المضلل وما من شأنه إحداثه من آثار سلبية على رضى المستهلك، يقتضي بالضرورة محاولة مقاربته جزائيا بشكل يرتب المسؤولية القانونية على كل من يؤتيه، و ذلك بشكل يضمن للمستهلك حماية منه خلال المرحلة قبل التعاقدية. هكذا فقد حاول المشرع المغربي شأن باقي التشريعات تحديد أساس لمسؤولية المعلن- سواء أكان المهني في حد ذاته أو معلن لوكالة إشهارية خاصة-، و هو ما سيظهر من خلال بحثنا لكل من أساس المسؤولية المدنية(المطلب الأول) و الجنائية للمعلن(المطلب الثاني) عن التضليل الإشهاري للمستهلك.

المطلب الأول: المسؤولية المدنية عن الاشهارات التجارية المضللة للمستهلك

لما كانت الطبيعة القانونية للإشهار التجاري تختلف بحسب ما إذا تضمن ذلك الإشهار البيانات الأساسية للتعاقد من عدمها، بحيث و متى ما ذكرت البيانات الأساسية للتعاقد في الإشهار اعتد به إيجابا بمجرد اقترانه بالقبول ينعقد العقد و بالتالي نكون بصدد المسؤولية العقدية آنذاك، و متى لم تذكر البيانات الأساسية للتعاقد في الإشهار التجاري اعتد به مجرد دعوة للتعاقد ليس إلا، و بالتالي لا مجال للحديث عن المسؤولية العقدية بل إننا نكون بصدد إخلال بواجب قانوني يرتب مسؤولية تقصيرية.

وعليه، فإن بحث المسؤولية المدنية عن التضليل الإشهاري للمستهلك، يستدعي بالضرورة الحديث عن كل من المسؤولية التقصيرية(الفقرة الأولى) و العقدية عن التضليل الإشهاري للمستهلك(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المسؤولية التقصيرية عن التضليل الإشهاري للمستهلك

لما كان لا يتصور في المرحلة السابقة للتعاقد وجود عقد بين المعلن و جمهور المستهلكين، بحيث لا يرتبط المعلن مع المستهلك بأية رابطة عقدية -إذ لا تتعدى طبيعة التصرف كما سبقت الإشارة كونه مجرد دعوة للتعاقد ليس إلا-، فإن الأخطاء الصادرة عن المعلن في هذه المرحلة متى سببت ضررا للمستهلك فإنها تثير المسؤولية التقصيرية. فما هي العناصر اللازم توافرها للقول بتحقق المسؤولية التقصيرية عن التضليل الإشهاري- سواء في حق المعلن إذا كان هو المهني المتعاقد مع المستهلك نفسه، أو المعلن صاحب الوكالة الإشهارية الذي يخدم مصالح المهني التجارية- ؟.

إن الالتزام القانوني المفروض على المعلن يتمثل في التزامه بصدق بيانات رسالته الإشهارية و صحتها و وضوحها و صياغتها بأسلوب لا يضلل المتلقي، لأن الإشهار يكتسي قيمة اشهارية توجيهية بالنسبة له، إذ المعلن يوجه المتلقي عن طريق المعلومات و البيانات الواردة في الإشهار باعتباره محترفا عالما بحقيقة منتوجاته و خدماته التي يعرضها[59].

هذا و تجد المسؤولية التقصيرية أساسها القانوني في 124 من القانون الدني الجزائري التي تنص على أنه:” كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه  و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض”، كما  و تجد أساسها في الفصلين 77 و 78 من قانون الالتزامات و العقود المغربي، حيث ينص الفصل 77 منه على أنه: ” كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر.

وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر”.

كما جاء في نص الفصل 78 من نفس القانون أنه:” كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطإه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.

وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.

والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر”.

و عليه فإنه يمكن من خلال هذين الفصلين  استخلاص عناصر قيام المسؤولية التقصيرية الناتجة عن التضليل الإشهاري للمستهلك، و هي كالتالي:

  • عنصر الخطأ: و يكمن في قيام المعلن بتضمين الإشهار التجاري بيانات إشهارية مضللة من شأنها إيقاع المستهلك في الغلط بأي شكل من الأشكال حول حقيقة السلعة أو الخدمة محل التعاقد.
  • عنصر الضرر: و يتجلى في إيقاع الإشهار المضلل للمستهلك في غلط حول حقيقة السلعة أو الخدمة محل التعاقد، بشكل تكون معه هذه الأخيرة-سواء السلعة أو الخدمة- لا تستجيب لحاجته، أو بالأحرى غير مطابقة لما تضمن الإشهار التجاري بحيث إما تنتقص منفعته منها أو تنعدم إطلاقا وبالتالي يحصل للمستهلك ضررا.
  • عنصر العلاقة السببية: و لتحقق هذا العنصر لا بد من توفر علاقة سببية بين كل من عنصري الخطأ و الضرر السابق ذكرهما، بحيث تكون البيانات الإشهارية المضللة التي أوردها المعلن، و التي من شأنها إيقاع المستهلك في الغلط، هي السبب المباشر في إيقاعه في الغلط، و بالتالي إلحاق الضرر به سواء بانتقاص انتفاعه من السلعة أو الخدمة محل التعاقد أو بانعدام انتفاعه منها.

و مما ينبغي  الإشارة إليه في هذا الصدد أن الحديث عن المسؤولية التقصيرية عن التضليل الإعلاني تقتضي بالضرورة الحديث عن مؤسسة الإثبات باعتبارها  لازما لتحقق المسؤولية.

فلما نتحدث عن القاعدة العامة في إثبات المسؤولية المدنية فإن إثبات الشيء على مدعيه، بحيث  يقع عبء الإثبات استنادا لهذه القاعدة الفقهية التأصيلية على عاتق  المدعي. هذا و لما كانت عقود الاستهلاك تجب طرفين- المستهلك و المهني- غير متوازنين اقتصاديا و فنيا فإن جل التشريعات المدنية لدول العالم قد تنبهت للأمر و سارعت لإعادة التوازن العقدي في عقود الاستهلاك من خلال قلب قاعدة عبء الإثبات.

و المشرع المغربي كما سلف لنا الحديث عن عبء الإثبات في الالتزام قبل التعاقدي بالإعلام، تبنى بمقتضى المادة 34 من القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك قاعدة عبء الإثبات. و لما كان الإشهار التجاري عنصرا من عناصر الالتزام قبل التعاقدي بالإعلام تبعا لما جاء في نص الفقرة الثانية من المادة 3 من نفس القانون التي جاء فيها أنه:” ولهذه الغاية، يجب على كل مورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العلامة أو العنونة أو الإعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بأسعار المنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات وطريقة الاستخدام…”،فإن المنطق القانوني يقتضي بالضرورة أن يشمله مضمون تلك المادة، و بالتالي نأخذ بقاعدة عبء الإثبات لما يتعلق الأمر بالتضليل الإشهاري للمستهلك فيكون عبء الإثبات على المهني، بحيث يلزمه إثبات عدم إخلاله بالالتزام القانوني و المهني الملقى على عاتقه في مواجهة المستهلك[60].

الفقرة الثانية: المسؤولية العقدية عن التضليل الإشهاري للمستهلك

لما كان الأصل في طبيعة الإشهار التجاري أنه لا يتعدى كونه مجرد دعوة للتعاقد، فإن الاستثناء هو أن يعتد به إيجابا –متى توفرت فيه العناصر الجوهرية للتعاقد- بمجرد اقترانه بالقبول ينعقد العقد، و بالتالي فإنه بدل الحديث عن المسؤولية التقصيرية عن التضليل الإشهاري للمستهلك، نكون أمام مسؤولية تعاقدية عن التضليل الإشهاري للمستهلك. فما هو الأساس القانوني للمسؤولية عن التضليل الإشهاري للمستهلك؟

إذا كانت المسؤولية التقصيرية جزاء عن الإخلال بالالتزام القانوني الذي يقتضي عدم الإضرار بالغير، فإن المسؤولية العقدية هي جزاء عن الإخلال بالالتزام العقدي الذي يتخذ إما صورة عدم تنفيذ الالتزام العقدي أو التأخر في تنفيذه، و هو ما يؤكده نص الفصل 263 ق.ل.ع الذي جاء فيه أنه:” يستحق التعويض، إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، و إما بسبب التأخر في الوفاء به…”.

على أن ما يثير الإشكال في هذا الصدد أنه لا يستسيغ القول بالمسؤولية العقدية عن التضليل الإعلاني على أساس عدم التنفيذ أو المطل في التنفيذ، ذلك أن الإشهار التجاري شأنه شأن الالتزام قبل التعاقدي بالإعلام، ليس التزاما مستقلا حتى يمكن القول بعدم تنفيذه أو المطل في تنفيذه، إنما هو التزام تابع للالتزام الأصلي الذي يربط المستهلك بالمهني و الذي يكمن بالأساس في تقديم سلعة أو خدمة.

فمن غير المنطقي القول بالمسؤولية عن التضليل الإشهاري على أساس عدم تنفيذ الالتزام أو التأخر في تنفيذه، و الحال أن المهني أو المورد قام بتنفيذ التزامه تجاه المستهلك سواء بتقديم السلعة أو الخدمة محل التعاقد، إذ المشكلة تكمن بالأساس في تنفيذ التزام المهني  بشكل معيب ليس إلا، و الذي يرجع إلى التضليل الإشهاري للمستهلك الذي دفع به للوقوع في الغلط و بالتالي تعيب رضائه. و عليه نتساءل إلى أي حد يمكن للمستهلك أن يجد في نظرية عيوب الرضى ما يخدم مصلحته، أو بالأحرى ما يمكنه من إيقاع جزاء مدني عقدي على عاتق المهني ؟

لما كان الإشهار التجاري عموما و المضلل على وجه الخصوص يخدم بالدرجة الأولى مصلحة المهني عبر دفع المستهلك للتعاقد معه و إن استدعى الأمر إيقاعه في الغلط. فإنه و اعتبارا  لأهمية  رضا المتعاقدين في لاستقرار المعاملات، بل و حماية للمستهلك الذي يقف ضعيفا أمام هيمنة و قوة المورد الاقتصادية و الفنية، أقر المشرع المغربي شأن باقي التشريعات المقارنة نظرية عيوب الرضى، هذه الأخيرة التي بمقتضاها يتم ترتيب جزاء مدني عقدي على التصرف القانوني الذي تم برضى معيبة.

و لما كان التضليل الإشهاري للمستهلك يقوم على أساس دفع المستهلك للوقوع في الغلط من قبل المعلن فإن المنطق القانوني يقتضي منا الحديث عن عيب التدليس و الغلط لاستساغة تصور تحققهما في التضليل الإشهاري للمستهلك، بالتالي القول بإمكانية ترتيب الجزاء المدني العقدي الناتج عنهما على التصرفات القانونية المبنية على أساس التضليل الإشهاري للمستهلك. و عليه سنحاول تبعا لذلك مقاربة التضليل الإشهاري جزائيا بناءا على ما تقره نظرية عيوب الرضى من اجراءات على كل من عيب التدليس و الغلط، و ذلك وفق ما يلي:

  • الجزاءات المدنية المترتبة عن عيب التدليس كأثر ناتج عن التضليل الإشهاري للمستهلك: كما سبق لنا الحديث في الفصل اّلأول عن عيب التدليس باعتباره استعمال خديعة توقع الشخص في غلط يدفعه للتعاقد[61]، بحيث يتحقق بإتيان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل معه لحيل أو كتمان بشكل يؤثر على رضا المتعاقد الآخر ويدفعه للتعاقد، بحيث لولا ذلك لما أقدم الأخير على ابرام ذلك التصرف القانوني. بحيث يتجسد ذلك في عنصرين: أحدهما، مادي يكمن في إتيان المدلس وسائل احتيال أو التستر عن معلومات لإخفاء الحقيقة عن المتعاقد الآخر، و أن يدفع ذلك هذا الأخير للتعاقد، و الأخر، معنوي يكمن في قصد المتعاقد المدلس تضليل الطرف الأخر للوصول لعمل غير مشروع.

و عموما فقد رتب المشرع المغربي على التدليس بموجب الفصل 52 و 53 ق.ل.ع[62]  جزاءا مدنيا يخول بمقتضاه للمتعاقد الذي جرى التحايل عليه إبطال التصرف القانوني و ذلك مع إمكانية التعويض عما لحقته من أضرار.

على أن الملاحظ في هذا الصدد أن الجزاءات السالفة الذكر و الناتجة عن عيب التدليس تختلف بحسب طبيعة التدليس، بحيث أنه و متى كنا أمام تدليس دافع فإنه يحق للمتعاقد طلب إبطال العقد مع إمكانية تعويضه عما أصابه من أضرار من قبيل تضييع الفرصة عليه…، أما إذا كنا بخصوص تدليس عارض فإنه لا يحق للطرف المدلَّس إلا أن يطلب التعويض دونما إمكانية المطالبة بإبطال التصرف القانوني.

و عليه فإنه القول بتحقق عيب التدليس نتيجة التضليل الإشهاري للمستهلك يخول لهذا الأخير حق القيام بإبطال العقد الذي يربطه بالمهني، بل أكثر من ذلك يمكنه المطالبة بالتعويض عما أصابه من أضرار جراء ذلك التضليل الذي عيب إرادته.  على أنه لابد من تتحقق عناصر التدليس في الإشهار المضلل حتى يمكن القول بإمكانية اسقاط نفس الجزاء المترتب عن عيب التدليس على الإشهار التجاري المضلل، بحيث يلزم أن يكون الإشهار التجاري المضلل إما متضمنا بيانات إشهارية خادعة أو من شأنها خداع المستهلك و الإيقاع به في الغلط، بحيث لو علم بحقيقتها لما أقدم على إبرام ذلك التصرف القانون مع المهني.

  • الجزاءات المدنية المترتبة عن عيب الغلط كأثر ناتج عن التضليل الإشهاري للمستهلك: كما سلف لنا الحديث عن عيب الغلط في الفصل الأول، بحيث تبين لنا بأنه لا يمكن التأسيس لعيب الغلط في الالتزام قبل التعاقدي بالإعلام، و عليه فإنه و لنفس السباب لا يمكن التأسيس لعيب الغلط المقرر في القواعد العامة في التضليل الإشهاري، و ذلك راجع بالأساس لافتقاد نظرية الغلط التقليدية[63] التي يأخذ بها المشرع المغربي لمقومات نظرية الغلط الحديثة التي يأخذ بها كل من التشريع الفرنسي و المصري و السوري، التي تقوم على ضرورة كون الغلط مشتركا، بل أكثر من ذلك أن يكون الطرف الآخر سيء النية بحيث يعلم أو كان من السهل عليه أن يتبين أن المتعاقد الآخر لم يتعاقد إلا تحت تأثير الغلط الذي كان فريسة له.

بحيث أن التضليل الإشهاري لئن كان يستدعى تدخل المعلن لتضليل المستهلك و دفعه للوقوع في غلط و بالتالي اقدامه على بإبرام التصرف القانوني،  فإن النظرية الحديثة للغلط عكس التقليدية  لما كانت تشترط ضرورة كون الغلط ناتجا عن سوء نية أحد الأطراف فإنها بذلك تقبل الإسقاط على التضليل الإشهاري و ترتيب ذات الأثر القانوني عليه، و المتمثل في منح المستهلك إمكانية المطالبة بإبطال التصرف القانوني الذي يربطه بالمهني.

على أن ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن المشرع المغربي في إطار تنظيمه للإشهار التجاري في القانون 31.08 ح.م قد تبنى نظرية الغلط الحديثة، و هو ما يظهر في صياغته للمادة 21 منه، بحيث جاء فيها أنه:” كما يمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع في الغلط…”، بحيث أنه لما كان في الغلط أن يتولد عن وهم لدى المتعاقد بنفسه دون تدخل من الطرف الأخر تبعا لنظرية الغلط التقليدية التي تجد أساسها في قانون الالتزامات و العقود، فإن المادة 21 السالف ذكرها تؤسس بذلك لنظرية الغلط الحديثة، و هو ما يمكن معه القول بنفاذ ذات الجزاءات المقررة لعيب الغلط على التضليل الإشهاري للمستهلك.

و على العموم القول بجواز اسقاط الجزاءات المقررة للتدليس و الغلط على التضليل الإشهاري للمستهلك، يدفعنا للتمييز بين ما يتيحه كل عيب من ضمانات جزائية للمستهلك. بحيث يكون أفضل للمستهلك تأسيس دعواه على أساس عيب التدليس أفضل من الغلط، فهذا الأخير و إن يتيح للمستهلك إمكانية المطالبة بإبطال العقد، فإن التدليس يتيح للمستهلك كلا من المطالبة بالإبطال و التعويض و هو ما يجعله أكثر حماية لحقوقه.

فضلا عن كل ذلك فإن مطالبة المستهلك بإبطال التصرف القانوني الذي يربطه بالمهني سواء تأسس على عيب الغلط أم التدليس فإنه لا يقع عليه إثبات ذلك تأسيسا على ما تقتضيه المادة34 ق.ح.م من قاعدة قلب عبء الإثبات في منازعات الاستهلاك.

المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية عن التضليل الإشهاري للمستهلك

نظرا للخطورة  التي أضحى يشكلها التضليل الإشهاري و غيره من جرائم الإشهار سواء على المستهلك من جهة أو على الحياة الاقتصادية للدول من جهة أخرى. و اعتبارا لما يشكله من اضطراب اجتماعي فقد سارعت جل تشريعات دول العالم لإحاطة التضليل الإشهاري بقواعد قانونية زجرية تكفل حماية المستهلك و النظام الاقتصادي على حد سواء، و المشرع المغربي هو الآخر لم يتوانى عن تحديث ترسانته التشريعية الزجرية بما يكفل الأمن القانوني و الاقتصادي للمعاملات المدنية و التجارية. و عليه نتساءل، أين تتجلى جرائم الإشهار في التشريع المغربي و المقارن؟(الفقرة الأولى)، و ما هي العقوبات الزجرية المقررة لها؟ (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: صور جرائم الإشهار التجاري في القانون المغربي

إن الباحث في المقاربة الزجرية لجرائم الإشهار في التشريع المغربي يجد نفسه بالضرورة أمام مجموعة من الجرائم ذات الضلة بالإشهار التجاري، ولا يتوقف الأمر عند ذلك إذ نجدها موزعة على قوانين مختلفة، و عليه فإننا سنحاول تبعا لذلك بحث و دراسة جرائم الإشهار على مستوى كل من القانون 31.08 و باقي القوانين.

  • ففيما يخص جرائم الإشهار المنصوص عليها في نطاق القانون 31.08 فإنها تتنوع بين الإشهار الكاذب و الإشهار المضلل أو الموقع في الغلط و الإشهار المقارن، و سنحاول دراسة كل صورة من صور هذه الجرائم على حدة وفق ما يلي:

فالإشهار الكاذب يمنع إتيانه بموجب الفقرة الأولى من القانون 31.08 ح.م التي جاء فيها أنه:” دون المساس بمقتضيات المادتين 2 و 67 من القانون رقم 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري ، يمنع كل إشهار يتضمن، بأي شكل من الأشكال، إدعاء أو بيانا أو عرضا كاذبا”.

بحيث تتحقق جريمة الإشهار الكاذب بتوافر ركنين: أحدهما ركن مادي، ينبغي لقيامه توافر ثلاثة عناصر، أولها: أن يكون هناك إشهار بوصفه رسالة موجهة إلى الجمهور هدفها تحفيزه على طلب المنتجات و الخدمات، تتخذ عدة أشكال و صور كما ورد في المادة أعلاه. فقيام جريمة الإشهار الكاذب قد يأتي عن طريق الصحف أو الإذاعة أو التلفزة أو غيرها من الوسائل، ولا يهم ما إذا كان الإشهار وقع بطريقة التضليل الإيجابي أو بطريقة الترك كعدم ذكر بيانات هامة يترتب عن إغفالها تضليل المستهلك، كما لا يهم محل الإشهار فقد يكون منقول أو عقار أو خدمة. و ثانيها: أن يكون الإشهار كاذبا، إذ يشكل الطابع الخادع للإشهار أهم عنصر في هذه الجريمة، و يسهل اكتشاف هذا الطابع الخادع و الكاذب في حالة في حالة الإشهار المكتوب كادعاء أن منتوجا معينا به عناصر طبيعية في حين أن مكوناتها صناعية. و آخرها أن يقع الإشهار الكاذب على أحد العناصر الواردة في المادة 21 من القانون 31.08 ح.م، و التي هي:” حقيقة وجود السلع أو المنتوجات أو الخدمات محل الإشهار وطبيعتها وتركيبتها ومميزاتها الأساسية ومحتواها من العناصر المفيدة ونوعها ومنشأها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وسعرها أو تعريفتها وشروط بيعها وكذا شروط أو نتائج استخدامها وأسباب أو أساليب البيع أو تقديم الخدمات ونطاق التزامات المعلن وهوية الصناع والباعة والمنعشين ومقدمي الخدمات أو صفتهم أو مؤهلاتهم”[64] .

على أننا نرى بأن القول بضرورة وقوع  جريمة الكذب الإشهاري في العناصر الواردة في الفقرة الثانية من المادة 21 السالف ذكرها، أمر لا يستقيم، ذلك أن المشرع لما تحدث عن الإشهار الكاذب لم يبين العناصر التي يقع فيها بأن اكتفى بالإشارة إلى محلها و الذي قد يشمل أي شكل من أشكال الادعاء أو البيانات أو العروض،  و بالتالي فقد ترك المجال للسلطة القضائية لتحديد تلك البيانات. و أما العناصر المنصوص عليها في تلك الفقرة فإنها تعني جريمة إشهارية أخرى مستقلة سوف نتحدث عنها فيما بعد.

هذا و ننبه إلا أن المشرع المغربي و إن ميز بين الإشهار الكاذب و الإشهار الذي من شأنه أن يوقع في الغلط أو المضلل من حيث الركن المادي، فإنه لم يميز بينهما لا من حيث الركن المعنوي الذي لا يشترط فيه عنصر العمد و كذلك الشأن بخصوص العقوبات الزجرية  بحيث لم يفرد لكل منهما عقوبة خاصة بل رتب عن كليهما عقوبة جنحية واحدة كما سنرى، و لعل تمييز المشرع المغربي بين الجريمتين من حيث الركن المادي دون ما سوى ذلك مما ذكرنا، يعود إلى أن الكذب الإشهاري لما يمكن الكشف عنه بسهولة، فإن التضليل الإشهاري قد يصعب الكشف عنه و بالتالي فقد حدد المشرع المغربي له نطاقا خاصا يتجسد في العناصر المذكورة في نص الفقرة الثانية من المادة 21 السالفة الذكر. و بهذا فإنه قد يتساءل كل باحث عما إذا ذكرت تلك البيانات على سبيل المثال أم الحصر، هنا نؤكد بأنها واردة على سبيل الحصر لا المثال، و إلا لكان المشرع قد ترك شأن تحديدها للقاضي شأن الإشهار المضلل.

و أما الركن الأخر الذي يلزم لقيام جريمة الإشهار الكاذب فهو الركن المعنوي: بحيث أنه لا يستدعي لقيام جريمة الإشهار الكاذب تحقق عنصر العمد بحيث تتحقق ولو بالخطأ غير العمدي الناتج عن عدم التبصر أو الإهمال، و هو ما يستشف من نص الفقرة الأخيرة من المادة 175 من القانون 31.08 ح.م و التي جاء فيها أنه: “و تتكون الجنحة بمجرد القيام بالإشهار أو الاطلاع عليه أو تلقيه من طرف المستهلك”، بحيث لا يشترط توفر القصد الجنائي للمعلن بل إنه  بمجرد خروج الإشهار التجاري الكاذب للعلن تتحقق المسؤولية الجنائية للمعلن.

بحيث يرى بعض الفقه أن هذا التوجه غير عادل لأنه يعاقب الكذب المتعمد و الإهمال و اللامبالاة بنفس العقوبة، لكن ضرورة حماية المستهلك حتمت هذه الوضعية خصوصا و أنه من الصعب إثبات سوء نية المعلن[65].

أما بخصوص الإشهار المضلل أو الذي من شأنه أن يوقع المستهلك في الغلط: فقد نظمه المشرع المغربي بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 21 من القانون 31.08 ح.م  التي جاء فيها ما يلي :”كما يمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع في الغلط بأي وجه من الوجوه، إذا كان ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من العناصر التالية : حقيقة وجود السلع أو المنتوجات أو الخدمات محل الإشهار وطبيعتها وتركيبتها ومميزاتها الأساسية ومحتواها من العناصر المفيدة ونوعها ومنشأها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وسعرها أو تعريفتها وشروط بيعها وكذا شروط أو نتائج استخدامها وأسباب أو أساليب البيع أو تقديم الخدمات ونطاق التزامات المعلن وهوية الصناع والباعة والمنعشين ومقدمي الخدمات أو صفتهم أو مؤهلاتهم”.

و يكمن الركن المادي لجريمة الإشهار المضلل أو الذي من شأنه أن يوقع المستهلك في الغلط، في اتيان الإشهار لأحد العناصر الواردة المادة أعلاه و ذلك بشكل من شأنه أن يوقع المستهلك في الغلط، و أما بخصوص الركن المعنوي فنفس الأمر بالنسبة لجريمة الإشهار المضلل لا يلزم توافر عنصر العمد و بالتالي يمكن أن تتحقق بالخطأ غير العمدي الناتج عن الإهمال أو عدم التبصير أو الرعونة أو أية صورة من صور الخطأ، و هو نفس التوجه الذي سار عليه  المشرع الفرنسي في المادة 1-121 من مدونة الاستهلاك التي تمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع في الغلط دون اشتراط سوء نية المعلن.

و قد جرم المشرع الجزائري الإشهار المضلل شأن المشرع المغربي و ذلك بمقتضى المادة 28 من القانون 02.04 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية التي جاء فيها أنه:”…يعتبر إشهارا غير شرعي و ممنوعا، كل إشهار تضليلي، لاسيما إذا كان:

  • يتضمن تصريحات أو بيانات أو تشكيلات يمكن أن تؤدي إلى التضليل بتعريف منتوج أو خدمة أو بكميته أو وفرته أو مميزاته،
  • يتضمن عناصر يمكن أن تؤدي إلى الالتباس مع بائع آخر أو منتوجاته أو خدماته أو نشاطه،
  • يتعلق بعرض معين لسلع أو خدمات في حين أن العون الاقتصادي لا يتوفر على مخزون كاف من تلك السلع أو لا يمكنه ضمان الخدمات التي يجب تقديمها عادة بالمقارنة مع ضخامة الإشهار”.

و الملاحظ بأن المشرع الجزائري لم يميز بين الإشهار الكاذب و المضلل من حيث الركن المادي و ذلك عكس المشرع المغربي، بحيث تتحقق جريمة الإشهار المضلل أو الكاذب على السواء بتحقق بإتيان الأفعال المنصوص عليها في المادة 28 السالف ذكرها. على أن ما يجب التنبيه له كذلك بأن المشرع الجزائري قد حدد تلك الأفعال المشكلة للركن المادي لجريمة الإشهار المضلل أو الكاذب على سبيل المثال لا الحصر، و هو ما يستفاد من الصياغة اللغوية لنص المادة 28 التي جاء فيها ” يعتبر إشهارا غير شرعي و ممنوعا، كل إشهار تضليلي، لاسيما إذا كان:…”، كما لم يشترط المشرع الجزائري شأن المشرع المغربي تحقق النتيجة الجرمية في هذه الجريمة و هو ما يظهر في عبارة” يمكن أن تؤدي إلى التضليل”. و عن الركن المعنوي لجريمة الإشهار الكاذب أو المضلل فلم يشترط المشرع الجزائري عنصر القصد شأن المشرع المغربي بحيث يكفي للقول بتحققها توفر عنصر الخطإ بصور(الإهمال و عدم التبصير…).

ولم يتوقف المشرع الجزائري عند حدود منع و تجريم الإشهار المضلل أو الكاذب بأن نص على عقوبات زجرية من قبيل الغرامة و حجز البضائع و مصادرتها بل حتى إغلاق المحلات،  و ذلك طبقا للنصوص المواد من 38 و 39 و 44 و 46 من القانون 02.04 م.ت.

 أما بشأن الإشهار المقارن غير المشروع:  فقد نظمه المشرع المغربي بمقتضى المواد 22 و 23 من القانون 31.08 ح.م ،و يتجلى ركنه المادي في إتيان ما تضمنته  المادة 22 من القانون 31.08 من أفعال و ذلك بمفهوم المخالفة و التي جاء فيها أنه:” لا يرخص به إلا إذا كان نزيها وصادقا وألا يكون من شأنه إيقاع المستهلك في الغلط.

يجب أن يكون الإشهار المقارن حول الخصائص، متعلقا بالخصائص الأساسية والهامة والمفيدة والتي يمكن التحقق منها، للسلع والخدمات من نفس الطبيعة والمتوفرة في السوق.

يجب أن يكون كل إشهار مقارن حول الأسعار أو التعريفات متعلقا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات المماثلة والمبيعة وفق نفس الشروط وأن يشير إلى المدة التي يحتفظ خلالها بالأسعار أو التعريفات المحددة من لدن المعلن باعتبارها خاصة به”.

و بالتالي يتحقق الركن المادي للإشهار المقارن غير المشروع بعدم صدقه و نزاهته في البيانات بشكل يوقع المستهلك في الغلط و الخطأ، و كونه مخلا بمبادئ المنافسة الشريفة، و ألا ينصب على وقائع و معطيات يمكن التحقق منها بموضوعية، و ألا يكون المعلن قادرا على إثبات صحة الإدعاءات و البيانات و العروض الواردة في الإشهار المذكور.

و أما بخصوص الركن المعنوي لقيام جريمة الإشهار المقارن غير المشروع فإنه شأن كل من الإشهار الكاذب و المضلل لا يشترط فيه توفر عنصر العمد لتحققه بل يكفي عنصر الخطأ بكل صوره سواء الإهمال أو عدم التبصر.

  • وفيما يخص جرائم الإشهار الواردة في بعض القوانين الأخرى: بحيث نظم المشرع المغربي بعض جرائم الإشهار في القانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، و يتعلق الأمر بالإشهار التجاري الممنوع و الذي قد يتخذ عدة صور نذكر منها ما يلي:

الإشهار التجاري الممنوع الذي يتضمن مزاعم و بيانات أو تقديمات مغلوطة أو من شأنها أن توقع المستهلكين في الخطأ[66]،  ويدخل في حكمه كل من الإشهار الكاذب و الخادع. و عموما يتطلب لتحقيق هذه الصورة من جرائم الإشهار التجاري ضرورة تحقق الركن المادي لها، و المتمثل أساسا في تضمن الإشهار لمزاعم و بيانات أو تقديمات مغلوطة أو من شأنها أن توقع المستهلكين في الخطأ، إذ يستوي الأمر في ذلك أن يكون مضمون الإشهار كاذبا أو من شأنه أن يوقع المستهلك في الغلط سواء نتيجة عدم وضوحه أو نتيجة إغفاله الإشارة لأمر معين و هو ما يظهر في مقتضى  البند الثالث من المادة الثانية من القانون 77.03 إ.س.ب التي جاء فيها أنه:” لأجل تطبيق أحكام هذا القانون، يعتبر:…

3- إشهارا ممنوعا:…

ج) الإشهار الذي يتضمن مزاعم أو بيانات أو تقديمات مغلوطة أو من شأنها أن توقع المستهلكين في الخطإ”، و أما بخصوص الركن المعنوي لهذه الجريمة فإن المشرع لم يشترط عنصر القصد مما ينبغي معه اعتبار هذه الجريمة شأن باقي جرائم الإشهار غير عمدية تقوم على أساس الخطإ بصوره(الإهمال و عدم التبصر…).

أيضا نجد جريمة الإشهار المشهر بالمنتوج أو الخدمة، و هي أقرب لجريمة الإشهار المقارن غير المشروع، بحيث نص عليها المشرع في البند الثالث من المادة 2 من القانون 77.03 إ.س.ب، إذ جاء فيها  أنه:” لأجل تطبيق أجكام هذا القانون، يعتبر:…

3- إشهارا ممنوعا:…

و) الإشهار الذي يتضمن تشهيرا بمقاولة أو منظمة أو نشاط صناعي أو تجاري…أو منتوج أو خدمة سواء من خلال محاولة تعريضه لاحتقار الجمهور أو سخريته أو بأي وسيلة أخرى”.

بحيث يتجلى الركن المادي لهذه الجريمة في القيام بالتشهير بمنتوج أو خدمة  سواء من خلال محاولة تعريضها لاحتقار الجمهور أو سخريته أو بأي وسيلة أخرى بشكل يخل بمبادئ المنافسة المشروعة و بالتالي يؤدي للإضرار بمصالح المهني، و نفس ما قيل عن الركن المعنوي في جرائم الإشهار السالف ذكرها ينطبق على جريمة الإشهار المشهر بالمنتوج أو الخدمة.

على أن ما يلزم الإشارة إليه في هذا الصدد أن تطرقنا لهذه الجريمة باعتبارها تمس المهني بالدرجة الأولى لا ينبغي أن يفهم منه خروجا عن نطاق الموضوع إذ أنه و نظرا لما تتسم به هذه الصورة من جرائم الإشهار بالإخلال بمبادئ المنافسة المشروعة فإنه بذلك يتقارب و جريمة الإشهار المقارن غير المشروع. و إذا كانت تؤثر هذه الصورة من صور جرائم الإشهار على المهني عبر التشهير بمنتوجه أو خدمته و بالتالي الإضرار بمصالحه، فإنها تؤثر أيضا على حرية و إرادة المستهلك المستهلك بحيث عكس جرائم الإشهار السالف ذكرها تمنع المستهلك من الإقدام على إبرام تصرفات قانونية بشأنها بناءا على معلومات لا أساس لها من الصحة.

أيضا نظم المشرع جريمة الإشهار المقارن غير المشروع:  بحيث جاء في نص الفقرة الأخيرة للمادة 65 من القانون 77.03 إ.س.ب التي جاء فيها أنه:” عندما يتضمن الإشهار مقارنة، يجب ألا يكون من شأنها، إيقاع الجمهور في الخطإ و عليها أن تحترم مبادئ المنافسة الشريفة. ويجب أن تنصب عناصر المقارنة على وقائع يمكن التحقق منها بموضوعية و اختيارها بنزاهة”. بحيث تتحقق جريمة الإشهار المقارن غير المشروع تبعا لذلك عبر مخالفة شروط  المنصوص عليها في الفقرة السالفة، أو بالأحرى عبر إتيان مقتضيات تلك الفقرة بمفهوم المخالفة.

الفقرة الثانية: العقوبات الجنائية المترتبة عن جرائم الإشهار في القانون المغربي

لا بد للقول بنفاذ أي قاعدة قانونية دون ترتيب جزاء عن الإخلال بها، و كذلك هو الأمر بالنسبة لصور جرائم الإشهار فقد رتب عليها المشرع عقوبات زجرية كفيلة بضمان الحماية لعموم المستهلكين و النظام الاقتصادي على السواء. و يظهر ذلك فيما يلي:

– العقوبات الزجرية المترتبة عن جرائم الإشهار الواردة في القانون 31.08 ح.م : بالرجوع إلى المقتضيات الزجرية عن جرائم الإشهار بالقانون 31.08 نجدها كالتالي: بحيث يعاقب على جميع صور جرائم الإشهار الواردة بالقانون 31.08 و التي سبق لنا الحديث عنها بغرامة من 50.000 إلى 250.000 درهم، كما و يمكن رفع المبلغ الأقصى للغرامة المنصوص عليها في هذه المادة إلى نصف نفقات الإشهار المكون للجنحة.

هذا و إذا كان المخالف شخصا معنويا يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 50.000 و 1.000.000 درهم  و ذلك طبقا لنص المادة 174 من القانون 31.08 ح.م[67] .

و قد أحسن المشرع المغربي صنيعا بأن ميز بين المعلن كشخص طبيعي و المعلن كشخص معنوي، إذ جعل لكل منهما عقوبة زجرية مالية محددة، اعتبارا على أن هذا يحقق ما يفرضه مبدأ العدالة.

فضلا عن ذلك فإنه في حالة رفض المعلن لطلب المحكمة بشأن إمدادها بجميع الوثائق المفيدة فإنه يجوز للمحكمة أن تأمر بحجز الوثائق المذكورة أو باتخاذ كل إجراء من إجراءات التحقيق الملائمة. ويجوز لها كذلك أن تحكم بأداء غرامة تهديدية تبلغ 10.000 درهم عن كل يوم تأخير، ابتداء من التاريخ الذي حددته للإدلاء بالوثائق المذكورة[68].

و تطبق العقوبات السالف ذكرها في حالة رفض المعلن الإدلاء للباحثين – الباحثين المنتدبين المؤهلين للقيام بأعمال البحث و الإثبات لمخالفات الضوابط الإشهارية-،  بجميع العناصر الكفيلة بتبرير الادعاءات أو البيانات أو العروض الإشهارية أو حتى  الرسائل الإشهارية التي جرى بثها.

أيضا تطبق  تلك العقوبات في حالة عدم التقيد بالأحكام الصادرة بوقف الإشهار أو عدم تنفيذ الإعلانات الاستدراكية داخل الأجل المحدد [69].

وفي حالة الإدانة تأمر المحكمة بنشر أو تعليق المقرر القضائي أو بهما معا. ويمكن لها، إضافة إلى ذلك، أن تأمر بنشر إعلان أو عدة إعلانات استدراكية على نفقة المحكوم عليه. ويحدد المقرر القضائي مضمون الإعلانات وكيفيات نشرها أو بثها ويمنح للمحكوم عليه أجل للتنفيذ. وفي حالة عدم القيام بذلك، يتم البث أو النشر بناء على طلب النيابة العامة وعلى نفقة المحكوم عليه[70].

و يمكن لقاضي التحقيق أو المحكمة المحالة عليها المتابعة أن يأمرا بوقف الإشهار سواء بطلب من النيابة العامة أو من المطالب بالحق المدني أو تلقائيا. ويكون الإجراء المتخذ بهذه الكيفية قابلا للتنفيذ رغم كل طرق الطعن. ويمكن الأمر برفع اليد من طرف الجهة التي أمرت بوقف الإشهار أو المحكمة المحالة عليها القضية. وينتهي مفعول الإجراء في حالة صدور مقرر بعدم المتابعة أو بالبراءة[71].

– و أما عن  العقوبات الزجرية بشأن جرائم الإشهار في  القانون 77.03 المتعلق بالإتصال السمعي البصري : فالملاحظ بأن المشرع لم يفرد لجرائم الإشهار المنصوص عليها في القانون 77.03 أية نصوص قانونية زجرية، إلا أنه تجاوز ذلك بمناسبة سنه لمقتضيات القانون 31.08 بخصوص جرائم الإشهار بحيث  أقر لها مقتضيات قانونية زجرية متنوعة كما أسلفنا الذكر.

خاتمة:

في ختام دراستنا المتواضعة هذه لا يسعنا إلا أن ننوه بالمجهودات الوازنة التي بذلها المشرع المغربي خلال العقد الأول من القرن 21، وذلك من خلال تحديث ترسانته التشريعية الوطنية بشكل يساير المحيط الإقليمي و الدولي بما يخدم ثقافة المستهلك أو بالأحرى حقوق المستهلك، هذه الأخيرة التي أضحت حقا من حقوق الإنسان العالمية.

إذ يتضح لأي باحث قانوني وجود طفرة تشريعية في القانون المغربي  المتعلق بنظيم التصرفات القانونية ذات الطابع الاستهلاكي. و هو نفس الانطباع الذي تجسد في دراستنا القانونية لأوجه حماية المستهلك المتعاقد في المرحلة السابقة للتعاقد.

بحيث أن المشرع المغربي و سعيا منه لإعادة التوازن العقدي فقد حرص و لأول مرة على تكريس ضمانات قانونية تعنى بحماية المستهلك في المرحلة السابقة للتعاقد، من قبيل إقرار مقتضيات قانونية لحماية المستهلك من الاشهارات التجارية الكاذبة أو المضللة، و ترتيب مجموعة من الجزاءان القانونية الزجرية عن الإخلال بها بموجب القانون 31.08 ح.م درءا  لكل ما يمكن أن ينجم عن ذلك من مفسدة لمصالح المستهلك، كطرف ضعيف لا حول ولا قوة له أمام النفود الاقتصادي و الفني للمورد أو المهني.

إلا أننا لا نستطيع رغم ذلك على تحقق الهدف المنشود من هذا التحديث أمام تعدد القوانين المتدخلة في حماية المستهلك في المرحلة ما قبل التعاقدية و نخص بالذكر كلا من: القانون 77.03 المنظم للاتصال السمعي البصري و الذي تحيل عليه  مقتضيات القانون 31.08، و كذا قانون الالتزامات و العقود الذي و إن لم يحل عليه قانونا فإن الواقع و المنطق القانونيين يفرضان ضرورة الرجوع إليه لملء الفراغ التشريعي الذي اعتري القانون 31.08، و المتمثل في عدم ترتيب أية جزاءات مدنية عن التضليل الإشهاري للمستهلك، و هو الأمر الذي يفرض ضرورة مقاربة الجزاءات المدنية المترتبة عنها بناءا على القواعد العامة لقانون الالتزامات و العقود. لكن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد، أية  حماية هذه التي من  شأن المقتضيات القانونية الحديثة  أن توفرها للمستهلك في ظل ارتباطها بمقتضيات تقليدية أثبت عجزها في ذلك ؟

بالطبع فإن إحالة القانون 31.08 في  مقتضياته على بعض القوانين التقليدية يطرح سؤال حداثته و بشدة. إذ إن خصوصية التصرفات القانونية ذات الطابع الاستهلاكي تفرض بالضرورة مقاربتها بفلسفة تشريعية تختلف تماما عن غيرها، و بالتالي لا تكون الحاجة اطلاقا لإحالة قانون حماية المستهلك على غيره من القوانين، اللهم إلا إذا كانت أكثر ضمانا لحمايته، شأن ما قد توفره بعض المقتضيات الجنائية من عقوبات زجرية أشد على عاتق المهني إزاء إخلاله بالالتزامات القانونية الملقاة  عليه في مواجهة المستهلك.

كما أن تعدد المقتضيات القانونية سواء في مجال حماية المستهلك أو غيرها، و إن لم يؤثر  سلبا على الحماية المقررة بشأن الحقوق و الالتزامات كما أوضحنا من قبل، فإنه ذلك أحيانا يفرغ النص القانوني من محتواه، و نمثل لذلك بما تنص عليه بعض المقتضيات القانونية من إحداث أو تنظيم بعض المؤسسات القانونية – بشكل يستوي وجودها و عدمها-  دونما أي وجود فعلي لها فيما بعد ذلك.

على أن قولنا هذا لا ينبغي معه التبخيس بما أحرزه المشرع المغربي في مجال حماية المستهلك سواء في المرحلة السابقة للتعاقد أو ما يليها من مراحل، إذ هو إنجاز يعترف به أي باحث قانوني في المجال، و ما تعقيبنا ذلك على المشرع إلا رغبة في المساهمة في تجويد الترسانة القانونية لحماية المستهلك ببلدنا.

و من كل ما سبق فإن بحثنا و دراستنا لإشكالية الموضوع جعلنا نتوصل لبعض التوصيات هي كالتالي:

  • تجاوز الارتباط القائم على إحالة القانون 08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك على باقي القوانين التقليدية.
  • إقرار جزارات مدنية خاصة لحماية المستهلك من التضليل الإشهاري.
  • تعزيز دور جمعيات حماية المستهلك ذات المنفعة العامة في التدخل لحماية المستهلك سواء في المرحلة السابقة للتعاقد أو غيرها من المراحل، و رهن استمرارية توفرها على صفة المنفعة العامة بمدى تدخلها و قيامها بالأدوار المنوطة بها خلال فترة زمنية معينة.

ختاما فإن معالجتنا لإشكالية الدراسة تجعلنا نتساءل، إذا كان المشرع المغربي قد أحاط المستهلك في عقود الاستهلاك التقليدية بحماية قانونية من التضليل الإشهاري خلال المرحلة قبل التعاقدية، فإلى أي حد استطاع حماية المستهلك الإلكتروني في تلك المرحلة ؟

الإحالات

[1] – منى أبو بكر الصديق، الالتزام بإعلام المستهلك عن المنتجات، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، طبعة سنة 2013، ص: 137-138.

[2] – إيمان التيس، حماية المستهلك من الإشهارات الخادعة على ضوء القانون رقم 31.08، مقال منشور بسلسلة دراسات و أبحاث، مرجع سايق، ص: 105.

[3] – ابن منظور، لسان العرب، المجلد الرابع، دار الكتاب المصري، مطبعة دار المعارف، القاهرة، 2008، ص: 3086.

[4] – فؤاد أفرام البستاني، قاموس منجد الطلاب، دار المشرق العربي، طبعة سنة 2000، ص: 385.

[5] – Jean Calais Auloy : <<Droit de la consommation>>, édition Dalloz, 1980, paris 205, N° 135.

[6] – قحطان العبدلي، إدارة التسويق، دار زهران للنشر، عمان، طبعة سنة 1999، ص: 245.

[7] – خليل صابات، الإعلان، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الأولى، سنة 1969، ص: 5.

[8] – بشير عباس العلاق و علي ربابعة، الترويج و الإعلان، دار البازوري العلمية للنشر، عمان، طبعة سنة 1998، ص: 154.

[9] – عبد الفضيل محمد أحمد، الإعلان عن المنتجات من الوجهة القانونية، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، طبعة سنة 1991، ص: 19.

[10] – هدى حامد قشقوش، الإعلانات غير المشروعة في نطاق القانون الجنائي، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة سنة 1998، ص: 3.

[11] – بحيث يمكن أن يتم الإعلان من قبل المهني في حد ذاته، و يمكن أن يتم بناءا على تعاقد المهني مع وكالة إعلانية.

[12] – ظهير شريف رقم 257-04-1 الصادر في 25 من ذي القعدة 1425 بتنفيذ القانون رقم 03-77 المتعلق بالإتصال السمعي البصري( ج.ر. بتاريخ ذو الحجة 1425-3 فبراير 2005).

[13] – عمر محمد عبد الباقي، الحماية العقدية للمستهلك-دراسة مقارنة بين الشريعة و القانون-، منشأة المعارف بالإسكندرية، مطبعة القدس، الطبعة الثانية، سنة 2008، ص: 95.

[14] – موفق حماد عبد، الحماية المدنية للمستهلك في عقود التجارة الإلكترونية-دراسة مقارنة، منشورات زين الحقوقية، مكتبة السنهوري، الطبعة الأولى، سنة 2011، ص: 46.

[15] – عبد الفضيل محمد أحمد، الإعلان عن المنتجات من الوجهة القانونية، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، طبعة سنة 1991.

[16] – موفق حماد عبد، المرجع نفسه، ص: 46.

[17] – عبد الفضيل محمد أحمد، المرجع نفسه، ص: 39.

[18] – موفق حماد عبد، المرجع نفسه، ص: 48.

[19] – عبد الفضيل أحمد محمد، المرجع نفسه، ص: 36.

[20] – أحمد السعيد الزقرد، الحماية القانونية من الخداع الإعلاني في القانون الكويتي و المقارن، مجلة الحقوق، مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت، العدد الرابع، ديسمبر 1995، ص: 135.

[21] – موفق حماد عبد، مرجع سابق، ص: 47.

[22] – عمر محمد عبد الباقي، مرجع سابق، ص: 97.

[23] – و يقصد بها الدعوة التي يوجهها شخص لآخر أو إلى الجمهور بهدف حثهم على التعاقد معه دون تحديد للمساءل الجوهرية و لا تتوافر نية الارتباط مباشرة بالعقد إذا قبل الغير هذه الدعوة.

أنظر، ابن خالد فاتح، حماية المستهلك من الإشهار التجاري الكاذب أو المضلل، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في القانون الخاص، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة سطيف، الجزائر، السنة الجامعية: 2014، ص: 75.

[24] – و هو العرض الصادر من شخص يعبر به على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين، إذا ما اقترن به قبول مطابق له انعقد العقد.

أنظر، تقية محمد، الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام في القانون الجزائري و الشريعة الإسلامية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، طبعة سنة 1984، ص: 83.

[25] – نقض مدني مصري 69/6/19 المجموعة السنة 20 قاعدة 159، ص 1017.

أنظر،عمر محمد عبد الباقي، المرجع نفسه، ص: 112-113.

[26] – نقض مدني مصري 1967/2/9، المجموعة السنة 18 رقم 52 ص 324، 68/3/28 المجموعة السنة 19، رقم 95، ص 642.

[27] – حسام الدين الأهواني، المفاوضات في الفترة قبل التعاقدية و مراحل إعداد العقد الدولي، بحث منشور في كتاب الأنظمة التعاقدية للقانون المدني و مقتضيات التجارة الدولية، معهد قانون الأعمال الدولي، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، ص: 59-58.

[28] – إبراهيم الدسوقي أبو الليل، مبدأ حرية التعاقد مضمونه و مداه- دراسة تحليلية لمدى دور الإرادة في التعاقد، مجلة المحامي الكويتية، السنة 19 أبريل – ماي- يونيو 1995، ص: 38.

[29] – عمر محمد عبد الباقي، مرجع سابق، ص: 114.

[30] – عبد الفضيل محمد أحمد، مرجع سابق، ص: 29.

[31] – موفق حماد عبد، مرجع سابق، ص: 43.

[32] – بتول صراوة عبادي، التضليل الإعلاني التجاري و أثره على المستهلك-دراسة قانونية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، سنة 2011، ص: 26.

[33] – سعيد الزقرد، مرجع سابق، ص: 154.

[34] – Gererd Fabre, Concurrence Distrubution Consummations, Paris, 1983, N° 50, P, 50.

أنظر، موفق حماد عبد، المرجع نفسه، ص: 44.

[35] – بتول صراوة عبادي، مرجع سابق، ص: 28-29.

[36] – موفق حماد عبد، مرجع سابق، ص: 45.

[37]– حيث نص المشرع في الفصل 67 من  القانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري على أنه:” تمنع الخطابات الإشهارية التي تحتوي  بطريقة صريحة أو بأي إيحاء ضمني،  سواء بواسطة صور أو أقوال، على مظاهر العنف أو مظاهر منافية للأخلاق الحميدة و للنظام العام أو على عناصر يمكن أن تشجع على التجاوزات أو التهور أو الإهمال أو على عناصر يمكنها أن تمس بالاعتقادات الدينية أو السياسية للعموم أو على عناصر تستغل قلة خبرة و سذاجة الأطفال و المراهقين”.

كما و نص في المادة 68 من ذات القانون على أنه:” يمنع كل إشهار سمعي بصري كاذب أو مضلل يحتوي على ادعاءات أو بيانات أو تقديمات مغلوطة أو من شأنها أن توقع الغير في الخطأ…”.

وهو ما يمكن معه القول بأن من شروط الإشهار تجاريا كان أو غير ذلك، ألا يكون مخلا بالنظام العام أو كاذبا أو مضللا أو  غامضا بشكل يدفع المستهلك للوقوع في الغلط. و هو ذات التوجه الذي سار على نهجه المشرع المصري بموجب المادة 187 من القانون الجنائي.

[38] – حيث جاء في نص  المادة 22 من القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك بأنه:” يعتبر إشهارا مقارنا، كل إشهار يقارن بين خصائص، أو أسعار، أو تعريفات السلع، أو المنتوجات، أو الخدمات ،إما بالإشارة إلى علامة الصنع، أو التجارة أو الخدمة الخاصة بالغير، أو تجسيدها، و إما بالإشارة إلى العنوان التجاري، أو تسمية الشركة أو الاسم التجاري، أو الشعار الخاص بالغير، أو تجسيد ذلك”.

[39] – بحيث نصت المادة 22  من القانون 31.08 ح.م  على أنه:”… لا يرخص به إلا إذا كان نزيها وصادقا وألا يكون من شأنه إيقاع المستهلك في الغلط.

يجب أن يكون الإشهار المقارن حول الخصائص، متعلقا بالخصائص الأساسية والهامة والمفيدة والتي يمكن التحقق منها، للسلع والخدمات من نفس الطبيعة والمتوفرة في السوق.

يجب أن يكون كل إشهار مقارن حول الأسعار أو التعريفات متعلقا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات المماثلة والمبيعة  وفق نفس الشروط وأن يشير إلى المدة التي يحتفظ خلالها بالأسعار أو التعريفات المحددة من لدن المعلن باعتبارها خاصة به”.

كما نصت المادة 23 من نفس القانون على أنهه “يجب أن يشير كل إشهار كيفما كان شكله، يمكن استقباله عبر خدمة للاتصالات موجهة للعموم إلى طبيعته الإشهارية بطريقة واضحة لا تحتمل أي لبس، لاسيما العروض الدعائية كالبيوع بالتخفيض أو الهدايا أو المكافآت وكذا المسابقات الإشهارية من أجل الربح عند تلقيها من طرف المستهلك. كما يجب أن يحدد بوضوح المورد الذي أنجز لصالحه الإشهار”.

[40] – موفق حماد عبد، مرجع سابق، ص: 57.

[41] – محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، مكتبة النهضة، مطبعة بابل، بغداد، طبعة سنة 1983، ص: 383.

[42] – بتول صراوة عبادي، مرجع سابق، ص: 70.

[43] – عبد الحميد الشواربي، جرائم الغش و التدليس، دار الفكر العربي، الإسكندرية، طبعة سنة 1989، ص: 12.

[44] – أحمد السعيد الزقرد، مرجع سابق، ص: 17.

[45] – عبد الفضيل محمد أحمد، مرجع سابق، ص: 175.

[46] – موفق حماد عبد، مرجع سابق، ص: 59.

[47] – القانون الجزائري 04-02 المؤرخ في 5 جمادى الأولى عام 1425 الموافق 23 يونيو سنة 2004، يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية.

[48] – أحمد السعيد الزقرد، مرجع سابق، ص: 171.

[49] – ابن منظور، لسان العرب، المجلد الرابع، دار الكتاب المصري، مطبعة دار المعارف، القاهرة، 2008، مرجع سابق، ص: 3824.

[50]– Burst Jean-Jacques,Kouvar Roben ,Droit de la concurrence,éd,Economica,Paris ,1981, P 175

[51]–  DIVIER(P.F), Le mensonge en publicité, L.G.D.J. 1972 .P.20.

أنظر، منى أبو بكر الصديق، مرجع سابق، ص: 148.

[52] – حمداني محمد و سلاف عزوز، حماية المستهلك من الاشهارات الكاذبة و المضللة، مقال منشور بمجلة الاجتهاد القضائي، العدد الرابع عشر، أبريل 2017، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر، ص: 284.

[53] – بتول صراوة عبادي، مرجع سابق، ص: 75.

[54] – بتول صراوة عبادي، المرجع نفسه، ص: 76.

[55] – عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الأول، نظرية الإلتزام  بوجه عام، الطبعة 2، القاهرة، دار النهضة العربية، طبعة سنة 1964، ص: 883.

[56]– أحمد السعيد الزقرد، مرجع سابق، ص: 174.

[57] – موفق حماد عبد، مرجع سابق، ص: 62.

[58] – عبد الفضيل أحمد محمد، مرجع سابق، ص: 181.

[59] – يمينة بليمان، الإشهار الكاذب أو المضلل، مجلة العلوم الإنسانية، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة منتوري، قسنطينة، العدد 32، طبعة ديسمبر 2009، ص: 301.

[60] – و مما ينبغي التنبيه له في هذا الصدد أنه يمكن أن تثار المسؤولية التقصيرية عن التضليل بناءا على ما يسمى بالمنافسة غير المشروعة، و التي يمكن أن تجد لها أساسا في إخلال بالمقتضيات القانونية المنظمة للإشهار التجاري المقارن، و التي يمكن أن نمثل لها بقيام المهني بالحط من قيمة المنتوجات المنافسة له. على أن الملاحظ بأن ذلك لا يعني المستهلك بقدرما يعني المهني أو التاجر المتضرر جراء هذا العمل غير المشروع، و الذي يمكنه من المطالبة بالتعويض عما ألحقه به ذلك المهني من أضرار نتيجة منافسته غير المشروعة.

و لما كان المستهلك محور بحثنا و دراستنا فإن الحديث عن دعوى المنافسة غير المشروعة سيزيحنا لا محال عنه، و بالتالي فقد آثرنا على أن نذكر بهذه الملاحظة البسيطة للكشف عن الأبعاد التي قد تتخذها دعوى المسؤولية التقصيرية عن التضليل الإشهاري بصفة عامة.

[61] – مأمون الكزبري، مرجع سابق، ص: 98.

[62] – حيث جاء في نص الفصل 52 ق.ل.ع أن:” التدليس يخول الإبطال، إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لولاها لما تعاقد الطرف الآخر. ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما ب”.

كما نص الفصل 53 من نفس القانون على أن:” التدليس الذي يقع على توابع الالتزام من غير أن يدفع إلى التحمل به  لا يمنح إلا الحق في التعويض”.

[63] – بحيث أن نظرية الغلط التقليدية لا تقتضي بالضرورة أن يكون هناك طرفا آخر سيء النية بشكل يدفع المستهلك للتعاقد، بل إن المستهلك يقع في الغلط بنفسه و ليس تحت تضليل الطرف الأخر. و هي النظرية التي يأخذ بها المشرع المغربي في ق.ل.ع.

[64] – عبد اللطيف بوعلام، جرائم الإشهار في القانون رقم 31.08، مقال منشور بمجلة الأبحاث و الدراسات القانونية، عدد خاص عن: القضاء الجنائي بين السياسة الجنائية و السياسة العقابية، العدد الرابع، نونبر- دجنبر 2014، ص: 180- 181.

[65] -Jean calaisAuloy : <<droit de la consommation>>, édition Dalloz 1980 , Paris 205 N :135,P 216

[66] – كما نص المشرع على هذه الجريمة الإشهارية بمقتضى الفصل 68 من القانون 77.03 إ.س.ب، و التي جاء فيها أنه:” يمنع كل إشهار سمعي بصري كاذب أو مضلل يحتوي على ادعاءات أو بيانات أو تقديمات مغلوطة أو من شأنه أن توقع الغير في الخطإ…”.

 

[67] – حيث جاء فيها أنه:” يعاقب بغرامة من 50.000 إلى 250.000 درهم على مخالفات أحكام المادتين 21 و22.

يمكن رفع المبلغ الأقصى للغرامة المنصوص عليها في هذه المادة إلى نصف نفقات الإشهار المكون للجنحة.

إذا كان المخالف شخصا معنويا يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 50.000 و 1.000.000 درهم”.

[68] – وهو ما يؤكده مقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 174 من القانون 31.08 ح.م التي جاء فيها أنه:” لأجل تطبيق أحكام هذه المادة، تطلب المحكمة من الأطراف ومن المعلن إمدادها بجميع الوثائق المفيدة. ويجوز لها في حالة الرفض، أن تأمر بحجز الوثائق المذكورة أو باتخاذ كل إجراء من إجراءات التحقيق الملائمة. ويجوز لها كذلك أن تحكم بأداء غرامة تهديدية تبلغ 10.000 درهم عن كل يوم تأخير، ابتداء من التاريخ الذي حددته للإدلاء بالوثائق المذكورة”.

[69] – وذلك طبقا لنص الفقرة الأولى من المادة 174 من القانون 31.08 ح.م .

[70] – و هو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 175 من القانون 31.08 ح.م .

[71] – و هو ما يؤكده مقتضى الفقرة الثالثة من المادة 175 من القانون 31.08 ح.م .