انعكاسات تفشي فيروس كورونا على علاقات الشغل الفردية والجماعية

29 مايو 2020
انعكاسات تفشي فيروس كورونا على علاقات الشغل الفردية والجماعية

انعكاسات تفشي فيروس كورونا على علاقات الشغل الفردية والجماعية

لا حديث اليوم بين الناس إلا عن فيروس كورونا[1] (COVID19) المستجد الذي خلق الرعب والذعر في العديد من دول العالم، حيث صنف نظرا لخطورته من طرف منظمة الصحة العالمية بأنه وباء عالمي، والمغرب بدوره لم يسلم من انتشار هذه الجائحة العالمية حيث عرف ظهور أول حالة بتاريخ 02\03\2020، ووعيا منها بخطورة هذه الجائحة عملت الحكومة المغربية على اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية لأجل الحد من تداعيات هذا الوباء، وجاء تنزيل هذه التدابير تدريجيا بدءا بإغلاق الحدود وتعليق جميع الرحلات البحرية والجوية، ومنع جميع التجمعات التي تتجاوز خمسين فردا، ليتم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية وبالتالي فرض حظر التجول، فكان لهذه الإجراءات انعكاسات على المجتمع المغربي بصفة عامة  وعلى فئة الأجراء بصفة خاصة، حيث أغلقت العديد من مؤسسات الفندقة التي تنشط في مجال السياحة ومقاولات البناء والمعامل ….، ليجد العمال أنفسهم أمام وضعية صعبة ومستقبل يلفه الغموض.

لمواجهة الآثار الوخيمة التي ستخلفها هذه الجائحة على المجتمع المغربي عملت الدولة المغربية على إحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد-19 بموجب المرسوم رقم 2.20.269، الذي سيخصص لدعم المتضررين من انعكاسات هذه الجائحة العالمية[2]، حيث ستخصص مداخيله لدعم هذه الفئات ولتدبير فترة الفراغ التي يمر منها الاقتصاد المغربي. وما يهمنا في هذا المقال وسنحاول تسليط الضوء عليه هو مآل العمال ووضعيتهم القانونية حسب مقتضيات مدونة الشغل خلال فترة الطوارئ الصحية.

وحتى نتمكن من مقاربة هذا الموضوع سنعمل على تقسيمه إلى فقرتين، نخصص الأولى لتنظيم العمل خلال فترة الطوارئ الصحية، على أن نتعرض في الثانية لإمكانية إيقاف عقد الشغل مؤقتا أو إنهائه.

بمجرد دخول المغرب في حالة الطوارئ الصحية والتي دخلت حيز التنفيذ يوم الجمعة 20 مارس 2020 ابتداء من الساعة السادسة مساء، بدأ النقاش يثور حول مصير العمال الذين سيتوقفون عن العمل وعن مآل وضعيتهم القانونية، وبالرجوع إلى مقتضيات مدونة الشغل فإنها نصت على العديد من النقط التي تجيب عن مجموعة من التساؤلات التي تتعلق بظروف العمل في ظل الظرفية الاستثنائية التي يعيشها المغرب، بدءا بإعطاء المشغل الصلاحية الكاملة لاتخاذ التدابير التي من شأنها حماية سلامة الأجراء وصحتهم وذلك طبقا للفقرة الأولى من المادة 24 من مدونة الشغل، وسنحاول التعرض لهذه التدابير بداية بالعطل الممكن اعتمادها خلال هذه الفترة، على أن نتناول بعد ذلك  إمكانية  تقليص ساعات أو أيام العمل وفي الختام نتطرق لإمكانية إيقاف أو إنهاء عقد الشغل.

الفقرة الأولى: تنظيم العمل خلال فترة الطوارئ الصحية.

أمام هذه الوضعية الحرجة التي يعيشها الاقتصاد المغربي، قد تضطر بعض المقاولات إلى تقديم العطلة السنوية للأجراء مع أداء الأجر المستحق لهم، وهذا من بين الحلول الممكن اعتمادها خلال هذه الفترة، وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 245 من مدونة الشغل في فقرتها الثانية نجدها تنص على أن للمشغل إمكانية تقديم تواريخ استفادة الأجراء من عطلتهم السنوية المؤدى عنها شريطة حصول اتفاق مع المعنيين بالأمر، وألزم المشرع المشغل عند قيامه بهذا الإجراء أن يقوم قبل مغادرة الأجير بتصحيح الملصق والسجل المنصوص عليهما في المادة 246  من مدونة الشغل، كما يتعين على المشغل في هذه الحالة أن يقوم بإشعار العون المكلف بتفتيش الشغل بالتغيير وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل.

قد يواجه المشغل مشاكل ذات طابع اقتصادي كنقص الطلب على منتوجات مقاولته، أو مروره بوضعية مالية صعبة نظرا لكثرة ديون المقاولة، أو بسبب قوة قاهرة لم تكن متوقعة كما هو الحال بالنسبة لفيروس كرونا وما خلفه من انعكاسات على الاقتصاد الوطني، ومراعاة لهذه العوامل الخارجة عن إرادة المشغل أتاح له المشرع  من خلال المادة 185 من مدونة الشغل إمكانية تقليص مدة الشغل العادية ولفترة متصلة أو منفصلة شريطة ألا تتجاوز هذه المدة ستين يوما في السنة، وذلك عند حدوث أزمة اقتصادية عابرة لمقاولته أو لظروف طارئة خارجة عن إرادته، وفي هذه الحالة يؤدى للأجراء أجرا عن مدة الشغل الفعلية، ولا يجب أن يقل هذا الأجر عن 50 % من الأجر العادي ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء.

وإذا اضطر المشغل لتقليص مدة العمل لفترة تتجاوز ستين يوما في السنة، فقد علق المشرع هذه الإمكانية على ضرورة الاتفاق بين المشغل ومندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم حول الفترة التي سيستغرقها هذا التقليص، وإذا لم يتوصل الأطراف إلى اتفاق بذلك، لا يملك المشغل في هذه الحالة إلا اللجوء إلى عامل العمالة أو الإقليم للحصول على إذن طبقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 67 من مدونة الشغل.

الفقرة الثانية: إيقاف عقد الشغل وإنهاؤه.

قد تتسبب فترة الطوارئ الصحية التي تمر منها البلاد في اضطرار العديد من المشغلين أو الأجراء لإيقاف عقود الشغل مؤقتا أو إنهائها، وذلك بسبب الوضعية الاقتصادية التي قد تخلفها أزمة فيروس كورونا، حيث أن اضطرار أرباب المقاولات لإغلاق مقاولاتهم لمدة طويلة وأمام الالتزامات الكثيرة التي تقع على عاتقهم كأداء واجبات الكراء أو أداء أقساط الديون التي يلتزمون بها تجاه الأغيار والضرائب  قد يجعلهم في وضعية لا يحسدون عليها، كما أنه قد يقدر لأحد الأجراء أن يصاب بهذا الفيروس ويضطر للتغيب عن عمله مضطرا غير باغ، وباستقراء نصوص مدونة الشغل نجدها تتعرض للعديد من المقتضيات التي تنظم هذه الحالات التي ذكرناها أعلاه.

فبخصوص الحالات التي يمكن إيقاف عقد الشغل فيها، فقد نص المشرع في الفقرة الثانية من المادة 32 من مدونة الشغل على أن عقد الشغل يتوقف مؤقتا أثناء تغيب الأجير لمرض أو إصابة يثبتهما طبيب إثباتا قانونيا، وبالتالي فإن الأجير الذي يكون مصابا بفيروس كورونا يمكن اعتبار غيابه مبررا ويدخل ضمن الحالات المذكورة في المادة 32 من مدونة الشغل، وكنتيجة حتمية لذلك فإن عقد الشغل سيتوقف مؤقتا، وكذلك يمكن اسقاط هذه الوضعية على الأجير الذي تأمره السلطات بضرورة قضاء فترة الحجر الصحي نظرا لاختلاطه بشخص مريض أو لكونه قدم من سفر خارج المغرب أو من منطقة موبوءة من داخله.

أما إذا لم يجد المشغل خيارا آخر غير انهاء عقد الشغل، فقد أتاح المشرع هذه الإمكانية ونظم أحكامها وقيدها بالعديد من الإجراءات الصارمة نظرا لما لهذا التدبير من انعكاسات خطيرة على السلم الاجتماعي للأجراء، فقد جاء في المادة 35 من مدونة الشغل “يمنع فصل الأجير دون مبرر مقبول إلا إذا كان المبرر مرتبطا بكفاءته أو بسلوكه في نطاق الفقرة الأخيرة من المادة 37 والمادة 39 أدناه، أو تحتمه ضرورة سير المقاولة في نطاق المادتين 66 و67 أدناه.

ما يهمنا في هذه المادة والذي يمكن تنزيله على الوضعية الحالية التي يعيشها المغرب هو إمكانية اللجوء إلى فصل الأجراء المتاحة من خلال المادتين 66 و 67 من مدونة الشغل، وذلك للأسباب الاقتصادية التي تمر منها المقاولة، وقيد المشرع هذا الاجراء بضرورة إشعار مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم قبل شهر واحد على الأقل من تاريخ الشروع في مسطرة الفصل، وأن يزودهم في نفس الوقت بالمعلومات الضرورية التي لها علاقة بالموضوع، بما فيها أسباب الفصل، وعدد وفئات الأجراء المعنيين، والفترة التي يعتزم فيها الشروع في الفصل.

وكنوع من الرقابة على هذا الاجراء لم يكتف المشرع بإشعار مندوبي الأجراء، بل ألزم المشغل بضرورة الحصول على إذن من عامل العمالة أو الإقليم في أجل أقصاه شهران من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل.

ويبقى أن نشير أن الحكومة المغربية عجلت باتخاذ مجموعة من الإجراءات الرامية إلى سد الفراغ الذي سيعرفه الاقتصاد المغربي، ومن بين هذه الإجراءات تعويض أجراء القطاع الخاص المسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المتوقفين مؤقتا عن العمل بسبب جائحة كورونا، حيث سيصرف لهم تعويض قدره 1000 درهم خاص بالفترة الممتدة من 15 مارس 2020 إلى 30 منه، و2000 درهم بالنسبة لشهور أبريل، ماي ويونيو 2020.

أما بالنسبة للأسر العاملة في القطاع الغير المهيكل، أي غير المسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتي تضررت من تداعيات فيروس كورونا، فقد قررت الحكومة تدبير دعم هذه الفئة على مرحلتين:

المرحلة الأولى: تهم الأسر التي تستفيد من خدمة “راميدRamed ” وتعمل في القطاع غير المهيكل، وتضررت من الحجر الصحي. حيث ستخصص مساعدة مالية لهذه الفئة على النحو التالي:

  • : 800 درهم للأسرة المكونة من فردين أو أقل؛
  • : 1000 درهم للأسرة المكونة من ثلاثة إلى أربعة أفراد؛
  • : 1200 درهم للأسرة التي يتعدى عدد أفرادها أربعة أشخاص؛

أما المرحلة الثانية: تخص هذه المرحلة الأسر التي لا تستفيد من خدمة راميد، والتي تعمل في القطاع غير المهيكل، والتي توقفت عن العمل بسبب الحجر الصحي، إذ ستمنح لها المبالغ المذكورة في المرحلة الأولى، وسيتم معالجة طلبات هذه الفئة عن طريق منصة إلكترونية مخصصة لوضع التصريحات.

الإحالات 

[1] حسب موقع منظمة الصحة العالمية (https://www.who.int/ar/health-topics/coronavirus) فيروسات كورونا هي فصيلة فيروسات واسعة الانتشار يُعرف أنها تسبب ‏أمراضاً تتراوح من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد حدةً، مثل ‏متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (‏MERS‏) ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد ‏الوخيم (السارس). وفيروس كورونا المستجد (‏nCoV‏) هو سلالة جديدة من ‏الفيروس لم يسبق اكتشافها لدى البشر. ‏

[2] تنص الفقرة 2 من المادة الأولى من المرسوم المذكور أعلاه على أنه “يتضمن هذا الحساب: ….في الجانب المدين: النفقات المتعلقة بالحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لجائحة فيروس كورونا كوفيد-19”