علاقة قانون الجنسية بالقانون الجنائي

4 يونيو 2020
علاقة قانون الجنسية بالقانون الجنائي

علاقة قانون الجنسية بالقانون الجنائي

المقدمة:

يعرف القانون الدولي الخاص بأنه ذلك الفرع من القانون الداخلي الذي يحدد جنسية الأشخاص التابعين للدولة والمواطن ومركز الأجانب منها، ويبين الحلول الواجبة الاتباع في تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين.

وتعتبر الجنسية من أهم المواضيع التي تدرس في إطار القانون الدولي الخاص، ويمكن تعريفها بأنها رابطة قانونية وسياسية تربط الفرد بدولة معينة، وبموجبها يتمتع هذا الفرد بمجموعة من الحقوق وتقع عليه مجموعة الالتزامات.

وإن تمتع الفرد بجنسية معينة يتم بطريقتين، إما بطريقة أصلية وإما باكتسابها بعد الميلاد. ويقصد بالجنسية الأصلية تلك الجنسية الممنوحة للفرد بقوة القانون لحظة ميلاده.

وقد استقرت الدول على تخويل هذه الجنسية بناء على ضابطين اثنين هما، ضابط حق الدم. أو ضابط محل الميلاد، والجنسية المكتسبة هي تلك الجنسية التي تلحق الفرد في تاريخ لاحق على الميلاد، والمشرع المغربي حدد ثلاثة طرق لإسناد الجنسية المغربية كجنسية مكتسبة وهي إما بحكم القانون أو عن طريق التجنيس أو عن طريق الاسترجاع.

ولقد نظم المشرع المغربي أحكام الجنسية لأول مرة بظهير 6 شتنبر 1958، بحيث تم العمل به دون تغيير لمدة 49 سنة، إلى أن صدر القانون رقم 62.06، الذي دخل حيز التنفيذ بظهير 23 مارس 2007، ليغير ويتهم عددا من الفصول.

ومن المعلوم أن الجنسية تعتبر أهم معيار يتم بمقتضاه التوزيع القانوني للأفراد في المجتمع الدولي، وهي تعرف الفرد في العلاقات الدولية بأنه مغربي أو ألماني مثلا، كما أن أهمية الجنسية تتجلى في كونها تحدد للدولة سيادتها التشريعية على مواطنيها المتواجدين بإقليمها، أو حتى لو كانوا يتواجدون في دولة أخرى وخاصة عند وقوع الجريمة، وهنا تكمن أهمية ملاءمة مقتضيات قانون الجنسية مع أحكام القانون الجنائي. وبناء عليه يمكن طرح الاشكال المحوري الآتي :

إلى أي حد توفق المشرع المغربي في فرض نوع من الملاءمة بين قانون الجنسية والقانون الجنائي؟

وهذا الاشكال بدوره تتفرع عنه أسئلة فرعية هي كالآتي:

ما هي أحكام مبدأ الإقليمية؟ وما تأثير قانون الجنسية على تطبيق أحكام القانون الجنائي؟

ولمعالجة هذا الموضوع ارتأينا اعتماد التقسيم الآتي:

بحيث سنتطرق لمبدأ الإقليمية وعلاقته بالجنسية بين السيادة الوطنية والاتفاقيات الدولية في (المبحث الأول).

على أن نتناول العقوبة الجنائية بين قانون الجنسية والقانون الجنائي في (المبحث الثاني).

المبحث الأول: مبدأ الإقليمية وعلاقته بالجنسية بين السيادة الوطنية والاتفاقيات الدولية.

إن خاصية الالتزام التي تتمتع بها القاعدة القانونية، تجعلها واجبة التطبيق على جميع الأشخاص المخاطبين بأحكامها، مما قد يترتب على مخالفتها توقيع الجزاء من طرف السلطة العامة.

وعليه سنتطرق لسريان القانون الجنائي من حيث المكان في (المطلب الأول) على أن نتعرض لسريان القانون الجنائي على الأشخاص في (المطلب الثاني).

المطلب الأول: سريان القانون الجنائي من حيث المكان

الأصل أن سيادة الدولة تقتضي بأن تتمكن هذه الاخيرة من تطبيق قواعدها الجنائية على ما يرتكب فوق إقليمها من جرائم بصرف النظر عن جنسية مرتكب الجريمة، وذلك سواء كانوا مواطنين أو أجانب، وإن كانت المصلحة التي تناولتها الجريمة بالاعتداء تعود للدولة التي ارتكبت الجريمة على إقليمها أو أنها تعود لدولة أجنبية.

وحيث أن مبدأ إقليمية القاعدة الجنائية يبدو مظهرا من مظاهر السيادة للدولة على إقليمها، ومن جهة أخرى، يحقق للمجتمع الذي ارتكبت فيه الجريمة أمنه واستقراره، كما أن هذا المبدأ يحقق عنصر العدالة في الأحكام التي تصدرها المحاكم[1].

ومن المعلوم أن تطبيق النص الجنائي من حيث المكان في الأنظمة الجنائية المعاصرة، يتأثر بأربعة مبادئ أساسية:

أولا: مبدأ إقليمية النص الجنائي.

ثانيا: مبدأ عينية النص الجنائي.

ثالثا: مبدأ شخصية النص الجنائي.

رابعا: مبدأ عالمية أو شمولية النص الجنائي.

وفيما يتعلق بالقانون المغربي، فإنه يمكن القول سيطرة المبدأ الأول ” مبدأ إقليمية النص الجنائي”، وإلى جانبه تقوم المبادئ الثلاثة الأخرى، ولكن بكيفية مكملة وقانونية[2].

أولا: مبدأ إقليمية النص الجنائي.

يقصد بهذا المبدأ أن النص الجنائي المغربي -وعموما الوطني- يطبق على كل شخص ارتكب جريمة في أي منطقة خاضعة لسيادة المغرب يعاقب عليها القانون المغربي، دون اعتبار لجنسية الجاني أو المجني عليه، ولا لنوع الحق الذي وقع المساس به، فعلى سبيل المثال الشخص الذي ارتكب جريمة قتل في المغرب يعاقب بمقتضى الفصل 392 من القانون الجنائي وما يليه، سواء كان مغربيا أو أجنبيا أو لا جنسية له أصلا[3]وبرجوعنا إلى المادة العاشرة من مجموعة القانون الجنائي المغربي نجد المشرع نص صراحة على اعتناقه مبدأ إقليمية النص الجنائي من خلال نصه على أنه ” يسري التشريع الجنائي المغربي على كل من يوجد بإقليم المملكة من وطنيين وأجانب وعديمي الجنسية مع مراعاة الاستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي والقانون الدولي”.

كما أن المشرع بين بأنه يدخل ضمن إقليم المملكة بنصه في الفصل 11 من القانون الجنائي على أنه ” يدخل ضمن إقليم المملكة، السفن والطائرات المغربية أينما وجدت، فيما عدا الحالات التي تكون فيها خاضعة لتشريع أجنبي بمقتضى القانون الدولي”.

وعليه فإن إقليم الدولة يشمل سطح الأرض، كما يشمل المياه الإقليمية والأنهار التي تقطع أراضيه، وكذا البحيرات الداخلية بالإضافة إلى المجال الجوي الذي يرتفع فوق الأراضي اليابسة أو المياه الإقليمية التي تدخل تحت سيادته.

ثانيا: مبدأ عينية النص الجنائي.

المقصود من هذا المبدأ هو أن النص الجنائي الوطني يطبق في جرائم معينة، وذلك نظرا لخطورتها على مرتكبيها بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان اقترافهم لها.

هذا وعملا بالفصل 12 من القانون الجنائي الذي أحال في تطبيق مبدأ عينية النص الجنائي الوطني المغربي في بعض الجرائم التي يرتكبها الأجانب -دون المغاربة- على المادة 711 من قانون المسطرة الجنائية، نجد أن كل الجنايات الماسة بأمن الدولة التي ترتكب خارج المغرب، وكل جرائم تزييف النقود أو الأوراق البنكية الوطنية المتداولة بالمغرب بصفة قانونية يمكن متابعة الفاعلين لها والمشاركين الأصليين والمشاركين المساعدين فيها، ومحاكمتهم حسب القانون الجنائي المغربي إذا ألقي عليهم القبض بالمغرب.

ناهيك عن الفصل 198 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه ” الجرائم التي تمس بسلامة الدولة الخارجية، يطبق عليها القانون الجنائي المغربي سواء ارتكبت داخل المملكة أو خارجها.

وتجوز متابعة مرتكبيها دون تقييد بأحكام الفصول 751 إلى 756 من المسطرة الجنائية.

ويعاقب على محاولة الجنح بالعقوبة المقررة للجريمة التامة”.

وتجدر الإشارة إلى أن تشدد المشرع المغربي في تطبيق النصوص الجنائية المغربية حتى على الأجانب المرتكبين في الخارج للطائفتين السابقتين من الجرائم دون غيرها، يرجع إلى خطورة الجرائم وأن الضرر في هذه الجرائم لن يصيب سوى دولة المغرب وحده دون غيره من باقي الدول التي قد لا يهمها أن يمس كيان المغرب السياسي أو الاقتصادي، وعليه فإذا تسامح المغرب في متابعة ومحاكمة مرتكبي هذه الجرائم من الأجانب فإنهم لن ينالوا أي عقاب من أي دولة غير دولة المغرب[4].

ثالثا: مبدأ شخصية النص الجنائي.

إن المقصود بمبدأ شخصية النص الجنائي هو سريان قانون الدولة الجنائي على الجرائم المرتكبة في خارج إقليمها من قبل شخص يحمل جنسيتها، كما أنه يكون واجب التطبيق أيضا -أي النص الجنائي الوطني- على الأجانب الذين يرتكبون جرائم ضد الوطنيين في الخارج.

ويجدر التنبيه إلى أن تطبيق مبدأ إقليمية القانون الجنائي على إطلاقه، يحقق للدولة مسألة فرض سيادتها على إقليمها بشكل تام، إلا أنه بالمقابل يعجز عن التصدي للجرائم التي ترتكب خارج الدولة، وتتناول بالاعتداء رعاياها المقيمين في الخارج.

وفي هذا الإطار تظهر أهمية مبدأ شخصية النص الجنائي، في إخضاع المجرم للعقاب في دولة أجنبية وفراره إلى وطنه قبل أن يعاقبه قانون الدولة التي ارتكبت الجريمة على إقليمها، فإذا تم التمسك بمبدأ الإقليمية وحده فإن هذا الجاني يبقى بدون عقاب لأن الدولة التي يحمل جنسيتها لا تستطيع معاقبته، فإن هذا الجاني يبقى بدون عقاب لأن الدولة التي يحمل جنسيتها لا تستطيع معاقبته لأنه لم يرتكب الجريمة على إقليمها[5].

والمشرع المغربي أخذ بمبدأ شخصية النص الجنائي حينما أجاز إمكانية تطبيق النص الجنائي المغربي على كل المغاربة الذي يرتكبون في الخارج أفعالا تعتبر جناية في نظر القانون الجنائي المغربي، أو تعتبر جنحة سواء في القانون المغربي أو في نظر قانون البلد الذي ارتكب فيه، مع الإشارة إلى أن المتابعة عن الجرائم السابقة يمكن أن تجري حتى لو لم يكتسب المتهم الجنسية المغربية إلا بعد ارتكابه للجناية  أو الجنحة طبقا للمادة 709 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه ” يمكن أن تجري المتابعة أو يصدر الحكم في الحالات المنصوص عليها في المادتين 707 و708 أعلاه وفي الفقرة الثانية من المادة 711 بعده ولو لم يكتسب المتهم الجنسية المغربية إلا بعد ارتكابه الجناية أو الجنحة” وتجري المتابعة بالمكان الذي يقيم فيه الشخص المتهم أو المكان الذي عثر عليه فيه وذلك بطلب من النيابة العامة غير أنه يحيل النظر في الدعوى على محكمة بالمملكة قريبة من وقوع الجناية أو الجنحة، كما تنص على ذلك المادة 712 من قانون المسطرة الجنائية ” في الحالات المشار إليها في هذا الباب، تكون المحكمة المختصة، مع مراعاة مقتضيات المادتين 705 و 706، من محكمة المكان الذي يقيم فيه المشتبه فيه، أو محكمة آخر محل معروف لإقامته بالمغرب أو المحل الذي ضبط فيه أو محل إقامة ضحية الجريمة”.

رابعا: مبدأ عالمية -أو شمولية- النص الجنائي:

يراد بمبدأ عالمية النص الجنائي تطبيق النص الجنائي الوطني على أي فعل يكون جريمة في القانون الوطني المغربي ويكون مرتكبها مقيما في المغرب أو وقع القبض عليه فيه -أي في المغرب- مهما كانت جنسيته أو المكان الذي يكون قد ارتكب فيه جريمته.

إلا أنه بالعودة إلى نصوص القانون الجنائي المغربي، نجد المشرع قد أغفل التعرض صراحة لمبدأ عالمية النص الجنائي الوطني، سواء في مجموعة القانون الجنائي أو قانون المسطرة الجنائية.

إذ أن الفقه يرى بضرورة الأخذ بهذا المبدأ في ظل القانون المغربي، وذلك رغبة لتحقيق نوع من التعاون في الميدان الدولي في مكافحة الظاهرة الإجرامية التي استفحلت وانتشرت بشكل واسع، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب والقرصنة وترويج المخدرات[6].

خامسا: آثار الأحكام الأجنبية بالمغرب.

من المعلوم أن الحكم الجنائي الوطني البات، تترتب عنه آثار مختلفة، منها ما هو إيجابي، وتتمثل في تمتع الحكم الجنائي بالقوة الإثباتية والتنفيذية، ومنها ما هو سلبي وتتمثل في اكتساب الحكم الجنائي للحجية، بحيث لا يجوز محاكمة الشخص مجددا -أي مرتين- من أجل نفس الواقعة التي صدر فيها الحكم سابقا وأصبح باتا، ويمكن التساؤل -تكملة لدراسة حدود تطبيق النص الجنائي من حيث المكان- عن الآثار التي يمكن أن تترتب عن حكم جنائي بات صدر في بلد أو دولة أجنبية في المغرب.

والمشرع المغربي نجده في قانون المسطرة الجنائية قد تعرض -وبكيفية محدودة- لبعض الآثار الناجمة عن الحكم الجنائي الأجنبي في المغرب كما يأتي:

  • الآثار السلبية للحكم الجنائي الأجنبي:

يلاحظ أن المشرع المغربي قد خول للأحكام الجنائية الصادرة خارج المغرب حجية تمنع من محاكمة الشخص عن نفس الفعل الواحد مرتين (المفعول السلبي للحكم الأجنبي) في حالتين:

الأولى: وتتعلق بالأحكام الأجنبية الصادرة في الجنايات والجنح التي يرتكبها المغاربة في الخارج، بحيث لا يجوز متابعتهم من جديد إذا رجعوا إلى المغرب وأدلوا بما يثبت أنهم حوكموا في الخارج، وقضوا العقوبات المحكوم بها عليهم أو أنه مرت عليها آماد التقادم الجنائي أو صدر عنهم عفو في شأنها وذلك طبقا للمادة 711 من قانون المسطرة الجنائية.

الثانية: وتتعلق بالأحكام الأجنبية الصادرة في الخارج في الجنايات والجنح التي يرتكبها الأجانب بالمغرب، حيث لا يمكن أن تجري أية متابعة ضدهم إذا هم أدلوا بما يثبت أنهم حوكموا نهائيا في الخارج من أجل نفس الجناية أو الجنحة، أو إذ أدلوا في -حالة الحكم عليهم بالإدانة- بما يثبت أنهم قضوا مدة العقوبة أو أنه قد مر عليها أمد التقادم الجنائي أو صدر عنهم عفو في شأنها وذلك طبقا للمادة 711 من قانون المسطرة الجنائية.

  • الآثار الإيجابية للحكم الجنائي الأجنبي:

لقد خول المشرع المغربي الحكم الجنائي الصادر خارج المغرب أثرا إيجابيا في حالتين:

الأولى: حيث بمقتضاها يمكن للمحكمة المغربية أن تعترف بالحكم الجنائي الأجنبي كعنصر من عناصر العود إلى الجريمة، إذا تبين لها أثناء إجراء متابعة جنائية -لأجل جناية أو جنحة عادية- من تصفح السجل العدلي الخاص بمرتكب الجريمة أنه تقدم المحكوم عليه من لدن محكمة أجنبية من أجل جناية أو جنحة عادية يستوجب القانون المغربي من جهته عقاب مرتكبها، كما تنص على ذلك المادة 716 من قانون المسطرة الجنائية.

الثانية: بحيث أجاز المشرع بمقتضاها تنفيذ العقوبة المدنية -ويقصد التعويضات المدنية- الصادرة عن محكمة جنائية بالخارج شريطة صدور أمر بتنفيذها بمقتضى مقرر تصدره المحكمة المدنية المغربية تطبيقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية، كما هو منصوص عليه في المادة 717 من قانون المسطرة الجنائية[7].

المطلب الثاني: سريان القانون الجنائي على الأشخاص.

احتكاما إلى مقتضيات الفصل 10 من ق.ج، الذي جاء فيه ” يسري التشريع الجنائي على كل من يوجد بإقليم المملكة من وطنيين وأجانب وعديمي الجنسية، مع مراعات الاستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي والقانون الدولي”

فالأصل حسب الفصل أعلاه، أن القاعدة الجنائية تسري على كل من يرتكب جريمة على إقليم الدولة مهما كانت صفته أو جنسيته سواء كان مواطنا أو أجنبيا، بيد أنه ثمة اعتبارات تتعلق بمصلحة الدولة الداخلية أو الخارجية[8]. وللتوضيح أكثر، أن هذه الاعتبارات تحد من مبدأ الإقليمية، وهي إما أن تكون مقررة في القانون الداخلي (أولا) وإما من القانون الدولي (ثانيا).

أولا: الاستثناءات المستمدة من القانون الداخلي.

نص الفصل 46 من الدستور على أنه ” شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام”

بناء على الفصل أعلاه، فإن رئيس الدولة يتمتع بحصانة تامة، تساعده على أداء واجباته واختصاصاته المنصوص عليها في الدستور.

وينص الدستور المغربي، على تمتع أعضاء البرلمان بحصانة تامة بالنسبة لما يصدر منهم بمناسبة إبداء رأي أو القيام بالتصويت خلال مزاولتهم لمهامهم. أما إذا كان هذا الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك، فتجري في حقه المتابعة (الفصل 64 من الدستور).

ثانيا: الاستثناءات المستمدة من القانون الدولي.

يعتبر قانون الدولة الداخلي والاتفاقيات الدولية والعرف الدولي، أهم المصادر التي تنظم مسألة تمتع الأجانب بالامتيازات والحصانات التي تعفيهم من الخضوع لسلطان المحاكم الوطنية[9].

ومن بين الأشخاص الذين يتمتعون بالحصانة والامتيازات نذكر:

  • رؤساء الدول.

يجري العرف بين جميع الدول، أنها تمنح حصانة عامة لرؤساء الدول، أثناء مرورهم أو وجودهم داخل إقليم دولة معينة. وذلك احتراما لسيادة الدولة التي يمثلونها، كما يتمتع بهذا الإعفاء أيضا أسرهم وحاشيتهم[10].

  • المعتمدون السياسيون.

يتمتع أعضاء البعثة الدبلوماسية بحصانة تمنع من خضوعهم لقضاء الدولة، بسبب ارتكابهم لجرائم داخل إقليم الدولة المعتمدين فيها، سواء تعلقت تلك الجرائم بوظيفتهم أو بسببها، أو لم تكن ذات علاقة، كما يتمتع بهذه الحصانة أفراد أسرة هؤلاء المعتمدين.

وتسري هذه الحصانة أيضا على الموظفين الفنيين والاداريين والملحقين بالبعثة وأسرهم، إلا إذا كانوا من رعايا الدولة المعتمدين لديها، أو من الأجانب المقيمين على إقليمها بصورة دائمة[11].

وإن الغاية التي حتمت على الدول، بأن تمتع المعتمد السياسي بالحصانة هي أن تيسر له وتعمل على تمكينه من أداء واجبه دونما عائق من طرف الدولة المعتمد لديها.

ثالثا: التكييف القانوني للحصانة من الخضوع للقضاء.

إن التكييف القانوني للحصانة التي يتمتع بها المعتمدون السياسيون، يقصد به أن الدولة التي ارتكبت على إقليمها الجريمة، من طرف الأشخاص المعتمدين والمتمتعين بالحصانة التي يقررها القانون الدولي كما سلف الذكر، تكيف على أن تخول ذلك لقضاء الدولة التي يتبع لها المعتمد السياسي ومقاضاته عن جريمته طبقا لقانونها الداخلي.

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 32 مكرر مرتين من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، جاءت موضحة أيضا، حيث يفهم من مضمونها أنه لا يمنع الدولة المعتمدة من التنازل عن حصانة مبعوثها، فيخضع بذلك إلى قضاء الدولة المعتمد لديها فتجري مقاضاته أمام محاكمها.

شريطة أن يكون التنازل صريحا.

المبحث الثاني: العقوبة الجنائية بين قانون الجنسية والقانون الجنائي المغربي.

إن الرغبة الملحة في المحافظة على كيان الدولة، خصوصا بعد أن تنامت الوظائف التي أصبحت تقوم بها في الوقت الحاضر باعتبارها شخصا اعتباريا يمثل المجموع، أفرز إلى الوجود  مجموعة من الجرائم سميت بالجرائم الماسة بأمن الدولة[12]. خصوصا منها تلك المرتبطة بأمن الدولة الخارجي.

وحيث ساهمت الحرب العالمية الثانية في بروز أفعال تمثلت في التواطؤ مع العدو أو التعاون معه. بادرت جل التشريعات بالتصدي للجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي بالعقاب اللازم لمحاربتها.

وبالدراسة والاطلاع على التشريع الجنائي المغربي، نجده قد اعتمد معيارا جوهريا يتمثل في ” الجنسية ” للتمييز بين الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي، ونص في الفرع الثاني من الباب الأول المتعلق بالجناية والجنح ضد أمن الدولة. من خلال الكتاب الثالث على الأفعال التي تمس بأمن الدولة الخارجي المواد من 181 إلى 200. فإذا كان الفاعل يرمي إلى الاعتداء على سلامة وطنه فتعتبر خيانة (المطلب الأول) قراءة في الفصل 181 من القانون الجنائي ، أما إذا ارتكبها أجنبي فهي تجسس (المطلب الثاني )قراءة في الفصل 185 من القانون الجنائي .

المطلب الأول: قراءة في الفصل 181 من القانون الجنائي .

ينص الفصل 181 من القانون الجنائي المغربي على أنه :” يؤاخذ بجريمة الخيانة، ويعاقب بالإعدام، كل مغربي ارتكب في وقت السلم أو في وقت الحرب، أحد الأفعال الآتية:

  • حمل السلاح ضد المغرب
  • باشر اتصالات مع سلطة أجنبية بقصد حملها على القيام بعدوان ضد المغرب أو زودها بالوسائل اللازمة لذلك، إما بتسهيل دخول القوات الأجنبية إلى المغرب، وإما بزعزعة إخلاص القوات البرية أو البحرية، وإما بأية وسيلة أخرى.
  • سلم إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها إما قوات مغربية أو إما أراضي أو مدنا أو سفنا حربية أو منشآت أو آلات للملاحة الجوية، مملوكة للدولة المغربية.
  • سلم إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها، بأي شكل كان وبأية وسيلة كانت، سرا من أسرار الدفاع الوطني أو تمكن بأي وسيلة كانت من الحصول على سر من هذا النوع، بقصد تسليمه إلى سلطة أجنبية أو إلى عملائها.
  • أتلف أو أفسد عمدا سفنا أو آلات للملاحة الجوية أو أدوات أو مؤنا أو بنايات أو تجهيزات قابلة لأن تستعمل في الدفاع الوطني، أو أحدث عمدا في هذه الأشياء تغييرا من شأنه أن يمنعها من العمل أو بسبب حادثة، سواء كان ذلك التغيير قبل تمام صنعها أو بعده.

إنه وبالتمعن في مقتضيات وحيثيات الفصل أعلاه، خصوصا منه الفقرة الأولى، نستبين أن من أهم العناصر الواجب توفرها في مرتكب جريمة الخيانة، هو أن يكون حاملا للجنسية المغربية من خلال عبارة -كل مغربي-.

وعلى اعتبار أن التمتع بالجنسية المغربية ليس حقا شخصيا مطلقا في ملك الشخص يتصرف فيه كيف يشاء وأنا شاء، وإنما هو حق يتضمن في ثناياه واجب الولاء نحو بلده المغرب[13].

ويستوي في هذا الصدد أن تكون الجنسية المغربية في جناية الخيانة الجنسية الأصلية، أو الجنسية المكتسبة.

وتندرج الأفعال المجسدة لجريمة الخيانة طبقا للفصل 181 والفصل 182 من ق.ج. في مجموع صور، أهمها حسب الأولية كما هو مبين في الفصل 181.حمل السلاح ضد المغرب، والتي يتوجب علينا أن نتطرق أن المقصود بحمل السلاح ضد المغرب (أولا) ثم أركانه (ثانيا).

أولا: حمل السلاح ضد المغرب.

فسر الاجتهاد القضائي الفرنسي عبارة “حمل السلاح ضد فرنسا” تفسيرا واسعا لدرجة أنه عاقب كل فرنسي انضم إلى جيش أجنبي معاد، عن جناية الخيانة مهما كانت الخدمة أو العمل الذي قام به في هذا الجيش المعادي[14].

أما انطباق جريمة الخيانة، يقتضي إلى جانب حمل الجنسية المغربية، أن يحمل السلاح ضد المغرب في جيش دولة معادية، سواء في وقت الحرب أو السلم، وسواء استخدم هذا السلاح أولا[15].

ثانيا: الركن المادي لجريمة حمل السلاح ضد المغرب.

بالرجوع إلى الفقرة الأولى من الفصل 181 من ق.ج، يتبين أن الركن المادي في جريمة حمل السلاح ضد المغرب، يقوم متى كان مرتكب الجريمة مغربيا، وحمل السلاح ضد وطنه.

لذلك فالشخص لكي يدان بجريمة الخيانة -حمل السلاح ضد المغرب- يجب أن يكون مغربيا طبقا لقانون الجنسية المغربية، إما بكيفية أصلية وإما بالاكتساب وحتى في حالة حمل الجاني لجنسية مزدوجة فإنه يبقى خاضعا لمقتضيات المادة 181. اللهم إذا أثبت أنه حمل السلاح تنفيذا لقوانين دولة أخرى يحمل جنسيتها، لأنه يكون والحالة هاته منعدم القصد الجنائي.

أما إذا كان الجاني عديم الجنسية، أو في وضعية تسمح له باكتساب الجنسية المغربية، كأن يعمل المشرع المغربي على فتح إمكانية التمتع بالجنسية المغربية في أجل معين، أو بعد إقامة العائلة بالمغرب بكيفية منتظمة واعتيادية -الفصول 9-10 من ق.ج- فإن حمل السلاح من طرفهم مع توفر الشروط التي تخولهم اكتساب الجنسية المغربية لا يرقى ولا ينبغي وصفها جناية الخيانة، بعلة أن المشرع المغربي اشترط فعلا تمتع الجاني بالجنسية المغربية الفصل 181 من ق.ج.

أما عنصر حمل السلاح ضد المغرب الذي يدخل ضمن الركن المادي الذي يشكل جريمة الخيانة، فيتحقق عندما يحمل المواطن المغربي السلاح ضد بلده في جيش دولة معادية سواء خلال الحرب او وقت السلم.

كما يعتبر حاملا ” للسلاح ضد المغرب، المغربي الذي يقوم بأي خدمة من أي” نوع كانت لحساب الجيش المعادي[16].

ثالثا: الركن المعنوي لجريمة حمل السلاح ضد المغرب.

يشترط لقيام جريمة الخيانة كجناية عمدية، أن يتحقق القصد الجنائي، أي لا بد وأن يكون المواطن بشكل إرادي وبنية مسبقة على خيانة بلده، ويخرج من حكم الخائن لبلده، الجاهل بكونه مغربيا فيحمل السلاح ضد بلده، نتيجة عيب أصاب إرادته، سواء بتغليط أو تدليس إجرامي أو أنه أكره على ذلك حتى مع علمه أنه مغربي.

رابعا: التجريد من الجنسية المغربية المكتسبة بسبب ارتكاب جريمة من جرائم أمن الدولة.

التجريد أو الحرمان من الجنسية هو إجراء جزائي تنزع بموجبه الدولة من الوطني جنسيته ، لإتيانه أفعالا بعد اكتسابها . فالجنسية كما هو واضح من هذا التعريف لا تزول عن الفرد بإرادته ، و إنما بمقتضى قرار من الدولة ورغما عنه .

فما هي الأسباب التي يرتب عليها المشرع المغربي تجريد الوطني من جنسيته ؟ وما هي الشروط الواجب توافرها حتى يكون التجريد قانونيا ؟ ثم ما هي آثاره ؟ .

أ . أسباب التجريد :

جاء الفصل 22 من قانون الجنسية صريحا، ونص المشرع من خلاله، على أن مكتسب الجنسية المغربية، بالإضافة إلى العقوبة الجنائية، يطاله التجريد من الجنسية في حالة ما إذا صدر في حقه حكما بالإدانة من أجل إتيان إحدى الأفعال الآتية:

  • اعتداء أو إهانة نحو الملك أو أعضاء الأسرة المالكة.
  • عمل يعد جناية أو جنحة تمس بسلامة الدولة الداخلية أو الخارجية.
  • فعل يكون جريمة إرهابية.
  • عمل يعد جناية ترتب عنها عقوبة تزيد على خمس سنوات سجنا.
  • التهرب من القيام بالواجبات العسكرية.
  • القيام لفائدة دولة أجنبية بأفعال تتنافى مع صفته المغربية أو تمس بمصالح المغرب.

وتجب الإشارة إلى أن الجريمة الإرهابية تعد من ابتكارات قانون 62.06 فكما هو معلوم أن المشرع المغربي عقب أحداث الدار البيضاء الإرهابية بتاريخ 16 ماي أسرع بإخراج قانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب إلى حيز الوجود . بالإضافة إلى القيام بأفعال تتنافى مع الصفة المغربية أو تمس بمصالح المغرب ، فتصرف الوطني في مثل هذه الحالات يدل دلالة قاطعة على ولائه للدولة الأجنبية وعدم حرصه على مصالح المغرب الذي عاش بين أحضانه .

والملاحظ أن التجريد في المغرب هو في طبيعته عقوبة تكميلية وليس عقوبة أصلية ، ولهذا السبب فإن المشرع المغربي يعتبره إجراء اختياريا ، بدليل أنه يمكن للحكومة المغربية أن تلجأ إليه أو تكتفي فقط بما يصدر من جزاء جنائي .

ب . شروط التجريد من الجنسية .

جاء في الفصل 22 من قانون الجنسية المغربية أنه : ” لا يتم التجريد من الجنسية المغربية من أجل المؤاخذة بأحد الأفعال المذكورة أعلاه ، إلا إذا وقع القيام به داخل عشر سنوات من تاريخ اكتساب هذه الجنسية ، ولا يمكن أن يعلن التجريد من الجنسية إلا داخل أجل خمس سنوات من تاريخ صدور الحكم” .

وجاء في الفصل 23 أنه ” إذا كانت الجنسية المغربية قد خولت بمقتضى ظهير شريف ، فإن التجريد يتم كذلك بمقتضى ظهير ، أما في جميع الأحوال الأخرى فيعلن عن التجريد بموجب مرسوم يتخذه المجلس الوزاري ، ولا يجوز صدور الأمر بالتجريد من الجنسية إلا بعد إطلاع المعني بالأمر على الإجراء المنوى اتخاذه ضده وإعطائه الفرصة ليقدم ملاحظاته ” .

ومنه يتبين أنه لكي يكون تجريد الشخص من جنسيته تجريدا قانونيا ، لابد من توافر جملة من الشروط ، بعضها موضوعي ، و الآخر شكلي :

1 . الشروط الموضوعية :

أن تكون جنسيته مكتسبة ، بصرف النظر عن طريقة اكتسابها ، بحكم القانون أو عن طريق التجنيس أو عن طريق الاسترجاع .

أن يكون الفعل المبرر للتجريد قد ارتكب داخل أجل عشر سنوات من تاريخ اكتساب الجنسية المغربية ، فإن كان قد ارتكبه بعد مرور هذه السنوات ، فلا حق للدولة حينئذ في تجريده من جنسيته ،لأنها تصير محصنة والحالة هذه .

ولعل المشرع سطر هذا الشرط حتى يشعر مكتسب الجنسية المغربية بالأمان و الاستقرار،و ألا يظل مهددا طيلة حياته بالتجريد ، فمرور عشر سنوات على اكتسابه الجنسية كاف لأن يجعل الدولة تستوثق من اخلاصه واندماجه في جماعتها ، و بالتالي تجعل جنسيته محصنة غير قابلة للتجريد .

أن يقع الإعلان عن التجريد داخل أجل خمس سنوات من تاريخ صدور الحكم القضائي حسب الفصل 22 ، لا من تاريخ ارتكاب الفعل كما كان الأمر قبل تعديلات 2007 ، فإن خمس سنوات على صدور الحكم ، لم يكن للدولة حينئذ أي حق في تجريده .

2 . الشروط الشكلية :

تتمثل هذه الشروط في صدور مرسوم أو ظهير حسب الأحوال بتجريد الأشخاص من جنسيته المغربية ، ونشره في الجريدة الرسمية ، فإذا كانت الجنسية المكتسبة قد خولت بمقتضى ظهير شريف فإن التجريد منها يتم كذلك بمقتضى ظهير ، أما إذا خولت بمقتضى مرسوم وزاري أو بمقرر وزير العدل فإن التجريد يعلن عنه بمقتضى مرسوم يتخذه المجلس الوزاري .

على أنه لا يجوز صدور هذا المرسوم أو الظهير إلا بعد اطلاع المعني بالأمر على الاجراء المتخذ في حقه ، و إعطائه فرصة للدفاع عن نفسه ، و إلا كان من حقه الطعن فيه . وبالنسبة لكيفية الاطلاع على اجراء التجريد فيمكن أن تتم إما بالبريد المضمون مع الاشعار بالتوصل أو أية طريقة كانت .

ت . آثار التجريد من الجنسية .

يجرد الشخص من جنسيته المغربية من تاريخ نشر المرسوم أو الظهير حسب مقتضيات الفصل 29 من قانون الجنسية ، وبناء عليه يصير أجنبيا، فيعامل على أساس هذه الصفة.

ويمكن أن يمتد هذا الأثر إلى زوجته و أولاده القاصرين أيضا ، شريطة أن يكون هؤلاء من اصل أجنبي و محتفظين بالجنسية الأجنبية حسب الفقرة الأولى من الفصل 24 من قانون الجنسية[17].

المطلب الثاني: قراءة في الفصل 185 من القانون الجنائي المغربي.

لا مراء أن الهدف الأساسي من أي نظام قانوني هو تحقيق الاستقرار والأمن، سواء تعلق الأمر بما يروع الفرد كالقتل والسرقة، أو ما يروع جماعة إنسانية كبيرة، وهو ما يعرف بالجرائم الموجهة ضد أمن وسلامة الدولة.

والأفعال التي تمس أمن الدولة الخارجي تتخذ إما صورة جريمة الخيانة ورد ذكرها في الفصلين 181 و 182 كما هو مشار إليه أعلاه أو صورة جريمة تجسس في الفصل 185 من القانون الجنائي.

وجريمة التجسس تقوم على استقصاء المعلومات العلمية والتقنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والأمنية لدولة ما ونقلها لدولة أخرى.

ويعني التجسس لغة الاستطلاع، فيقال تجسس الخبر: استطلعه وبحث عنه، أو تفحصه بطريقة غير مشروعة وتجسس على الشخص: قام بجمع المعلومات عنه لجهة ما. وتجسس على الأعداء جمع معلومات عن جهة أو نحوها لجهة أخرى معادية. والجاسوس مفرد وجمعه جواسيس وهو: من يتجسس الأخبار ليأتي بها.

وقد نها الخالق عز وجل عن التجسس في كتابه الحكيم في سورة الحجرات فقال تعالى: “ولا تجسسوا” الآية 12. وفي اصطلاح القانون الدولي والجنائي يطلق التجسس على جمع المعلومات وتقصي أسرار الدولة لفائدة دولة أجنبية.

وقد عرف بعض الفقه التجسس بأنه: ” الدخول أو محاولة الدخول إلى الأماكن المحظورة للحصول على أشياء أو وثائق أو معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصا على سلامة الدولة، أو سرقة هذه الأشياء، أو الوثائق أو المعلومات، أو الإستحصال عليها، أو إفشائها أو إبلاغها دون سبب مشروع”[18].

وجدير بالذكر أن التجسس ارتبط بالتطور العلمي والتقني والعسكري والسياسي والأمني للدول، وهذا ما يظهر من خلال تقصي النصوص التشريعية التي تعرضت لتحديد نطاق التجسس على المستويين الدولي والداخلي.

فمثلا على المستوى الدولي نصادف المادة 29 من الاتفاقية الدولية التي أبرمت بلاهاي في 18 أكتوبر 1907 التي تقول ” لا يعتبر جاسوسا إلا ذلك الشخص الذي يعمل في الخفاء أو متنكرا بذرائع كاذبة يستقصي أو يحاول استقصاء المعلومات في منطقة العمليات الحربية التابعة لأحد الفريقين المتحاربين بقصد نقلها إلى الفريق الآخر”.

وبالرجوع إلى الفصل 185 من القانون الجنائي نجده ينص على أنه: ” يعد مرتكبا لجناية التجسس ويعاقب بالإعدام كل أجنبي ارتكب أحد الأفعال المبينة في الفصل 181 فقرة 2 و 3 و 4 و 5 والفصل 182″.

ويمكن أن نستفيد من هذا النص أعلاه أن المشرع المغربي لم يعرف جناية التجسس، وإنما اكتفى بإيراد جملة من الوقائع التي اعتبر إتيانها يشكل تجسسا. كما أن جناية التجسس ترتبط بصفة الفاعل للجريمة، هذه الصفة التي ترجع إلى طبيعة العلاقة التي تقوم بين الجاني والدولة المعتدى عليها بحسب القواعد المعروفة في الجنسية، وعليه سنتطرق لدراسة بعض الأفعال التي تشكل جريمة تجسس كالآتي:

الفقرة الأولى: الركن المادي لجريمة استعداء دولة أجنبية للقيام بالعدوان على المغرب.

هذه الجريمة تعتبر تجسسا إذا ارتكبها الأجنبي طبقا للفصل 185 من القانون الجنائي. هذا ويتحقق الركن المادي لهذه الجريمة باقتراف الجاني لأحد الأفعال المحددة بمقتضى الفقرة 2 من الفصل 181 من القانون الجنائي والتي حصرها المشرع فيما يلي:

الشرط الأول: مباشرة اتصالات مع سلطة أجنبية بقصد حملها على القيام بعدوان ضد المغرب.

وهذا هو الشرط الذي اشترطه المشرع لقيام الركن المادي في هذه الصورة من صور جرائم التجسس، والملاحظ أن مفهوم السلطة الأجنبية ينصرف إلى مفهوم الدولة الأجنبية المعادية أم لا.

والملاحظ أن المشرع أورد الاتصال بصيغة الجمع (اتصالات) إلا أن اتصالا واحدا يكفي لقيام جريمة التجسس (إذا ارتكب هذا الفعل شخص أجنبي)، لأن العبرة ليست بعدد الاتصالات، وإنما العبرة بنجاح استعداء دولة أجنبية للعدوان ضد المغرب من عدمه.

الشرط الثاني: تزويد السلطة الأجنبية بالوسائل اللازمة للعدوان على المغرب:

ويشكل هذا الشرط الصورة الثانية للنشاط الذي يقوم على أساسه الركن المادي في هذه الجريمة. وهي صورة تتحقق إما بتسهيل دخول القوات الأجنبية إلى المغرب وإما بزعزعة إخلاص القوات البرية أو البحرية أو الجوية، وإما بأية وسيلة أخرى من شأنها استعداء الدولة الأجنبية للعدوان ضد المغرب.

الفقرة الثانية: الركن المعنوي لجريمة استعداء دولة أجنبية للقيام بالعدوان على المغرب.

حتى يمكن مساءلة الشخص عن هاته الجريمة لا بد من توافر القصد الجنائي العام والخاص لديه، أي ضرورة توافر علم الجاني واتجاه ارادته إلى ارتكاب فعل مخالف للقانون الجنائي هو استعداؤه لدولة أجنبية من أجل القيام بعدوان ضد بلده المغرب.

وعليه فإنه إذا لم يستهدف هذا الاتصال أي عدوان، فلا تقوم هذه الجريمة مطلقا[19].

 

خاتمة :

صفوة القول ، أنه بالنظر لما أصبحت تمثله الجنسية للفرد من أهمية بالغة ، من حيث أنها تعرف الفرد في العلاقات الدولية بأنه مغربي أو فرنسي مثلا ، وفي نفس الوقت تحدد انتسابه لدولة معينة يرتبط بها برابط التبعية و الولاء ، وكذلك فإن الجنسية تحدد للدولة سيادتها التشريعية على مواطنيها المتواجدين بإقليمها ، أو حتى ولو كانوا يتواجدون في دولة أخرى ، وهكذا ومن خلال القانون 62.06 جعل المشرع المغربي ظهير 6 شتنبر 1958 بشأن قانون الجنسية ينسجم مع قوانين أخرى من قبيل مجموعة القانون الجنائي .

لائحة المراجع :
  • سامي النضراوي. النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي، الجزء الأول، الطبعة الأولى، 1983، مكتبة المعارف الرباط.
  • العلمي عبد الواحد، شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام، دراسة في: المبادئ العامة التي تحكم الجريمة والمجرم والعقوبة والتدبير الوقائي. الطبعة الثامنة 1439هـ/ 2018م.
  • محمد العروصي، المختصر في شرح القانون الجنائي، الجزء الثاني القانون الجنائي الخاص، الطبعة الأولى. المطبعة. مطبعة أناسي. رياض الإسماعيلية مكناس.
  • علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام.
  • عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي. القسم الخاص. الطبعة التاسعة. 2018. 1439. بدون مطبعة.
  • أحمد قيلش، مجيدي السعدية، سعاد حميدي، محمد زنون، الوجيز في شرح القانون الجنائي الخاص، الطبعة الأولى، 2016 المطبعة الأمنية الرباط.
  • حرشي، محاضرات في القانون الجنائي الخاص، الخيانة والتجسس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ضهر المهراز -فاس- السنة الجامعية 2018-2019.
  • محمد المهدي . الجنسية المغربية في ضوء مستجدات القانون 62.06 . الطبعة الأولى 2010.المطبعة . دار القلم . الرباط .
الإحالات

[1]  سامي النضراوي. النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي، الجزء الأول، الطبعة الأولى، 1983، مكتبة المعارف الرباط، ص 67.

[2]  العلمي عبد الواحد، شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام، دراسة في : المبادئ العامة التي تحكم الجريمة والمجرم والعقوبة والتدبير الوقائي. الطبعة الثامنة 1439هـ/ 2018م. ص 82- 83.

[3]  العلمي عبد الواحد، مرجع سابق، ص 83 – 84.

[4]  العلمي عبد الواحد، مرجع سابق، ص 58 -86.

[5]  سامي النضراوي، مرجع سابق، ص 73 -76.

[6]  العلمي عبد الواحد، مرجع سابق، ص 96 – 97.

[7]  العلمي عبد الواحد، مرجع سابق، ص 97 – 98.

[8]  محمد العروصي، المختصر في شرح القانون الجنائي، الجزء الثاني القانون الجنائي الخاص، الطبعة الأولى. المطبعة. مطبعة أناسي. رياض الإسماعيلية مكناس. ص 15.

[9]  علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، ص 442.

[10]  بليشينكو ويريدوف، دراسة في القانون الدولي العام، ط 1966، ص 367.

[11]  المادة 37-3، اتفاقية فيينا بخصوص العلاقات الدبلوماسية سنة 1966.

[12]  عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي. القسم الخاص. الطبعة التاسعة. 2018. 1439. بدون مطبعة، ص 15.

[13]  أحمد قيلش، مجيدي السعدية، سعاد حميدي، محمد زنون، الوجيز في شرح القانون الجنائي الخاص، الطبعة الأولى، 2016 المطبعة الأمنية الرباط، ص 54-55.

[14]  عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص 73.

[15]  محمد العروصي، مرجع سابق، ص 21.

[16]  حرشي، محاضرات في القانون الجنائي الخاص، الخيانة والتجسس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ضهر المهراز -فاس- السنة الجامعية 2018-2019، ص 8.

[17] – محمد المهدي . الجنسية المغربية في ضوء مستجدات القانون 62.06 . الطبعة الأولى 2010 . المطبعة . دار القلم الرباط . ص . 153 وما يليها .

[18] . محمد العروصي، مرجع سابق، ص 11 – 12 – 13 – 14.

[19]  أحمد قيلش، مجيدي السعدية، سعاد حميدي. محمد زنون. مرجع سابق. ص 54-55.