حدود حرية التعبير في المواضيع المرتبطة بالمقدسات الدينية

5 يونيو 2020
 حدود حرية التعبير في المواضيع المرتبطة بالمقدسات الدينية

 حدود حرية التعبير في المواضيع المرتبطة بالمقدسات الدينية

[رصد لأبرز القرارات الصادرة عن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان]

 

الـحـريــة: يرتبط هذا المفهوم ارتباطا وثيقا بجوهر الإنسان ووجوده، وهو من المفاهيم السرمدية التي لا تقبل بطبيعتها أن تكون مؤقتة أو مُعرَّضة للاستهلاك في فترة معينة ثم يبتلعها التاريخ بعد ذلك، بل كانت وستظل (الحرية) مطلبا ساميا وحاجة ضرورية يمكن للإنسان في حالات كثيرة أن يدفع مقابلها حياته، فهي شرفه العظيم وصولجانه المرصع. ذلك فإن السؤال الذي ظل مطروحا عبر التاريخ وسيظل كذلك لم يكن يتعلق فقط بهل نعيش؟ أو كيف نعيش؟ بل بكيف نعيش مع الحفاظ على المُثل العليا المؤطرة لحياتنا، والحرية على رأس هذه المثل. وعلى هذا النحو فالحرية ليست مكتسب يمكن التخلي عنه، بل هي طبيعة في الإنسان ومفترضة فيه وله حتى قبل ولادته، وهي سؤال نضالي كبير يرمي إلى صون قيمة الإنسان، وما سؤال عمر الفاروق الذي صار –فيما بعد- شعارا ثوريا على لسان كل عاقل يقف في وجه الاستبداد والاستعباد متـى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا إلا تعبير عن قيمة الحرية، باعتبارها من أهم محددات قيمة الإنسان.

إذن نحن متفقون سلفا على أهمية وقيمة الحرية لدى الإنسان، ومتفقون أيضا على أننا لا نقصد بذلك “الحرية المطلقة”، بل نقصد “الحرية المشروعة” التي لابد لها من ضوابط وحدود لكي لا تتقاطع مع حريات وحقوق الآخرين، بحيث يجب ألا تؤدي ممارستها إلى الاعتداء على حريات وحقوق الآخرين، فالحرية بدورها يجب أن تخدم النظام العام لا أن تمس به سلبا. وهو أمر ينطبق على كل الحريات الأساسية، بما فيها حرية التعبير[1].

وفي مقابل اعترافنا بالأهمية البالغة لحق حرية التعبير وقيمته السامية لدى الإنسان[2]، فإننا يجب ألا نختلف كذلك حول ضرورة احترام حقوق وحريات الآخرين بشكل عام، وتلك المرتبطة بالمجال الديني على وجه التخصيص، وأيضا ضرورة ضمان حرمة المقدسات الدينية وصونها من أي اعتداء قد يمس بها أو قد يمس تبعا لذلك بالأشخاص المؤمنين بها[3]، وحظر كل أشكال التمييز والعنصرية، إذ من غير المقبول –في مجتمع ديمقراطي- السماح بانتهاك المقدسات الدينية للآخرين أو تشويهها أو احتقارها تحت ذريعة الحق في حرية التعبير.

لكن، بما أن الممارسات الواقعية المرتبطة بهاذين الحقين لا يمكن أن تتصف دائما بالمثالية، وبحكم العلاقة الجدلية بين هاذين الحقين، وإمكانية الاصطدام بينهما، فإنه في حالات كثيرة يمكن للحق الفردي أن يتحول إلى انتهاك خطير لحقوق الجماعة إذا تجاوز حدوده المعقولة.

ولعل الأحداث التي يتابعها اليوم الرأي العام العربي (الاسلامي)، -في المغرب وتونس وسوريا وغيرها من البلدان العربية، المتعلقة بهامش حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بمواضيع ذات الصلة بالمقدسات الدينية- ليس إلا جزء من الصراعات والاصطدامات الكثيرة التي وقعت بين حرية التعبير من جهة والمقدسات الدينية من جهة ثانية، لتُطرح من جديد إشكالية حرية التعبير وحرمة المقدسات الدينية في البلدان العربية، لكن هذا ليس بالأمر الغريب، بل هو أمر حتمي لا مفر منه، مادام موضوع حرية التعبير –بصفة عامة- لم ينل في البلدان العربية حظه الكافي من النقاشات العمومية الجادة ولم تكوّن بشأنه رؤية واضحة.

وفي هذه الدراسة المتواضعة سنحاول رصد أبرز القرارات الصادرة عن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ذات الارتباط بحرية التعبير في علاقتها بالمقدسات الدينية، من خلال استعراض أبرز القضايا التي عرضت على هذه المحكمة في هذا الشأن[4]. وفق منهج (بسيط) يقوم على جمع المعلومات من مصدرها الموثوق ومحاولة تلخيصها وتبسيطها للقارئ، مع التمسك بِصفات الأمانة العلمية والحياد والموضوعية الملازمة للبحث العلمي.

أولا: قضية أ.س ضد النمسا AFFAIRE S. c. AUTRICHE[5]:
  1. وقائع القضية وموقف المحاكم الوطنية منها:

أدلت سيدة نمساوية E.S في إحدى الندوات التي عُقدت من طرف أحد الأحزاب النمساوية سنة 2009 تحت عنوان “أساسيات الإسلام” (Grundlagen des Islams) بتصريحات “مستفزة” حول النبي محمد وسيرته وإيمان المسلمين به، وواقعة زواجه من السيدة عائشة التي كانت أصغر منه سنًا، كما ناقشت بعض الأحاديث في صحيح البخاري … فتم تقديم شكوى بهذه السيدة وفُتح التحقيق في مواجهتها في 11 فبراير 2010 وتم الاستماع إليها من طرف الشرطة القضائية بخصوص هذه الواقعة.[6]

وفي 20 غشت 2010 حرك المدعي العام المتابعة في مواجهتها من أجل جريمة التحريض على الكراهية طبقا للمادة 283 من القانون الجنائي النمساوي، لكن أثناء محاكمتها قررت المحكمة تغيير وصف الجريمة من جريمة التحريض على الكراهية المعاقب عليها بالمادة 283 القانون الجنائي النمساوي إلى جريمة تشويه مذاهب دينية المعاقب عليها بالمادة 188 من القانون الجنائي، وخلصت المحكمة إلى أن المتهمة مذنبة لأنها شوهت علانية الحرمة المفترضة للدين والمجتمع المتدين به عندما مست بمحمد نبي الإسلام بأسلوب تحقيري صورته من خلاله بأنه كان لديه “نزوات جنسية تجاه الأطفال”، بشكل يمكن أن يثير السخط المشروع لدى المسلمين. كما أكدت المحكمة على أن مثل هذه التصريحات لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبارها ضمن حرية التعبير المكفولة بموجب المادة 10 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، لكونها تعتبر انتهاكا جسيما لروح التسامح الذي يتأسس عليه المجتمع الديمقراطي، وبالتالي وجب على دولة النمسا الحفاظ على السلام الديني.

وهو الحكم الذي استأنفته المحكوم عليها، متمسكة بأن نيتها لم تتجه نحو احتقار شخصية النبي محمد أو إهانة المسلمين إنما قدمت مجرد معطيات وليس أحكام قيمة، وأن تصريحاتها لم تتجاوز حقها في التعبير المحمي بموجب المادة 10 من الاتفاقية، فأصدرت محكمة الاستئناف قرارها بتاريخ 20 دجنبر 2011 الذي أيدت بموجبه الحكم الابتدائي وتبنت تعليلاته، وفي 16 أبريل 2012 طعنت المحكوم عليها بالنقض في القرار الاستئنافي الصادر في مواجهتها ليقرر المجلس الأعلى النمساوي رفض طلبها بتاريخ 11 دجنبر 2013.

فقررت المواطنة النمساوية E.S المُدانة عرض قضيتها على أنظار المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ضد الدولة التي تنتمي إليها، وهو ما قامت به بالفعل، استنادا إلى المادة 34 من اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وأسست طلبها على المادة 10 من الاتفاقية.

  1. موقف المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان من القضية:

بعد أن تم عرض القضية على أنظار المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، بطلب من السيدة (E.S) وبعد أن أدلت هذه الأخيرة بحججها ووسائل طعنها في القرار الصادر في مواجهتها، وأدلت الدولة النمساوية بحججها كذلك لتبرير إدانتها للطالبة، وبعد أن أدلى كذلك المركز الأوروبي للقانون والعدالة بوجهة نظره بخصوص القضية، قررت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بالإجماع قبول الطلب شكلا، أما في الموضوع فقد قضت بأن وقائع هذه القضية ليس فيها أي خرق للمادة 10 من الاتفاقية.

وعللت المحكمة موقفها بأن مقدمة الطلب تجاوزت بتصريحاتها تلك حدود حق حرية التعبير المضمون بموجب المادة 10 السالفة الذكر، وانتهكت المقدسات الدينية للآخرين واحتقرتها، وأن المحاكم النمساوية كانت محقة في قراراتها التي تهدف إلى تكريس التسامح والسلام الدينيين والتعايش السلمي بين الجماعات الدينية وغير الدينية، ونبد التعصب وازدراء الأديان وكل أشكال التمييز والتحريض على الكراهية التي تشكل أحد أهم الأسس التي يقوم عليها المجتمع الديموقراطي، وأكدت على أن المحاكم الوطنية في هذه القضية وازنت بدقة -بما لها من سلطة تقديرية واسعة النطاق لقياس وقائعها- بين حق مقدمة الطلب في حرية التعبير وبين حقوق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية والحافظ على السلام الديني في الدولة، وبذلك تكون المحاكم المحلية سعت إلى تحديد الخط الفاصل بين النقد المقبول للمذاهب الدينية وتشويه سمعتهم، مما تكون معه (المحاكم المحلية) محقة حين اعتبرت أن تصريحات مقدمة الطلب كانت ذات طبيعة استفزازية ومسيئة وسببت سخطًا مبررًا بين المسلمين، وأيدت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ما خلصت إليه المحاكم المحلية في هذه القضية من كون تلك التصريحات المتنازع بشأنها تبتعد في صياغتها عن الحياد والتجرد ولم يكن الهدف منها مجرد مساهمة موضوعية في النقاش العام حول “زواج القاصرات” بل تجاوزت الطالبة في ذلك الانتقادات المقبولة في إطار نقاش موضوعي وأهانت نبي الإسلام بشكل قادر على تفاقم الأحكام المسبقة ومخاطر السلام الديني والتحريض على التعصب الديني.

ثانيا: قضية Wingrove وفيلمه “Visions of Ecstasy”  [7]:
  1. وقائع القضية وموقف السلطات البريطانية منها:

تتعلق وقائع هذه القضية بفيلم قصير تحت عنوان Visions of Ecstasy للمخرج السينمائي  Nigel Wingrove، هذا الفيلم الذي لا يتعدى ثمانية عشر دقيقة، ولا يتضمن أي حوار، فقط صور وموسيقى تصويرية، استلهم قصته من حياة “القديسة تيريزا”، تدور أحداث هذا الشريط حول شابة ترتدي لباس الراهبات (ترمز إلى تريزا) لكن شبه عارية، بحيث تظهر بعض مفاتن جسمها، تبدأ بفعل بعض الحركات الغامضة تمزج بين الإيحاءات الجنسية مع إقحام المسيح في القصة، بحيث بعد أن قدّم Wingrove فيلمه هذا إلى المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام l’Office des visas للموافقة والتأشير على إصداره وتوزيعه رفض المجلس التأشير عليه بعلة أن الفيلم يسيء إلى الديانة المسيحية ونتهك حرمة المقدسات الدينية للمسيحيين، من خلال مسه بنوع من البذاءة برموز الديانة المسيحية، فقام Wingrove بالطعن في هذا القرار أمام مجلس الطعون الذي بعد أن اطلع على محتوى الفيلم قرر رفض طعنه بأغلبية الأصوات لكون الفيلم يشكل إساءة للدين المسيحي والمسيحيين.

وبتاريخ 18 يونيو 1990 قدم Wingrove طلبا إلى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ضد المملكة المتحدة، تأسيسا على المادة 10 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، اشتكى من خلاله بأن رفض منحه تأشيرة لفيلمه Visions of Ecstasy كان بمثابة تدخل من طرف أجهزة الدولة في حريته في التعبير.

  1. موقف المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان من القضية:

بتاريخ 10 يناير 1995، بعد أن اطلعت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان على الفيلم موضوع المنازعة، وبعد أن استمعت إلى حجج كل أطراف القضية، خلصت بأغلبية الأصوات (أربعة عشر صوتا مقابل صوتين[8]) إلى اعتبار القرارات المتخذة من طرف السلطات البريطانية بخصوص هذا الفيلم لها ما يبررها وأنه لا يمكن اعتبارها تعسفية أو مجحفة، بل كانت ضرورية بالنسبة لمجتمع ديمقراطي بالمعنى المقصود في الفقرة 2 من المادة 10 من الاتفاقية، وصرحت في منطوق قرارها بأنه لم يكن أي انتهاك للمادة 10 في هذه القضية، معللة قرارها بأن حق حرية التعبير وإن كان محميا بموجب المادة أعلاه فإن ممارسته تنطوي على واجبات ومسؤوليات، تتجلى في سياق المعتقدات الدينية في الالتزام قدر الإمكان بتجنب كل أشكال التعبيرات التي من شأنها أن تكون مسيئة للمقدسات الدينية للآخرين ومشاعرهم الدينية.

  • ثالثا: قضيةO-P-I ضد النمسا[9]:
  1. وقائع القضية وموقف السلطات النمساوية منها:

في عام 1985 أعلنت جمعية (OPI) [10] عن عرض فيلم Das Liebeskonzil  (مجلس في السماء) للمخرج Werner Schroeter، ونُشر هذا الإعلان على نطاق واسع وأُرفِق بنص ساخر يفسر قصة الفيلم على أنها محاكمة هزلية تستهدف بعض الأنماط العبثية والتافهة في العقيدة المسيحية بطريقة كاريكاتورية وعلاقة المعتقدات الدينية بالقمع الدنيوي الممارس (حسب الإعلان) مع الإشارة إلى أن الفيلم ممنوع على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن سبعة عشر عامًا.

أثار هذا الإعلان سخط رجال الكنسية، فقدموا شكوى إلى السلطات النمساوبة، وبتاريخ 10 ماي 1985 أقام المدعي العام الدعوى الجنائية في مواجهة السيد Dietmar Zingl  و هو مدير جمعية OPI من أجل تهمة احتقار مذاهب دينية المنصوص عليها وعلى عقوبتها في المادة 188 من القانون الجنائي النمساوي. وبعد المتابعة بيومين قررت محكمة Innsbruck حجز الفيلم المذكور ومنع عرضه في القاعات السينمائية بناء على طلب من المدعي العام، فطعن مخرج الفيلم (Dietmar Zingl) بالاستئناف في قرار الحجز إلا أن محكمة الاستئناف رفضت طعنه معللة قرارها بأن حرية التعبير في المجال الفني مقيدة بضرورة احترام حقوق الآخرين وعدم انتهاك مقدساتهم الدينية، وأنه من الواجب على الدولة أن تحمي المجتمع على أساس النظام والتسامح، مضيفة أن السخط الذي أثاره الفيلم يبرر اعتماد المادة 188 من القانون الجنائي كأساس للإدانة إذا تحققت المحكمة من أن هدف المخرج كان هو الاعتداء على المشاعر الدينية لأشخاص المعنيين، وأكدت كذلك على أن شروط الأمر بالحجز متوفرة في هذه النازلة والقرار القاضي بها كان قانونيا ومحقا فيما قضى به.

وفي تاريخ لاحق وبعد أن عُرض الفيلم على أنظار المحكمة في جلسة مغلقة، وبعد أن سجلت المحكمة تنازل موزع الفيلم عن حقوقه وأبدى موافقته على إتلاف نسخته من الفيلم، أصدرت المحكمة أمرها بمصادرة الفيلم لكونه يقدم صورة استفزازية للدين المسيحي من خلال تجسيد دور “الله” كشيخ أحمق وعاجز، وتجسيد المسيح ومريم في صور توحي بالاستهزاء والاستخفاف بالمعتقدات المسيحية، وهو ما اعتبرته المحكمة بمثابة هجوم خطير على الديانة المسيحية، ولأجل ذلك اعتبرت تطبيق المادة 188 من القانون الجنائي على هذه النازلة له ما يبرره.

استأنف السيد Dietmar Zingl حكم المحكمة الإقليمية، وأرفق مقاله الاستئنافي بعريضة موقعة من طرف حوالي 350 شخصاً احتجوا على أنهم مُنعوا من الوصول بحرية إلى عمل فني، وإشارتهم إلى أن المادة 188 من القانون الجنائي لم يتم تفسيرها بما يتماشى مع ضمان حرية التعبير في مجال الفن المنصوص عليها في المادة 17 من القانون الأساسي. وبتاريخ 25 مارس 1987 قررت محكمة الاستئناف في “إنسبروك” عدم قبول الاستئناف، لانعدام صفة الطاعن في الدعوى ولكون صاحب حقوق الطبع والنشر الخاصة بالفيلم المعني قد تنازل عن دعواه. وقد تم الطعن في هذا القرار بعد ذلك من طرف وزيرة التعليم والفنون والرياضة آنذاك، الدكتورة Hilde Hawlicek، حيث التمست من المحكمة العليا إبطال القرارات المتخذة لكون الابداع الفني محمي بموجب المادة 10 من الاتفاقية الأوربية حقوق الانسان والحريات الأساسية، ليتم بتاريخ 26 يوليوز 1988 رفض الطلب من جديد.

  1. موقف المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان من القضية:

وبتاريخ 6 أكتوبر 1987 قدمت جمعية OPI طلبا للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، تدعي من خلاله بأن حجز فيلم Das Liebeskonzil ومصادرته من طرف السلطات النمساوية قد أدى إلى انتهاك حقها في حرية التعبير على النحو الذي تضمنه المادة 10 من الاتفاقية، وبعد عرض القضية على أنظار المحكمة وبعد استماعها لحجج كل الأطراف، وبعد أن وضحت المحكمة بأن القضية المعروضة على أنظارها تستوجب تقييم المصالح المتضاربة بشأن ممارسة حريتين أساسيتين مكفولتين بموجب الاتفاقية، وهما حق الجمعية (OPI) مقدمة الطلب في نقل الآراء الخلافية العامة، ثم حق الأشخاص المهتمين في التعرف على هذه الآراء من جهة (المادة 10 من الاتفاقية)، وحق الأشخاص الآخرين في الاحترام المناسب لحريتهم في الفكر والمعتقدات والدين ومنع الاضطراب من جهة أخرى (المادة 9 من الاتفاقية)، وأنه لن يتحقق ذلك إلا بضرورة مراعاة هامش التقدير المتبقي للسلطات الوطنية، التي يقع على عاتقها واجب حفظ التوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والمجتمع ككل، بما يضمن مقومات المجتمع الديمقراطي. لتقرر بأغلبية الأصوات (ستة أصوات مقابل ثلاثة)[11] وهي تجيب عن سؤال: مدى اعتبار القرارات المتخذة في هذه القضية من طرف السلطات النمساوية (الحجز والمصادرة) تَدَخُلًا في حرية التعبير؟ ففيما يتعلق بحجز الفيلم رأت بأنه إجراء ضروري في مجتمع ديمقراطي يحفظ حقوق الآخرين ويشكل تدخلا مبررا بموجب الفقرة الثانية من المادة 10 من الاتفاقية، لأن الدولة بالقدر الذي تتحقق به مسؤوليتها عن ضمان حق حرية التعبير فهي مسؤولة كذلك عن ضمان السلام الديني وحماية حقوق الآخرين، وهو نفس الحكم الذي خلصت إليه المحكمة بخصوص المصادرة، وبالتالي لم تجد المحكمة أي انتهاك للمادة 10 فيما يتعلق بالحجز على الفيلم أو مصادرته.

  • رابعا: قضية İ.A ضد تركيا[12]:
  1. واقع القضية وموقف المحاكم التركية منها:

في نونبر 1993 أشرفت دار النشر (Berfin) على إصدار الطبعة الأولى من كتاب « Yasak Tümceler » (جُمل ممنوعة) للمؤلف “عبد الله رضا إركوفن” (في ألفي نسخة) تطرق هذا الكتاب لأسئلة فلسفية ولاهوتية بنوع من “الجرأة” «Dieu, la Religion, le Prophète et le Livre Sacré « ليخلف وراءه هذا الكتاب جدلا واسعا في تركيا، مما دفع بالمدعي العام إلى فتح تحقيق بخصوص هذه الأفعال، وبتاريخ 18 أبريل 1994 وجه المدعي العام الاتهام إلى مدير دار النشر (İ.A) من أجل جريمة إهانة مقدسات دينية طبقا للمادة 175 من القانون الجنائي التركي بسبب نشر الكتاب المذكور، واستندت مذكرة الاتهام إلى تقرير أعده خبير في اللاهوت (Salih Tuğ) خلص فيه إلى أن الكتاب يتناول مواضيع إلحادية تُنكر الإيمان والوحي الإلهي وتختزل الدين في مجرد فكرة خيالية “بدائية” وتُعبر عن “الله” بطريقة استفزازية واحتقارية …[13] وهذا ما اعتبره الخبير يتجاوز الحرية المسموح بها في الأفكار الفلسفية ويشكل استهزاءً واحتقارا وتشويها لسمعة الدين الإسلامي والله والنبي محمد، ليختتم الخبير تقريره بأن العناصر التكوينية للجريمة المنصوص عليها في المادة 175 من القانون الجنائي متحققة في هذه النازلة، (العنصر المادي متحقق في فقرات الكتاب، والعنصر المعنوي يمكن استنتاجه من خلاله عنوان الكتاب).

وبتاريخ 28 يونيو 1993 قام المتهم (İ.A) بالطعن في تقرير الخبرة أمام المحكمة العليا بإسطنبول، وشكك في حياد الخبير، وادعى أن مؤلَفه كان ينبغي أن يتم تحليله من قبل الكتاب الأدبيين، والتمس من المحكمة إجراء خبرة مضادة، فقبلت المحكمة ملتمسه وعينت خبيرا آخرا للقيام بمهمة فحص محتوى الكتاب، وقد خلص الخبير الثاني إلى نفس الخلاصات التي أقرها الخبير الأول، فطعن المتهم من جديد في تقرير الخبرة الثاني وادعى أنه تقليد للتقرير اﻷول، وأن كتابه لم يتضمن أي إهانة أو إحتقار بالمعنى المقصود في المادة 175 من القانون الجنائي، وأنه يعكس الأفكار الفلسفية لمؤلفه.

وبتاريخ 28 ماي 1996 أصدرت محكمة الموضوع حكمها وعاقبت المتهم بسنتين حبسا وغرامة، وقررت تخفيف العقوبة في حقه وحصرها في الغرامة فقط (قدرها 3 291 000 ليرة تركية، أي ما يعادل 16 دولارًا أمريكيًا آنذاك)، مستندة في ذلك على خلاصات تقرير الخبير الثاني، وفي 3 سبتمبر 1996 طعن المتهم في الحكم أمام محكمة النقض وأسس طعنه على نفس ادعاءاته السابقة، وفي 6 أكتوبر 1997 أصدرت محكمة النقض قرارها القاضي برفض طلبه وتأييد الحكم المطعون فيه.

  1. موقف المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان من القضية:

تقدم السيد (İ.A) بطلب إلى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ضد تركيا، أسسه على المادة 10 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، مدعيا بأن حريته في التعبير المضمونة بموجب المادة السابقة قد تم انتهاكها من طرف المحاكم التركية، وبعد استماع المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان لحجج الأطراف، قررت بأغلبية الأصوات (أربعة أصوات مقابل ثلاثة)[14] بأن هذه القضية لم يتم انتهاك المادة 10 فيها، وعللت موقفها بأن الأفكار التي تضمنها الكتاب موضوع المنازعة لم تشكل مجرد إساءة أو صدمة عادية أو مجرد استفزاز للرأي العام الإسلامي فحسب، بل شكلت في عمقها هجوم مُهين ضد نبي الإسلام وقذف وازدراء في حقه وفي حق المسلمين، وبناء على ذلك، رأت نفس المحكمة بأن الإجراءات المتخذة من طرف السلطات التركية بخصوص هذه القضية كانت تهدف إلى توفير الحماية من الهجمات الشرسة وغير المعقولة على مقدسات المسلمين، وأن إدانة المسؤول عن النشر في هذه القضية فرضتها “الحاجة الاجتماعية الملحة”، ورأت أيضا بأن المحكمة التركية راعت مبدأ التناسب من خلال فرضها غرامة متناسبة مع الأهداف المنشودة من التدخل وكذلك من خلال عدم مصادرتها لهذا الكتاب، وخلصت في الختام إلى أنه لا يمكن القول بأن السلطات التركية تجاوزت سلطتها التقديرية المبررة في هذا الصدد، ذلك لأن الأسباب التي قدمتها المحاكم المحلية كافية لتبرير الإجراءات المتخذة في مواجهة المتهم، ولذلك لم يكن هناك أي انتهاك للمادة 10 من الاتفاقية.

  • خامسا: قضية الرسوم “المسيئة” للإسلام[15]:
  1. وقائع القضية وموقف السلطات الدنماركية منها:

في 17 سبتمبر 2005 ، نشرت الجريدة الدنماركية Politiken، مقال بعنوان “خوف عميق من انتقاد الإسلام” تناولت فيه الصعوبات التي واجهها مؤلف كتاب “القرآن وحياة النبي محمد” وفي اليوم 30 من نفس الشهر والسنة نشرت جريدة دنماركية أخرى “Morgenavisen Jyllands-Posten” اثني عشر رسما كاريكاتوريا[16]، معظمها رسوم كاريكاتورية للنبي محمد[17]، وأرفقت ذلك بنص توضيحي تتلخص أفكاره في الصراع الذي تُواجهه حرية الصحافة مع المسلمين واعتبرت ذلك بمثابة تعارض مع الديمقراطية العلمانية وحرية التعبير.

وبعد محاولات كثيرة قام بها سفراء 11 دولة مسلمة من أجل تسوية الوضع وسحب تلك الصور، والتي باءت بالفشل، تقدمت عدة منظمات إسلامية بشكاية إلى الشرطة الدنماركية ضد هذه الجريدة على أساس أن هذه الأخيرة ارتكبت في حق المسلمين جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي الدنماركي (المادة 140) وهي الاحتقار والازدراء والسخرية العلنية بالدين الإسلامي.

وبتاريخ 6 يناير 2006، أصدر المدعي العام الإقليمي (le parquet régional) أمره بعدم إقامة الدعوى الجنائية ضد الجريدة، فقامت المنظمات الإسلامية المذكورة باستئناف هذا الأمر أمام المدعي العام (procureur général) الذي رفض الاستئناف وأيد الأمر فيما قضى به من عدم إقامة الدعوى الجنائية ضد الجريدة المذكورة، معللا أمره بأن وقائع القضية تدخل في نطاق حرية الرأي والتعبير المضمونة للصحافة ولا يمكن قمعها بمجرد جرأتها على دعوة الرسامين إلى رسم النبي محمد وتمثيلهم لوضعية المرأة في الإسلام من خلال رسوم كاريكاتورية، وبخصوص النموذج رقم 2 الذي يمثل رسم كاريكاتوري للنبي محمد يرتدي “عمامة على شكل قنبلة” فقد علله المدعي العام بأنه يحتمل قراءات عديدة، ويمكن تحليله بأنه مجرد مساهمة في النقاش العمومي الحالي المرتبط بالإرهاب وارتكاب العنف والهجمات بالأسلحة والقنابل باسم الدين (الاسلام) وبالتالي فهو لا يستهدف (حسب رأيه) شخص النبي (باعتباره رمزا للدين الاسلامي) بل يستهدف ويدين الجماعات الإسلامية التي تقوم بأعمال إرهابية باسم الدين.

  1. موقف المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان من القضية:

في نفس السنة (2006) تقدم مواطن مغربي ويعيش في المغرب (أصالة عن نفسه وتمثيلا للجامعة الوطنية المغربية لحماية المستهلك، والجمعية المغربية لحماية الطفل ودعم الأسرة) بطلب إلى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ضد السلطات الدنماركية مستندا في ذلك على المواد 9 و 10 و 14 و 17 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وادعى أنه (وباقي المسلمين)، تعرضوا للتمييز من قبل السلطات الدنماركية لكونها سمحت بنشر رسوم مسيئة للنبي محمد وللدين الاسلامي، لا سيما الكاريكاتير الذي يمثل النبي على أنه إرهابي يحمل قنبلة في عمامته.

إلا أن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان رأت بأن أحد الشروط الشكلية لقبول الطلب غير متوفر، ولأجل ذلك قضت (بالإجماع) من حيث الشكل بعدم قبول الطلب، وعللت موقفها هذا بكون الجهة التي تقدمت بالطلب تعيش في دولة المغرب، وأنه لقبول هذا الطلب لابد من ثبوت إقامة وسكنى مقدم الطلب ضمن “الولاية القضائية” للدنمارك، بحسب ما تستوجبه المادة 1 من الاتفاقية[18].

استنتاجات عامة:

من خلال القضايا السالفة الذكر -وقضايا أخرى- يتضح أن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان تعتمد في مواقفها على السوابق القضائية التي سبق أن أقرتها في مواضيع مشابهة، (مع مراعاة خصوصيات بعض القضايا)، وكونت رصيدا مهما من القواعد بهذا الخصوص، يمكن تلخيص أهمها فيما يلي:

. حق حرية التعبير مضمون لكل شخص، ويشكل الأصل في الإنسان ولا يمكن تقييده أو قمعه إلا من باب الاستثناء، تطبيقا لقاعدة الواجبات والمسؤوليات المرافقة لممارسة هذا الحق، وهي التي حددتها الفقرة الثانية من المادة 10 من الاتفاقية: “إذا نص القانون على تقييد هذا الحق، أو إذا كان هذا التقييد ضروريا في مجتمع ديمقراطي، أو حافظا على النظام العام (مصلحة الأمن الوطني، السلامة الإقليمية أو السلامة العامة، للوقاية من الاضطراب أو الجريمة، لحماية الصحة أو الآداب أو ضروريا لحماية سمعة وحقوق الآخرين) [19]، أو لمنع الكشف عن المعلومات السرية، أو للحفاظ على سلطة ونزاهة القضاء”.

.  الاعتراف للدول بهامش كبير من الحرية في تقدير الوقائع، لتحديد مدى تجاوز حق حرية التعبير لحدوده المعقولة من عدمه، مع الحرص على ضمان التعايش السلمي والتسامح المتبادل بين جميع الأديان والجماعات المتدينة بالرغم من اختلاف المذاهب والمعتقدات (السلام الديني) وكذلك بين أولئك الذين لا ينتمون إلى أي مجموعة دينية.

. ضرورة اعتماد مبدأ التناسب بين ممارسة حق حرية التعبير وضرورة حمايته من جهة، وحماية حقوق الآخرين وحرمة مقدساتهم الدينية من جهة ثانية، وفي حالة التعارض تحديد المصالح الأَولى بالحماية مع مراعاة ظروف الزمان والمكان ووزن طبيعة ودرجة النتائج التي خلفها أو من المحتمل أن يخلفها هذا الاصطدام بين الحقوق.

ويُستنتج -كذلك- من خلال ما سبق عرضه، أن كل محاولة لإيجاد الخيط المفقود الذي تنتهي عند حدوده حرية التعبير في المواضيع المرتبطة بالمقدسات الدينية لن تنال رضى الجميع، مهما تُحقِقه من ارتقاء على مقياس الاجتهاد، ذلك لارتباط هذا الموضوع بالقناعات الوجدانية التي قد تختلف من جماعة إلى أخرى، بل قد تختلف بين أفراد نفس الجماعة، ولعل تحفظ قضاة المحكمة الأوربية لحقوق الانسان في قضايا عديدة وإبدائهم آراء مخالفة عن آراء زملائهم ضمن نفس التشكيلة (قضية İ.A ضد تركيا وقضية OPI ضد النمسا على سبيل المثال) دليل على ذلك، ليبقى السبيل المثالي للتوفيق بين ممارسة هاذين الحقين على مستوى الواقع هو حسن قراءة منظومة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وفهمها بنوع من الشمولية وتجنب تجزيئها، (فحق حرية التعبير لا يُقرأ بمعزل عن باقي الحقوق والحريات الأخرى)، هذا فضلا عن تبني المنطق المقاصدي أثناء القراءة والفهم، باستحضار الغاية من سن هذه الحقوق والحريات، بحيث متى وقعت ممارسة لحق معين من حقوق الإنسان بشكل حقق أو سيحقق نتائج معاكسة للغاية من سن منظومة حقوق الإنسان، فإنه ينبغي التدخل بالطرق المشروعة وبشكل مناسب لتقييد هذا الحق بما يضمن الغاية منه والمنظومة ككل.

الإحالات 

[1] – نظرا لقيمة هذا الحق فقد تم تكريسه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص على أنه “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها واذاعتها بأية وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية “، ليصبح تضمين هذا الحق الكوني في الدساتير الداخلية للدول ضرورة مُلحة وسؤال أخلاقي كبير، والمغرب أعلن بدوره على لسان ملكه بمناسبة إلقاء الخطاب المتعلق بالدستور بتاريخ 17 يونيو 2011 عن اختياره للسير في طريق تكريس حقوق الإنسان، بتأكيده على ضرورة مناهضة كل أشكال التمييز والممارسات المهينة للكرامة الإنسانية وكذا ضمان حرية الرأي والتعبير”، وهو نفس الاختيار الذي تم تكريسه في تصدير الدستور الجديد وأصبح مُلزما للمملكة المغربية، وتم تخصيص فصل مستقل داخل الدستور لهذا الحق الكوني (الفصل 25 من دستور 2011).

[2] – يُنظر إلى حرية التعبير على أنها من بين أسمى الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، لأنها قوام حق الإنسان في الاختيار (اختيار أفكاره وآرائه بكل حرية، واختيار أشكال التعبير عنها والإعلان عنها، وعن القناعات المختلفة التي يرى فيها مصلحته أو مصلحة غيره من الأفراد تجاه موضوع معين)، ولن يبالغ أي واحد منا إن قال بأن حرية التعبير كانت ولازالت إلى يومنا هذا من بين أبرز المعايير الكونية الأساسية لتقييم وقياس منسوب الديموقراطية داخل كل بلد معين، إذ كلما اتسع وعاء ممارسة هذا الحق –طبعا مع احترام الحدود المعقولة- واحترام الآخرين له –أفراد ومجتمع، بما في ذلك الدولة- فإن ذلك يعطي انطباع واضح على أن الدولة ديموقراطية وتحترم “الإنسان” وكذلك الشعب، والعكس بالعكس.

-ينبغي أيضا إن نشير إلى أن الواقع أفصح عن مجموعة من الممارسات، تؤكد بأن حرية التعبير مفهوم مطاطي، يتمدد نطاقه ويضيق بحسب خصوصية كل مجتمع معين (المرجعيات والثقافة) في زمن معين، فهو من المفاهيم الظرفية التي تتأثر حدودها بظرفي المكان والزمان، بحيث إن بعض الأفعال التي تشكل ممارسات معقولة لحق حرية التعبير في بلد معين قد تشكل تجاوزا لهذا الحق وانتهاكا لحقوق الآخرين في بلد آخر، بل قد يحصل هذا الانتقال والتداخل داخل نفس البلد في حالات كثيرة.

[3] – وفي هذا السياق تنص المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه: “لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع الجماعة، وأمام الملأ أو على حدة”.

[4] – قبل عرض هذه القضايا، نرى أنه من الضروري أن نشير إلى أن الإطار القانوني المرجعي للدفع بانتهاك حق حرية التعبير أو الدفع بعدم انتهاكه أمام هذه المحكمة، هو المتمثل في المادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.

تنص هذه المادة في فقرتها الأولى على أن الحق في حرية التعبير مضمون لكل شخص. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء وتلقي ونقل المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة وبغض النظر عن الحدود. لا تمنع هذه المادة (10) الدول من المطالبة بترخيص مؤسسات البث أو التلفزيون أو السينما”.

بينما بينت الفقرة الثانية من نفس المادة القيود الواردة على هذا الحق بنصها على أنه “قد تخضع ممارسة هذه الحريات، بما أنها تنطوي على واجبات ومسؤوليات، إلى تلك الإجراءات أو الشروط أو القيود أو العقوبات التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لمصلحة الأمن الوطني، السلامة الإقليمية أو السلامة العامة، للوقاية من الاضطراب أو الجريمة، لحماية الصحة أو الآداب، لحماية سمعة أو حقوق الآخرين، لمنع الكشف عن المعلومات السرية، أو للحفاظ على سلطة ونزاهة القضاء”.

[5] – affaire E.S. c. Autriche Cour européenne des droits de l’homme 25 OCTOBER 2018 no 38450/12. arrêt publiée sur le site : www.hudoc.echr.coe.int .

[6] – للاطلاع على التصريحات الحقيقية (كما أدلت بها هذه السيدة) راجع الفقرة رقم 13 من القرار. – منشور بالموقع الالكتروني الرسمي للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان المشار إليه أعلاه.

[7] – AFFAIRE WINGROVE c. ROYAUME-UNI. Cour européenne des droits de l’homme 25 novembre 1996 N° 17419/90. arrêt publiée sur le site : www.Dalloz.fr .

[8] – راجع آراء القضاة الأربعة الملحقة بالقرار، والمتمثلة في رأيين متوافقين مع الأغلبية الأول للقاضي BERNHARDT والثاني للقاضي PETTITI، أما الرأيين الآخرين المعارضين فالأول للقاضي DE MEYER والثاني للقاضي LOHMUS .

[9] -Affaire OTTO-PREMINGER-INSTITUT c. AUTRICHE 20 September 1994 no. 13470/87. arrêt publiée sur le site : www.hudoc.echr.coe.int .

[10] – جمعية غير ربحية تحت اسم Otto-Preminger-Institut für audiovisuelle Mediengestaltung أُنشئت في “إنسبورك” Innsbruck النمساوية وفقًا للقانون، هدفها العام هو تعزيز الإبداع والتواصل والترفيه عبر وسائل الإعلام السمعية والبصرية.

[11] – أُلحِق بالقرار رأيين مخالفين للقاضي PEKKANEN   والقاضي MAKARCZYK، راجع القرار المنشور على الموقع الرسمي للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.

[12] – l’affaire İ.A. c. Turquie , Cour européenne des droits de l’homme 2e section 13 septembre 2005 N° 42571/98 , arrêt publiée sur le site : www.Dalloz.fr .

[13] – للاطلاع على فقرات الكتاب كما هي، راجع الفقرة 13 وما يليها من القرار الصادر عن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، المشار إليه أعلاه.

[14] – بخصوص الرأي المخالف للأغلبية، والمشترك بين القضاة الثلاثة: (COSTA و CABRAL BARRETO و JUNGWIERT) فقد تم تضمينه كملحق بالقرار الصادر في الموضوع.

[15] – Affaire BEN EL MAHI ET AUTRES c. DANEMARK Cour européenne des droits de l’homme. arrêt publiée sur le site : www.Dalloz.fr .

[16] – النموذج رقم 2 هو الذي أثار السخط والجدل لدى المسلمين، ويتعلق برسم كاريكاتوري للنبي محمد يرتدي عمامة فوق رأسه على شكل قنبلة.

[17] – نشير إلى أن نشر هذه الرسوم (واستنساخها في بعض البلدان الأخرى) أثار في ذلك الوقت وبعده جدل واسع واحتجاجات ومظاهرات عارمة ومقاطعات من جانب المستهلكين على المستوى الدولي، وخاصة في العالم الإسلامي.

[18] –  L’article 1 de la Convention est ainsi libellé : « Les Hautes Parties contractantes reconnaissent à toute personne relevant de leur juridiction les droits et libertés définis au titre I de la (…) Convention.»

[19] – التحريض على العنف يقع خارج نطاق حق حرية التعبير. – راجع بهذا الخصوص:

– Affaire Sürek c. Turkey 8 July 1999 (Cour européenne des droits de l’homme), paragraphes 40 et 62. arrêt publiée sur le site : www.hudoc.echr.coe.int  .

– كذلك التحريض على الكراهية والعنصرية لا يمكن اعتبارهما داخل نطاق حرية التعبير. – راجع بهذا الخصوص:

– Affaire VEJDELAND et autres c. SWEDEN, 9 February 2012 (Cour européenne des droits de l’homme). arrêt publiée sur le site www.hudoc.echr.coe.int .

– Affaire NORWOOD c. ROYAUME-UNI, 16 Novembre 2004 (Cour européenne des droits de l’homme). arrêt publiée sur le site : www.hudoc.echr.coe.int .

– Affaire KÜHNEN c. GERMANY, 12 May 1988 (Cour européenne des droits de l’homme). arrêt publiée sur le site : www.hudoc.echr.coe.int .