دور الرقمنة في تطوير مهنة المحاماة

28 مايو 2020
دور الرقمنة في تطوير مهنة المحاماة

دور الرقمنة في تطوير مهنة المحاماة

لقد أصبحت الرقمنة واقعا يفرض نفسه على جمع القطاعات، و من المنتظر ان تكون قوة ستحول العالم الذي نعيش فيه و الفاعلون الجدد للاقتصاد الرقمي، و يبدو أن اي قطاع او نشاط اقتصادي كيفما كان سوف لن يستطيع أن يبقى خارج السرب التكنولوجيا بما في ذلك المهن الفكرية و مهنة المحاماة من بينها.

و حيث إن مهنة المحاماة لا تشكل استثناء من الميل نحو هذا التحول الاقتصادي و الاجتماعي و التكنولوجي الذي تعرفه الساحة العالمية، فالرقمنة أضحت اليوم تحت هيمنة التطور المعلوماتي و العادات الجديدة لدى المستهلك و الزبون و الموكل و جاءت أعمال جديدة قطيعة  مع الماضي  لقلب السوق و فرض اقتراحات قيم غير مسبوقة للتكنولوجيات الجديدة و إقحام مناهج جديدة للشغل.

و كان الكاتب ريشارد سوسكين قد عنونة احد كتبه حول “نهاية المحامين” بالطبع فان العنوان  لا يعكس مضمونه و لا يتعلق بتاتا بنهاية المحامي بل القطع مع النموذج التقليدي للممارسة المهنية و الانفتاح على العالم التكنولوجي لما له من مزايا و الايجابيات. فالتكنولوجيا حسب رأي الكاتب ليست عدوا للمحامي بل تتيح له ممارسة المحاماة بشكل مخالف و بكيفية أكثر فعالية و بكلفة أقل.

فكل هذا مرده الى تطوير مدارك المحامي في مجال المعلوميات و ما له من التأثير الايجابي على المهنة بصفة خاصة و على قطاع العدالة بصفة عامة. فقد بلغ صدى أهمية هذه التقنية بصفة استعجالية في ظل الازمة الصحية التي يعيشها العالم و أثرت سلبا على جل القطاعات فحتى المهنة المحاماة لم تسلم من انعكاساتها. و إذ اك صار السؤال المطروح ما هي التحديات التي يواجهها المحامي في استعمال الوسائط الالكترونية في مجال عمله و ما وقعها على تطوير المهنة؟ و ما هي الوسائل العمل الجديدة التي يمكن أن تحدث تطورا في الممارسة المهنية في ظل ظهور فاعلين جدد في تقديم الخدمات القانونية؟

من خلال ما سبق نرى تقسيم الموضوع الى فقرتين اثنتين كما يلي :

الفقرة الاولى: تجسيد واقع مهنة المحاماة أمام التورة الرقمية

الفقرة الثانية: أهمية مواقع التواصل الاجتماعي للخدمات المحامي

  الفقرة الاولى: تجسيد واقع مهنة المحاماة أمام التورة الرقمية

ان الحديث عن هذا الموضوع الوسائل التواصل الاجتماعي او الثورة الرقمى بصفة عامة و انعكاسها على مهنة المحاماة يستلزم الوقوف على اهم التحديات التي يواجها المحامي في التعامل هذا النوع من الوسائل التواصل الاجتماعي الدخيلة على أصحاب البدلة السوداء) النقطة الاولى(، و كذا مساءلة تصرف المحامي بمدى تجسيد الاعراف و التقاليد المهنة بتعامله بهذه الوسائل) النقطة الثانية( .

 النقطة الاولى: التحديات التي تواجهها مهنة المحاماة أمام الثورة الرقمية

لقد باتت الثورة الرقمية او ما يصطلح عليه بالدكاء الاصطناعي تحديا بالفعل للمحامي بصفة خاصة و منظومة العدالة بصفة عامة.

ان الحديث عن الثورة الرقمية و  مدى تأثيرها على مهنة المحاماة او منظومة العدالة لا يقتضي بالضرورة دون الاشارة الى الدور الذي أصبح يشكله الدكاء الاصطناعي في تأطير لما يسمى العدالة التنبؤية ، اذ ستصير الالة قادرة على تحليل معطيات نازلة و التنبؤ بالحكم الذي سيصدر فيها هو ما يشكل تحديا و تهديدا على وجود مهنة المحاماة وكذا القضاء على بعض المهن القضائية كذلك[1].

فلا شك ان الريادة العالمية في مجال الدكاء الاصطناعي تتركز في الضفة الاخرى للبلدان الشمال و الذين يعتبرون ان مهنة المحاماة مجرد خدمة سواء كانت قدمت مباشرة او عن طريق الوسائط الالكترونية و معيار الفرق بين هذين الطريقتين هو معيار الجودة و معيار العرض و الطلب.

ذلك أن الدكاء الاصطناعي سواء بواسطة رقمنة الخدمات أو وسائل المعدة لذلك من شأنها تطوير من عناصر فعالية و العطاء المحامي. مع احترام القيم الاخلاقية و خصوصية مهنة المحاماة بما فيها الاعراف و التقاليد المهنة و القوانين الداخلية و القانون المنظم للمهنة.

و هذا ما يدفعنا بالقول انه بات من المفروض و ليس اختيار تغير نظرة المحامي للتعامل من الوسائط الالكترونية و ان كانت هذه الوسائل الجديدة لا تحاكي المحامي سواء على مستوى الاخلاقي و بالخصوص ما بات يعرف buzz على مواقع التوصل الاجتماعي او على مستوى تقاليدها. للذك فمهنة المحاماة  التي لا تترجل عن صهوة أعرافها و تقاليدها بحيث لا يمكن تصور مهنة المحاماة خارج مجالها الحيوي التي تشكله الاعراف و التقاليد التي كما توارثها أجيال المحامين.

ان من بين التحديات التي تواجهه المحامي ايضا بعلاقته بالوسائط الالكترونية هو انعدام الوعي او الادراك بالأثار الرقمنة على ممارسة مهنتي المحاماة.

فاليوم أصبحت العديد من الدول تستخدم برمجيات خاصة لتقرير الاجراءات القضائية سواء في شقه الجنائي أو المدني و التجاري. بحيث أصبح لها تطبيق في مجال باحتساب احتمال الخطر القانوني و اعطاء فرضيات عن بعض الاجراءات الواجب اتخذها.

فبفعل استعمال الدكاء الاصطناعي و استخدام برمجيات خاصة للتنبؤ ما يسمي العدالة التنبئية و الذي بدى يغري كل الفاعلين و تفكيرهم الى الاستغناء عن خدمات المحامي سواء في مجال الاستشارات أو المنازعات.

لكن فبالرغم من كل هده التحديات التي تم سردها فالعدالة بمفهومها الكوني تبقي غير قابلة لتوقع و التحديد مسبقا لارتباطها الوثيق بالإبداع الحسي للإنسان و المحامي و القاضي على وجه الخصوص.

 النقطة الثانية: دور الوسائط الالكترونية في ترسيخ الاعراف و التقاليد

ان مهنة المحاماة لن تكون بعيدة عن  مبدأ التأثر و التأثير و لن تكون بمعزل عن التطورات الرقمية – التعامل بواسطة الوسائل التواصل الاجتماعي- التي من شأنها تغير العديد من أشكال الممارسة في مهنة المحاماة التي تحكمها اعرافها و تقاليدها متجذرة و ضاربة في القدم.

فهذه التحديات الجديدة جعلت البعض يرى أنه يصعب على المحامين تحديد الاخلاقيات و المبادئ عبر الشبكات المفتوحة. فهل يستطيع المحامي في ظل الثورة المعلوماتية الحفاظ على مكتسبات الاعراف و التقاليد في الممارسة خدماته في العالم الافتراضي؟

ان أهم ما يهدد عمل المحامي عبر الانترنيت بصفة عامة و وسائل التوصل الاجتماعي بصفة خاصة خطر القرصنة و الاختراق الغير المشروع من طرف الغير للمراسلات و الوثائق المتبادلة بينه و بين زبونه الامر الذي يقوض من امكانية الحفاظ المحامي على السر المهني و معطيات الشخصية لزبون[2].

فالمحافظة على السر المهني من طرف المحامي من أوجب الواجبات، و من الاسس التي تنبني عليه الاعراف و التقاليد التي تمنع على المحامي أن يفشي أي سر من الاسرار فهو بمفهوم النظرية العامة للعقد مدين بالكتمان المطلق لموكله بحيث لا يمكن ان يسلم  اي معلومة للغير المودعة إليه.

فالمحامي إذن ملزم باحترام و حماية السر المهني و أسرار موكليه باعتباره التزاما مقدسا لا يسقط مهما كانت الظروف، و مطلقا غير مقيد الا باستثناءات ضيقة جدا التي لها علاقة بالنظام العام.

لقد عملت بعض التشريعات على وضع بعض التوجهات للحفاظ على السر المهني عبر شبكة الانترنيت و ذلك من خلال بذل عناية معقولة لتحديد طريقة الاتصال التي على ضوئها يمكن المحافظة على سرية المعلومات.

فقانون  رقم 28/08 المنظم للمهنة المحاماة نص في الفقرة الاخيرة من المادة 35  على امكانية انشاء موقع الالكتروني عبر شبكات المعلومات الانترنت.

فهدف المشرع من اقرار امكانية فتح المواقع الالكترونية للمحامي هو توفير خدمات قانونية عبر الانترنيت و لمواكبة التطورات الرقمية، و كذا المساهمة في مشروع رقمنة قطاع العدالة بما فيها المحكمة الرقمية.

و تمكن ايضا هذه الامكانية للمحامي ان يقوم بعمليه اشهار خدماته عبر الانترنيت التي يجب ان تكون بعناية دقيقة لأن القواعد التي تحكمه تختلف على نطاق واسع و في اطار الاعراف التقاليد المهنة و قانون المنظم للمحاماة[3].

و تجدر الاشارة الى أن موقع المحامي عبر شبكة الانترنيت يجب أن لا يضع عبارات تدليلية تساعد موقعه في الظهور للوهلة الاولى على محركات البحث.

الفقرة الثانية: أهمية مواقع التواصل الاجتماعي للخدمات المحامي

   ففي زمن تكنولوجيا المعلومات و الاتصال أصبح انشاء مواقع الكترونية على شبكة الانترنيت سواء تعلق الامر بالبريد الالكتروني او انشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للمحامي من الضروريات في ظل المنافسة التي اضحت تهدد مهنة من غير المختصين بالمجال القانوني إضافة الى مواكبة التطور الحاصل في التبادل الالكتروني بهدف تسخير هذه الوسائل لتحقيق خدمات قانونية أفضل.

النقطة الاولى: دور مواقع الالكترونية في تطوير خدمات المحامي

يشهد عالم القانون في الآونة الاخيرة ظهور عروض خدمات قانونية عبر الوسائط الالكترونية اما بواسطة مكاتب المحامين المنفتحين على هكذا نوع من المواقع او بواسطة فاعلين اقتصادين جدد يقترحون عروضا للخدمات القانونية منهم مكاتب الاستشارات القانونية او مكاتب الدراسات.

فهذه النظرة الكلاسكية الى المحامي قد أصبحت مهزوزة بقوة بسبب قدوم فاعلين تجديديين الى السوق. بحيث استطاعوا أن يستبقوا الحاجات من القانون و التقدمات و التكنولوجية التي أسهمت في تألية نشاطات كانت ذات مردودية في الماضي و ضغط الزبناء الذين يستلزمون مزيدا من الخدمات و بأقل كلفة .

فتقاعس المحامي عبر  العالم قد فتح المجال امام هؤلاء الفاعلين الجدد”legaltechs” ( التكنولوجيات في خدمة القانون) و قد ظهرت في الولايات المحتدة في السنوات الالفية و تتضمن فاعلين لا مناص من خدماتهم اليوم.

و قد تولدت عن هذه المنافسة الى اعتماد مقاربة جديدة للعلاقة مع الزبون التي يمكن للمحامين ان يستوحوا منها أن يبنوا بصددها على التجديد التكنولوجي و ذلك لانماء أدوات و مناهج عمل لمواكبة التطورات التكنولوجية.

و على إثر كل هذه التطورات يمكن ابراز أهمية مواقع التواصل الاجتماعي للخدمات المحامي في تحقيق الاتصال المباشر و الفوري مع الزبناء إضافة وعيهم بكل الخدمات المقدمة لهم .

كما تتيح أيضا هذه المواقع تكوين شبكات اجتماعية مع العملاء المستهدفين ليس فقط على المستوى الوطني لكن يمكن الوصول الى العملاء أخرين في دول متعددة مما يتح للمحامي فرصة التعاون المشترك مع شركات متعددة الجنسيات أو دولية.

إضافة الى هذا تساعد المواقع المحامي بنشر المعلومات الخاصة بالخدمات القانونية و التي قد تكون عبارة عن الاستشارات ذات قيمة بالنسبة للزبناء.

و خلاصة القول ان الوصول الى محام قادر على استعمال الوسائط الكترونية لابد من اتخاد بعض التدابير التي من شأنها رفع نجاعة مواكبة المحامي لهذه التطورات منها الزام المحامين بالتكوين المستمر بخصوص هذا المجال . و كذا الحسم بالقطع مع الدعامة الوقية ففي نطاق المحكمة الرقمية يفترض عدم تداول الدعامة الورقية و تعويضها بالدعامة الالكترونية.

النقطة الثانية: استعمال المحامي للوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية

في سياق الازمة الصحية التي يعيشها المجتمع الدولي عامة و المملكة المغربية خاصة قفز الاهتمام بما يصطلح عليه الجلسة الرقمية، وتسابق بعض المحاكم لتحقيق سبق عقد الجلسات في ظل غياب مريب للمهن المساعدة للقضاء من محامين و المفوضين قضائيين التي لم تظهر لهم اي بصمة  في هذا المسلسل، في حين أن اطلاق هكذا مشروع كان ينبغي ان يكون عاما في انطلاقته مؤطر في  منهجيته و الياته و واضحا في أهدافه.

لقد أصبحت الرقمنة هاجسا أمام الادارة القضائية تنام على ذكره و تستيقظ على سيرته، بالرغم من كونها مجرد املاءات مفروضة عليه لتحسين ترتيبه الدولي في برنامج ممارسة انشطة الاعمال التابع للببنك الدولي .

فالنسبة للمحامي فمشروع استعمال الوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية مهم له في طبيعة عمله لكونه يتيح له عدة مزايا بالرغم من سلبياتها منها :

  • الايداع الالكتروني لمقالات الدعوى بطريق الدعامة الالكترونية
  • أداء الرسوم القضائية عن طريق الدعامة الموجهة لهذا الغرض
  • الاطلاع على نسخ الاحكام و سحبها دون الهاب الى المحاكم
  • سحب طيات التبليغ الكترونيا .

و الخلاصة أن استعمال المحامي للوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية و الجلسات الرقمية لا يمكن ان تتحقق بالوجه الصحيح الا بوضع نواه المحكمة الرقمية عبر مدخلها الحقيقية و منها:

  • وضع اطار تشريعي و لك بالتنصيص في كل من المسطرة المدنية و الجنائية و قانون المنظم للمهنة المحاماة و الباقي المهن المساعدة للقضاء على استعمال الوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية,
  • تجهيز جمع المحاكم بالوسائل اللوجستكية و التقنية و البشرية للقيام بهذا الغرض
  • القيام بدورات تكونية لفائدة الاسرة القضاء من قضاة و محامين و باقي المهن

لقد حاولنا من خلال هذه الدراسة لموضوع استعمال المحامي للمواقع التواصل الاجتماعي محاولة استجلاء الغموض المحيط به، و من ثم تسليط الضوء على أهم اشكالات القانونية التي يطرحها و بعد هذه الدراسة المتواضعة أمكننا الخروج بمجموعة من الاستنتاجات:

  • ندعوا الزملاء المحامين للاستخدام الفعال و الامثل لتكنولوجيا المعلومات والاتصال من أجل توفير الجهد و الكلفة و تحقيق نجاحات في المهنة
  • الدعوة الى مواجهة المنافسة التي أصبحت تشنها مواقع الكترونية للخدمات القانونية التي ليست لهم أية صلة بمهنة الدفاع و لم يمارسوا القانون بالمرة، بل استغلالهم ضعف استعمال المحامين لهذه التقنية
  • انشاء شبكات معلوماتية أمنة بين المحامين كما هو الحال في الدول الغربية تيسر وتسرع من تأمين عدالة سريعة و فعالة
  • الدعوة الى فتح نقاش وطني لإبراز أهمية الرقمنة في الممارسة المهنة

 

[1]  ذ محمد مشيشي العلمي الادريسي” لهت القانون وراء تهافت العلم و التكنولوجيا “مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 156  سنة 2017

[2]  ان العديد من الخبراء يشككون في أمن الانترنيت للتفصيل راجع مقال ذ الخاميس فاضيلي ” تقاليد و أعراف مهنة المحاماة في زمن الانترنيت” منشور بمجلة المحاكم امغربية عدد 151 سنة 2016 ص 54

[3]  إذ تنص المادة 35 من قانون 28/08 المنظم لمهنة المحاماة على أنه لا يجوز للمحامي أن يمارس أي عمل يستهدف جلب الاشخاص و استمالتهم و ان يقوم باي اشهار كيفما كانت وسيلته